نشرت وكالة Bloomberg الأمريكية تقريراً حول تكثيف العديد من الدول النفطية في المنطقة مبيعات أصول النفط لديها، وتقول الوكالة إن كل المملكة السعودية والإمارات وقطر وعُمان باتت تسرع في غضون أسابيع قليلة، من خططٍ بمليارات الدولارات لبيع أصول الطاقة أو إصدار سنداتٍ منها.
وفي ختام هذا الاتِّجاه قال وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يوم الثلاثاء 27 أبريل/نيسان، إن المملكة تُجري مباحثاتٍ مع "شركة طاقة عالمية" مجهولة الهوية لبيع حصة تبلغ قيمتها 20 مليار دولار في شركة النفط السعودية الحكومية أرامكو.
ماذا يعني ذلك لاقتصادات هذه الدول النفطية؟
يسلِّط هذا التحوُّل الضوء على كيفية استفادة البلدان في منطقةٍ تضم ما يقرب من نصف احتياطيات النفط في العالم من الانتعاش في أسعار الطاقة بعد الانهيار الناجم عن فيروس كورونا المُستجد العام الماضي، لتعزيز مواردها المالية المتعثِّرة.
والتحوُّل العالمي إلى الطاقة الصديقة للبيئة يضيف فقط إلى هذه الدفعة، حيث تطلب الحكومات أموالاً جديدة للاستثمار في قطاعاتٍ جديدة وتنويع اقتصاداتها. ويستغل المستثمرون، الذين تعثَّروا بسبب أسعار الفائدة المنخفضة القياسية، هذه الفرصة.
يقول جوستين أليكساندر، كبير الاقتصاديين في شركة MENA Advisors الاستشارية، ومقرها المملكة المتحدة، لوكالة بلومبيرغ: "من المنطقي أن تبيع هذه الدول حصصاً عندما تكون التقييمات جيِّدة". وأضاف: "بعض هذه الحصص حصص مالية، وبعضها اعترافٌ متزايد بسرعة انتقال الطاقة والحاجة إلى تحقيق قيمة من هذه الأصول".
وشهد مصدِّرو النفط في الشرق الأوسط تضخُّماً في عجز ميزانيتهم وصل إلى 10.8% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، من 3% في العام 2019، وفقاً لصندوق النقد الدولي. وتقلَّصَ الناتج المحلي الإجمالي في المملكة السعودية والإمارات وقطر بأكبر قدرٍ في حوالي ثلاثة عقود.
أرامكو السعودية وأدنوك الإماراتية
كانت أرامكو السعودية أكبر منتجٍ للنفط الخام في العالم، وأدنوك، التي تضخُّ تقريباً كل النفط والغاز في دولة الإمارات، أكثر الشركات الحكومية نشاطاً في المنطقة. بدأت كلتا الشركتين الخصخصة قبل الجائحة، مع إدراك أرامكو في سوق الأوراق المالية في الرياض عام 2019، وباعت أدنوك جزءاً من أعمال توزيع الوقود في أواخر العام 2017، أيضاً من خلال طرحٍ عام أوَّلي.
ومنذ ذلك الحين ازدادت الصفقات من حيث العدد والتعقيد، كما زاد التركيز على الأموال الأجنبية. وفي 10 أبريل/نيسان، قالت أرامكو إن مجموعةً تقودها الولايات المتحدة ستستثمر 12.4 مليار دولار في خطوط أنابيب النفط. ومن جانبها، تخطِّط أدنوك للاكتتاب العام لوحدات الحفر. ويأتي ذلك بعد سلسلةٍ من المعاملات، اعتباراً من يونيو/حزيران 2020، شهدت استثمار شركات مثل Brookfield Asset Management وApollo Global Management، حوالي 15 مليار دولار في خطوط أنابيب الغاز والعقارات التابعة للشركة التي تتَّخِذ من أبوظبي مقراً لها.
ويرى الأمير محمد، الحاكم الفعلي للمملكة السعودية، أن أرامكو جزءٌ رئيسي من رؤية 2030، المشروع الكبير المُصمَّم لتعزيز كلِّ شيءٍ من السياحة إلى الاستثمار في حدائق الطاقة الشمسية والمستحضرات الصيدلانية. ولدى الشيخ محمد بن زايد من الإمارات أفكارٌ مماثلة لأدنوك، وفي مارس/آذار مَنَحَ نفسه مزيداً من السيطرة على الشركة لاستخلاص المزيد من الأموال منها.
البيع والخصخصة مع حفاظ السيطرة على الأصول
وسط فورة النشاط، كانت الشركات حريصةً على هيكلة المعاملات بحيث لا تفقد سيطرتها على الأصول البارزة. وعندما تُباع الشركات التابعة فإنها تحتفظ بالجزء الأكبر من الأسهم، ومن خلال صفقات خطوط الأنابيب، عرضت أرامكو وأدنوك حقوق التأجير لمدة عقود بدلاً من حقوق الملكية المباشرة. ويعمل بنك Moelis & Co مستشاراً لكلتا الشركتين.
وقال بِن كاهيل، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "أدركت شركات النفط الخليجية أنها تستطيع بيع أجزاء وأجزاء من إمبراطوريتها، وجميع الأموال دون التخلي عن السيطرة، بالنسبة للشركات والحكومات يُعَدُّ هذا نموذجاً جيِّداً".
وفي أماكن أخرى في الخليج تستغل شركة قطر للبترول، وشركة النفط العمانية OQ SAOC سوق السندات الدولارية لأول مرة. وتسعى قطر للبترول بما يصل إلى 10 مليارات دولار لزيادة قدرتها على تصدير الغاز الطبيعي المُسال.
وتُعَدُّ قطر من بين أغنى دول العالم بالنسبة للفرد الواحد، وربما تكون الحكومة في الماضي قد موَّلَت المشروع البالغة قيمته 29 مليار دولار باستخدام أموالها الخاصة. وقالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في تقريرٍ لها نهاية أبريل/نيسان، إنها تحاول الآن تقليل عبء الديون الذي تضخم العام الماضي. وتسمح الاستفادة من الشركات المملوكة للدولة للحكومة بزيادة ميزانيتها العمومية.
عُمان تلتحق بركب خصخصة أصول النفط
باعت شركة OQ العمانية، الأربعاء 28 أبريل/نيسان، 750 مليون دولار من سندات اليورو لمدة سبع سنوات. وقد تحذو شركة تنمية الطاقة في عمان، وهي شركة حكومية أخرى، حذوها في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام، حيث تسعى لجمع ثلاثة مليارات دولار من الديون.
وهذه الخطط هي جزءٌ من هزَّةٍ واسعة النطاق لقطاع النفط منذ وصول السلطان هيثم بن طارق إلى السلطة قبل أكثر من عامٍ بقليل. وهو يسعى لجذب التمويل الأجنبي وإنعاش الاقتصاد المُنهَك.
في غضون ذلك، تدرس مؤسَّسة البترول الكويتية، المملوكة للدولة، أول سنداتٍ دولية لها. وسيكون هذا جزءاً من استراتيجيةٍ لاقتراض ما يصل إلى 20 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة لتعويض النقص المُتوقَّع في الإيرادات.
المزيد من الخصخصة في قطاعات النفط
من المُرجَّح أن تمثِّل مبيعات الأصول والديون نصيب الأسد من الصفقات المستقبلية، وفقاً لحسنين مالك، رئيس أبحاث الأسهم في شركة Tellimer، وهي شركة مقرها لندن وتقدِّم تحليلاتٍ للأسهم الناشئة.
وقال مالك، الذي غطَّى أسواق الشرق الأوسط لأكثر من 20 عاماً: "يبدو أن توريق التدفُّقات النقدية المستقبلية وإصدار السندات، وكذلك مبيعات الأسهم الخاصة، طريقةٌ أقل إرهاقاً بكثير لجمع التمويل من المستثمرين الدوليين من بيع الأسهم عبر الاكتتاب العام". وأضاف: "إنهم يدركون عن حقٍّ أن قاعدة المستثمرين ذوي الدخل الثابت والأسهم الخاصة أكبر من قاعدة الأسهم الإقليمية".
وفي الوقت الحالي، يبدو أن المستثمرين الأجانب، الذين نادراً ما كانت لديهم مثل هذه المجموعة من الخيارات لوضع أموالهم في نفط وغاز الشرق الأوسط، سعداء بجمع الأموال. وقال كاهيل: "هناك بالتأكيد المزيد في المستقبل. شركات النفط الوطنية تراقب بعضها البعض وتلتقط بعض الحيل الجديدة".