أثار قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تأجيل الانتخابات الفلسطينية لحين ضمان مشاركة القدس فيها، عقب اجتماع عقدته القيادة الفلسطينية في رام الله، الخميس 29 مايو/أيار 2020، الكثير من الجدل في الساحة الفلسطينية، إذ اعتبرته حركة حماس "انقلاباً على مسار الشراكة والتوافقات الوطنية".
وإلى جانب حركة حماس، رفضت قرار التأجيل فصائل وقوائم انتخابية فلسطينية عديدة، من بينها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعدد من القوائم المسجلة للانتخابات التشريعية، وفي المقابل رحّبت حركة فتح بالقرار وبعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. فمن هم المستفيدون من هذا التأجيل؟ وما تبعات قرار عباس؟
تأجيل الانتخابات الفلسطينية.. العودة إلى المربع الأول
من وجهة نظره، يرى عباس أن قرار تأجيل الانتخابات التشريعية جاء "لحين ضمان سماح السلطات الإسرائيلية مشاركة مدينة القدس المحتلة"، مؤكداً أن القرار "يأتي بعد فشل كافة الجهود الدولية بإقناع إسرائيل بمشاركة القدس في الانتخابات".
وأوضح عباس أن بلاده "لن تجري الانتخابات دون مدينة القدس المحتلة"، مشيراً إلى أن هناك "رسائل وصلت من إسرائيل بأنهم لا يستطيعون إعطاء جواب (بشأن إجراء الانتخابات في القدس) لعدم وجود حكومة إسرائيلية تتخذ قراراً بهذا الشأن"، حسب تعبيره.
لكن المعارضين لهذا القرار يقولون إن عباس الذي يقود حركة فتح يتخذ من القدس حجة لتأجيل أو إلغاء الانتخابات خوفاً من الخسارة أمام حركة حماس، وذلك في ظل انقسام وحالة تشظٍّ تشهدها فتح.
ويواجه عباس تحديات من قياديَين مفصولَين من حركة فتح هما ناصر القدوة ابن شقيقة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومحمد دحلان، وكلاهما شكّل قائمة لخوض الانتخابات. وبتأجيله للانتخابات يستفيد عباس من قطع الطريق على القدوة ودحلان بتقسيم حركة فتح وإظهار حجمها الحقيقي في الشارع الفلسطيني.
ويصف خبراء فلسطينيون، قرار عباس بتأجيل الانتخابات بـ"انتكاسة"، والعودة إلى مربع الانقسام الأول. وبحسب هؤلاء الخبراء فإن الحالة الفلسطينية ستشهد توتراً سياسياً، وإن قرار التأجيل قد يعني إلغاء الانتخابات بشكل كامل.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، لوكالة الأناضول إن "الحالة الفلسطينية ستصاب بانتكاسة على مستوى العلاقات الداخلية، والحقوق والحريات، مع قرار تأجيل الانتخابات، لأنها جاءت بمرسوم رئاسي كمنحة للشعب".
مضيفاً: "نخشى أن عملية التأجيل ليست مقتصرة على عقد الانتخابات التشريعية، بل على كل ما جاء في حوارات القاهرة وإسطنبول بشأن العلاقات الداخلية الفلسطينية بين كافة الفصائل".
ووفق مرسوم رئاسي، كان من المقرر أن تجرى الانتخابات الفلسطينية على 3 مراحل خلال العام الجاري: تشريعية (برلمانية) في 22 مايو/أيار، ورئاسية في 31 يوليو/ تموز، وانتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس/آب.
رفض شعبي وفصائلي في الضفة الغربية وقطاع غزة لقرار عباس
بدورها أعربت حركة المقاومة الإسلامية حماس، الجمعة، عن رفضها قرار الرئيس الفلسطيني؛ حيث قال المتحدث باسم الحركة، سامي أبوزهري، في تغريدة عبر "تويتر": "نرفض قرار حركة فتح تأجيل الانتخابات الفلسطينية".
وأضاف أبوزهري: "نعتبره إعلان هزيمة أمام القوائم الأخرى، وهو يمثل تنكراً للإجماع الفلسطيني، واستغلالاً للشماعة الإسرائيلية للتغطية على الهزيمة".
بدورها أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عن رفضها تأجيل الانتخابات. وقالت الحركة في بيان لها، إنّ "قرار تأجيل الانتخابات يضع علامة سؤال على مدى جديّة الفريق المتنفّذ والمُهيمن على منظمة التحرير الفلسطينيّة حول إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنيّة وبناء منظمة التحرير الفلسطينيّة، فقد صيغت المراسيم في البداية بحساباتٍ فئويّة تجعلنا غير مستغربين هذا القرار".
وقبيل إعلان عباس تأجيل الانتخابات نظمت في مدينة رام الله، وقفة احتجاجية على توجه القيادة الفلسطينية لتأجيل الانتخابات، شارك فيها العشرات.
"عباس لم يخلق أي ضغط ضد إسرائيل لإقامة الانتخابات في القدس"
يقول الخبير الشوبكي إن التصريحات التي صدرت عن فصائل فلسطينية بينها "حماس"، قبيل إعلان عباس قرار التأجيل، تشير إلى توتر في العلاقات الداخلية وخاصة بين حركتي "حماس"، و"فتح".
وتابع أن "المطلوب البدء بحراك وطني يفضي إلى التراجع عن سلوك القيادة الفلسطينية السياسي، بما أن الاحتلال لم يسمح بعقد الانتخابات، وأن تطالب الفصائل بشكل قوي ببديل لحل الدولتين"، حسب تعبيره.
وزاد الشوبكي قائلاً: "حل الدولتين قام على أساس أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وهو ما لم تلتزم به إسرائيل، الرئيس لم يعلن فشل حل الدولتين لكن السلوك الإسرائيلي يعلن الفشل". وشدد على أنه "يتعين على القوى الفلسطينية خلق حل بديل لحل الدولتين".
ووصف الشوبكي خطاب الرئيس الفلسطيني بـ"المستهجن"، حينما لام الشارع الفلسطيني لعدم وجود مقاومة شعبية. مضيفًا" "أي مقاومة بحاجة لقيادة تديرها، وتوضح مسارها".
كما وصف الخطاب بـ"الضعيف"، مضيفًا: "عباس لام الاتحاد الأوروبي، لعدم قدرته على الضغط على إسرائيل، بينما لم يخلق هو (عباس) أي ضغط على إسرائيل". واستطرد قائلاً: "في النهاية سنعود لمشهد الانقسام الأول، حماس تحكم قطاع غزة، وفتح الضفة الغربية".
"عباس يريد إلغاء الانتخابات وليس تأجيلها"
من جهته، يقول سليمان بشارات، مدير مركز "يبوس" للبحوث بمدينة رام الله، إن قرار الرئيس الفلسطيني تأجيل الانتخابات لحين موافقة إسرائيل على عقدها في مدينة القدس، ودون تحديد موعد زمني يعني أن لا انتخابات قد تعقد؛ أي إلغاء الانتخابات.
وأضاف للأناضول: "القرار من شأنه خلق إشكالية في النظام السياسي الفلسطيني، فبدل أن تكون الانتخابات لو عقدت خطوة نحو إنهاء الانقسام، القرار جعلها عامل إحباط وفقدان للثقة".
وتوقع بشارات، تنظيم فعاليات ومسيرات رافضة للقرار، من شأنها خلق أزمة داخلية فلسطينية. وعلى المستوى الدولي يرى بشارات أن "السلطة الفلسطينية باتت في أزمة تمثيل سياسي، مع عدم قدرتها على تجديد الشرعيات". وبيّن أن "القدس ذات أهمية، وكان بالإمكان البحث عن بدائل أخرى لعقد الانتخابات، لا الارتهان لقرار إسرائيل".
مواقف دولية "تأسف" لقرار عباس
وفي ردود الفعل الدولية على قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الجمعة، إن تأجيل قرار عباس "أمر مخيب للآمال بشدة". معرباً- في بيان نُشر على الموقع الإلكتروني للاتحاد الأوروبي- عن أسفه لقرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية، ودعا إلى تحديد موعد جديد للانتخابات دون تأخير.
وجدد بوريل دعوة الاتحاد الأوروبي، إسرائيل إلى تسهيل إجراء هذه الانتخابات في أنحاء الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، مشيراً إلى أن الاتحاد شدد باستمرار على دعمه لإجراء انتخابات ذات مصداقية وشاملة وشفافة لجميع الفلسطينيين.
في الوقت نفسه، دعت الخارجية التركية الحكومة الإسرائيلية لاحترام بنود اتفاقية أوسلو، وإنهاء موقفها الذي يمنع الانتخابات الفلسطينية في القدس.
وفي بيان نشرته الجمعة، عبرت الخارجية التركية عن أسفها لتأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية. والخميس، دعت لجنة الأمم المتحدة- المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف- مجلسَ الأمن الدولي إلى ضمان إجراء الانتخابات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.