"شعوب بأكملها اختفت ومُحيت أوطانها وثقافتها ولم يعد لها ذكر"، إذ توجد قائمة طويلة من المذابح المنسية التي يتجاهلها الغرب لأسباب سياسية أو دينية، فيما يمكن تسميته بعنصرية المذابح.
وجاء إعلان الرئيس الأمريكي عن الاعتراف بمذابح الأرمن في عهد الدولة العثمانية كجريمة إبادة جماعية ليثير تساؤلات حول سر التجاهل الغربي لمذابح موثقة أدت إلى اختفاء شعوب بأكملها وتركيزه في التعامل مع الأمر مع دول وأمم بعينها.
وتشير دراسات علمية عدة إلى أن مقدار اهتمام الغرب ولا سيما الإعلام بالأزمات والكوارث مرتبط بهوية الضحايا والجناة إلى حد كبير، ففي إحدى الدراسات وجد أن مقتل شخص من دول أوروبية غربية يعادل 3 من أوروبا الشرقية و4 من الشرق الأوسط ونحو 9 من آسيا.
وينطبق هذا على المذابح بشكل كبير، فكلما كان الجاني غربياً أو حليفاً للغرب والضحية لا ينتمي للشعوب الغربية، جرى تجاهل المآسي (فلسطين نموذجاً واضحاًً)، أما إذا كان الضحية غربياً أو حليفاً للغرب جرى تضخيمها.
مذابح وقعت للمسلمين قبل المأساة الأرمينية يتم تجاهل الإشارة لها
وتقدم الحالة الأرمينية نموذجاً فجاً، لازدواجية المعايير الغربية، فلمدة مئة عام قبل المأساة الأرمينية شهدت الدولة العثمانية والمناطق المسلمة الحليفة لها في أوروبا سلسلة من المذابح الدموية وعمليات التطهير العرقي الممنهجة التي أدت إلى اختفاء شعوب مسلمة كاملة من شرق أوروبا والقوقاز، ولكن نادراً ما تشير الدوائر الغربية إلى هذه المذابح المنسية للمسلمين رغم أنها سابقة على ما حدث للأرمن.
كما أنه يتم تجاهل أن الممارسات التي ارتكبت بحق بعض الشعوب المسيحية الخاضعة للحكم العثماني، كانت في جزء منها رد فعل مباشرة على المذابح التي وقعت للمسلمين في أوروبا على مدى قرن من الزمان (كان المسلمون المطرودون من أوروبا جزءاً من التركيبة العسكرية التركية في ذلك الوقت).
الأمر الثاني أن الأزمات بين الأتراك والأرمن وغيرها من الشعوب المسيحية داخل الدولة العثمانية جاءت نتيجة لتدخلات الدولة الأوروبية ولا سيما روسيا ومحاولتها لاستخدام الأقليات كطابور خامس ضد الدولة العثمانية. أما العامل الثالث الذي أدى إلى هذه المآسي فهو أن الضباط العثمانيين المتورطين في هذه الأحداث، كانوا من الضباط العلمانيين المتأثرين بالفكر الوضعي الغربي والمتعصبين قومياً والذين تبنوا فكرة خلق أمة قومية متجانسة على النمط الغربي.
علماً بأنه في الحالة الأرمينية تحديداً، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية تعاملت معها شكل مختلف، حيث دعت أنقرة لتشكيل لجنة علمية لدراسة هذه المسألة.
كما سلك الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان سلوك مختلفاً كبيراً عن القادة الأتراك السابقين عام 2014 عندما قدم تعازيه للأرمن، حسب تقرير للكاتب إيشان ثارور في مقال بصحيفة Washington post الأمريكية.
اللافت أنه في مقابل التركيز على مآسي اليهود والأرمن والآشوريين، فإن أغلب المذابح المنسية أو المتجاهلة كان الجناة فيها دولاً أوروبية، وكان الضحايا فيها من الشعوب الأوروبية المسلمة أو في آسيا الوسطى، إضافة إلى عدد من شعوب الأمريكتين وإفريقيا، كما أن هناك بعض المذابح التي يتم تجاهلها كان الجناة فيها أوروبيين والضحايا كذلك.
قائمة بأخطر المذابح المنسية
هذه القائمة تركز على أخطر المذابح المنسية ولكنها بطبيعة الحال تقدم أمثلة ولا تقوم بحصر كامل لها.
الأندلس: أصل الإبادة الجماعية الغربية
رغم أنه يمكن التحجج بأن المذابح وعمليات الطرد التي تعرض لها المسلمون واليهود في الأندلس قديمة بما يكفي لتجاهلها، فإن هذا القدم لم يمنع إسبانيا من الاعتذار لليهود الذين طردوا مع المسلمين، بل دعوة أحفادهم للحصول على الجنسية الإسبانية، في حين لم يقدم أي اعتذار معلوم للمسلمين المطرودين أو دعوة مماثلة لأحفادهم للعودة.
وفي عام 2015، طالبت رئيسة المجلس الإسلامي بإسبانيا، ماريا إيزابيل رومير، حكومة بلادها بالاعتذار للمسلمين، ومنحهم الجنسية المزدوجة، وذلك في تعقيب على قانون إسباني يسمح لأحفاد اليهود "السفارديم" بالحصول على الجنسية الإسبانية، دون أن يتخلوا عن جنسيتهم الحالية.
تقدم الحالة الأندلسية نموذجاً شديد الفجاجة لازدواجية المعايير.
ومما يجعل قضية مسلمي الأندلس قضية لا ينبغي تجاهلها أنها أدت إلى اختفاء صادم لأمة بأكملها بخليط من عمليات الإبادة والطرد والتغيير القسري للهوية والدين، ويمكن اعتبار إبادة وطرد المسلمين من الأندلس الجذر والموجه لجرائم الإبادة الجماعية الحديثة المنظمة والممنهجة، وافتتحت إسبانيا العصر الحديث بجريمة الإبادة الجماعية بحق الأندلسيين لتقدم للعالم وجهاً شديد الدموية للحضارة الغربية سيتكرر مراراً بعد ذلك.
فالإبادة الأندلسية ألهمت إسبانيا وباقي القوى الأوروبية الاستعمارية نهجها الدموي الذي طبق في المستعمرات في الأمريكتين مع الهنود الحمر ثم آسيا وإفريقيا.
تتر قازان: خمسة قرون من الصمود بطرق فريدة
في مأساة، تشبه الأندلس كثيراً، كانت تتر قازان أول شعب مسلم يصطلي بنار الإبادة الروسية.
كانت قازان دولة مسلمة قوية ومزدهرة وكانت سليلة دولة خانات القبيلة الذهبية الذين كانت موسكو تدفع لهم الجزية.
في عام 1552، احتل الروس بقيادة أول قيصر لهم إيفان الرهيب قازان، وبدأوا حملة وحشية للإبادة والطرد وتغيير الهوية، وأدت إلى إجبار جزء من التتار لا سيما النبلاء على التحول للأرثوذكسية، ورغم قرون من الإبادة حافظ التتر على هويتهم نسبياً، بل إنهم حاولوا قيادة نهضة الشعوب الإسلامية التركية التي ضمتها الإمبراطورية الروسية، ولعبوا دوراً في ظهور أفكار الجامعة الإسلامية التركية والقومية التركية والتركستانية، وكان مستوى التعليم لديهم في كثير من الأحيان أعلى من الروس، كما كان لهم دور طليعي ثقافي وسياسي بين الشعوب الإسلامية الخاضعة للحكم الروسي، يشبه دور لبنان بين البلدان العربية الخاضعة للحكم العثماني.
وقبل انهيار الاتحاد السوفييتي كان التتار أقلية في بلادهم، واليوم يمثلون نحو 53% من السكان مقابل نحو 40% من الروس.
إبادة وطرد سكان القرم: مأساة شبه الجزيرة الاستراتيجية
كان الموقع الاستراتيجي بالغ الأهمية لشبه جزيرة القرم، نقمة على سكانها الأصليين من التتر، كان دفء هذا الإقليم، وسواحله مع قربه من إمبراطورية شاسعة المساحة، باردة الطقس تتلهف للوصول للبحار الدافئة، معناه أن مصيرهم ليس خضوع بلادهم للاحتلال فقط، بل الإبادة والطرد مراراً.
كانت خانية القرم واحدة من أقوى الدول الأوروبية في القرن السادس عشر، وشن فرسانها غارات عدة على قلب موسكو، ولكنها تدريجياً ضعفت وازداد اعتمادها على حماية الدول العثمانية.
ضمت روسيا خانية القرم في عام 1783، بسبب قمع الإدارة الروسية والسياسات الاستعمارية للإمبراطورية الروسية، أُجبر تتار القرم على الهجرة إلى الإمبراطورية العثمانية. تبع ذلك عمليات طرد أخرى في عام 1812 خوفاً من انضمام التتار لنابليون، لقي العديد من تتار القرم حتفهم في عملية الهجرة، بمن فيهم أولئك الذين غرقوا أثناء عبورهم البحر الأسود. في المجموع، من عام 1783 حتى بداية القرن العشرين، غادر ما لا يقل عن 800 ألف من التتار شبه جزيرة القرم. اليوم يعيش أحفادهم في بلغاريا ورومانيا وتركيا.
وخلال الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في مايو/آيار 1944، تم نفي جميع سكان تتار القرم في شبه جزيرة القرم إلى آسيا الوسطى، بناءً على أوامر من جوزيف ستالين، الأمين العام للحزب الشيوعي للاتحاد السوفييتي.
وكانت الحجة وجود فيلق تتري ضمن قوات النازيين، رغم أن أعداداً كبيرة من التتر خدموا في الجيش السوفييتي بإخلاص.
قدم الاحتلال الألماني لشبه جزيرة القرم تبريراً للقيادة السوفييتية لاتهام كل سكان تتار القرم بأنهم متعاونون مع النازيين. في الواقع، جرت معظم عمليات الإبادة الجماعية لتتار القرم سبقت الحرب.
أدى الترحيل والنفي التالي إلى خفض عدد سكان تتر القرم بنسبة تتراوح بين 18% إلى 46%.
ظل تتار القرم في آسيا الوسطى لعدة عقود أخرى حتى عصر البيريسترويكا في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين عندما عاد 260 ألفاً من تتار القرم إلى شبه جزيرة القرم. بعد أن استمر نفيهم 45 عاماً، واليوم تتار القرم الأقلية الثالثة في بلادهم، بعد الروس والأوكرانيين.
مذابح الشركس: أمة بأكملها اختفت من الوجود
كان الشركس أحد من أقدم الشعوب التي سكنت أوروبا، حيث عاشوا منذ آلاف السنين، في شمال القوقاز على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأسود، عرف عنهم امتلاكهم ثقافة أرستقراطية مميزة، وعن رجالهم الكرم والفروسية، وعن نسائهم الجمال الفائق.
اعتنق الشركش الإسلام في القرن الخامس عشر، ولم يكونوا يوماً جزءاً من الدول العثمانية ولكنهم كانوا متأثرين بها ومتحالفين معها، مثلوا دوماً جزءاً من النخب العثمانية، وكذلك الكثير من فرسان المماليك كانوا من أصول شركسية.
كان الشركس أمة مستقلة صغيرة، عندما قرر الروس السيطرة على بلادهم ضمن غزواتهم لمنطقة القوقاز من منتصف القرن الثامن عشر حتى عام 1864. تم ارتكاب الإبادة الجماعية بين 6 مارس/آذار و21 مايو/آيار 1864.
قُتل أكثر من 400 ألف شركسي، و497000 أجبروا على مغادرة بلادهم، وفقاً لروايات الحكومة الروسية عن حملتهم الأخيرة في القوقاز، ولقي الكثيرون حتفهم من الجوع أو الغرق في البحر الأسود.
تم التخلص من نحو 75% من الشعب الشركسي بالإبادة والتهجير، استخدمت القوات الروسية وقوات القوزاق أساليب وحشية مختلفة للترفيه عن أنفسهم أثناء حملاتهم الدموية، مثل بقر بطون النساء الحوامل وإخراج الأطفال، ثم إطعامهم للكلاب، وبرروا قتلهم واستخدامهم في التجارب العلمية.
وبينما أبادت روسيا كثيراً من الشعوب المسلمة وغير المسلمة في الطريق لبنائها إمبراطوريتها، فإن الضراوة الروسية في إبادة الشركس تبدو متوحشة وغير مسبوقة حتى بالمعيار الروسي.
وقد يكون السبب في ذلك أن بلاد الشركس كانت بلاداً غنية وذات موقع استراتيجي ومناخ دافئ مقارنة بروسيا (منتجع سوشي الشهير يقع في مناطق الشركس) ولذا أراد حكام موسكو سيطرة كاملة على هذه البلاد، وخاصة أن عمليات الغزو التي تمت في القرن التاسع عشر تزامنت مع تحرير عبيد الأرض في روسيا فاحتاجت موسكو لتوطينهم في أراضي الشركس، وقد يكون السبب في التوحش الروسي، أيضاً بسالة مقاومة الشركس وتفتتهم في الوقت ذاته، وقد تكون طبيعة أرضهم السهلية التي سهلت غزوها (عكس الشيشان).
أدت الإبادة الجماعية للشركس إلى قتل وطرد معظم هذا الشعب إلى تركيا ولم يبق في أراضيه حالياً إلا نسبة ضئيلة بعد أن استوطنها الروس، فيما أغلب الشركس في المهجر خاصة تركيا، ثم سوريا.
واليوم من بين 5 ملايين شخص من الشركس أو ذوي الأصول الشركسية يوجد فقط 718 ألفاً في روسيا.
الجزائر: لا اعتراف رغم وضوح الأدلة
تمثل الجزائر نموذجاً واضحاً للفجاجة الغربية، كانت مذابح الجزائر، موثقة ومعروفة نسبياً للعالم منذ القرن التاسع عشر، ولكن فرنسا ترفض الاعتراف بها.
وعندما جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوح بإمكانية الاعتذار بجرائم الحرب التي ارتكبتها بلاده وانتهى الأمر بكتابة تقرير غامض دون اعتراف صريح، بل ظهور أصوات فرنسية تطالب الجزائريين بأن يفخروا باحتلال فرنسا لبلادهم مثلما هم يحتفون باحتلال روما لفرنسا.
وهناك عدة نقاط يتم تجاهلها أو عدم التركيز عليها في المأساة الجزائرية.
أن المأساة لم تقتصر على حرب الاستقلال الأخيرة التي بدأت في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، ولكن الجرائم الفرنسية بدأت مع احتلال الجزائر عام 1830.
النقطة الثانية، أن هناك ميلاً في الدوائر الغربية لعدم الإشارة إليها كجرائم إبادة جماعية علماً بأنه في غضون العقود الثلاثة الأولى من الاحتلال الفرنسي للجزائر(1830-1860)، قُتل ما بين نصف مليون إلى مليون جزائري، من إجمالي 3 ملايين جزائري، على يد الفرنسيين بسبب الحرب والمجازر والأمراض والمجاعة، كما تم ترحيل ما يصل إلى مليوني مدني جزائري في معسكرات الاعتقال.
وهي جرائم من حيث الحجم ترقى للإبادة الجماعية، كما أن هذه الجرائم كانت ممنهجة لأن فرنسا في بداية احتلالها للجزائر، كانت تطمح في تعويض مستعمراتها في أمريكا الشمالية التي فقدتها لصالح بريطانيا وأن تبيد الجزائريين كما حدث مع الهنود الحمر، وتوطن بدلاً منهم فرنسيين.
طرد وإبادة المسلمين في البلقان: بلغاريا نموذجاً
أثناء تراجع وتفكك الإمبراطورية العثمانية، وجد السكان المسلمون (بما في ذلك الألبان والبوشناق والصرب والمسلمون اليونانيون والبوماك والشركس والأتراك العثمانيون) الذين يعيشون في مناطق خاضعة سابقاً للسيطرة العثمانية، أنفسهم أقلية مضطهدة بعد إعادة الحدود وتعرضوا للمصادرة والمذابح وحتى التطهير العرقي.
شهد القرن التاسع عشر صعود القومية في البلقان بالتزامن مع تراجع القوة العثمانية، مما أدى إلى إنشاء اليونان المستقلة وصربيا وبلغاريا ورومانيا. في الوقت نفسه، توسعت الإمبراطورية الروسية إلى مناطق خاضعة للحكم العثماني أو متحالفة مع العثمانيين في القوقاز ومنطقة البحر الأسود. خلقت هذه الصراعات أعداداً كبيرة من اللاجئين المسلمين. استؤنف اضطهاد المسلمين خلال الحرب العالمية الأولى من قبل القوات الروسية الغازية في الشرق وأثناء حرب الاستقلال التركية في غرب وشرق وجنوب الأناضول من قبل اليونانيين والأرمن. بعد الحرب اليونانية التركية، حدث تبادل سكاني بين اليونان وتركيا، وغادر معظم المسلمين اليونانيين. خلال هذه الأوقات، استقر العديد من اللاجئين المسلمين في تركيا.
مأساة مسلمي بلغاريا تظهر حجم الجرائم التي تعرض لها مسلمو البلقان، كانت نسبة المسلمين في بلغاريا حول الثلث في نهاية العهد العثماني، أدت عمليات الإبادة والتهجير وتغيير الدين القسري إلى تخفيض عدد المسلمين بشكل كبير، ويعتقد أنهم يمثلون حالياً نحو 15% من السكان.
واستمر الاضطهاد للمسلمين البلغار حتى العهد الشيوعي؛ حيث كان يتم طرد المسلمين وإجبارهم على تغيير حتى أسمائهم.
ناميبيا: أولى مذابح القرن العشرين التي أوصلتنا للهولوكوست
بين عامي 1904 و1908، قُتل عشرات الآلاف من شعب هيريرو وناماكوا في ما يعرف الآن بناميبيا خلال الحكم الاستعماري الألماني. كان هؤلاء الأشخاص من السكان الأصليين في منطقة كانت تعرف آنذاك بجنوب غرب إفريقيا الألمانية والتي كانت أول مستعمرة لألمانيا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington post الأمريكية.
بعد الانتفاضات من قبل كل من هيريرو وناماكوا، قرر الجنرال الألماني المسؤول عن المنطقة "أن السكان الأصليين يجب أن يسحقوا" أو إذا لم يكن ذلك ممكناً، يجب طردهم من الأرض.
قُتل رجال ونساء وأطفال غير مسلحين على يد القوات الألمانية، وتم إرسال أعداد ضخمة من شعب هيريرو وناماكوا إلى معسكرات الاعتقال كشكل من أشكال العقاب الجماعي. يُعتقد الآن أن ما يصل إلى 70 ألفاً من سكان المستعمرة الألمانية قد ماتوا جراء هذه الأحداث، وتقول بعض التقديرات إن أكثر من 80% من سكان هاتين العرقيتين قد أبيدوا.
في عام 2004، اعتذرت ألمانيا عن عمليات القتل، التي يُعتقد الآن أنها أول إبادة جماعية في القرن العشرين. يرى الكثيرون في عمليات القتل مقدمة للهولوكوست.
تجويع الأوكرانيين: الموت على يد الشقيق
"كان الناس يأكلون بعضهم بعضاً"، حدث هذا في دولة أوروبية وفي القرن العشرين وعلى يد دولة أوروبية أخرى شقيقة لها.
بين عامي 1932 و1933، تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 10 ملايين أوكراني- ما يقرب من ثلث السكان في ذلك الوقت- قتلوا في مجاعة مدمرة. كان الجوع الجماعي على نطاق مروع حقاً: كانت هناك تقارير عن أكل لحوم البشر، وتم القضاء على قرى بأكملها في بلد يوصف بأنه سلة قمح أوروبا.
ليس حجم المجاعة فقط هو الذي يستحق الاهتمام. يرى كثير من المؤرخين الآن أن المجاعة كانت من صنع الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين إما للقضاء على ملاك الأراضي أو ربما استهداف الأوكرانيين كمجموعة عرقية بهدف إذابتها.
يمكن النظر إلى الأزمة الأوكرانية الحالية كإحدى نتائج هذه المأساة، أدت إبادة الأوكرانيين لتقوية الوجود الروسي الإثني واللغوي في شرق أوكرانيا وجنوبها، وهي المناطق المالية لموسكو حالياً، ومنها شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا وإقليم الدونباس الذي انفصل بتشجيع روسي.
في عام 2006، اعترف البرلمان الأوكراني رسمياً بـ"هولودومور" – أو "الموت بالجوع" – كإبادة جماعية.
المجاعة الكازاخستانية: أبادوا مصدر عيشهم
"ليست من حقكم تربية الماشية"، عندما تفعل ذلك مع واحد من أكبر الشعوب الرعوية على وجه الأرض، فإنك تحكم عليه حتماً بالموت.
كانت المجاعة الكازاخستانية 1931-1933، واحدة من الفصول المروعة للتجربة الشيوعية السوفييتية أدت إلى وفاة 1.5 مليون شخص (تشير بعض المصادر إلى وفاة ما يصل إلى 2.0-2.3 مليون شخص).
جعلت المجاعة الكازاخستانيين أقلية في جمهورية كازاخستان السوفييتية، ولم يصبح الكازاخستانيون أكبر مجموعة في كازاخستان مرة أخرى حتى التسعينيات.
يصف بعض المؤرخين والعلماء المجاعة بأنها إبادة جماعية للكازاخ ارتكبتها الدولة السوفييتية، لأن المجاعة كانت نتيجة السياسات السوفييتية، حيث قامت السلطات الشيوعية بحملة اضطهاد ضد البدو في الكازاخ، معتقدة أن تدميرهم كان تضحية جديرة بالاهتمام من أجل بناء كازاخستان الشيوعية. وكان الأوروبيون (الروس والأوكرانيون والبيلوروس) في كازاخستان يسيطرون على الحزب الشيوعي، وكان توطين الروس والأوكرانيين في أراضي كازاخستان الغنية هدفاً دائماً للروس في العهدين القيصري والروسي.
المقاومة التي لا تموت: ترحيل الشيشانيين والأنغوش خلال الحرب العالمية الثانية
شكل الشيشانيون مشكلة للروس، دوماً، فرغم عملية الإبادة والترحيل لهم بعد احتلال روسيا للقوقاز والتي خفضت عدد الشيشانيين في بلادهم من 1.5 مليون في عام 1847، إلى 140 ألفاً في عام 1861، ثم بعد ذلك إلى 116 ألفاً في عام 1867.
ولكن واصل الشيشانيون مقاومتهم، وعندما وقعت الحرب العالمية الثانية كان هدف النازيين الوصول إلى نفط القوقاز، ولذا قرر الروس في عهد ستالين التخلص من المشكلة الشيشانية للأبد، ولذا بدأت عملية نقل قسرية لسكان شمال القوقاز إلى آسيا الوسطى في 23 فبراير/شباط 1944.
استهدفت العملية الشيشان والأنغوش بالأساس (وهما شعبان متقاربان)، كجزء من برنامج التوطين القسري السوفييتي ونقل السكان الذي أثر على حياة عدة ملايين من أعضاء الأقليات العرقية السوفييتية غير الروسية بين ثلاثينيات وخمسينيات القرن الماضي.
كانت العواقب الديموغرافية لهذا الإخلاء كارثية وبعيدة المدى: قدرت المصادر الشيشانية عدد المبعدين بـ650.000، لقي ربعهم على الأقل حتفهم، وعاد أغلب الناجين من المأساة عام 1957 إلى بلادهم.
اغتصاب نانكينغ: إنكار مستمر
"تدمير نانكينغ"، المعروف باسم "اغتصاب نانكينغ"، نفذه الجيش الإمبراطوري الياباني أثناء غزو اليابان للصين خلال الحرب الصينية اليابانية الثانية في 29 ديسمبر/كانون الأول 1937.
في عام 1937، أثناء الحرب الصينية اليابانية، زحف الجيش الياباني إلى نانكينغ، العاصمة الصينية آنذاك. تُركت المدينة، المعروفة الآن باسم نانكينغ، دون حماية تقريباً، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين، إن لم يكن أكثر (يميل المؤرخون الصينيون إلى تقدير العدد بـ300 ألف، وهو تقدير أعلى من نظرائهم الغربيين).
خلصت المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى بعد الحرب العالمية الثانية إلى أن حوالي 20 ألف حالة اغتصاب وقعت خلال الشهر الأول من الاحتلال الياباني، وأعطت المأساة اسمها الكئيب الآخر: "اغتصاب نانكينغ".
تظل القضية متنازعاً عليها، حيث يتهم القوميون اليابانيون (والحكومة اليابانية الحالية) بالتقليل من أهميتها، أو حتى الإيحاء بأنها لم تحدث أبداً.
طرد الألمان من أوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية: مأساة أوروبا المنسية
في حين أن الفظائع التي ارتكبتها ألمانيا النازية معروفة جيداً، فإن ما لا يتم الاعتراف به هو ما حدث للألمان المنتشرين في أوروبا الشرقية بعد أن خسرت ألمانيا الحرب العالمية الثانية، حسب تقرير صحيفة Washington post الأمريكية.
هؤلاء الألمان، الذين كانوا يعيشون في بولندا وتشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفييتي، أجبروا على العودة إلى ألمانيا والنمسا. وطُرد الكثير منهم قسراً من منازلهم، وأُرسل بعضهم إلى معسكرات الاعتقال.
وصف المؤرخ ر.دوغلاس عمليات الطرد بأنها "ليست مجرد أكبر هجرة قسرية ولكنها على الأرجح أكبر حركة فردية للسكان في تاريخ البشرية"، حيث تم إجبار أكثر من 12 مليون مدني على النزوح. جادل دوغلاس بأنه ما حدث يمكن اعتباره "تطهيراً عرقياً" ، وتشير بعض التقديرات إلى موت نحو- ما لا يقل عن 473 ألفاً من الألمان في هذه العمليات.
المذابح ضد الشيوعيين في إندونيسيا: إبادة أيدولوجية
في أعقاب الانقلاب الفاشل في عام 1965 من قبل مجموعة شيوعية يشار إليها باسم حركة 30 سبتمبر/أيلول، قاد الجنرال سوهارتو قائد الجيش الإندونيسي حملة تطهير مناهضة للشيوعية في إندونيسيا تحولت في النهاية إلى مذابح واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد.
في النهاية، تم القضاء فعلياً على الحزب الشيوعي الإندونيسي، الذي كان في يوم من الأيام واحداً من أكبر الأحزاب: "التقديرات الخاصة بعدد القتلى تبدأ من رقم 500 ألف وتصل إلى مليون شخص".
لعقود من الزمان، كان هناك القليل من النقاش حول عمليات القتل التي وقعت في 1965-1966،
يُعتقد أن الولايات المتحدة كان لها دور في هذه المذابح لإبادة خصومها الشيوعيين وحتى يومنا هذا، المنظمات الشيوعية محظورة رسمياً في إندونيسيا.
لم تبدأ المناقشات حول الأحداث الرهيبة إلا في السنوات القليلة الماضية. في عام 2010، ألغت المحكمة الدستورية في إندونيسيا حظراً على العديد من الكتب حول الانقلاب التي ذكرت عمليات القتل.
عملية محو السبورة: إبادة أقزام الكونغو
كانت عملية "محو السبورة" أو "تنظيف اللوح" هو الاسم الذي أطلق على الإبادة المنهجية لأقزام بامبوتي من قبل قوات المتمردين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أدت العملية إلى قتل نحو 40% من السكان الأقزام في شرق الكونغو، وتتراوح تقديرات الضحايا بين 60 ألفاً إلى 70 ألفاً.