تناول تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي الدور الإماراتي في أزمة سد النهضة والخلافات المشتعلة بين مصر وإثيوبيا، ويقول الموقع إنه لا تزال العلاقات الإماراتية الإثيوبية تمثِّل مصدر قلقٍ لمصر، خاصةً مع احتدام الخلاف على سدِّ النهضة الإثيوبي بين القاهرة وأديس أبابا، وسط تجاهل واضح من أبوظبي لمخاوف القاهرة.
الموقف الإماراتي الضبابي من أزمة سد النهضة يثير قلق مصر
لا يزال موقف الإمارات من أزمة سد النهضة غير واضح، على عكس مواقف دول الخليج الأخرى، مثل السعودية والبحرين، التي أصدرت بياناتٍ تؤكِّد فيها دعمها لمصر في الحفاظ على أمنها المائي.
غير أن الإمارات اتَّخَذَت موقفاً محايداً دون تحيُّزٍ واضح تجاه مصر، حيث أصدرت بياناً في 31 مارس/آذار الماضي دعت فيه إلى "أهمية العمل من خلال القوانين والمعايير الدولية المعمول بها للتوصُّل إلى حلٍّ مقبولٍ للجميع ويضمن حقوق البلدان الثلاثة وأمنها المائي".
ومع تصاعد أزمة سدِّ النهضة، أعلنت الإمارات في 1 أبريل/نيسان إرسال مساعداتٍ إلى منطقة تيغراي الإثيوبية. وأشار سفير الإمارات في أديس أبابا، محمد الرشيدي، إلى أن "المساعدة تأتي في إطار العلاقات القوية مع إثيوبيا".
ورغم أن الإمارات قالت في 26 مارس/آذار إنها مستعدةٌ للتوسُّط بين السودان وإثيوبيا لحلِّ الأزمة الحدودية بين البلدين، بالإضافة إلى أزمة سدِّ النهضة، نفت الخارجية الإثيوبية 31 مارس/آذار أن تشمل وساطة الإمارات أزمة سدِّ النهضة، وأكَّدَت أن الوساطة تتعلَّق فقط بأزمة الحدود الإثيوبية السودانية.
ناقش مجلس الأمن والدفاع السوداني في 15 أبريل/نيسان الجاري، خلال اجتماعٍ له، مبادرة الإمارات لتخفيف حِدَّة التوتُّر على الحدود السودانية مع إثيوبيا. لكن المجلس لم يذكر ما إذا كانت مبادرة الإمارات تشمل أزمة سدِّ النهضة أيضاً.
الإمارات غير مهتمة بالمخاوف المصرية وتنمّي استثماراتها بإثيوبيا
لكن في 7 أبريل/نيسان، نقل موقع "مدى مصر" عن مصدرٍ مصري قوله إن "الإمارات عرضت على رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق الركن عبدالفتاح البرهان، فصل الملف السوداني-الإثيوبي، سواء فيما يتعلَّق بالحدود أو الانعكاسات المترتِّبة على سدِّ النهضة، عن القلق المصري من تداعيات السدِّ على الموارد المائية المصرية"، مِمَّا يُضعِف التحالف المصري السوداني ضد إثيوبيا.
ونقل الموقع أيضاً في 21 ديسمبر/كانون الأول 2020 عن مصدرٍ مصري مُطَّلِع قوله: "اكتشفت مصر أن الإمارات لم تكن مهتمة بأحد المخاوف المصرية الرئيسية في المنطقة، حيث كانت أبوظبي غير راغبة في ممارسة الضغط الذي تريده مصر على إثيوبيا من أجل تسهيل تسويةٍ سياسيةٍ وقانونية فيما يتعلَّق بإنشاء وملء وتشغيل سدِّ النهضة".
ويبدو أن الإمارات حريصةٌ على زيادة استثماراتها في إثيوبيا، حيث بلغت الاستثمارات الإماراتية هناك نحو 2 مليار دولار في عام 2018، بإجمالي 92 مشروعاً استثمارياً إماراتياً، يتركَّز أغلبها في قطاعات الزراعة والصناعة والعقارات والصحة والتعدين.
وفي 31 مارس/آذار، نظَّمَت غرفة التجارة والصناعة في أبوظبي، بالتعاون مع السفارة الإثيوبية في الإمارات، ندوةً افتراضية لمناقشة فرص الاستثمار الإماراتي في إثيوبيا. وقال سليمان ديدفو، سفير إثيوبيا لدى دولة الإمارات خلال الندوة: "بين عاميّ 2002 و2020، دخلت 121 شركة إماراتية السوق الإثيوبية في العديد من القطاعات الاستثمارية، برأسمالٍ يزيد عن 2 مليار بير إثيوبي (47.7 مليون دولار)، وأنشأت فرص عملٍ مؤقَّتة لأكثر من 10 آلاف مواطن إثيوبي".
وفي الندوة نفسها، كشف آسفا مولوغيتا، المدير العام لقسم ترويج الصادرات بوزارة التجارة والصناعة الإثيوبية، أن "حجم التجارة بين إثيوبيا والإمارات بين عاميّ 2010 و2019 بلغ أكثر من 450 مليون دولار".
هل قررت أبوظبي التخلي عن القاهرة؟
وامتدَّ الدعم الإماراتي لإثيوبيا إلى الصعيد العسكري أيضاً، إذ اتَّهَمَت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، الإمارات بدعم الحكومة الإثيوبية في حربها ضد الجبهة من خلال تزويد القوات الحكومية بطائراتٍ مُسيَّرة.
وفي هذا السياق، قال أحمد طنطاوي، العضو البرلماني السابق ورئيس حزب الكرامة المصري، لموقع Al-Monitor الأمريكي: "اتَّخَذَت الإمارات موقفاً محايداً سلبياً تجاه مصر بشأن أزمة سدِّ النهضة".
وأضاف: "لدى مصر والإمارات مواقف مختلفة للغاية فيما يتعلَّق بالسد، حيث تتمتَّع أبوظبي بعلاقاتٍ وثيقة مع إثيوبيا". وأشار طنطاوي إلى أن "الإمارات يمكن أن تضطلع بدورٍ فعَّال في أزمة سد النهضة، استناداً إلى التأثير الإماراتي القوي على النظام الحاكم في إثيوبيا".
وأوضح طنطاوي: "كان على الإمارات أن تعلن وقوفها إلى جانب القاهرة في أزمة سد النهضة، بدلاً من اتِّخاذ موقفٍ محايد غير ضروري في أزمةٍ مصيرية تعاني منها مصر".
وقال: "على دول الخليج وخاصةً الإمارات عقد قمة مصرية خليجية بمشاركة إثيوبيا لحلِّ أزمة سدِّ النهضة"، مضيفاً أن "الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا يجب أن تكون ورقة ضغط تستخدمها أبوظبي من أجل أن تحافظ مصر على حقها في مياه النيل". مشيراً إلى أن "الاستثمارات الخليجية، وعلى الأخص الإماراتية، يمكن أن تكون دافعاً لإثيوبيا للعودة إلى مفاوضات جادة والموافقة على إبرام اتفاقٍ قانوني مُلزِم قبل الملء الثاني لسدِّ النهضة".
واختتم طنطاوي حديثه بالقول إن "المحاولات الأخيرة للتقارب بين مصر وتركيا قد يكون لها تأثيرٌ سلبي على الموقف الإماراتي تجاه مصر في أزمة سدِّ النهضة، لكن رفض الإمارات الصريح للمصالحة المصرية التركية ليس ذريعةً لتخلي أبوظبي عن القاهرة في أزمة سد النهضة".