عقدت إسرائيل واليونان وقبرص والإمارات مؤخرا اجتماعاًً لإطلاق منتدى رباعي جديد في شرق المتوسط، وكان لافتاً غياب مصر وفلسطين عنه، كما كان واضحاً أنه لا يقتصر على التعاون في الغاز بل هو تمهيد لشراكة استراتيجية متعددة المجالات ضد الخصوم المحتملين للدول الأربع.
وحضر الاجتماع وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي ووزير الخارجية اليوناني نيكوس داندياس ووزير الخارجية القبرصي نيكوس خريستوديليديس والمستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش، الذي حلَّ محل وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زيد الذي لم يحضر في اللحظة الأخيرة، ولكنه شارك عبر الفيديوكونفرانس.
وكان الوزير الخارجية اليوناني قد زار القاهرة عقب المنتدى في زيارة هي الثانية لمصر في أقل من شهر ونصف.
منتدى رباعي جديد في شرق المتوسط.. فما هي أهدافه؟
ويهدف المنتدى الرباعي الذي اجتمع في قبرص لعقد اجتماعات منتظمة على مستوى وزراء خارجية البلدان الأربعة، إضافة إلى مستويات وزارية أخرى.
وناقش الدبلوماسيون الأربعة قضايا تتعلق بتركيا وليبيا وسوريا. هذا إلى جانب إيران والقضية والفلسطينية، بحسب صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية.
واستمرت الاجتماعات على مدى يومين (الجمعة والسبت 16 و17 أبريل/نيسان 2021) حيث جرى البحث في القضايا الإقليمية والتعاون المحتمل بين الدول، مع التركيز على القضايا الاقتصادية والسياحية والأمني والتعاون في مواجهة فيروس كورونا، ومخطط "الممر الأخضر" لتشجيع السياحة بين مختلف الدول.
بالإضافة إلى ذلك، استضاف رئيس قبرص وزراء الخارجية في اجتماع غير رسمي.
وأعلن وزير الخارجية القبرصي نيكوس كريستودوليديس أن الاجتماع الذي عقد في مدينة بافوس القبرصية، ناقش قضايا تتراوح من الوضع في ليبيا وسوريا واليمن وأفغانستان، إلى الطاقة والحماية المدنية وعلم الوراثة والطب الجزيئي والتعليم والوباء. والابتكار الرقمي والسياحة والمناخ والدفاع.
وقال أشكنازي، في إشارة إلى اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات، الموقّع برعاية واشنطن: "إن هذا الاجتماع هو أول خطوة جوهرية نحو توسيع التأثير الإيجابي لاتفاقات إبراهام على شركائنا في شرق البحر المتوسط"، حسب تعبيره.
وأعلن وزير الخارجية الإسرائيلي عن عقد الاجتماع القادم للمنتدى في إسرائيل.
بدوره، قال قرقاش إن الروابط مع الدولة العبرية ترقى إلى مصاف "نظرة استراتيجية بديلة" ترمي إلى تعزيز الأمن الإقليمي، مضيفاً أن محادثات بافوس تناولت التنسيق الاقتصادي والسياسي، و"استخدام التكنولوجيا لمكافحة كوفيد-19″.
إيران في مقدمة الاهتمامات
من الواضح أن إيران كانت في مقدمة اهتمامات المنتدى، وهو أمر ركز عليه الجانب الإسرائيلي تحديداً، كما بدا واضحاً أن هناك قلقاً لدى قبرص تحديداً من مسألة الحرب البحرية المستترة بين إسرائيل وإيران.
وقال أشكنازي، في تصريحات في ختام الاجتماع الرباعي: "بحثنا التحديات التي تشكلها إيران وحزب الله على الاستقرار في الشرق الأوسط والسلام الإقليمي".
وأضاف قائلاً: "إيران وعملاؤها يجلبون الدمار وعدم الاستقرار لسوريا ولبنان والعراق واليمن، ولإسرائيل وجيرانها".
وقال إن "إسرائيل عازمة على الدفاع عن نفسها ضد أي محاولة لانتهاك سيادتها ومواطنيها. سنفعل كل ما هو ضروري لمنع إيران من حيازة أسلحة نووية".
وقال أشكنازي في ختام لقائه مع الجانب القبرصي: "تحدثنا عن العلاقات الثنائية بين إسرائيل وقبرص والقضايا الإقليمية، لا سيما أهمية وقف النشاط العدواني الإيراني في الشرق الأوسط الذي يقوض الاستقرار الإقليمي ويشكل خطراً على المنطقة والعالم بأكمله".
ولكن اللافت أن المشاركين أعربوا عن قلقهم من النشاط العسكري البحري الإيراني، ولكن لم يشاركوا إسرائيل نفس مستوى القلق، من البرنامج النووي الإيراني.
تركيا: هدف متوقع للمنتدى
الدول الأربع خصوم لتركيا بشكل أو بآخر، اليونان وقبرص لديهما مع أنقرة نزاعات متعددة تاريخية وحدودية وسياسية منها ترسيم الحدود البحرية والأزمة القبرصية.
والإمارات غاضبة من التأييد التركي للإسلاميين والديمقراطية في المنطقة، وهي نفس أسباب غضب إسرائيل يزيد عليها رفض أنقرة للانتهاكات بحق الفلسطينيين.
وأجرت إسرائيل واليونان وقبرص مناورات بحرية الشهر الماضي في إشارة إلى تعميق العلاقات العسكرية بينها.
ولكن من الواضح أن اليونانيين والقبارصة كانوا الأكثر تركيزاً على إبداء القلق المعلن بشأن النشاط التركي في شرق البحر المتوسط.
الطاقة: قاسم مشترك للدول الأربع
تطرقت المحادثات أيضاً إلى قضية الغاز.
وإسرائيل واليونان وقبرص حلفاء إقليميون ويتعاونون في الجهود الاقتصادية في البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الكهرباء والغاز، وسط خلافات على ترسيم الحدود البحرية بين قبرص واليونان مع تركيا، الأمر الذي يؤثر على هذه المشروعات.
وقال وزير الخارجية اليوناني: "ناقشنا التعاون في مجالات الطاقة وقضايا أخرى مثل الابتكار والسياحة والأمن ومكافحة الفيروس وعصر ما بعد الوباء، أتيحت لنا الفرصة لتبادل وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل اليمن وليبيا والتطورات في شرق البحر المتوسط".
ممرات آمنة للسفر
تحدث الوزراء أثناء اجتماعهم في بافوس بقبرص عن القضايا الاقتصادية والأمنية والوباء وممرات السفر المحتملة لتشجيع السياحة.
ولدى إسرائيل حالياً اتفاقيات سياحية مع قبرص واليونان تسمح للزوار الذين تم تطعيمهم بالسفر بين الدول دون الحاجة إلى الحجر الصحي.
وناقش الوزراء ما وصف بـ"مخطط الممر الأخضر" لتشجيع السياحة بين مختلف الدول، وهو أمر أكد عليه ممثل الإمارات أنور قرقاش، حيث قال: "ناقشنا قضايا منها التجارة والاستثمار والتصنيع والتكنولوجيا، العلم والصحة وصناعة الغذاء. ناقشنا أيضاً توسيع التعاون مع الكورونا والعلاج واللقاحات".
إسرائيل تحاول نيل مساعدة في مواجهة الجنائية الدولية
ذكرت وسائل إعلام عبرية أن المحادثات تطرقت أيضاً إلى قضية المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والتي من المقرر أن تحقق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
تعاون عسكري إسرائيلي-يوناني في منطقة تعج بالمنتديات
ويأتي هذا الاجتماع بعد توقيع إسرائيل واليونان أكبر صفقة شراء دفاعية بينهما على الإطلاق، تتضمن عقداً بقيمة 1.65 مليار دولار لإنشاء وتشغيل مركز تدريب لسلاح الجو اليوناني من قبل مقاول الدفاع الإسرائيلي Elbit Systems على مدى 22 عاماً.
وأصبحت منطقة شرق المتوسط تعج بالمنتديات، فهناك منتدى شرق المتوسط المعني بالغاز بشكل أساسي ويضم مصر واليونان، وقبرص وإسرائيل، وفرنسا، والسلطة الفلسطينية (التي رفضت انضمام الإمارات له)، والولايات المتحدة كمراقب.
وفي فبراير/شباط 2021، عقد "منتدى الصداقة" في أثينا، والذي ضم مصر والبحرين والإمارات والسعودية واليونان وقبرص، في غياب الأردن.
دعوة غائبة لمصر
اللافت أن وزير الخارجية الإسرائيلي قال: "إنني أدعو الدول الأخرى مثل جيراننا الفلسطينيين إلى اغتنام الفرصة التاريخية والانضمام إلى دائرة السلام"، دون الإشارة لمصر.
بينما قال وزير الخارجية القبرصي: "إن تعاوننا ليس موجهاً ضد أحد ويجب ألا يبقى مصير المنطقة في أيدي دول خارج المنطقة"، حسب تعبيره (بالطبع لم يشر إلى أن الإمارات من خارج منطقة شرق المتوسط).
وألمح إلى إمكانية انضمام المزيد من الدول إلى المنتدى وتوسيع نطاق القضايا التي تتم مناقشتها.
ويبدو لافتاً هنا أن الاجتماع لم تشارك به مصر، التي تعد الركن الرئيسي في أغلب تجمعات شرق المتوسط السابقة، والتي أغلبها معادٍ لتركيا.
كما أن القاهرة يفترض أن لديها علاقة ثنائية وثيقة مع الدول الأربع، ولكن المجتمعين بحسب ما نشر، لم يوجهوا دعوة للقاهرة للمشاركة في الاجتماعات اللاحقة كما فعل الوزير الإسرائيلي مع الفلسطينيين.
وفي سابقة أخرى، وقعت إسرائيل واليونان وقبرص (دون مصر التي تمتلك فائضاً كبيراً في الكهرباء) 8 مارس/آذار 2021، اتفاقاً لتطوير كابل الكهرباء الرابط بين أوروبا وآسيا تحت سطح البحر، ليكون أعمق وأطول كابل كهرباء تحت الماء بالعالم، وفق تقرير لصحيفة "المونيتور" الأمريكية.
الخط تم بتمويل نحو 2.5 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي والدول الثلاث وينتهي العمل به عام 2024.
وقبل عام تم توقيع مشروع "إيست ميد" بين قبرص واليونان وإسرائيل في 3 يناير/كانون الثاني 2020، لمد أوروبا بالغاز (لم يضم مصر أيضاً)، ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحدث بأنه "يوم تاريخي لإسرائيل التي باتت بلداً متيناً جداً على مستوى الطاقة".
ومن الصعب هنا تحديد هل مصر هي التي رفضت المشاركة في المنتدى خاصة أنه يحمل نفساً معادياً لطهران التي تفضل القاهرة تقليدياً عدم التورط في مشاكل معها، إضافة إلى أن مشاركة القاهرة في المنتدى الرباعي قد تضر بجهود التهدئة المصرية التركية.
أم العكس أن هذا المنتدى يعقد من قبل الدول الأربع لمعاقبة القاهرة، على تجاوبها مع جهود التهدئة مع تركيا، وقبولها بالحل السياسي في ليبيا، وخاصة أن انضمام الإمارات التي هي دولة من خارج منطقة شرق المتوسط لا يبدو غريباً فقط، بل يذكر بالتوتر المكتوم في العلاقات المصرية-الإماراتية والذي يبدو أن سببه الرئيسي مواقف القاهرة من الأزمة الليبية والتهدئة مع أنقرة، ولكن سرعان ما انعكس الخلاف في شكل دعم إماراتي معلن لإثيوبيا في ذورة خلافها مع القاهرة.
كما أن استخدام فلسطين لحق الفيتو لمنع الإمارات من الانضمام لمنتدى غاز شرق المتوسط، قد يكون أمراً القاهرة ليست بعيدة عنه في إطار معركتها المكتومة مع أبوظبي والتي شملت إضعاف مراكز القوى التابعة لها داخل مصر.
فلذا قد لا يكون مستبعداً أن الإمارات ضغطت لإقصاء القاهرة لمزيد من العقاب لها، خاصة في ظل الحديث الإسرائيلي الإماراتي عن إيجاد منافسين أو بدائل لقناة السويس، والغضب اليوناني القبرصي المحتمل من التهدئة المصرية التركية.
ويضاف لذلك الخلاف بين مصر وبقية دول شرق المتوسط بشأن التعامل مع شبكات الغاز في المنطقة.
وفي هذا الإطار، قال الباحث السياسي والمتخصص في شؤون الطاقة وقضايا الشرق الأوسط، خالد فؤاد، إن "هذا الاجتماع يحمل رسالتين، الأولى تقليدية موجهة لتركيا وهي تأتي في سياق التنافس الجيوسياسي في المنطقة بين تركيا والإمارات للحد من نفوذها وتمددها، أما الرسالة الأخرى فهي غير تقليدية وموجهة لمصر وتأتي في سياق تطور العلاقات بين القاهرة وأنقرة والاتجاه إلى التهدئة والتعاون في بعض الملفات والتي ربما يكون على رأسها ترسيم الحدود البحرية".
وأضاف لموقع"عربي21": "ويبدو أن الرسالة موجهة للتأكيد على عدم ترحيب الجانب الإماراتي ومعه إسرائيل وقبرص واليونان بمسار العلاقات المصرية التركية في الوقت الحالي والتأكيد على أن التحالف الموجه بالأساس ضد تركيا سيستمر حتى بدون وجود مصر".
من ناحية أخرى يحمل الاجتماع تهديداً غير مباشر فيما يتعلق بملف غاز شرق المتوسط، وفق فؤاد "حيث تسعى إسرائيل واليونان وقبرص منذ فترة طويلة لإنشاء خط إيست ميد لنقل الغاز من إسرائيل وقبرص إلى اليونان ومنه إلى أوروبا، وهو عكس اتجاه المصالح المصرية التي تسعى إلى أن تكون مركزاً إقليمياً للطاقة، وتركيا لا ترحب بمسار الخط الذي لا يراعي منطقة الجرف القاري الخاص بها".