خلال أقل من ثلاثة أشهر تحول "كلوب هاوس" إلى منصة اجتماعية جديدة لها حضور لافت في الشرق الأوسط تمثل متنفساً للباحثين عن الحرية وتحدياً تسعى الأنظمة العربية لإيجاد مخرج سريع منه، فما قصة هذا التطبيق الصوتي؟
"كلوب هاوس" هو تطبيق للدردشة الصوتية تم إطلاقه في الولايات المتحدة الأمريكية قبل عام، لكنه لم يصل إلى المنطقة العربية سوى مع مطلع العام الجاري 2021، ورغم ذلك انتشر سريعاً في الشرق الأوسط إذ أصبح هناك 6.1% من بين 15.9 مليون عملية تحميل عالمية لـ"كلوب هاوس" في المنطقة، وتأتي المملكة العربية السعودية في المرتبة السابعة عالمياً للتحميلات التي تقتصر على الدعوات فقط، بأكثر من 660 ألفاً.
وحتى الآن لا يزال كلوب هاوس محصوراً بين مستخدمي IPhone (آيفون) مما يجعله منصة شبه نخبوية، بسبب ارتفاع ثمن الهاتف الذي تنتجه شركة آبل الأمريكية، مقارنة بالهواتف الذكية الأخرى.
غرف دردشة صاخبة بلا قيود
ورصد تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية ما يدور داخل غرف الدردشة العربية على كلوب هاوس، حيث يلجأ مئات الآلاف من الأشخاص في العالم العربي إلى تطبيق الدردشة الصوتية الذي انتشر بشكل سريع، للسخرية والتنفيس ضد الحكام القدامى، ومناقشة القضايا الحساسة من الإجهاض إلى التحرش الجنسي، أو الجدل حول مكان العثور على أفضل وأرخص ساندوتش شاورما خلال الأزمة الاقتصادية.
فالنقاشات داخل تلك الغرف لا نهاية لها ومتسارعة بصورة تقطع الأنفاس، حسب وصف الصحيفة، التي قالت في تقريرها إن أكثر من 970 ألف شخص من الشرق الأوسط حمَّلوا المنصة الجديدة منذ إطلاقها خارج الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني على هواتفهم.
وأتاحت مساحة للمحادثات الشخصية في عصر أصبح فيه التواصل المباشر تحت رحمة الجائحة، وقد جمعت بين أولئك الموجودين في الداخل والكثيرين في المنفى أو في الخارج، لكن في الغالب، وفرت المنصة متنفساً عن الإحباط المعبأ في منطقة ترسخت فيها الصراعات العنيفة والمستبدون وحيث تبدو سبل التغيير قليلة إن وجدت.
وقالت ديانا مقلد، الصحفية اللبنانية التي تتابع عن كثب منصات التواصل الاجتماعي، للصحيفة الأمريكية: "إنه مقهى مفتوح يخترق ما تمنعه الأنظمة السياسية في المنطقة. كلوب هاوس جعل الناس يعودون إلى مناقشة بعضهم بعضاً".
كلوب هاوس في السعودية
ونظم السعوديون غرفاً لمناقشة من يمكنه أن يحل محل الملك سلمان بن عبدالعزيز بدلاً من ابنه الطموح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويتجادلون مع المصريين حول ما اعتبروه ديمقراطية ومع اللبنانيين والأردنيين حول تدخل مملكتهم في شؤونهم.
وتناولت غرف أخرى مواضيع محظورة تتراوح من الإلحاد إلى المثلية الجنسية، وناقشت امرأة سعودية ما إذا كان يجب السماح بالإجهاض في المملكة.
كما أصبحت المنصة مكاناً لتبادل المعلومات، وهو ما يمثل تحدياً لوسائل الإعلام التي تسيطر عليها دول المنطقة إلى حد كبير.
أحداث الأردن حاضرة على كلوب هاوس
وبعد دقائق من ورود أنباء عن محاولة انقلاب في الأردن الأسبوع الماضي، تجمع الأردنيون داخل وخارج البلاد في غرفة لتبادل المعلومات حول التقارير المربكة الصادرة عن الحكومة وتخضع لسيطرتها، وشاركت عائلات المعتقلين -في حملة التمشيط التي أعقبت ذلك- أخبارهم. ودافع بعض المستخدمين عن الملك عبدالله فيما تعهد أنصار الأمير، وهو الأخ غير الشقيق للملك المتهم بالانقلاب، بالوقوف خلفه.
ففي يوم السبت 3 أبريل/نيسان انتشرت أنباء عن حملة اعتقالات في الأردن ووضع الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية سرعان ما أصبحت حديث الناس ليس فقط داخل الأردن والمنطقة ولكن حول العالم، وما بين صدور البيانات الرسمية عن الحكومة والديوان الملكي وبين تسريبات الأمير حمزة وتقارير الصحف الغربية والإسرائيلية ازدادت الأمور غموضاً، ولا يزال الغموض سيد الموقف رغم بيان الملك عبدالله والإعلان عن انتهاء الأزمة.
وداخل غرف كلوب هاوس، تدور نقاشات لم يكن من الممكن تصورها في السابق بين عناصر من المجتمع كانوا يتجنبون أو يحجبون بعضهم بعضاً على وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.
فقد ناقش المعارضون أنصار جماعة حزب الله اللبنانية القوية. وفي غرفة أخرى، انتقد اللبنانيون البنوك الخاصة التي يلقون باللوم عليها في الانهيار الاقتصادي لبلدهم، مع وجود المصرفيين معهم في نفس الغرفة.
وفي غرفة أخرى، انتقد العراقيون -ومعظمهم من المنفيين- كيف أثرت الميليشيات الدينية العديدة في بلادهم على حياتهم. ومن بين مئات الغرف التي تناقش الحرب في سوريا، قرر بعض المستخدمين تهدئة الأجواء. ونظم نشطاء المعارضة مقابلة ساخرة مع شخص ينتحل شخصية الرئيس بشار الأسد.
الحكومات تسعى لإخضاع "كلوب هاوس" لسيطرتها
لكن المخاوف تتزايد من أن الفضاء المفتوح يمكن أن يخضع بسرعة للإشراف أو الرقابة الحكومية نفسها مثل وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى. فقبل عقد من الزمان، توافد النشطاء في احتجاجات الربيع العربي على منصات مثل تويتر وفيسبوك، اللذين وفرا مساحة حرة مماثلة، لكن منذ ذلك الحين، بدأت السلطات تستخدم المواقع لاستهداف المعارضين واعتقالهم ونشر دعايتها الخاصة.
وقد حظرت عُمان بالفعل تطبيق كلوب هاوس. وفي الأردن، حُظر في بعض شبكات الهاتف المحمول، بينما في الإمارات، تحدث المستخدمون عن بعض المشاكل التي تحدث في التطبيق دون أن يجدوا لها تفسيراً.
وانتقد المعلقون المؤيدون للحكومة كلوب هاوس في البرامج التلفزيونية والصحف، واتهموه بمساعدة الإرهابيين في التخطيط لهجمات، ونشر المواد الإباحية أو تقويض الشخصيات الدينية والدولة.
وكان موقع WorldCrunch قد نشر تقريراً في مارس/آذار الماضي بعنوان "كلوب هاوس: لماذا تخيف منصة التواصل الجديدة الأنظمة العربية؟"، رصد ما يمثله التطبيق من صداع لبعض الأنظمة الاستبدادية في المنطقة والتي تسيطر بشكل مطلق على وسائل الإعلام بأنواعها تقليدية وسوشيال ميديا، وكيف تسعى الأجهزة الأمنية في تلك الدول لاختراق غرف الدردشة من خلال التابعين لها.
فقد استقطب كلوب هاوس المدافعين عن الحقوق والناشطين السياسيين أولاً، ثم جاء دور الموالين للحكومات، وصاح أحد المشاركين في غرفة تضم معارضين لولي العهد السعودي: "لقد كبرت هذه الغرفة لأن رجال سلمان هنا للدفاع عنه".
وتحولت مناقشة الإفراج عن الناشطة السعودية المسجونة بسبب نشاطها في مجال حقوق المرأة، لجين الهذلول، إلى حالة من الفوضى مرعبة عندما هدد عدد قليل من المشاركين بفضح شخصيات الحضور وإبلاغ السلطات عنهم. وسرعان ما انقطعت الدردشة.
وظهرت تسجيلات على الإنترنت من محادثات كلوب هاوس التي اعتبرت مسيئة، مثل التي اعتبرت المثلية الجنسية أمراً مقبولاً، وهو ما أثار مخاوف من أن المستخدمين السعوديين الموالين للحكومة كانوا يراقبون المعارضين، وطُلب من إحدى المشاركات ترك محادثة بين اللبنانيين عندما اكتُشف أنها إسرائيلية، ويرجع ذلك جزئياً إلى خشية بعض المستخدمين من إمكانية محاكمتهم بموجب القوانين اللبنانية التي تحظر الاختلاط بالإسرائيليين.
ويخشى البعض من تواجد العناصر الأمنية معهم في الغرف بشكل سري. إذ يستخدم معظم المشاركين في التطبيق، والذي يظل حصرياً لمستخدمي آيفون، أسماء حقيقية ويضعون أحياناً سيراً ذاتية تفصيلية، لكن أعداداً متزايدة تستخدم أسماء وهمية.
وقال علي السباعي، المستشار في مجموعة الحقوق الرقمية SMEX التي تتخذ من بيروت مقراً لها، إنه بدون مجهولية الهوية، يمكن أن تتحول خلافات كلوب هاوس إلى عنف في الحياة الواقعية.
وقال إن سياسات كلوب هاوس "الغامضة" تثير المخاوف أيضاً. تقول الشركة إنها تخزن مؤقتاً المحادثات للتحقيق في الانتهاكات. لكنها لا تذكر إلى متى أو من يراجع المحتوى العربي، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت أطراف ثالثة غير معروفة قد تكون متورطة، مما يعرض أمن المشاركين للخطر.
وقالت ديانا مقلد، رئيسة تحرير موقع درج، وهو منفذ إعلامي مستقل على الإنترنت، إنه لن يكون من المفاجئ فرض السلطات الرقابة على كلوب هاوس. لكنها قالت إن متنفساً آخر سيظهر: "ما دام الناس لا يشعرون بأنهم جزء من عملية صنع القرار، فسيجدون هذه المنصات".