في مشهد يُلخّص الوضع المُربك الذي تعيشه إسرائيل وديمقراطيتها التي تغنت بها طويلاً، كلف الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، الثلاثاء 6 أبريل/نيسان 2021، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومة جديدة، بعد مشاورات عقدها مع الأحزاب السياسية، بعد أن حصل فيها نتنياهو على أكبر قدر من التأييد، ما جعله الأوفر حظاً للفوز بهذه المهمة، لكن في الوقت نفسه يظهر نتنياهو في محكمة القدس منذ يومين لحضور مرحلة الأدلة الرئيسية في محاكمة فساده، فكيف يقسم نتنياهو إسرائيل؟
"مفاوضات فاشلة سيجريها نتنياهو"
الرئيس الإسرائيلي، وبالرغم من تكليفه لنتنياهو، أكد في مؤتمر صحفي، أنه وبحسب المشاورات التي أجراها فإنه "ما من مرشح أمامه فرصة حقيقية لتشكيل الحكومة".
وبهذا الإعلان، يقع على عاتق نتنياهو الآن تشكيل الحكومة الإسرائيلية خلال 28 يوماً، لكن من المتوقع أن تكون جولات المفاوضات التي سيخوضها نتنياهو مع رؤساء الكتل فاشلة، حيث حسم كل زعيم قراره بإفشال الطرف الآخر.
يذكر أن الانتخابات الإسرائيلية التي أُجريت في 23 مارس/آذار، هي رابع اقتراع في عامين، كانت قد انتهت دون أن يفوز الجناح اليميني بقيادة نتنياهو ولا تحالف محتمل من معارضيه بأغلبية برلمانية، فيما تشير تقديرات إلى أن إسرائيل تتجه بنسبة كبيرة نحو انتخابات خامسة، في سبتمبر/أيلول المقبل.
نتنياهو.. الرئيس المكلف والمتهم الأول بالفساد
يقول تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية، إن المشهد المقسم على الشاشة خير ما يُلخّص الوضع المُربك الذي تعيشه إسرائيل، إذ ظهر نتنياهو في محكمة القدس الإثنين، لحضور مرحلة الأدلة الرئيسية في محاكمة فساده. وفي الوقت نفسه وعلى بعد بضعة كيلومترات، كان ممثلو حزبه الليكود يتوسّلون إلى رئيس البلاد لتكليفه بتشكيل حكومة إسرائيل المقبلة.
وبالنسبة للعديد من الإسرائيليين، فإنّ التقاء الأحداث بشكلٍ استثنائي هو أفضل مُعبّر عن الأزمة السياسية والدستورية التي يُعاني منها الشعب، وتزداد سوءاً عاماً بعد عام.
فبعد أربعة انتخابات غير حاسمة في عامين، لا يزال نتنياهو -أطول رئيس وزراء إسرائيلي خدمةً في منصبه- المتهم بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة هو أكثر الشخصيات استقطاباً على الساحة السياسية، لكنّه أيضاً رئيس أكبر أحزاب إسرائيل، الذي حاز أكبر عدد من المقاعد في انتخابات الشهر الماضي.
وبينما يقف مستقبل نتنياهو على المحك، يقول المحللون إنّ رهانه الأفضل للتغلب على مشكلاته القانونية هو البقاء في السلطة للحصول على نوعٍ من الحصانة.
ولكن في ظل عجز تكتل الأحزاب المؤيدة لنتنياهو أو المعارضة له عن تشكيل تحالف قادر على أن يحظى بأغلبية برلمانية فعلية، فستظل إسرائيل عالقة وعاجزةً عن الصفح عنه بالكامل أو إزاحته من المشهد تماماً.
النظام الديمقراطي بإسرائيل في "قفص الاتهام"
ويقول الخبراء الآن إنّ نظام البلاد الديمقراطي أصبح في قفص الاتهام. إذ قال شلومو أفينيري، الأستاذ الفخري في العلوم السياسية بالجامعة العبرية: "لا يدعي نتنياهو وأنصاره براءته، لكنهم يهاجمون شرعية المحاكمة والنظام القضائي. ومن حق رئيس الوزراء أن يحضر إلى المحكمة ويدفع بأنّه ليس مذنباً، لكن دفاعه هو في الواقع هجومٌ على شرعية النظام الدستوري".
وأدلى نتنياهو بتصريحٍ لاحق أُذيع على الهواء مباشرة يتهم فيه الادعاء بمحاولة الإطاحة به عن طريق "انقلابٍ قضائي". واتّهم الادعاء أيضاً بالتصرف بشكلٍ غير قانوني عن طريق محو التسجيلات، وتجاهل الشهادات التي لا تتماشى مع لائحة اتهامهم، وابتزاز الشهود، وغيرها من الأمور. وأضاف: "هكذا يُحاولون الإطاحة برئيس وزراء قوي من اليمين. وهكذا يبدو شكل محاولة الانقلاب الإداري".
وتجلّت الانقسامات بشكلٍ صارخ يوم الإثنين في الشوارع المحيطة بمحكمة القدس المركزية، حيث تجمهر عشرات المحتجين المؤيدين والمعارضين لنتنياهو. وأعلنت غاليت ديستيل إيباريان، عضوة الكنيست المنتخبة حديثاً: "يجري اغتيال اختياراتنا في بطاقات الاقتراع أمام النظام القضائي".
وتدور دراما الدولة الإسرائيلية في مواجهة بنيامين نتنياهو حول ثلاث قضايا اتُّهِمَ نتنياهو فيها بمقايضة الامتيازات الرسمية مقابل الهدايا من أباطرة المال والأعمال الأثرياء. وتراوحت الهدايا من طلبيات السيجار والشمبانيا باهظة الثمن، وصولاً إلى الإطراء عليه في تغطية المنافذ الإعلامية الرائدة.
وتُعرف أولى القضايا التي يُحاكم فيها بالقضية 4000، وهي الأكثر أهمية والوحيدة التي اتُّهِمَ فيها بالرشوة حتى الآن. إذ وصفت ليات بين أري، كبيرة المدعين، القضية بأنّها "كبيرةٌ وخطيرة". وأردفت أنّه وفقاً للائحة الاتهام، فإنّ نتنياهو المشار إليه بـ"المتهم الأول في القضية قد أساء استخدام السلطة الحكومية الكبرى الموكلة إليه"، حين طلب الامتيازات من ملاك المنافذ الإعلامية من أجل مصالحه الشخصية التي شملت "رغبته في إعادة انتخابه".
أكثر من 330 شاهد في قضية نتنياهو
وغادر نتنياهو قاعة المحكمة قبل صعود الشاهد الأول إيلان يشوا، الرئيس التنفيذي السابق لموقع Walla، إلى المنصة. ومن الممكن أن تستمر المحاكمة لسنوات في ظل وجود أكثر من 330 شاهداً في القضية.
وبينما يرى العديد من الإسرائيليين في المحاكمة انتصاراً لسيادة القانون، يقول النقاد إنّها تشويهٌ للعدالة، مجادلين بأنّ جميع الساسة يسعون للحصول على تغطيةٍ إعلامية إيجابية.
حيث قال آفي بيل، أستاذ القانون: "حتى في حال انتهاء المحاكمة بتبرئة كافة الأطراف كما يجب، بعد مضي عدة سنوات وإنفاق الملايين، فسوف تتحمل البلاد تكلفة تسييس القانون الجنائي لسنواتٍ طويلة مقبلة".
والعملية السياسية القائمة بالتوازي داخل مقر إقامة الرئيس رؤوفين ريفلين لم تخفف من الشعور بأنّ إسرائيل لا تزال عالقةً في حلقةٍ من عدم اليقين والاستقرار السياسيين.
إذ جاءت وفود الـ13 حزباً المنتخبة للكنيست واحدةً تلو الأخرى، يوم الإثنين، للإعلان عن هوية المرشح الذي يُؤيدونه لتشكيل الحكومة المقبلة. وحصل نتنياهو، الذي فاز حزبه الليكود بـ30 من أصل 120 مقعداً برلمانياً، على 52 ترشيحاً من حلفائه اليمينيين والمتشددين. ورغم أنّه لم يحقق أغلبية الـ61 ترشيحاً، فإنه حصل على ترشيحات أكثر من جميع خصومه، ما منحه أفضليةً واضحة.
وانقسمت المقاعد الـ90 المتبقية بين عشرات الأحزاب الأخرى، وحل حزب هناك مستقبل الوسطي ليائير لابيد ثانياً بـ17 مقعداً، بينما حصلت جميع الأحزاب الأخرى على عدد مقاعد من خانةٍ واحدة.
"المجتمع الإسرائيلي مجزّأ للغاية"
وتفاقمت الأزمة السياسية بسبب رفض نتنياهو التنحي أثناء المحاكمة، وقلة تماسك المعسكر المناهض له، والذي يتألّف من أحزاب لها أجندات متضاربة. وقد استبعد بعضها المشاركة في حكومة مع الأحزاب الأخرى.
ويعتقد العديد من المحللين أنّ الجمود سيؤدي إلى انتخابات خامسة، رغم أنّ بعض الأحزاب الصغيرة التي تتمتع حالياً بسلطةٍ كبيرة قد تخاطر بإقصائها حال العودة سريعاً إلى صناديق الاقتراع.
إذ قال يديدا ستيرن، رئيس مؤسسة Jewish People Policy Institute البحثية، إنّ العدد الكبير من الأحزاب هو دليلٌ على أنّ "التماسك الإسرائيلي على شفا الانهيار. المجتمع الإسرائيلي مجزّأ للغاية. وانعدام التماسك داخل المجتمع لن يختفي بسبب الانتخابات -أياً كانت نتيجتها".