مئة عام من التحديات والأزمات عاشها الأردن منذ تأسيسه في 1921، ويُعيد الحديث عن اكتشاف مؤامرة داخلية تتم بالتعاون مع قوى خارجية، مُتهم فيها الأمير حمزة بن الحسين شقيق العاهل الأردني الملك عبدالله التذكير بأحداث تاريخ الأردن المعقَّد.
فعلى مدى قرن من الزمان هو عمر الملكية الهاشمية في البلاد، نجا الأردن من العديد من الأزمات رغم ضعفه الاقتصادي، ورياح التغيير والثورات التي هبت على المنطقة مراراً، والحروب التي درات على حدوده وأحياناً على تخوم عاصمته، والقوى المحيطة الأكبر منه حجماً، منها الجمهوريات التي تراه رمزاً للملكيات العربية التي تبغضها، والملكيات التي تنافس أسرته الهاشمية على الشرعية الدينية.
تاريخ الأردن المعقَّد
قبل قرن من الزمان، نشأ الكيان الأردني وبدأ تاريخ الأردن الحديث، نتيجة لهزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ونتيجة أيضاً للثورة العربية الكبرى التي قادها الهاشميون.
فرغم محاربة الثورة العربية الكبرى للعثمانيين، تنصلت فرنسا وبريطانيا من وعودهما للهاشميين بتأسيس دولة عربية كبرى تحت قيادتهم.
فعندما انهارت المملكة السورية بقيادة الأمير فيصل، ابن الشريف حسين، مع هزيمتها في معركة ميسلون، في 24 يوليو/تموز 1920، ودخول الفرنسيين دمشق، شجع ذلك البريطانيون على إنشاء حكومات محلية، في شرق الأردن(سيطر عليها شيوخ العشائر والإقطاعيون الكبار)، بهدف المحافظة على استقرار المنطقة، التي اعتبرها البريطانيون جسراً يربط فلسطين بالعراق اللتين سيطروا عليهما.
وحسب الرواية الأردنية، وصل الأمير عبدالله على رأس قوته العسكرية إلى معان في أكتوبر/تشرين الأول 1920م، وقال إنه جاء لإحياء الثورة التي خمدت في حوران بجنوب سوريا، وأعلن أنه جاء وكيلاً ونائباً للأمير فيصل، الأمر الذي أغضب الفرنسيين.
وفكر الأمير في أن تكون معان العاصمة المؤقتة لحكومة سوريا في المنفى، ودعا أعضاء المؤتمر السوري للحضور إلى معان.
وفي عام 1921 قرر البريطانيون إنهاء تجربة الحكومات العشائرية التي لم تحقق نجاحاً يُذكر، حسب رأيهم، وأنشأوا إمارة شرق الأردن، ونصبوا عليها عبدالله بن الحسين، شقيق فيصل، أميراً، وأصبحت إمارة شرق الأردن ضمن الانتداب البريطاني الذي شمل فلسطين أيضاً.
وفي عام 1925 تنازل عبدالعزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية (فيما بعد) وخصم الهاشميين التاريخي عن العقبة عام 1925 بالتنسيق مع البريطانيين للأردن ليكون له منفذاً على البحر الأحمر، وذلك بعد انتزاع عبد العزيز مملكة الحجاز من الشريف حسين والد الأمير عبد الله مؤسس الأردن (الذي أعلن نفسه ملكاً للحجاز عام 1916).
التركيبة السكانية
القبائل والهاشميون
نشأ الأردن في منطقة فاصلة بين الجزيرة العربية والشام والعراق، وهي منطقة كانت ذات طابع قبلي منذ القدم، ومرت عليها شعوب سامية متعددة (وهي تعد نقطة التقاء تاريخية بين الآراميين وأبناء عمومتهم العرب).
ومنذ بدء الانتداب البريطاني كان هدف الإنجليز الرئيسي السيطرة على القبائل.
فعدّل البريطانيون من الولاءات القبلية ومن تحالفات القبائل، عن طريقين: أولهما منع الغزوات ومنع فرض الخاوة، أي ضريبة الحماية التي كان الفلاحون والقبائل الضعيفة يقدمونها للقبائل الأقوى، وكانت الخاوة هي مصدر الرزق الرئيسي للبدو. والثاني عن طريق تصنيف البدو إلى قبالئل رُحّل وشبه رُحّل.
وبعد ذلك واصلت الدولة الأردنية محاولة استيعاب البدو وإعادة تشكيل بنيتهم الاجتماعية حين حددت حصة انتخابية مخصصة للبدو، ما أعاد تشكيل التحالفات بين القبائل.
وهكذا أبرِم عقد اجتماعي بين النظام الهاشمي والقبائل، تضمّن التزام الدولة في توظيف أفراد القبائل في الجيش والخدمة المدنية، وتعهدها بتوفير الخدمات الضرورية لهم، مثل المواصلات والماء والكهرباء، مقابل ولاء غير مشروط.
واستفاد البدو من أعراف تشريعية على شكل المحاكم العشائرية، التي أنشئت عام 1924، واستمرت قائمة حتى عام 1976، ومن تخصيص مناطق انتخابية مستقلة ومقاعد مخصصة لهم في البرلمان (ستة مقاعد عام 2011).
البدو الفئة الأثيرة للهاشميين.. هل كانوا أغلبية السكان؟
ترى نادين المعوشي في فصل بعنوان "إمارة شرق الأردن" في كتاب "الهاشميون والأردن" أنه يجدر التخلي عن الفكرة الخاطئة، القائلة بأن الأردن هي بلد البدو.
إذ تقول: "لقد كان السكان المستقرون دائماً أكثر من البدو، وهؤلاء البدو أنفسهم كانوا شبه رُحّل حينما أنشئت إمارة شرق الأردن. في المقابل، كان البدو هم الفئة الأثيرة سياسياً لدى النظام، وقد جُندوا في الجيش، واعتبرت صفاتهم المتمثلة في الشرف وبساطة العيش والشجاعة مجسِّدة للصفات الوطنية، ضمن ما يمكن اعتباره عملية بدْوَنَة ثقافيّ".
هجر البدو نمط حياتهم البدوية منذ الثلاثينيات، من خلال إدماجهم في الفيلق العربي. لكنهم عانوا خلال السبعينات من تهميش اقتصادي حقيقي أدّى لانتفاضتهم في أحداث معان عام 1988 ثم عام 2002.
خلال ربيع 2011، والثورات العربية، تمكنت بعض الجماعات القبلية من الحصول من الملك على مئات الهكتارات من أراضي الدولة، فيما يُسمى الواجهات العشائرية.
اعتباراً من خمسينات القرن العشرين، أدى الوضع التشريعي الخاص الذي يحظى به البدو، والذي استغله النظام الهاشمي لمواجهة التحركات الداخلية المعارضة، إلى معارضة شعبية كبيرة.
طرد قائد الجيش الأردني البريطاني الأصل
دفعت القوى القومية العربية الملك إلى تعريب الجيش وطرد غلوب باشا، الضابط البريطاني الذي كان على رأس الجيش حتى ذلك الحين.
وبدأ بعض البدو المسيّسين بانتقاد الوضع الخاص للبدو، والذي اعتبروه استراتيجية بريطانية لتقسيم الأمة. لكن أصواتهم لم تسمع حقاً، وألغي الوضع الخاص للبدو عام 1976، بهدف توحيد الشعب الأردني بشكل أفضل. لكن البدو حافظوا على الأفضلية من حيث الالتحاق بالجيش، وحصلوا على امتيازات ومكارم خاصة للالتحاق بالجامعات الحكومية. وأخيراً وليس آخراً، ومع استعادة الحياة البرلمانية عام 1989، خصصت لهم مقاعد في البرلمان.
الأقليتان الشركسية والشيشانية
يتكون الشركس في الأصل من خليط من الشعوب القوقازية، ذات لغات مختلفة، وتنظيمات سياسية اجتماعية متنوعة، يجمعها اسم الأديغة أو "الرجال".
في أواخر القرن التاسع عشر، طرد الروس الشركس والشيشانيين من القوقاز نحو أراضي السلطنة العثمانية، وعندما جاؤوا للأردن عانوا من صعوبة التكيف مع الطقس الجاف مقارنة ببلادهم، مما أدى إلى وفاة أعداد كبيرة منهم في البداية.
وهناك تفاوتات في تقديرات عدد الشركس في الأردن، حيث يبلغ حوالي 200 ألف يمثلون نحو 2% من السكان، وفقاً لبعض التقديرات، في حين أن أغلب التقديرات تميل إلى أعداد أقل، تجعل إجمالي غير العرب في البلاد أقل من 1.3%.
ويوصفون بأنهم أمناء العرش الهاشمي، ويتكلم الشركس في الأردن لغتهم الخاصة ولهم تقاليدهم الخاصة، وهم من المسلمين السنّة. موسيقاهم ورقصهم شائعان جداً بين باقي الأردنيين. وقد اندمجوا بشكل كامل في المجتمع الأردني، من خلال الزيجات المختلطة والتعليم. ومثل غيرهم من الأقليات، يتمتعون بالمواطنة الكاملة وحقوق سياسية متساوية.
وأغلب سكان الأردن من المسلمين. ويمثل المسيحيون على اختلاف طوائفهم "أقل من 4% من السكان" أواسط التسعينات. ويرجح أن هذه النسبة في تناقص مستمر نتيجة معدلات الهجرة المرتفعة ونسبة الخصوبة المنخفضة لهذه الأقليات.
الفلسطينيون: الأغلبية الخفية
أدت الأزمات الإقليمية إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين باتجاه الأردن عام 1948، ونازحين من الضفة الغربية في 1967 والعائدين من حرب الخليج بين 1990 و1991، يضاف إلى ذلك اللاجئون إلى المملكة من حرب لبنان (1975- 1990) ومن العراق بعد حرب الخليج.
ومنذ سنة 2000 دفع اندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر/أيلول 2000، والأزمة السورية اللبنانية واغتيال رفيق الحريري باتجاه الأردن موجات جديدة من رعايا الأراضي التي تديرها السلطة الوطنية الفلسطينية وسوريا، غير مقيمين بالضرورة بشكل دائم في الأردن.
ولا توجد إحصاءات دقيقة لأعداد الفلسطينيين في الأردن، ولكن يعتقد أن الإحصاءات تميل إلى تقليل أعدادهم إلى أقل 50% للحفاظ على الوحدة الوطنية وتهدئة مخاوف قوميي شرق الأردن بتفادي تعزيز نظرية الوطن البديل التي يتمسك بها اليمين الإسرائيلي، لكن الرقم يبقى مرتفعاً بما فيه الكفاية لكبح طموح القوميين وتعليل التدخل الأردني في المفاوضات على الوضع النهائي للاجئين والنازحين.
يلاحظ أن النظام تاريخياً عمد إلى إيلاء اهتمام خاص بالبدو والشركس، باعتبارهم الأكثر ولاءً للعرش الهاشمي، والنظر لهما باعتبارهما حصن التاج الهاشمي المنيع أمام طموحات إطاحة هذا العرش من جهات قومية ويسارية وإسلامية سواء بسواء طوال ثمانين عاماً من الزمن.
أهم المحطات في تاريخ الأردن
عقد المجلس التشريعي الأردني جلسة في عام 1945 خاصة، أعلن فيها استقلال البلاد الأردنية باسم المملكة الأردنية الهاشمية، والبيعة لمؤسس البلاد عبدالله الأول بن الحسين ملكاً دستورياً.
وفي يوم 25 مايو/أيار 1946 وافقت الأمم المتحدة بعد نهاية الانتداب البريطاني الاعتراف بالأردن مملكةً مستقلة ذات سيادة. وأعلن البرلمان الأردني الملك عبدالله الأول ملكاً عليها، الذي استمر في الحكم حتى تم اغتياله في عام 1951 بينما كان يغادر المسجد الأقصى في القدس.
وظل الوجود البريطاني قائماً في البلاد حتى عام 1946.
حرب 1948: الفيلق الأردني كان أقوى جيش عربي
تعد نكبة فلسطين واحدة من أكثر المحطات إشكالية في تاريخ الأردن، حيث كان الجيش الأردني في حرب 1948 من أقوى الجيوش العربية؛ وكان يعرف باسم الفيلق العربي الذي تأسس عام 1928، بدعم وتدريب من القوات البريطانية، وكان قائده الفريق جون باجوت غلوب، الضابط البريطاني، المعروف باسم غلوب باشا.
وبينما تقول المصادر الموالية للملكية الأردنية إن الجيش العربي الأردني نجح في إلحاق الهزيمة بالقوات الإسرائيلية في باب الواد واللطرون والقدس، وتمكن من المحافظة على القدس الشرقية، فإن منتقدي النظام الأردني يرون أن طريقة أداء غلوب باشا الذي كان قائداً للقوات العربية مجتمعة ساهم في النكبة.
بعد حرب 1948 والاتهامات للفيلق العربي الأردني بأنه لم يقم بدور كافٍ في مواجهة إسرائيل، تحولت الأسرة الهاشمية في نظر كثير من الفلسطينيين والقوميين العرب إلى نموذج للأسرة الملكية العربية التي تعتبر من أدوات الغرب في المنطقة، وانتهت حياة الملك عبدالله مؤسس الأردن بالاغتيال على يد شخص فلسطيني بسبب الاتهامات الموجهة في تسهيل سقوط فلسطين.
النجاة من الحرب الناصرية
تحول الحكم الملكي الهاشمي في بلد فقير مثل الأردن إلى هدف دائم للحركات القومية العربية واليسارية، وكان الرئيس المصري جمال عبدالناصر يهاجم الملك حسين باستمرار باعتباره عميلاً للإمبريالية الغربية.
ولكن نلاحظ هنا عدة مفارقات.
خلال مراحل قيام الحكم الهاشمي في شرق الأردن تعرض لمحاولات عديدة لإطاحته تحت دعاوى قومية نحو تحرير فلسطين، ولكن هذا الحكم صمد أمام التحديات.
فلقدت سقط أنظمة ملكية عربية عريقة تحكم بلدان عربية غنية مثل أسرة محمد علي في مصر، ولم يسقط النظام الهاشمي الأردني في ذروة صعود الجمهوريات في الأردن.
وعلى العكس سقط النظام الملكي الهاشمي في العراق البلد الأغنى من الأردن، بل الذي كان ينظر لنظامه الملكي باعتباره داعم الملكية الأردنية الصغيرة.
كان أحد أسباب هذه النجاحات، اعتماد الملكية الأردنية على دعم القبائل البدوية في مواجهة انتشار الحركات اليسارية والقومية، وظهر أثر هذا الاعتماد في المواجهة بين الجيش الأردني والفلسطينيين في عام 1970.
أيلول الأسود 1970
أدت هزيمة العرب في حرب الأيام الستة عام 1967 أو ما عرف عربياً بـ"النكسة" عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية والجولان وسيناء وقطاع غزة، إلى تطرف المقاومة الفلسطينية، حسبما يرى كثيرون.
وأقام ياسر عرفات الذي كان ترأس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1969، معسكرات تدريب وقواعد عسكرية لمقاتليه الأربعين ألفاً في الأردن، لكن الواقع أن قوة الفدائيين المسلحة تطورت لتشكل "دولة داخل دولة". وسادت حالة من انعدام الأمن وأصبحت عمليات إطلاق النار شائعة في شوارع عمان.
وفي 17 أيلول/سبتمبر 1970، شنّ الجيش الأردني هجوماً مكثفاً لاستعادة السيطرة على مناطق فرضت منظمة التحرير الفلسطينية سيطرتها عليها، في هجوم عرف تاريخياً بـ"أيلول الأسود" وانتهى بوضع حدّ "للمقاومة الفلسطينية" في المملكة.
واستخدمت قوات البادية ضد الفدائيين الفلسطينيين أثناء أحداث أيلول 1970 (أيلول الأسود، كما يسميه الفدائيون).
رغم الغضب الثوري الفلسطيني من الملكية الأردنية، فإنه يلاحظ أن الأردن في النهاية أصبح هو البلد الوحيد الذي يمنح الفلسطينيين الجنسية، والفلسطيني عندما يطرد من بلد آخر، غالباً ما يجد ملاذاً له في الأردن.
ورغم أن ذلك نظر له أحياناً باعتباره وسيلة لإضعاف القضية الفلسطينية عبر رفع الضغط عن إسرائيل، فإنه في النهاية على المستوى الإنساني مثل تخفيفاً عن معاناة الفلسطينيين.
حربا 1967 و1973: التحرش بإسرائيل والتنسيق معها
في حرب يونيو/حزيران 1967، وبعد الهجوم الإسرائيلي على الجيش المصري في سيناء، تحرش الجيش الأردني بالجيش الإسرائيلي مما دفع الأخير لاحتلال الضفة الغربية والقدس الخاضعتين لحكم الأردن، رغم أنه على الأرجح أن إسرائيل كانت ستركز فقط على مهاجمة مصر وسوريا.
والأرجح أن السبب في هذا التحرش كان بالأساس هو خوف الملك حسين من أن هزيمة مصر وسوريا وحدهما دون الأردن قد تؤدي إلى اتهامه بالعمالة لإسرائيل.
حرب 1973: زعم نائب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلى الأسبق أهارون ليبران، أن الملك حسين دأب على توجيه إنذارات كثيرة لإسرائيل بشأن نوايا واستعدادات كل من مصر وسوريا العسكرية عام 1973.
ولم تبلغ قيادة مصر وسوريا أي دولة عربية بموعد الحرب، بما فيها الأردن (رغم أن لديه حدوداً مع إسرائيل)، ولكن الأردن شارك في الحرب بعد نشوبها عبر إرسال قوات إلى جبهة الجولان السورية منها فرقة مدرعة، إلى جانب الثلاث فرق التي أرسلها العراق.
اتفاقية السلام المصرية مع إسرائيل: رغم علاقات الأردن الخفية والمعروفة في الوقت ذاته مع إسرائيل، فلقد انضمت عمان إلى المقاطعة العربية لمصر بعد توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل، ولكن الأردن كان أول دولة عربية استعادت علاقتها مع القاهرة.
حرب الخليج: المخاطرة بالرعاية الخليجية
في عام 1990 وقعت واحدة من أصعب الأزمات في تاريخ الأردن، عندما غزا صدام حسين العراق، وكان الأردن عضواً في مجلس التعاون العربي الذي ضم العراق ومصر واليمن.
كما كان الأردن يعتمد على العراق بشدة اقتصادياً، سواء للحصول على النفط أو باعتبار الأردن طريق نقل رئيسياً للعراق، خاصة بعد صعوبة تدوال بغداد لتجارتها عبر الخليج وتوتر علاقتها مع سوريا في عهد حافظ الأسد.
في المقابل، كان للأردن علاقات تاريخية وثيقة مع دول الخليج، إضافة إلى وجود عمالة أردنية كثيفة بهذه الدول.
المشكلة أن الرأي العام في الأردن كان ميالاً إلى تأييد صدام حسين، واتخذ الملك حسين في ذلك الوقت مواقف اعتبرت أنها أقرب للعراق، مما أدى إلى تضرر علاقته بدول الخليج وبصورة أقل مصر.
وحاول الأردن بعد ذلك استعادة وضعه السياسي عبر دوره في مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية التي أطلقتها أمريكا بعد حرب تحرير الكويت.
اتفاق وادي عربة
كان الأردن أول دولة عربية توقع اتفاق سلام مع إسرائيل بعد مصر وذلك عام 1994 فيما عرف باتفاق وادي عربة.
وحافظ الأردن على علاقة قوية مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحتى علاقة مع حركة حماس، التي سمح لقادتها بالعمل لفترة في الأردن.
ومن المفارقات التاريخية التي تظهر تعقد وتشابك علاقات الأردن، أنه عندما تعرض رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق خالد مشعل عام 1997 لمحاولة اغتيال إسرائيلية فاشلة على الأراضي الأردنية، قايض الأردن منفذ العملية بترياق السم المستخدم في عملية الاغتيال لإنقاذ مشعل (ضابطة إسرائيلية شاركة في عملية الاغتيال سلمته لضابط استخبارات أردني، ويقال إن الترياق لم يستخدم لإنقاذ مشعل).
نُلاحظ تقلب مواقف الحكم الهاشمي عبر تاريخ الأردن بين السماح بعمل الفدائيين الفلسطينين إلى ضربهم إضافة إلى إقامة علاقات خفية مع إسرائيل تتزامن مع المشاركة في الحروب العربية، والثابت دوماً كان الاحتفاظ على علاقة وثيقة وعميقة مع الغرب.
أما مع العلاقة مع السعودية، فلقد تحولت تدريجياً من العداء بين الأسرتين الملكيتين (الناتج عن التنافس التاريخي على النفوذ في الجزيرة العربية والسيطرة على الحجاز الذي انتهى بطرد الهاشميين) إلى التقارب والتحالف في مواجهة صعود الجمهوريات العربية والحركات القومية العربية.
الأردن في عصر ترامب وبن سلمان
عبر تاريخ الأردن الحديث قدمت عمان نفسها دوماً كوسيط بين العرب والغرب والجبهة العربية التي تراعي مصالح إسرائيل.
في البداية كان ينظر للأردن باعتباره صديق الغرب المقرب في العالم العربي، ولكن ظهرت منافسة لهذا الدور مع صعود دول الخليج ثم تحول مصر إلى التحالف مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
ورغم ذلك استمر دور الأردن كحليف مهم للغرب في المنطقة، ولكن مع تزايد دوره كوسيط أيضاً بين القوى القومية والموالية للغرب في المنطقة (ظهر ذلك واضحاً في تعزيز العلاقة مع نظام صدام حسين والتنسيق والتنافس في الوقت ذاته مع نظام الأسد).
ولكن مع وصول الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لموقع الرجل القوي في المملكة، ووجود الشيخ محمد بن زايد في نفس المكانة في الإمارات، وتولي دونالد ترامب السلطة في البيت الأبيض وجد الأردن نفسه في مأزق.
فلقد ولى زمن السياسات الموالية للغرب بتحفظ، والتطبيع مع إسرائيل بدون فجاجة، إلى عهد جديد يتم فيه التطبيع بشكل مستفز حتى لكثير من القوى الغربية عبر ما يعرف بصفقة القرن.
وبالتالي أصبح الأردن يمثل عائقاً أمام التطبيع العربي الإسرائيلي بصيغته الجديدة، تطبيع يُلقي في سلة المهملات بقضايا مثل القدس، واللاجئين وحدود 67، و حتى مفهوم الدولة الفلسطينية.
كان الأردن دوماً يتهم بأنه الدول العربية الأكثر تنازلاً وقرباً لإسرائيل.
ولكن التنازلات التي طرحت في صفقة القرن، لم تكن تنازلات في ثوابت عربية وإسلامية غير مسبوقة فقط، بل ضمت تنازلات تمس الكيان الأردني، ومكانة الأسرة الهامشية.
فإنهاء قضية اللاجئين يعني تفجير أزمة كبيرة داخلية للأردن، فالفلسطينيون الذي يرجح أنهم يمثلون أغلبية السكان بالأردن قد رضوا بوضع أصبحوا مهمشين فيه نسبياً باعتبار أنه سيكون هناك حل لقضيتهم الأصلية يوماً ما، يتضمن عودة اللاجئين أو جزء منهم.
ولكن إلغاء قضية اللاجئين يهدد بتفجير التناقضات الداخلية في البلاد، كما أن تجاهل القدس في الحل يمس وضعية الأسرة الهاشمية التي تعتبر نفسها وصية على المقدسات الإسلامية في المدينة.
وكان من الواضح في عهد ترامب أن الأصدقاء الثلاثة الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد وغاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره، (وبصورة أقل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي) لم يعد يقبلون تحفّظ الأردن سواء في القضية الفلسطينية أو غيرها ويريدون من النظام الأردني الانخراط في سياستهم، وخاصة فيما يتعلق بتصعيد العداء ضد تركيا والإخوان المسلمين في المنطقة، وإيجاد منافسين للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهي أمور كلها تمس التوازن الداخلي الأردني، وتخالف طبيعة النظام الملكي الذي لم يدخل يوماً معركة صفرية ضد خصومه.
كما أنه بعد التطبيع المعلن بين الإمارات والبحرين وبعدهما المغرب مع إسرائيل والتطبيع السري المحتمل من قِبل السعودية، خسر الأردن دوره كوسيط بين إسرائيل والعرب، وحليف أمني سري لإسرائيل، في ظل امتداد رياح التطبيع من الخليج إلى المحيط، وإيجاد إسرائيل حلفاء أمنيين علنيين.
الأردن في عهد بايدن
كان لافتاً الدعم الواضح والقوي والسريع من قِبل إدارة بايدن لتحركات النظام الأردني ضد الأفراد الذين ينتمون للأسرة المالكة والنخبة الذين اتهموا بإجراء اتصالات خارجية، في وقت خرجت فيه تقارير أردنية تلمح إلى أن الجهات الخارجية هي إسرائيل، بينما قالت تقارير إسرائيلية إن الجهات الخارجية هي السعودية والإمارات.
وبصرف النظر عن حجم ما حدث في الأردن، واحتمالات أن تكون السلطة الأردنية تبالغ في توصيفها للموقف للاستفادة منه، فإن المؤكد أنه كانت هناك أزمة ما بين دول الإمارات والسعودية وإسرائيل وبين الأردن.
ولا يمكن استبعاد احتمالات تدخل الدول الثلاث في الشأن الأردني، ومحاولتها عبر علاقاتها داخل المجتمع الأردني خلق مراكز قوى منافسة للقصر الملكي، وبما أن المعارضة التقليدية في الأردن أغلبها معادية أو غير صديقة لإسرائيل والسعودية والإمارات، فإن مراكز القوى المنافسة هذه إما أنها قد تكون جزءاً من الأسرة الملكية والنخب الموالية لها أو العشائر (بالنسبة للسعودية والإمارات).
وبالنسبة لإدارة بايدن التي لا تُخفي عدم إعجابها بسياسات مصر والسعودية والإمارات وإسرائيل في أغلب ملفات المنطقة، فإنها تعتبر الأردن نموذجاً للحليف التقليدي المتزن الذي لا يميل للمغامرات.
ومن هنا لا يمكن استبعاد أن الحكم الأردني استغل مجيء إدارة بايدن للتخلص من مراكز القوى المحتملة والتي يمكن أن تكون لها صلات بدول الخليج وإسرائيل.
محنة الاقتصاد المستمرة
أصبحت الشكوى من الوضع الاقتصادي والفساد أحد ثوابت الانتقادات الموجهة للنظام في الأردن، وهو أمر تكرر في حديث الأمير حمزة.
ورغم أنه لا يمكن إنكار التأثير الكبير على الفساد وسوء الإدارة على الوضع في الأردن كغيره من الدول العربية، فإنه يجب فهم أن المعادلة الاقتصادية الأردنية بها مشكلة يصعب تغييرها دون تضحيات.
فالأردن فقير الموارد، اعتمد منذ نشأته على المساعدات الاقتصادية العربية والغربية، في المقابل استثمر النظام في العنصر البشري، بشكل كبير مما جعل للبلاد مستوى تعليم وصحة جيدين، مع مساحة كبيرة من المحسوبية لإرضاء المكونات الرئيسية في البلاد.
وأدى هذا الوضع إلى أن موارد البلاد تقتصر، إضافة للمساعدات الخارجية، على الموارد المحدودة التي تأتي من كون البلاد مركزاً للخدمات في الشرق الأوسط، وكذلك بعض الصادرات الزراعية وتحويلات العمالة الخارجية.
في المقابل، لم تستفِد البلاد من تطور العنصر البشري في بناء بنية صناعية (كما أن التركيبة الاجتماعية ذات الأصول البدوية جعلت جزءاً كبيراً من العمالة اليدوية غير أردنية).
والأهم أن تثبيت سعر العملة لعقود وغياب سياسات لتوطين الصناعة أدى إلى عدم تشجيع الصناعات المحلية، في وقت نتج عن قلة موارد الأردن المائية (التي قد تعد الأدنى في العالم) صعوبة التوسع في الزراعة.
النتيجة رغم أن الأردن بلد لديه وضع جيد نسبياً فيما يتعلق بمعدلات التنمية البشرية فإنه بلد استهلاكي غير منتج إلى حد كبير مثل أغلب البلدان العربية، وبالتالي بات يعاني من عجوزات دائمة في الميزانية والميزان التجاري.
ولكن بينما العديد من البلدان العربية الأخرى لديها موارد مثل النفط أو الغاز أو الزراعة أو السياحة، فإن الأردن يعتمد بشكل أساسي على المساعدات وتحويلات العمالة الخارجية.
وهذان العاملان يجعلان الأردن عرضة دوماً للضغوط العربية والغربية، كما أنهما مصدرين مرشحان للتراجع بشكل كبير.
وبدون تحول البلاد إلى الإنتاج، وهذا يتطلب تغييراً في المجالين الاجتماعي والسياسي معاً بما في ذلك إنهاء تعويم العملة الوطنية، فإن الأزمات الاقتصادية لن تنتهي، وسيستمر ما قد ينتج عنها من عدم استقرار وتدخلات خارجية.