“الحافلة 70” تجوب طرابلس بدلاً من الطائرات المسيرة.. طريق محلي يعيد الأمل لليبيين

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/04/04 الساعة 22:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/05 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش
رئيس وزراء ليبيا عبد الحميد الدبيبة/رويترز

"حافلة جاءت من الصين" تكشف عن مقدار التغيير الذي حدث في ليبيا خلال الأشهر الماضية. 

ففي أحد الأحياء التي عانت من أعمال العنف والقتل، تمر الحافلة 70 عبر تقاطعٍ وتتوقَّف على جانب الطريق. ينزل مقاتل ميليشيا يرتدي زياً عسكرياً. وهناك أمٌّ وابنها المراهق يرتدي سماعات رأسٍ خضراء. تُغلَق الأبواب وتستدير الحافلة. رحلةٌ أخرى عبر ساحة الألم والأمل على وشكِ أن تبدأ. 

إنها رحلةٌ لا يزال محمد جمعة يرى أن من الصعب تصديقها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية. 

رحلة لا تصدق

ومنذ اتفاق وقف إطلاق النار، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبدء المفاوضات السياسية برعاية الأمم المتحدة، بدا أن غالبية الأطراف قد اقتنعت أخيراً بأن مسار الحرب لن يؤدي إلى تحقيق أي نتيجة لصالح أي من تلك الأطراف، وهكذا صمد وقف إطلاق النار، باستثناء خروقات متناثرة من وقت لآخر من جانب حفتر، في محاولة منه لتذكير الجميع بقدرته على إفشال الجهود السياسية مرة أخرى.

وقال جمعة، 41 عاماً، الذي يستقل الحافلة كلَّ يومٍ إلى متجر ميكانيكي: "كنَّا في حربٍ دمَّرَت كلَّ شيءٍ من حولنا. لذلك عندما رأينا الحافلة لأول مرة لم نصدق ذلك، وحمدنا الله". 

لا شيء يلفت الأنظار في مظهر الحافلة 70، فهي مركبةٌ باللونين الأزرق والأبيض تنقل الركَّاب على طول الخط 83، وهو طريقٌ طويلٌ ومغبر يربط وسط مدينة طرابلس بضواحيها الخارجية. لكن على امتداد ستة أميال، حيث دمَّر الصراع منازل وأرواحاً لا تُعَد ولا تُحصَى، وحيث يدعو الليبيون الله أن تحقِّق الحكومة الجديدة الاستقرار الذي يتوقون إليه، أصبحت الحافلة رمزاً للأمل في عاصمةٍ في أمسِّ الحاجة إليها. 

وقال ماجد أبوخطوة، 23 عاماً، وهو يشاهد الحافلة تمرُّ بجواره: "عندما ترى الحافلة مليئة بالناس، يبدو لك أن هناك المزيد من الأمن وأن الناس يعودون إلى منازلهم". كان أبوخطوة منشغلاً بإصلاح محله لبيع السجائر، الذي دمَّرَته القذائف، لتحويله إلى مطعمٍ للوجبات السريعة. 

نهاية الحرب تفتح الطريق وتعطي الأمل في ليبيا الجديدة

وبدأت الحافلة 70 في طريقها في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أن استوردتها إحدى الشركات من الصين، إلى جانب 34 حافلةً أخرى، على أمل الاستفادة من نهاية الحرب. 

وقال سائق الحافلة، ناصر الدين، وهو رجلٌ طويلٌ ونحيف يرتدي زياً داكناً وقناعاً واقياً أزرق: "عندما يصعد الركَّاب على متن الحافلة، أبتسم وأقول دائماً صباح الخير أو مرحباً. أحياناً الكلمة الطيبة تجلب الفرح". 

يعتبر ناصر الدين وظيفته بمثابة دعوةٍ للأمل. وتتيح الأجرة (20 درهماً) -حتى لمن تضرَّروا بشدة من الحرب- الذهاب إلى العمل أو المدرسة. قال ناصر الدين: "إذا لم يكن لدى أحدٍ مالٌ، أسمح له باستقلال الحافلة أيضاً". 

تضيف كلُّ رحلةٍ المزيد من الإيمان بليبيا الجديدة. قال السائق: "بإذن الله وبمجهودنا نمنح الناس الثقة ليعودوا إلى ديارهم". 

ملتقى الحوار السياسي الليبي برعاية الأمم المتحدة أدى إلى انتخاب قيادة جديدة للبلاد/رويترز

منذ وقتٍ ليس ببعيد، كان طريق ناصر الدين يمرُّ عبر واحدةٍ من أكثر ساحات القتال دمويةً في طرابلس. أمطرت قذائف الهاون والمدفعية المنازل والمتاجر كلَّ يومٍ تقريباً على مدار عام. كان القنَّاصة المتمركزون فوق المباني يطلقون النار على أيِّ شخصٍ يعتبرونه عدواً، وقد فرَّ الآلاف من منازلهم. 

انتهت معركة طرابلس الآن. وهناك شعورٌ جيِّدٌ بالأمل لم يسبق له مثيل في السنوات الأخيرة. وحلَّت حكومةٌ مؤقَّتةٌ جديدة، تشكَّلَت في مارس/آذار الماضي، محلَّ حكومتين متنافستين، ووعدت بإجراء انتخاباتٍ بحلول نهاية العام. 

لكن لا يزال أولئك الذين خرَّبوا جهود السلام السابقة يلقون بظلالهم، ولا يزالون يمارسون نفوذهم: المُشرِّعون وزعماء القبائل والميليشيات والقوات الأجنبية التي أرسلت الأسلحة والمرتزقة لتحديد مستقبل ليبيا. وهناك عددٌ لا يُحصَى من العائلات الليبية النازحة لم تعُد قط. 

تشق الحافلة 70 طريقها عبر الساحات المُدمَّرة، وتعبر جيوب عين زارة ووادي ربيعة، حيث تعود الحياة إلى طبيعتها. عندما ينظر الركَّاب إلى النوافذ المُترَبة للحافلة، يرون وطنهم في مكانٍ ما بين ماضيه ومستقبله. 

وأخيراً، عادت إشارات المرور

بمجرد دوران الحافلة 70 لبدء رحلةٍ جديدة، تمرُّ مرة أخرى عبر التقاطع، فتضرب إشارة المرور، بفضل الاستعادة الجزئية للكهرباء في المنطقة. 

تواصل الحافلة طريقها مروراً بمتجر الميكانيكي، حيث كان جمعة يقف بالخارج مع زملائه في العمل. كان المتجر قد أُعيدَ فتحه قبل شهرٍ واحدٍ فقط. وكان لا بد من إصلاح السقف الذي مزَّقَته قذيفة هاون، وكذلك إحضار أدوات بدلاً من تلك التي سرقها مقاتلو الميليشيات. 

قبل النزاع، كان المتجر يخدم ما يصل إلى 15 سيارة يومياً. والآن، أصبحت هناك سيارتان فقط في المرآب. 

هناك بعض الثقة في حكومة الوحدة

وقال نزار جمعة، صاحب المحل (ليس قريباً لمحمد جمعة)، البالغ 29 عاماً: "الكثير من الأشخاص الذين فقدوا منازلهم لم يرجعوا بعد. ليس لديهم المال لإعادة البناء". 

ومع ذلك، أصبحت لديه بعض الثقة مع تشكيل حكومة الوحدة. قال وهو يقف بجانب جدارٍ لا يزال مُغطًّى بعبارات الحرب التي تحمل أسماء الميليشيات ومدنهم وقبائلهم: "إنها خطوةٌ جيِّدة أن تكون هناك حكومةٌ واحدة". 

عندما تحرَّكَت الحافلة 30 على الطريق، انطلقت بسرعة، مروراً بصفٍّ من الحافلات المحترقة والمنازل المهجورة ذات الأسقف المنهارة، ثم افتُتِحَ مؤخَّراً كشكٌ لبيع الفاكهة ومتجرٌ للأثاث. 

مرَّت الحافلة بمتجر ملابس متضرِّر من جراء القتال تملكه عائلة فادي غوما. قال فادي، 25 عاماً، وهو يشرف على العمال الذين يسحبون العوارض الخشبية: "في بلدانٍ أخرى، نرى مثل هذه الحافلات، لكن هذه هي المرة الأولى التي نرى واحدةً منها هنا". 

وقال إنه كان يخطِّط لإعادة فتح المتجر في غضون 20 يوماً. وأضاف: "كلُّ ما يمكننا فعله هو أن ندعو الله أن يكون هذا هو حدادنا الأخير". 

حذر من رئيس الحكومة الجديد وقلق من فاغنر

داخل الحافلة، بالقرب من المقاعد الخلفية، جلس عبدالرازق عبده، 61 عاماً، وهو رجل أعمال متقاعد أقل تفاؤلاً. كان حذراً من قادة ليبيا الجدد، فرئيس الوزراء الجديد عبدالحميد دبيبة، وهو رجل أعمال ملياردير، تلاحقه مزاعم فساد ينفيها من جانبه. 

قال عبده: "سنرى بعد ثلاثة أو أربعة أشهر كيف سيكون دبيبة. الإنسان ليس مجرد ملاك أو شيطان". 

وحثَّ عبده الولايات المتحدة والدول الأوروبية على مزيدٍ من الانخراط في الشؤون الليبية، وإلا، كما حذَّر، فإن السياسيين وزعماء القبائل الذين لديهم "عقلية البحث عن مصالحهم الخاصة"، سوف يعيقون التقدُّم. كان عبده قلقاً أيضاً بشأن نفوذ خليفة حفتر، أمير الحرب الشرقي الذي شنَّ في عام 2019 هجوماً فاشلاً على طرابلس أدَّى إلى تدميرها بشكلٍ كبير. 

وظلَّ عبده قلقاً بشكلٍ خاص من مرتزقة حفتر الروس من مجموعة فاغنر المدعومة من الكرملين، والذين ظلوا قابعين في البلاد. قال عبده: "العقبة الوحيدة أمامنا هي فاغنر. والأهم هو أن الدب الروسي يجب أن يكف عن التدخُّل في حكومتنا". 

طائرات مسيرة تركية وصينية

اجتازت الحافلة 70 المكان الذي كان فيه الطريق مُنقسماً من قبل بساترٍ رملي؛ من جهة كانت قوات حفتر، ومن جهةٍ أخرى مجموعة من الميليشيات التي تدعم الحكومة المُعتَرَف بها من قِبَلِ الأمم المتحدة في طرابلس. 

يقول كاتب تقرير الصحيفة الأمريكية "حلَّقَت طائراتٌ مُسيَّرة تركية وصينية فوق رؤوسنا". 

على مقربةٍ من الطريق، ظهر مبنى به فتحات كبيرة بحجم كرات البولينغ في جدرانه، كانت نتيجة ضربه بقنابل الهاون والمدفعية. كان ذلك مدرسةً، حيث جرت الجهود لتعليم 1500 طالب تتراوح أعمارهم من 6 إلى 15 عاماً. 

المدرسون وأولياء الأمور يصلحون المدرسة من جيوبهم

أُعيدَ افتتاح المدرسة في سبتمبر/أيلول بعد أن دفع المدرِّسون وأولياء الأمور تكاليف تنظيف حطام الحرب، واستبدال الكتب والمكاتب، وتمويل الرواتب. ولم تُبعَد العائلات التي لم تعد قادرةً على تحمُّل رسوم تعليم أبنائها. 

قالت أنيسة الغرياني، مديرة المدرسة، وهي امرأة صغيرة الحجم كانت ترتدي حجاباً برتقالياً ولها مظهر صارم: "نحن ندفع للأطفال الفقراء من جيوبنا. آمل أن يُعاد بناء مدرستنا ذات يوم". 

لم يعد العديد من المعلِّمين الذين نزحوا بسبب الحرب ودُمِّرَت منازلهم. 

وقالت الغرياني: "الحياة الآن باهظة التكلفة. نحن نواجه الكثير من العقبات". 

تحميل المزيد