اصطفّت المقاعد في مقهى بقرية "منشية الرجولة"، استعداداً لمشاهدة مباراة المنتخب المصري مع نظيره الكيني في العاصمة نيروبي، ضمن التصفيات المؤهلة لكأس الأمم الإفريقية 2022. وعندما أحرز المنتخب الكيني هدف التعادل في الدقيقة الخامسة والستين قال أحد الحاضرين: "ماذا يفعل محمد صلاح؟ إنه عالق مثل هذه السفينة في الثلث الأخير من الملعب".
كان عوض (31 عاماً) عامل المبيعات في مصنع أسماك، يشير نحو قناة السويس، حيث انحرفت سفينة الحاويات العملاقة Ever Given، البالغ طولها 400 متر، عن مسارها يوم الثلاثاء، 23 مارس/آذار، لتتسبب في تعطيل حركة الملاحة في واحد من أهم الممرات الملاحية التجارية في العالم.
نشأ عوض وعاش حياته بأكملها في قرية "منشية الرجولة" المجاورة للقناة، حيث يشاهد منذ عقود مع بقية سكان القرية سفن الحاويات العملاقة تمرّ يومياً دون حوادث، وهي تحمل النفط والوقود وغيرهما من البضائع الثمينة بين آسيا وأوروبا.
كان تعبير المرارة على سكان القرية الفقيرة ملحوظاً في تعليقاتهم على الجهود والأموال الضخمة التي خصصتها الحكومة والمجتمع الدولي في محاولات تعويم السفينة العالقة، والتي كُللت بالنجاح يوم الإثنين، 29 مارس/آذار. قال عوض لموقع Middle East Eye البريطاني: "نتمنى أن يُوجه جزء بسيط من الجهود المبذولة لإعادة السفينة إلى مسارها من أجل حل مشكلات قريتنا".
اسم قرية "منشية الرجولة" يتردد في الصحافة العالمية
تردد اسم قرية "منشية الرجولة" في الأوساط العالمية خلال الأسبوع الماضي، وربما لأول مرة كُتب اسم القرية باللغة الإنجليزية في الصحافة العالمية. من القرية، تصبح لديك إطلالة مباشرة على سفينة الحاويات العالقة التي دفعت التجارة العالمية إلى حافة الهاوية.
إلا أن القرية، التي تبعد 20 دقيقة بالسيارة عن ميدان الأربعين بمحافظة السويس، حيث شرارة اندلاع مظاهرات 2011، والذي شهد مقتل عشرات المتظاهرين في اشتباكات مع قوات الشرطة، لا تختلف كثيراً عن العديد من القرى الفقيرة والمهملة التي تنتشر في ربوع البلاد.
يقول مراسل موقع MEE البريطاني: رفض سائقو سيارات الأجرة دخول القرية بسبب طرقها الوعرة غير الممهدة، وتلخّصت الخيارات المتاحة في مركبات "التوكتوك"، والسيارات الخاصة والعربات التي تجرها الخيول، كما كان الصرف الصحي مشكلة واضحة للجميع. العديد من البيوت مبنية بشكل غير قانوني بالطوب الأحمر بجوار الأراضي الزراعية، وتعمل بكهرباء ومياه غير رسميين.
يقول تامر (16 عاماً)، طالب بالمدرسة ويعمل سائق توكتوك لمساعدة عائلته، إنه لم يرَ أي شخص أجنبي طوال حياته حتى حادثة السفينة Ever Given. وقال: "لقد رأيت الكثير من الأجانب خلال الأيام القليلة الماضية، من بينهم الكثير من النساء الجميلات".
لم تكن الشهرة هي نصيب قرية "منشية الرجولة" الوحيد خلال أزمة السفينة العالقة، بل كان هناك أيضاً الكثير من رجال الشرطة بالملابس المدنية يجوبون أنحاء القرية الفقيرة. قالت سامية، 45 عاماً– ربة منزل، إن المدينة لم تشهد مثل هذا الوجود الأمني وهذا العدد من رجال الشرطة بالملابس المدنية منذ الانتخابات الأخيرة".
وسخر ابنها هيثم (29 عاماً) عندما مرّت سيارة شرطة بجوار منزله قائلاً: "إننا واثقون في قدرة سيادة الرئيس والقوات المسلحة على حل الأزمة ومعاقبة جماعة الإخوان المسلمين على دورهم في ذلك الحادث"، مشيراً بذلك إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي وهوسه بقمع الجماعة الإسلامية المحظورة.
بالإضافة إلى طوفان الصور الساخرة الذي اجتاح الإنترنت بعد أزمة السفينة، كان المصريون يسخرون من فكرة اتهام الحكومة المصرية للسفينة ورُبّانها بضلوعهم في مؤامرة تهدف إلى الإضرار بسمعة مصر.
"نتمنى ألا تصبح الأمور أسوأ بالنسبة لنا"
بينما نالت أزمة قناة السويس وتأثيراتها على التجارة العالمية اهتماماً دولياً موسعاً، لم يكن هناك اهتمام يُذكر بمناقشة التأثير المباشر لتلك الأزمة على الاقتصاد المصري، الذي يعتمد على قناة السويس لتأمين إيرادات تبلغ مليارات الدولارات سنوياً.
قالت سامية إنها تخشى أن يتأثر الاقتصاد بشكل سلبي ينعكس عليها. وأضافت: "لقد سمعنا أن المشكلة كبيرة، وقد تؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار، لكننا نتمنى ألا تصبح الأمور أسوأ بالنسبة لنا".
أما بالنسبة لتامر، الذي لم يسافر في حياته سوى إلى الإسكندرية والساحل الشمالي للعمل في مواسم الصيف، فيرى أن السفن التي يراها تعبر يومياً في قناة السويس ترمز لآماله بالخروج من "منشية الرجولة".
قال إنه يرى السفن تحمل منتجات لم يسمع بها في حياته تجوب كل أنحاء العالم، وإنه يتمنى أن يأتي اليوم الذي يتمكن فيه من السفر أيضاً. وأضاف أن الكثير من أصدقائه يفكرون في الهجرة، حتى لو بطريقة غير شرعية من خلال أوراق مزورة أو هرباً على القوارب المتجهة إلى إيطاليا.
وقال: "سمعت أن هذه السفينة متجهة إلى هولندا، أتمنى أن أتمكن يوماً ما من الحياة في مكان مماثل، وألا أزور منشية الرجولة إلا في العطلات والإجازات".