مع تقارب الوقت نحو موعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية، المقرر في 22 مايو/أيار القادم، تدور أحاديث عن احتمالات تأجيل الانتخابات لأسباب داخلية تخص حركة فتح المسيطرة على السلطة الفلسطينية، أو لعدم وضوح مصير إجراء الانتخابات بالقدس، أو لضعوط "إسرائيلية وإقليمية" تسعى بكل قوة لإلغائها أو تأجيلها.
ومن المقرر أن تُغلق لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، الأربعاء 31 مارس/آذار، باب الترشح، بعد 12 يوماً على بدء استقبال هذه الطلبات. وحتى يوم الإثنين 29 مارس/آذار، تلقت لجنة الانتخابات طلبات 15 قائمة مرشّحة للانتخابات التشريعية، من بينها قائمة حركة "حماس" التي حملت اسم "القدس موعدنا"، في حين لم تقدم حركة "فتح" التي تمسك بزمام السلطة قائمتها حتى الآن، ما يضع علامات استفهام كبيرة عن احتمالات ميل السلطة نحو تأجيل الانتخابات.
"تأجيل الانتخابات مطروح على الطاولة".. ما الذي يحدث داخل أروقة السلطة الفلسطينية؟
وكان عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، رئيس دائرة علاقاتها الدولية، قد صرّح بأن حماس تُقدّر احتمالية إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل الانتخابات التشريعية بنسبة تصل إلى 40%.
وفتحت تصريحات أبو مرزوق الباب أمام سيناريوهات محتملة للحالة السياسية الفلسطينية في حال أصيبت بانتكاسة جديدة على الصعيد السياسي، تحديداً في هذا الظرف الإقليمي المعقد. وجاء حديث أبو مرزوق على هامش لقاء خاص عقده مع نخبة من الصحفيين الفلسطينيين، الجمعة 26 مارس/آذار 2021، على تطبيق (Clubhouse) للتواصل الصوتي.
وتطرَّق القيادي في حماس في حديثه إلى أسباب تأجيل الانتخابات الفلسطينية، والتي تنحصر في أربعة عوامل وهي: عدم تشكيل الفريق الأمريكي الخاص بالمنطقة، وموقف إسرائيل وتدخلها في الانتخابات، وانقسامات فتح الداخلية، ومشاركة المقدسيين في الانتخابات ترشيحاً وتصويتاً.
والأسبوع الماضي، أقرّ أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب، بوجود ضغوط إسرائيلية "وحتى إقليمية وعربية"، لإلغاء الانتخابات، وقال إن الرئيس محمود عباس رفضها. وأضاف في لقاء عبر تلفزيون فلسطين (رسمي) إن هناك "تهديدات وضغوطاً إسرائيلية ومؤتمرات، وتشغيل مال سياسي من دول عربية، وتحريضاً وضغطاً ومحاولة بث فتنة داخلية، وكلها تصب في خدمة تل أبيب".
وكشف الرجوب عن وجود حوارات مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقال إن إدارة الأخير مهتمة بـ"مسألتين تتعلقان بالفلسطينيين: الديمقراطية طريق للحكم، والوفاء باستحقاقات مطلوبة تجاه المجتمع الدولي والشرعية الدولية"، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
ولم يكشف الرجوب أسباب الضغوط لتأجيل أو إلغاء الانتخابات، لكنّ صحفاً إسرائيلية ذكرت أن تل أبيب وبعض العواصم الإقليمية تخشى من فوز حركة "حماس" في الانتخابات، بسبب الانقسامات في حركة "فتح" وتشظّيها، وهو الأمر الذي قد يُفسّر تأخر الحركة في الإعلان عن قائمتها الانتخابية حتى الآن.
فصائل تستبعد التأجيل وأخرى تتمسك بالموعد
من جهته، يستبعد واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تأجيل الانتخابات. وقال في حديث لوكالة الأناضول يوم الأربعاء 30 مارس/آذار، إن "أي حديث عن التأجيل غير عملي، إن الانتخابات مدخل لترتيب الوضع الداخلي وإنهاء الانقسام، بالإضافة لكونها تجديداً للمؤسسات وللشكل الديمقراطي الذي يجب أن يسود".
وأوضح أن المجتمع الدولي "يدرك مدى أهمية الانتخابات لتجديد الديمقراطية، ونحن مُجمعون على أنها قد تشكّل مدخلاً لإنهاء الانقسام"، لكن أبو يوسف يضيف أن لإسرائيل "مصلحة في إفشال الانتخابات"، وهو ما يُشكل تحدياً كبيراً للفلسطينيين، حسب قوله.
من جانبه، يُبدي عبداللطيف القانوع، متحدث حركة "حماس"، تفاؤله بإجراء الانتخابات في موعدها، نافياً وجود أي معيقات لدى حركته "تحول دون عقد الانتخابات أو تؤدي إلى تأجيلها". مضيفاً للأناضول أن حماس مهتمة بـ"إتمام الانتخابات، وستذلل العقبات وتقفز عنها لإنجاح هذا المسار".
وتابع: "كل ما من شأنه تأجيل الانتخابات سنتغلب عليه، سواء فيما يتعلق بملف كورونا أو الانتخابات في مدينة القدس المُحتلّة"، مجدداً تأكيد حركته على تمسّكها بإجراء الانتخابات في مدينة القدس. مشيراً في الوقت ذاته إلى "وجود جهود للضغط على الاحتلال لمنع تدخله في مسار العملية الانتخابية، أو منع إجرائها في القدس"، دون إعطاء مزيد من التفاصيل حول مصدر هذه الضغوط.
أزمة إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس وانقسامات فتح
ولم تتلق السلطة الفلسطينية حتى الآن رداً على طلب وجّهته لإسرائيل للسماح بإجراء الانتخابات شرقي القدس، ما يثير تساؤلات مراقبين، حول إمكانية السماح بإجرائها في المدينة.
وتلوح السلطة الفلسطينية بعدم إجراء الانتخابات إذا لم تتم في القدس، وشدد وزير الخارجية رياض المالكي يوم الإثنين على أهمية إشراك المقدسيين في الانتخابات ترشيحاً وانتخاباً، وأنه "من دون القدس لن تكون هناك انتخابات".
بينما لم تتقدم حركة فتح، بزعامة الرئيس محمود عباس، بقائمتها بعد للمشاركة في هذه الانتخابات. ومن المتوقع أن تقدمها الثلاثاء أو الأربعاء 30 أو 31 مارس/آذار 2021، قبل انتهاء موعد قبول الطلبات.
في الوقت نفسه، تشهد حركة فتح تصدعاً داخلياً كبيراً، وتبدو الآن أكثر الفصائل المعنية بتأجيل هذه الانتخابات إلى حين ترتيب البيت الفتحاوي، خصوصاً بعد أن أصدرت اللجنة المركزية قراراً بفصل ناصر القدوة (ابن شقيقة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات) من عضويتها؛ احتجاجاً على اعتزامه الدخول في قائمة منافسة لقائمتها.
أيضاً تواجه "فتح" حالةً من السخط الشعبي في الضفة الغربية التي تسيطر عليها، بعد فشل حكومة محمد اشتية في إدارة أزمة كورونا، واتهامها من قِبل الأوساط الرقابية ومؤسسات المجتمع المدني بشبهات فساد في عمليات توزيع اللقاحات المخصصة للجائحة.
كما تُواجه الحركة أزمة في دخول منافسها التقليدي محمد دحلان كمرشح قوي أمام الرئيس عباس في الانتخابات الرئاسية، وقائمة تياره لخوض الانتخابات التشريعية، وترجح بعض استطلاعات الرأي أن قائمته قد تكسب 10-15% من مقاعد المجلس التشريعي، وهي من أصوات قواعد فتح في قطاع غزة.
"تأجيل الانتخابات على الطاولة لكن إدارة بايدن غير معنية بذلك"
من جهته، يقول أحمد رفيق عوض، رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس (غير حكومية)، إن "تأجيل الانتخابات على الطاولة"، لكنه يستبعد ذلك "رغم وجود مخاطر ومعوقات". وفي حديثه للأناضول، يقول المحلل الفلسطيني إن الانتخابات "مطلب إقليمي، واستحقاق دستوري، وباتت اشتراطاً للدخول في أي عملية تسوية".
ويضيف عوض أن الإقليم "يتغير بشكل كبير، وعلى الفلسطينيين أن يُقلِعوا مع دول هذا الإقليم في الأحلاف والسياسات والتوجهات الجديدة، بعد ترتيب بيتهم الداخلي".
ويؤكد قائلاً: "أجزم أن الفلسطينيين وصلوا إلى مرحلة لا يمكن فيها التراجع على الإطلاق عن إجراء الانتخابات". ويستبعد المحلل السياسي أن تكون الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن معنية بتأجيل الانتخابات.
فيما يستبعد الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، "وجود عوامل جديدة تدفع باتجاه تأجيل إجراء الانتخابات التشريعية". مضيفاً للأناضول، أن "الرئيس عباس حينما أصدر المراسيم الخاصة بالانتخابات، كان الأمر قائماً على تفاهمات محسوبة، سواء فيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي أو الإقليمي أو الأمريكي من الانتخابات".
ولا يرى عوكل أي تطوّر جديد في تلك المواقف، يؤدي إلى قرار التأجيل. وبيّن أن الموقف الإسرائيلي منذ إصدار المراسيم واضح، "وقد تدخّلت تل أبيب في إجراء الانتخابات، ووجّهت تهديدات للمرشحين وللسلطة"، لكنّها اليوم تعيش "أزمةً سياسية كبيرة وموقفها -الحالي- لم يتضح بعد".
وذكر أن الانقسامات الداخلية في "فتح"، وإن كانت تؤثّر على قائمة الحركة الرسمية التي تنوي الترشّح، إلا أنها "لم تصل إلى حد يضرب الحسابات العامة، ويدفع الحركة باتجاه تأجيل الانتخابات"؛ خوفا من الخسارة.
يُذكر أنه في حال جرت الانتخابات بموعدها فستكون المرة الأولى منذ 15 عاماً، عندما فازت حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي في آخر انتخابات عامة في 2006.
يشار إلى أن أرقام لجنة الانتخابات الفلسطينية تُظهر أن نحو 2.5 مليون مواطن بالضفة الغربية وقطاع غزة سجلوا للمشاركة في هذه الانتخابات، التي ستكون وفق التمثيل النسبي الكامل، بمعنى أن المشاركة فيها ستكون من خلال القوائم فقط.