بينما يكافح العالم للانتصار على وباء كورونا من خلال اللقاحات، يكثف العلماء جهودهم للتوصل إلى وسائل أكثر قدرة على التنبؤ بالجائحة المقبلة من خلال إجابة سؤال: أي الحيوانات أكثر احتمالاً لحمل الفيروس المقبل المميت للبشر؟
كان فيروس كورونا قد ظهر في الصين أواخر عام 2019، لكن تلك المعلومة لا تزال قيد البحث في ظل رفض بكين تلك الفرضية، ثم تحول الوباء إلى جائحة عالمية في مارس/آذار 2020، واليوم أصاب كورونا أكثر من 127 مليون شخص، فقد نحو 2.8 مليون حياتهم وتعافى أكثر من 102 مليون، بينما تتواصل حملة التطعيم حول العالم وإن كانت بوتيرة مختلفة من دولة لأخرى بسبب الإمكانيات المادية والتقنية.
وفي ظل هذه الكارثة الصحية التي يعاني منها العالم أجمع، يواجه العلماء تحدياً أصبح ملحاً بضرورة التوصل لطرق جديدة للتنبؤ بأي الحيوانات أكثر احتمالاً لحمل فيروس ربما يكون أكثر فتكاً من كورونا عندما ينتقل للبشر.
أي الحيوانات قد يصاب بفيروس كورونا؟
قالت مايا وردة، من جامعة ليفربول، وهي مؤلفة مشاركة في ورقة بحثية نُشِرَت في مجلة Nature Communications، لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، إن عدد الثدييات التي يمكن أن تُصاب بأشكال عديدة من فيروس كورونا أكبر بكثير مما كان معروفاً في الماضي.
ويُقدم عدد من دول العالم على المشاركة في تمويل برامج لاختبار الحيوانات البرية التي ارتبطت بحالات تفشٍّ في الماضي أو تُعتَبَر عالية الخطورة، مثل الخفافيش والقوارض. ويجري تجميع العينات وتتبُّعها لتحديد الفيروسات الجديدة، بما في ذلك الفيروسات التي يمكن أن تصيب البشر، وهناك أيضاً جهود جارية لإجراء اختبارات للحيوانات الأليفة والبرية وتلك الموجودة بحدائق الحيوانات والماشية لمعرفة ما إن كان يمكن أن تُصاب بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).
وأدت جائحة كوفيد 19 إلى إطلاق استراتيجيات إضافية لتقدير المخاطر بشكل أفضل، وتقديم تنبؤات أكثر دقة، ثم تحديد أي الحيوانات تحتاج إلى مراقبة أوثق، إذ تقول د. باربرا هان، خبيرة بيئة المرض بمعهد كاري لدراسات النظم البيئية في بلدة ميلبروك بمدينة نيويورك: "لا يمكنك البحث في كل مكان عن شيء خطر طيلة الوقت. هذا أمر غير مُستدام، وهو عمل مكلف وشاق، خصوصاً لو كنت لا تعلم ما الذي تبحث عنه".
وتمزج أبحاث د. باربرا وزملائها البيانات بشأن مُستقبِلات الأنجيوتنسين 2 (ACE2) في الحيوانات، التي تستخدمها الفيروسات لإصابة الخلايا البشرية، بمعلوماتٍ حول بيئات الحيوانات وأنظمتها الغذائية وتمثيلها الغذائي وبيولوجيتها للتنبؤ بأي الحيوانات والفصائل بالضبط أكثر احتمالاً للإصابة بكوفيد 19 ونقله للآخرين. وتضيف: "أردنا إطلاق تنبؤات أكثر دقة ويمكن اختبارها ميدانياً".
خطر تهجين كورونا بفيروس تاجي آخر
ويتمثل التهديد الأكثر إلحاحاً للصحة العامة من وجهة نظر بعض العلماء في إمكانية تهجين فيروس كوفيد 19 مع فيروس كورونا آخر داخل أحد الحيوانات، وبحسب د. ماركوس بلاغروف من جامعة ليفربول، وهو أحد مؤلفي الورقة البحثية في مجلة Nature Communications، فإن هذه عملية يمكن أن تحدث حين يصيب فيروسان نفس الحيوان، فيتبادل الفيروسان المادة الجينية ثم يُكوِّنان مرضاً جديداً.
وقد حددت الدراسة الجديدة عدداً أكبر مما هو معروف حالياً من الثدييات التي يمكن أن تكون مصدراً محتملاً للتسبب بإيجاد أشكال جديدة من فيروس كورونا. يشمل بعضها أسماء مألوفة يُعتَقَد أنها كانت مصدراً أو وسيطاً في حالات تفشي فيروس كورونا السابقة، مثل خفاش حدوة الحصان، وزباد النخيل، والجمل العربي ذي السنام الواحد، وآكل النمل الحرشفي. لكن هناك أيضاً أسماء جديدة مشتبه بها برزت خلال التحليل الذي قدمه الفريق، بما في ذلك القرد الأخضر الإفريقي والخفاش الآسيوي الأصفر الصغير. وخلصت الدراسة إلى أنَّ قائمة الحيوانات الأخرى التي تجب متابعتها تضم أسماءً مثل القنفذ الشائع والأرنب الأوروبي والقطط المنزلية.
وعملية إطلاق تنبؤات بشأن حالات التفشي المستقبلية ليست سهلة. فمن ناحية، يقول الباحثون إنَّه من المحتمل حدوث الجوائح بوتيرة متكررة أكثر، بسبب السلوك البشري صعب التغيير. إذ تضم المزارع والأسواق حيوانات منزلية وبرية تعيش بالقرب من بعضها وتزيد احتمالية انتقال الأمراض بين الحيوانات وإلى البشر. ويستمر الناس في التوغل إلى مواطن الحياة البرية من خلال إزالة الغابات وبناء الطرق والمدن.
يقول د. سكوت نوسمر، الأستاذ بقسم العلوم البيولوجية بجامعة أيداهو الأمريكية: "إننا نضع أنفسنا على اتصال أكبر مع الحيوانات وميكروباتها".
ويقول سايمون أنثوني، اختصاصي الفيروسات بجامعة كاليفورنيا: "هناك الكثير جداً من الطرق التي يمكن أن ينتقل بها الفيروس إلى البشر، ومن الصعب وضعها كلها في الحسبان".
ويضيف د. أنثوني أن تطوير أساليب رياضية وإحصائية لمعرفة الأنماط وإطلاق تنبؤات أفضل هو أمر مفيد. لكنَّ عملية الانتقال معقدة، وغير مفهومة بشكل كامل، ومن المحتمل أن تضم أحداثاً عشوائية لا يمكن التنبؤ بها. ويكمل: "نحن بحاجة إلى كل المساعدة التي يمكننا الحصول عليها لاتخاذ القرارات. لكنَّ حالات تفشي الفيروسات تتضمن الكثير من الاحتمالات".
وكثيراً ما يواجه الباحثون تحديات أثناء محاولة وضع خوارزمية أفضل للتنبؤ بالحيوانات الأكثر احتمالاً لنقل كوفيد 19. إذ تضم قواعد البيانات معلومات أكثر بكثير عن الحيوانات التي درسها البشر لعقود بسبب البحوث الطويلة التي أجراها بعض العلماء أو بسبب أنَّ هذه الحيوانات تمثل صناعة مهمة مثل الدواجن. فعلى سبيل المثال، يقول ماسيج بوني، عالم الأحياء التطوري والأستاذ المساعد بجامعة ولاية بنسلفانيا الأمريكية، إنَّه من المعروف أنَّ الخفافيش مصدر مهم لفيروس كورونا، لكنَّ قواعد البيانات التي تضم التسلسل الجيني لهذه الفيروسات ليست شاملة، خصوصاً بالمقارنة مع قواعد بيانات إنفلونزا الطيور. ويضيف أنَّه قبل كوفيد 19، لم يكن هناك حافز اقتصادي لدراسة الخفافيش، بينما صناعة الدواجن تجارة تُقدَّر قيمتها بعدة مليارات من الدولارات. علاوة على ذلك، تفضل الكثير من الخفافيش التجمع في مناطق مظلمة ونائية لا يسهل دوماً الوصول إليها.
وتقول د. باربرا إنَّه عند إنشاء خوارزمية التنبؤ الخاصة بهم في معهد كاري، سعى الفريق البحثي للحصول على بيانات التسلسل الجيني لمستقبلات الأنجيوتنسين 2 في الحيوانات. لكن ولا قاعدة بيانات واحدة كانت تضم كل المعلومات التي احتاج العلماء لمعرفتها.
لذا، جمعوا بصعوبة المعلومات من قواعد بيانات أخرى حول مواطن الثدييات وأنظمتها الغذائية وتمثيلها الغذائي وبيولوجيتها، وهي المعلومات التي مزجوها بعد ذلك مع التسلسل الجيني والبيانات الجزيئية من أجل تقديم تصور عن أي الحيوانات يمكن أن تُصاب بكوفيد 19 وتنقل الفيروس للآخرين.
وتقول د. باربرا إنَّه تبيَّن أنَّ بعض الحيوانات من المحتمل جداً أن تنقل كوفيد 19، لكن يُستبعَد أن تصادف البشر بشكل منتظم، مثل حيوان المها معقوف القرن أو مها أبو عدس. وحلَّت هذه الحيوانات في مرتبة متأخرة ضمن قائمة الحيوانات التي تحتاج إلى متابعة أوثق. لكنَّ الفأر الغزال والفأر أبيض القدمين، اللذين كثيراً ما يأويان مُسبِّبات الأمراض ويزدهران خلال العيش بين البشر، حلَّا في أعلى القائمة. وقالت د. باربرا إنَّه حين يتعلَّق الأمر بإطلاق تنبؤات بشأن الحيوانات الأكثر احتمالاً لتكون جزءاً من الجوائح المستقبلية، "يُعَد الاتصال بالبشر هو العنصر الأهم".
الفيروسات تنتقل من هذه الحيوانات للبشر
تأتي غالبية الأمراض المعدية من الحيوانات ثم "تنتقل" إلى البشر، وارتبطت حالات التفشي السريعة مثل تفشي مرض فيروس إيبولا ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) بالتفاعلات البشرية مع حيوان زباد النخيل، والجمل العربي وحيد السنام، والثدييات من رتبة الرئيسيات باستثناء البشر، والقوارض، ويعتقد الكثير من العلماء أنَّ أصل كوفيد 19 يعود إلى الحيوانات، لكنَّها ما تزال مسألة محل نقاش.
لكن لا يشعر العلماء بالقلق فقط من أنَّ الحيوانات قد تكون هي السبب في الانتقال الأولي إلى البشر، بل أيضاً من إمكانية أن ينقل البشر فيروس كورونا إلى الحيوانات. وفي هاتين الحالتين، قد يبقى الفيروس بين جماعات الحيوانات، ويستمر في إصابة الحيوانات وربما إصابة البشر مجدداً. وهناك بالفعل حالات مسجلة ترتبط بإصابة حيوان المنك في الولايات المتحدة وأوروبا بعدوى كوفيد 19 من البشر في البداية ثم نقل الفيروس مجدداً إلى البشر. وكثيراً ما يحدث للفيروسات تغيرات جينية أثناء انتقالها بين المُضيفين. وتقول د. باربرا إنَّه في حال أعادت الحيوانات في النهاية نقل سلالة أكثر فتكاً من الفيروس للبشر، قد يُقوِّض ذلك جهود السيطرة على الجائحة من خلال التطعيم.
وبحسب مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، أُفيد بأنَّ عدداً صغيراً من الكلاب والقطط الأليفة أُصيبت بعدوى كوفيد 19 حول العالم. وتُجرى حالياً دراسات لمعرفة أي الحيوانات قد ينقل المرض إلى الإنسان. وتُظهِر البيانات حتى الآن أنَّ الكلاب يمكن أن تُصاب، لكن لا يبدو أنها تنقل الفيروس إلى الحيوانات الأخرى من نفس النوع بالسهولة نفسها التي تنقله بها القطط أو حيوانات ابن مقرض، على الأقل داخل المعمل.
وتجري فانيسا هيل من جامعة أوهايو الأمريكية اختبارات للبحث عن كوفيد 19 في الحيوانات والبيئة. وتستهدف فرق المراقبة القطط في ملاجئ الحيوانات والعيادات البيطرية، والخنازير في المعارض الزراعية، والحيوانات التي يصطادها ناصبو الفخاخ والصيادون، فضلاً عن حيوانات أخرى. وجاءت نتائج كل اختبارات الحيوانات التي تمت في ولاية أوهايو منذ مايو/أيار 2020 سلبية، بما في ذلك اختبارات حيوانات ابن مقرض والأحصنة والماعز. وقالت د. هيل: "لا نريد أن يخاف الناس من القطط والكلاب في منازلهم. فحتى هذه المرحلة، لا تلعب الحيوانات دوراً كبيراً في إصابات البشر".