أدى جنوح سفينة عملاقة في قناة السويس إلى ارتفاع أسعار النفط، على الرغم من أنّ توقف حركة الملاحة في الممر المائي المصري الذي يربط الأحمر بالبحر المتوسط، لا يتوقع أن يستمر طويلاً.
كانت "إيفر غيفن"، سفينة الحاويات التايوانية التي يصل وزنها إلى 200 ألف طن بطول 400 متر وعرض 60 متراً تقريباً، قد جنحت بين ضفتي القناة، بعد مغادرتها ميناء السويس، بعد أن أدّت عاصفةٌ رملية إلى جنوحها. بينما حاولت قاطرات الجر والحفارات الميكانيكية تحريرها، وكانت السفينة في طريقها من يانتيان بالصين إلى روتردام في هولندا.
ولا تزال محاولات تعويم السفينة العملاقة جارية، فيما تسبب الحادث في تكدس السفن بالاتجاهين انتظاراً لحل المشكلة وعودة الحركة الملاحية في القناة إلى طبيعتها، ويأمل مسؤولو هيئة قناة السويس المصرية حدوث ذلك خلال ساعات، لكن حتى لو حدث ذلك فإن السفن العالقة في الاتجاهين قد تتأخر لمدة أيام لعبور القناة، بحسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
أسعار النفط ترتفع
تربط قناة السويس البحر المتوسط بالمحيط الهندي عبر البحر الأحمر، ومن هنا تكمُن أهمية القناة، إذ إنّها تفتح طريقاً مباشراً للشحن بين أوروبا وآسيا دون الحاجة إلى الإبحار حول إفريقيا.
وعلى الرغم من أن مشكلة جنوح سفينة بحجم "إيفرغيفن" ليس أمراً شاذاً أو غريباً، وتحدث بعض المشكلات في القناة بالفعل وكان آخرها عام 2018 حين أُغلِقَت القناة عقب حادث تصادم، فإن حجم المشكلة هذه المرة ظهر بشكل فوري، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ولا تمثل قناة السويس أهمية قصوى فقط لحركة نقل البضائع والحاويات بين آسيا وأوروبا والتي تبلغ تقريباً 30%، بل تتعدى ذلك بالنسبة لإمدادات النفط العالمية، إذ يمُرُّ نحو 10% من النفط العالمي عبر القناة وشبكة خطوط الأنابيب المرتبطة بها، وقد صارت طريقاً مهماً لنقل النفط الروسي إلى آسيا.
وفي العام الماضي عبرت في القناة نحو 19 ألف سفينة، أي ما يُعادل 51.5 سفينة في اليوم، بحمولةٍ صافية تصل إلى 1.17 مليار طن وفقاً لهيئة قناة السويس. مما يُشكل مصدر دخلٍ مهم لاقتصاد مصر المُنهك، عن طريق جلب قرابة ستة مليارات دولار من الرسوم سنوياً.
وقد وضعت مصر أهدافاً طموحة لزيادة حركة المرور عبر القناة، التي تستغرق شحنة النفط الخليجية فيها نصف الوقت الذي قد تقطعه عادةً في طريقها حول الطرف الجنوبي من إفريقيا في طريقها إلى المملكة المتحدة.
ومع اعتماد جزءٍ كبير من حركة النفط العالمية على القناة، فإنّ الخطر المباشر -في حال عدم إعادة فتحها بسرعة- قد يصل إلى ارتفاع أسعار النفط وزيادة تكلفة عقود حاويات الشحن في حال أُجبِرَت السفن على سلك المسارات الأطول والأكثر استهلاكاً للوقت.
وهذا ما حدث بالفعل، حيث شهدت عقود النفط تسليم مايو/أيار المقبل، ارتفاعاً بنسبة 4% بالنسبة لخام برنت أي 2.41 دولار، ليصل سعر البرميل إلى 63.17 دولار، كما ارتفع سعر خام غرب تكساس الأمريكي بنسبة 4.2%، ليصل إلى 60.17 دولار للبرميل، بحسب موقع MarketWatch.
وقال مات سميث مدير أبحاث السلع في كليبرداتا للموقع، إنه على الرغم من زيادة مخزون النفط الأمريكي للأسبوع الخامس على التوالي، وهو ما كان يُفترض أن يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، فإن "الأسعار ارتفعت اليوم، بسبب إغلاق قناة السويس"، مضيفاً أن "الممر المائي المصري يعتبر نقطة عبور رئيسية لعدد من السلع، خصوصاً النفط الخام".
وأشار سميث إلى أن عودة الأسعار للاستقرار مرتبطة بشكل أساسي بالمدى الزمني الذي قد تستغرقه عودة الحركة الملاحية في قناة السويس إلى طبيعتها.
متى تعود حركة الملاحة في القناة؟
لا تزال الإجابة عن هذا السؤال غير متاحة وتشوبها الضبابية، إذ كان البيان الذي صدر صباح الأربعاء 24 مارس/آذار ونشره الموقع الرسمي لهيئة قناة السويس المصرية، قد نقل رسالة طمأنة، من الفريق أسامة ربيع رئيس الهيئة، بخصوص حركة الملاحة بالقناة "وانتظامها مرة أخرى من خلال مجرى القناة الأصلية".
لكن صور الأقمار الصناعية تُظهر طوابير من السفن في الاتجاهين تنتظر المرور عبر قناة السويس، ففي الأيام العادية يُمكن رؤية سلسلة من ناقلات البضائع على بُعد أميال وهي تتهادى على ضفتي قناة السويس، ولكن هذا المشهد لم يحدث بعد، حيث أُغلِقَ الممر المائي الذي يبلغ طوله 193 كيلومتراً وتم افتتاحه عام 1869.
وأُثيرت احتمالية الإغلاق المطوّل اليوم، بالتزامن مع كفاح سلطات القناة لتحرير السفينة الجانحة، إذ قال أحد وكلاء العبور لموقع ShippingWatch: "قد يستغرق الأمر بعض الوقت"، بحسب تقرير الغارديان.
ولا تمثل قناة السويس شرياناً حيوياً لحركة التجارة العالمية وحسب، بل إنها تمثل أهمية خاصة لمصر ليس فقط من الناحية الاستراتيجية ولكن من الناحية الاقتصادية أيضاً، حيث تمثل مصدراً أساسياً من مصادر العملة الأجنبية للبلاد.
وكان دخل مصر من قناة السويس يبلغ في المتوسط 5 مليارات دولار سنوياً منذ عام 2008، بحسب البيانات الرسمية لهيئة قناة السويس، وفي عام 2014 أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي عن مشروع حفر تفريعة جديدة لقناة السويس أطلق عليها "قناة السويس الجديدة"، شمل المشروع توسعة وتعميق القناة الأصلية وحفر تفريعة موازية بطول 35 كم.
وتكلف المشروع الذي تم إنجازه خلال عام وافتتح في أغسطس/آب 2015، نحو 8 مليارات دولار أمريكي، وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إن الهدف منه مضاعفة عدد السفن التي تعبر قناة السويس يومياً من متوسط 50 سفينة ليصبح المتوسط 97 سفينة، مضيفاً أنّ دخل قناة السويس سيصل إلى 13.4 مليار دولار عام 2023، بحسب تقرير لصحيفة المونيتور.
لكن البيانات السنوية التي تصدرها هيئة قناة السويس، تشير إلى أن ذلك الهدف لا يزال بعيداً تماماً عن الواقع، فإيرادات القناة عام 2014 بلغت 5.5 مليار دولار بارتفاعٍ قدره 6.75% عن إيرادات عام 2013 التي بلغت 5.1% دولار.
وبعد افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس عام 2015، بلغت الإيرادات في العام نفسه 5.2 مليار دولار، بينما انخفضت الإيرادات عام 2016 إلى 5 مليارات دولار، وفي عام 2017 حققت القناة إيرادات قياسية بلغت 5.6 مليار دولار، وارتفعت إيرادات عام 2018 إلى 5.7 مليار دولار ثم 5.8 مليار دولار عام 2019، والعام الماضي حققت قناة السويس إيرادات بلغت 5.6 مليار دولار.
وأظهرت المواقع المتخصصة في تتبع حركة الملاحة البحرية حول العالم، أن مكان السفينة الجانحة يقع بعد مدخل قناة السويس الجنوبي بمسافة قصيرة، وليس عند الفرعين القديم أو الجديد اللذين يقعان في منتصف القناة.