أدى التصعيد الأخطر من جانب الحوثيين باستهداف ميناء سعودي هو الأكبر عالمياً في تصدير النفط إلى دفع الأمور بسرعة إلى حافة الهاوية، فهل يكون ذلك الهجوم نقطة تحول في حرب اليمن والملف النووي الإيراني وغيرها من ملفات المنطقة؟
كانت جماعة "أنصار الله" الحوثية المدعومة من إيران قد أعلنت، الأحد 7 مارس/آذار، عن تنفيذ ما سمته "عملية هجومية واسعة ومشتركة في العمق السعودي" انطلاقاً من اليمن بـ14 طائرة مسيرة و8 صواريخ باليستية، بينما قالت السعودية إن "إحدى ساحات الخزانات البترولية في ميناء رأس تنورة في المنطقة الشرقية، الذي يعد من أكبر موانئ شحن البترول في العالم، قد تعرضت، صباح اليوم، لهجوم بطائرة مسيرة دون طيار، قادمة من جهة البحر"، موضحاً أنه "لم ينتج عن محاولة الاستهداف أي إصابات أو خسائر في الأرواح أو الممتلكات".
أنباء الهجوم سببت قفزة في أسعار النفط؛ إذ تجاوز سعر البرميل حاجز 70 دولاراً للمرة الأولى منذ يناير/كانون الثاني 2020، لكن اليوم الأربعاء 10 مارس/آذار عادت الأسعار إلى التراجع قليلاً بعد أن اتضح أن إنتاج السعودية لن يتأثر، عكس ما حدث في هجوم سبتمبر/أيلول 2019 الذي استهدف منشآت أرامكو وأدى لتقليص الإنتاج النفطي بمقدار النصف تقريباً وقتها.
لكن أسعار النفط والتوتر الذي شهدته أسواق الطاقة ليس هو العنصر الوحيد الذي سبب التصعيد الأخير من جانب الحوثيين ضد السعودية تحولات عميقة فيه، أبرزها على الأرجح هو أن الهجوم الذي أثار انتقادات عالمية سوف يُعقّد جهود الرئيس الأمريكي جو بايدن للانخراط في حوارٍ دبلوماسي نووي مع إيران، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
التصعيد العسكري من جانب الحوثي
أمس الثلاثاء، حث الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قوات الجيش على تحديث الخطط العسكرية ضد "الحوثيين" بهدف "هزيمتهم"، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه هادي (المقيم في الرياض) مع وزير الدفاع محمد المقدشي (متواجد في مأرب شرقي اليمن) وفق الوكالة اليمنية الرسمية (سبأ).
إذ صعدت جماعة الحوثي منذ 7 فبراير/شباط الماضي هجماتها في محافظة مأرب للسيطرة عليها، كونها أهم معاقل الحكومة اليمنية والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع، إضافة إلى تمتعها بثروات النفط والغاز.
ويرى كثير من المراقبين أن القرارات التي اتخذتها إدارة بايدن فيما يتعلق بالحرب في اليمن، وخصوصاً إلغاء تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، قد شجعهم على التصعيد عسكرياً داخل وخارج اليمن. وقالت الولايات المتحدة يوم الإثنين 8 مارس/آذار إنّ التزامها بالدفاع عن السعودية هو التزامٌ "لا يتزعزع"، وفي تغريدةٍ على تويتر، ندّدت البعثة الدبلوماسية الأمريكية في الرياض بالهجمات، التي قالت إنّها تُظهر "انعدام الاحترام للحياة البشرية وعدم اهتمام بالسعي لتحقيق السلام".
تعرّض مستودع نفطي في محطة تصدير رأس تنورة على ساحل الخليج للهجوم بواسطة طائرة مسيّرة من البحرة، وفقاً لوزارة الطاقة السعودية، كما سقطت شظايا صاروخ فوق مجمع سكني لموظفي شركة أرامكو النفطية السعودية في الظهران، حيث اهتزت النوافذ وقال شهود العيان إنّهم اضطروا للاحتماء في الداخل. ويعتبر المجمع موطناً لعائلات الموظفين السعوديين والأجانب، وهناك قنصلية سعودية قريبة منه. وتبعد رأس تنورة نحو ساعة بالسيارة عن الساحل بحسب الوكالة الأمريكية.
بينما قال المتحدث باسم وزارة الطاقة السعودية: "لم تسفر الهجمات عن أي إصابات أو خسائر في الأرواح والممتلكات". في حين قال شخصان مطلعان على الموقف للوكالة إنّ إنتاج النفط لم يتأثر، وإن العمل استمر في موقع رأس تنور يوم الإثنين بشكلٍ طبيعي، حيث رست ناقلات النفط في الرصيف الشمالي والجزر البحرية.
ومما لا شكّ فيه أن الهجوم على رأس تنورة، إحدى أكبر المنشآت النفطية في العالم، سيكون له تأثيره الكبير أمنياً واقتصادياً بحسب مقال لأرييل كوهين في موقع Forbes الأمريكي، إذ أفاد كوهين بأنّ الهجوم ربما يؤثر على العلاقات بين إدارة بايدن والحوثيين، حيث صنّفتهم إدارة ترامب جماعةً إرهابية، لكن إدارة بايدن أخطرت الكونغرس الشهر الماضي بخطتها إلغاء ذلك التصنيف لزيادة قدرة منظمات الإغاثة على توصيل المساعدات إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين. لكن الهجمات الأخيرة قد تُعطّل ذلك.
إلقاء اللوم على سياسة بايدن
وركز تقرير Bloomberg أن المجال الجوي فوق رأس تنورة يتمتع بحمايةٍ شديدة، إذ إنه على مقربة من قاعدة جوية سعودية ضخمة، كما أنّ محطات التفريغ البحرية فيه مجهزة بدفاعات لحمايتها من الهجمات تحت البحر، وقد أطلق الحوثيون 8 صواريخ باليستية و14 طائرة مسيّرة مُحمّلة بالقنابل على السعودية، بحسب ما قاله المتحدث باسمهم يحيى سريع في بيانٍ على قناة المسيرة الخاصة بهم.
ويُعتبر ميناء رأس تنورة أكبر مرفأ نفطي في العالم، لقدرته على تصدير نحو 6.5 مليون برميل يومياً -أي 7% من إجمالي الطلب على النفط، بحسب الوكالة. ويضُم الميناء مستودعاً نفطياً ضخماً حيث يجري تخزين النفط الخام قبل ضخه إلى الناقلات العملاقة. كما أنّ المصفاة الموجودة داخله هي من أقدم وأكبر مصافي أرامكو.
السعودية تقود التحالف العسكري في اليمن ضد الحوثيين منذ عام 2015، وفي يوم الأحد قالت إنّ القرار الأمريكي الأخير بإلغاء تصنيف الحوثيين جماعةً إرهابية قد أدى إلى تصعيد الهجمات في المنطقة، بينما قالت هيليما كروفت، من RBC Capital Markets، في مذكرة بحثية: "الهجمات الحوثية على السعودية ستزيد على الأرجح من تعقيد جهود إدارة بايدن للتفاوض على نسخةٍ أخرى من الاتفاق النووي مع الإيرانيين".
وهجمات رأس تنورة هي على الأرجح طريقة إيران في اختبار إدارة بايدن من خلال هجمات الطرف الثالث، من وجهة نظر كوهين. وتشجعت طهران بفضل ما تعتبره تدهوراً في العلاقات السعودية الأمريكية، وخاصةً عقب نشر التقرير عن تورط الأمير محمد بن سلمان في اغتيال جمال خاشقجي، إلى جانب قرار إدارة بايدن بتجميد مبيعات الأسلحة إلى المملكة مؤقتاً.
فضمن مراجعات سياسات ترامب، جرى إيقاف مبيعات الأسلحة بينما تراجع إدارة بايدن كافة معاملات الأسلحة التي وافقت عليها الإدارة السالفة. ورغم أنّ الأمر طبيعي وأنّ العديد من المعاملات ستجري الموافقة عليها بنهاية المطاف، لكن الرئيس بايدن سيسعى على الأرجح إلى الوفاء بوعده أن ينهي الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، إلى الحيلولة دون استخدام الأسلحة الأمريكية لإطالة أمد الحملات العسكرية هناك.
التصعيد الإيراني والاستجابة الأمريكية
نظراً لخيبة أملهم بسبب بطء التطورات، ربما تعود إيران إلى "دليلها التقليدي لبناء النفوذ وتكتيكات الضغط في مختلف المجالات"، بحسب سانام فاكيل، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في Chatham House.
وأردفت: "أعتقد أن ما تخاطر به إيران هنا هو المبالغة في تقدير إمكاناتها والاستهانة بالمدى الذي وصل إليه السأم من إيران في المجتمع الدولي". وتابعت مضيفةً أنّ طهران قد تعرقل الجهود الدبلوماسية الرامية إلى العودة للاتفاق النووي من خلال "هجمات بناء النفوذ".
وأضاف التقرير أنّ الحوثيين زادوا من حدة هجماتهم على السعودية، وزعموا الأسبوع الماضي أنّهم قصفوا مستودع وقود في جدة بصاروخٍ جوال. ولم يتبين ما إذا نتجت عنه أيّ أضرار. وقالت سانام: "يُصعّد الحوثيون هجماتهم الصاروخية ويزيدون الاستفزازات لتحقيق أكبر المكاسب في المفاوضات والقنوات الخلفية التي تجري في سياق حرب اليمن".
ويرى كوهين أنّه من الضروري تقديم استجابة حازمة ومحسوبة في الوقت ذاته، لفتح الطريق أمام المفاوضات مع ردع أي هجمات حوثية أخرى، ويجب صياغة هذه الاستجابة لتحفيز الحوثيين على التخلّي عن رعاتهم الإيرانيين، ووقف كافة العمليات العسكرية ضد السعودية، وبدء المفاوضات مع نظرائهم اليمنيين.
كما نصح كوهين بضرورة فرض الولايات المتحدة لعقوبات شخصية على زعماء الحوثيين المتورطين في تفويض وقيادة وتوجيه الهجمات الأخيرة ضد الأهداف المدنية في السعودية. ويجب أن تبحث الولايات المتحدة في مسألة انتهاك القانون الدولي، لأنّ الأهداف المدنية والصناعية يُفترض أن تتمتّع بالحماية.
ويجب كذلك أن تستعد إدارة بايدن لفتح احتياطي البترول الاستراتيجي من أجل إبقاء الأسعار في نطاق المعقول إذا دعت الحاجة. وهذا هو سبب وجود احتياطي البترول الاستراتيجي من الأساس، وقد استخدم بتوجيهات رئاسية وحقق فاعلية كبيرة أعوام 2011 و2005 و1991 بحسب كوهين.
وفي النهاية، يجب أن تُنهي الإدارة مراجعتها لصفقات الأسلحة مع السعودية من أجل استئناف المبيعات، ومنح الأولوية لأنظمة الدفاع الصاروخي وغيرها من المعدات ذات الصلة.
واختتم كوهين حديثه قائلاً إنّ إيران تختبر بذلك إدارة بايدن وتصميم الولايات المتحدة على الوقوف بجانب حلفائها. ورغم أنّ العلاقات بين واشنطن والرياض مضطربةٌ في الوقت الحالي، لكن تجدر الإشارة إلى أن المملكة لها دورٌ محوري في حركية أسواق النفط العالمية والرخاء العالمي. والأهم من ذلك هو موثوقية واشنطن باعتبارها أفضل مصدر للأمن لحلفائها. في حين يجب توجيه رسالة إلى إيران على الصعيدين.