أعادت مقابلة ميغان وهاري مع أوبرا وينفري التساؤلات حول مصير العائلة الملكية في بريطانيا والتي يزيد عمرها عن ألف عام، خصوصاً بعد الملكة الحالية إليزابيث الثانية التي تجلس على العرش منذ أكثر من 69 عاماً.
المقابلة التي أجرتها أوبرا مع الثنائي الملكي السابق لصالح قناة CBS الأمريكية أثارت إعصاراً من الجدل داخل المملكة المتحدة وباقي دول الكومنولث بسبب الطبيعة الشخصية والحساسة للغاية لما كشفت عنه هاري وميغان للمذيعة الأمريكية الأشهر، فقد وجهت ميغان اتهامات للعائلة الملكية بالعنصرية لتعبير بعضهم عن القلق من لون بشرة طفلها الأول آرتشي قبل ولادته، كما تحدثت عن وصولها لمرحلة التفكير في الانتحار وأمور أخرى مسيئة للعائلة.
وقدم هاري أيضاً صورة قاتمة عن العائلة وكيف أن أفرادها "محاصرون داخل أدوارهم ويعيشون في خوف دائم"، معبراً عن مخاوفه من أن يعيد التاريخ نفسه، في إشارة إلى ما حدث لوالدته الأميرة ديانا التي انفصلت عن والده الأمير تشارلز وقُتلت في حادث سيارة بأحد أنفاق العاصمة الفرنسية باريس عام 1997.
فريق هاري وميغان ضد فريق القصر
وأثارت المقابلة الانقسام من جديد بين المتعاطفين مع ميغان وهاري من ناحية والمدافعين عن القصر من ناحية أخرى، وركزت ردود الفعل الأولية في بريطانيا على اعتراف ميغان بأنَّ أفكاراً انتحارية راودتها. ومن الصعب التنبؤ بما إن كانت المقابلة جيدة أم سيئة بالنسبة لدوق ودوقة ساسكس السابقين، لأنَّ الزوجين باتا عنصر استقطاب في بريطانيا ولهما الكثير من المعجبين والمنتقدين. لكنَّ المقابلة مع وينفري سمحت للزوجين بالتعبير عن نفسيهما، وعن الضغوط التي شعرا بها، ودوافعهما لمغادرة بريطانيا، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وطغت مقابلة ميغان وهاري مع أوبرا على العناوين الرئيسية للصحف البريطانية، ويتضح من تلك التغطية المكثفة نقطة رئيسية تتعلق بتوقعات القصر بشأن مضمونها، إذ قالت صحيفة التايمز إن ما كشفت عنه مقابلة الأمير هاري وزوجته ميغان جاء "أسوأ مما كان يخشاه القصر".
وأضافت الصحيفة أنه "مهما بلغت توقعات القصر عن مضمون المقابلة، لم يكن ليتوقع كلام ميغان عن مرورها بمرحلة ميول انتحارية، ومخاوف بشأن صحتها العقلية"، كما نقلت حديث هاري عن مشاكله مع باقي أفراد العائلة الملكية وسوء علاقته بوالده الأمير تشارلز، الذي وصل إلى درجة عدم ردّ الأخير على اتصالات ابنه.
والسبب الرئيسي هنا هو أن العائلة الملكية، التي تحيط بها دائماً حلقات منفصلة متصلة من الفضائح والمزاعم التي تمثل مادة خصبة للتابلويدز وصحافة الشائعات، اعتادت على إحاطة نفسها بستار تقليدي من السرية من خلال عدم خروج أفراد العائلة الملكية أنفسهم للحديث علناً عن تفاصيل الحياة داخل القصر إلى الإعلام، وبالتالي تمثل تلك المقابلة مأزقاً بالفعل أعاد قضية الملكية في بريطانيا وفرص استمرارها إلى الواجهة مرة أخرى، في تذكير بمقابلة مشابهة أجرتها الأميرة ديانا مع هيئة الإذاعة البريطانية عام 1995.
والستار الذي تخفي خلفه العائلة الملكية البريطانية التي يزيد عمرها عن الألف عام هو "لا تشرح أبداً ولا تشتكِ أبداً"، وهذا ما يفسر الصاعقة التي وقعت على القصر الملكي جراء مقابلة هاري وميغان مع أوبرا وينفري، فالمقابلة كانت عبارة عن النقيض تماماً لذلك الشعار، إذ قامت على "الشرح والشكوى"، بحسب تقرير لشبكة BBC.
ما مصير العائلة الملكية بعد إليزابيث؟
لكن السؤال الأكثر تردداً الآن هو إذا ما كانت مكانة ودور العائلة الملكية في بريطانيا يمكن أن تستمر بعد الملكة الحالية إليزابيث الثانية، ونشرت شبكة CNN الأمريكية تقريراً ناقش تلك الفكرة التي عادة ما تتردد كلما تسبب أحد أفراد الأسرة في إثارة جدل أو انتقادات أو فضائح.
ويرى مراقبون أن التفاصيل التي أدلى بها هاري وميغان في المقابلة رسمت صورة عن "مؤسسة" أو أسرة عفا عليها الزمن ويتسبب جمودها وتصلبها في عدم القدرة على استقبال أفراد جدد يواجهون تحديات تعتبر عادية تماماً بالنسبة للمشاهير في القرن الحادي والعشرين.
وعلى عكس الصورة التي تم تصديرها للإعلام عام 2018 حول ارتباط الأمير هاري بالممثلة الأمريكية ميغان ماركل وكيف أن ذلك الزواج يمثل خطوة هائلة على طريق "تحديث العائلة الملكية الأشهر على كوكب الأرض"، اتضح من خلال المقابلة وما كشفته أن الأمر كله كان مجرد مأساة كبيرة انتهت بتخلي هاري وميغان عن دورهما داخل العائلة ومغادرة بريطانيا للعيش في الولايات المتحدة.
وهذا ما عبرت عنه كيت ويليامز المؤرخة البارزة للتاريخ الملكي وأستاذة التواصل العام مع التاريخ في جامعة ريدينغ البريطانية بقولها إن "هاري وميغان كانا سوبر ستارز يمتلكان فرصة رائعة لتقديم صورة أكثر حداثة عن العائلة الملكية، لكن ما كشفا عنه في المقابلة من تفاصيل فيها عنصرية وأكاذيب وأمور أخرى دفعت ميغان إلى حافة الانتحار ودفعتهما معاً للهروب بتلك الصورة أمر مقلق للغاية".
وهذه الصورة يجب أن تمثل قلقاً لأفراد العائلة البارزين، إذ إن جدة هاري الملكة إليزابيث الثانية تتمتع بدعم وشعبية كبيرة وكان ذلك واضحاً من المديح الذي كاله لها هاري وميغان أثناء المقابلة، لكن السؤال هنا يتعلق بمصير العائلة بعد رحيل الملكة.
وقال جو تويمان، مدير مؤسسة دلتابول لاستشارات الرأي العام، لـ"سي إن إن"، إنه "بشكل عام التأييد للملكة يمثل أيضاً تأييداً للملكية، لكن تولي الأمير تشارلز والد هاري العرش ربما لا يكون أمراً يسعد كثيراً من المحافظين والملكيين التقليديين، نظراً لطبيعة حياة تشارلز الصاخبة على عكس والدته التي تتسم بالهدوء ونادراً ما تعبر عن رأيها في أي شيء".
صحيفة الإندبندنت البريطانية تناولت أيضاً نفس التساؤل بشأن مدى تأثير مقابلة ميغان وهاري على مصير العائلة الملكية، راصدة أنه على الأرجح سوف "تتعافى المؤسسة من أثر الصدمة في الوقت الراهن على الأقل" على أساس أن العائلة تتسم بالقدرة على الصمود في وجه الفضائح والهزات العنيفة، فليس من الوارد مثلاً أن يتم تقديم مشروع قانون في البرلمان البريطاني لتعيين بوريس جونسون رئيساً للبلاد.
لكن ذلك لا يمنع أن العائلة الملكية تبدو وكأنها فقدت الكثير من تأثيرها مؤخراً، فالأمير تشارلز نفسه لا يبدو سعيداً، بحسب تقرير الإندبندنت، كما أن ميغان ليست أول أميرة تراودها الأفكار الانتحارية فقد سبقتها ديانا إلى نفس الدرب، علماً بأن ميغان وديانا فقط هما من تحدثتا للإعلام عن تفاصيل الحياة داخل الأسرة الملكية.
وكل هذه المعطيات تشير إلى أن القادم بالنسبة للعائلة ليس أفضل، خصوصاً أن الانقسام بين الداعمين لميغان وهاري من جهة والمساندين للملكية وللقصر من جهة أخرى قد بدأوا بالفعل في تبادل الاتهامات والتراشق، في مشهد أشبه بمشجعي الألتراس في الفرق الكروية، وهو ما يعني أن الأمور في طريقها للتصعيد، وهذا الأمر لن يصب في صالح العائلة الملكية على الأرجح في زمن منصات التواصل الاجتماعي والاستقطاب الحاد.
وفي حالة غياب الملكة إليزابيث وتولي تشارلز الذي لا يحظى بنفس الاحترام والتقدير الذي تحظى به والدته، من المتوقع أن تتحول الملكية في بريطانيا إلى عنصر استقطاب حاد داخل المجتمع البريطاني وفي دول الكومنولث الأخرى، بحسب المراقبين على جانبي الأطلنطي في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وصولاً إلى أستراليا.