يتوقع البعض أن تسبب المقابلة التلفزيونية التي أجرتها أوبرا وينفري مع الليدي ميغان ماركل وزوجها الأمير هاري، هزة عنيفة للعائلة الملكية في بريطانيا، لكن تاريخ النظام الملكي الحافل بالفضائح ربما لا يحقق تلك التوقعات.
رغم أن المقاطع الترويجية للمقابلة التي أجرتها المذيعة الأمريكية الأشهر أوبرا وينفري مع الزوجين الملكيين سابقاً- بعد أن انقطعت علاقتهما رسمياً بالعائلة الملكية- حملت اتهامات للعائلة الملكية بالعنصرية والكذب وقالت خلالها ماركل إنها فكرت في الانتحار، فإن العائلة الملكية البريطانية قد شهدت فضائح أسوأ وأخطر بكثير، وصلت إلى اتهامات بالقتل والخيانة وغيرهما ورغم ذلك ظلت كما هي.
وفي المقابلة مع أوبرا، قالت ميغان ماركل- الممثلة الأمريكية السابقة التي تبلغ من العمر 39 عاماً- إنها كانت ساذجة قبل أن تتزوج من العائلة الملكية في عام 2018، ثم انتهى بها الأمر بأن تملَّكتها أفكار انتحارية والتفكير في إيذاء نفسها، بعد أن طلبت المساعدة ولكن لم تحصل على أي شيء، وأضافت أن ابنها أرتشي، الذي يبلغ عمره الآن عاماً واحداً، حُرم من لقب الأمير، لأنه كانت هناك مخاوف داخل العائلة المالكة بشأن مدى سُمرة بشرته.
بينما تحدث هاري، البالغ من العمر 36 عاماً، عن مخاوفه من أن يعيد التاريخ نفسه، في إشارة واضحة إلى ما حدث لوالدته الأميرة ديانا التي انفصلت عن والده الأمير تشارلز وقُتلت في حادث سيارة بأحد أنفاق العاصمة الفرنسية باريس عام 1997، ووُجهت أصابع الاتهام للأسرة الملكية بتدبير الحادث؛ للتخلص من ديانا.
الحب قبل الواجب الملكي
يعود تاريخ الأسرة الملكية في بريطانيا لأكثر من ألف عام، شهد البلاط الملكي خلالها قصصاً وفضائح ومؤامرات تعج بها كتب التاريخ والتراث البريطاني، وفي العصر الحديث يرى البعض أنَّ تخلي الملك إدوارد الثامن عن العرش عام 1936، الفضيحة الأكبر بقصر باكنغهام في العصر الحديث.
الملك إدوارد وقع في غرام سيدة مجتمع أمريكية مطلّقة اسمها واليس سيمبسون وكانت تسعى للطلاق مرةً من زوجها الثاني وقتها، وأراد الملك الذي لم يكن قد مرت شهور على توليه العرش، الزواج بها؛ فتسبب ذلك في أزمة مع الحكومة البريطانية برئاسة بلدوين، على أساس أنه أمر غير مقبول سياسياً واجتماعياً أن تكون عقيلة الملك امرأة مطلقة مرتين سابقاً، كما أن الكنيسة رفضت الزواج، لأنه يتعارض مع وضع إدوارد بصفته رئيساً لكنيسة إنجلترا، التي رفضت في ذلك الوقت فكرة الزواج من جديد بعد الطلاق إذا كان الزوج السابق ما يزال على قيد الحياة.
وبالفعل تنازل الملك إدوارد عن عرش بريطانيا بعد أن قضى 326 يوماً فقط على العرش، وهي المرة الوحيدة في تاريخ التاج البريطاني التي يتنازل فيها الملك عن العرش بإرادته، كما كانت فترة حكم إدوارد واحدة من أقصر فترات حكم الملوك في بريطانيا على الإطلاق.
وتم منح الملك إدوارد الثامن لقب دوق وندسور بعد تنازله عن العرش وتزوج واليس في فرنسا عام 1937، بعد أن أصبح طلاقها الثاني نهائياً، وقام الزوجان بجولة في ألمانيا؛ وهو ما تسبب بتوجيه اتهامات لهما بالتعاطف مع النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، فتم تعيينه حاكماً لجزر البهاما، وأمضى بقية حياته هناك متقاعداً حتى وفاته عام 1972.
غراميات مارغريت أخت الملكة
وشهد عام 1952، موقفاً غرامياً آخر تسبب في جدل وانتقادات ووضع العائلة الملكية في بؤرة الأضواء، إذ بدأت مارغريت الأخت الصغرى للملكة إليزابيث الثانية، وكانت وقتها مارغريت في عمر 22 عاماً، علاقة رومانسية مع أحد مساعدي والدها والطيار السابق في سلاح الجو الملكي بيتر تاونسند، الذي كان مطلّقاً.
وأثارت رغبة مارغريت في الزواج بتاونسند انشقاقاً في بريطانيا بين الحكومة من ناحية والشعب من ناحية أخرى، فالحكومة رفضت الزواج، فيما كان الرأي العام البريطاني متعاطفاً مع الثنائي المُتحاب، ووقعت الملكة في مأزق لاتخاذ قرار، بحسب موقع NDTV.
وفي نهاية المطاف تم إقناع مارغريت بالتخلي عن علاقتها مع تاونسند وتزوجت بدلاً منه المصور أنتوني أرمسترونغ عام 1960، وتم طلاقهما عام 1978، ولم يتم نشر تفاصيل إقناع مارغريت بالتخلي عن زواجها بتاونسند، وإنْ فتح ذلك الباب للتكهنات والشائعات والاتهامات بحق العائلة الملكية.
العام الأبشع للملكة إليزابيث
وصفت الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، عام 1992 بأنه "العام الأبشع للعائلة على الإطلاق"، إذ شهد ذلك العام طلاق أبنائها الثلاثة دفعة واحدة، كما اشتعل حريق في قلعة وندسور دمّرها تماماً. وكان الطلاق الأول هو انفصال ولي العهد الأمير تشارلز عن زوجته الأميرة ديانا بعد 11 عاماً من الزواج؛ وهو ما تسبب في تغطية إعلامية فضائحية بامتياز.
إذ تعرضت العائلة الملكية لهزة عنيفة بعد تسريب تفاصيل صادمة عن الحياة داخل قصر باكنغهام، من خلال مذكرات ديانا التي نشرها المؤلف أندرو مورتون في كتابه الصادر عام 1992، بعنوان "ديانا: قصتها الحقيقية – بكلماتها الخاصة".
ثم اكتملت فصول العام الدرامي بخبر طلاق الابن الثاني للملكة، الأمير أندرو، عن زوجته ساره فيرغسون، وتزامناً مع الصدمة الثانية وقع طلاق ابنتها الوحيدة الأميرة آن من زوجها الأول مارك قيليبس.
مقتل "أميرة الشعب"
يعتبر البعض أن مقتل الأميرة ديانا في حادث سيارة بذلك النفق الباريسي في أغسطس/آب 1997، الحدث الذي تسبب في فقدان العائلة الملكية بشكل عام والملكة إليزابيث الثانية بشكل خاص، تعاطف غالبية الشعب البريطاني معها، وذلك بسبب الشعبية الطاغية التي تمتعت بها ديانا الملقبة بـ"أميرة الشعب".
ولم تقم جنازة ديانا إلا بعد أسبوع من وفاتها، حيث كان القصر قد أعلن تجريدها من لقبها كأميرة وجميع امتيازاتها الملكية قبل الحادث بفترة قصيرة. وشهد ذلك الأسبوع غضباً عارماً، بسبب صمت كبار العائلة الملكية وعدم تعليقهم على الحادث، وكانوا جميعاً يقضون عطلتهم في ضيافة الملكة بضيعة بالمورال في شمال شرقي أسكتلندا.
وشنت الصحافة البريطانية حملة عنيفة من الانتقادات ضد العائلة الملكية، بسبب عدم تنكيس العلم، وطالبوا الملكة بالتحدث مع مواطنيها، وأدى ذلك بالفعل إلى إلقاء الملكة خطاباً متلفزاً نعت فيه الأميرة ديانا ووصفتها بأنها "زوجة ابني الراحلة"، كما انحنت علناً أمام التابوت الذي حمل جثمان "أميرة الشعب" إلى القبر.
فضيحة أندرو الجنسية
وكان أحدث فصول فضائح العائلة المالكة في بريطانيا، قبل انفصال هاري وميغان عن العائلة رسمياً وإجراء تلك المقابلة التي ينتظرها كثيرون، يتعلق بتورط الأمير أندرو، عم هاري، في مزاعم بأنه مارس الجنس مع إحدى ضحايا المتحرش الجنسي الأمريكي جيفري إبستاين.
وإبستاين رجل أعمال أمريكي مات منتحراً في زنزانته بسجن في نيويورك عام 2019، حيث كان ينتظر المحاكمة على خلفية اتهامات بتهريب بشر لأغراض جنسية، وكان يتمتع بنفوذ وسطوة، إذ كان صديقاً لكل من الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون والسابق دونالد ترامب والأمير أندرو ابن ملكة بريطانيا وشقيق ولي العهد الأمير تشارلز.
وظهر أندرو في مقابلة تلفزيونية مع BBC عام 2019، نفى خلالها الادعاءات بشأن تورطه في ممارسة الجنس مع قاصر قدمها له إبستاين، لكن المقابلة كانت كارثية، وهو ما أدى إلى إجباره من جانب العائلة الملكية على "الابتعاد عن واجباته العامة"، لكنه ظل مضطراً إلى التعاون مع المحققين الأمريكيين، ويواجه حالياً خطر فتح التحقيق معه، بعد القبض مؤخراً على أحد شركاء إبستاين.
الخلاصة أن فضائح العائلة الملكية في بريطانيا تشبه المسلسلات التلفزيونية الطويلة ذات الأجزاء اللانهائية، وهو ما يلقي بالشكوك حول حجم التأثير الذي قد تُحدثه مقابلة هاري وميغان مع أوبرا، على صورة العائلة المهتزة بالفعل منذ البداية.