يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تحاول وضع تصور لوضع أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي، فيما يمكن تسميته بـ"خطة بايدن لتحقيق السلام في أفغانستان"، ولكن هذه الخطة تحتاج إلى موافقة حركة طالبان والحكومة الأفغانية.
وأعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الأحد 7 مارس/آذار 2021، أن بلاده تدرس انسحاب كامل قواتها من أفغانستان بحلول الأول من مايو/أيار 2021، لافتاً إلى أنه "سيُطلب من تركيا استضافة اجتماع رفيع المستوى للجانبين (حركة طالبان والحكومة الأفغانية) خلال الأسابيع المقبلة، من أجل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق سلام".
جاء ذلك في رسالة من بلينكن إلى الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، بعد جدل حول احتمالات انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، علماً بأن الأول من مايو/أيار المقبل هو نهاية مهلة سحب القوات الأمريكية من أفغانستان.
وأدت قطر دور الوسيط في مفاوضات واشنطن و"طالبان"، التي أسفرت عن توقيع اتفاق تاريخي أواخر فبراير/شباط 2020، لانسحاب أمريكي تدريجي من أفغانستان وتبادل للأسرى بين الجانبين.
وقال الوزير الأمريكي إنه من أجل الإسراع في محادثات السلام والوصول إلى تسوية ووقف دائم وشامل لإطلاق النار "تقوم الولايات المتحدة بمجهودات رفيعة المستوى مع الأطراف المعنية ومع الدول الإقليمية والأمم المتحدة، وتشمل هذه الإجراءات عدة خطوات".
ويأتي الحديث عن خطة بايدن لتحقيق السلام في أفغانستان بعد انتقادات وجهت من دوائر أمريكية عدة خاصة الليبرالية لخطة انسحاب القوات الأمريكية من البلاد التي اتفقت عليها إدارة ترامب مع حركة طالبان، حيث يرون أنها ستترك حكومة كابول فريسة للحركة، إضافة إلى أنها قد تؤثر على حقوق الإنسان في أفغانستان خاصة النساء.
وتتضمن الخطوة الأولى من خطة بايدن لتحقيق السلام في أفغانستان أن تعقد الأمم المتحدة اجتماعاً لوزراء خارجية ومبعوثين من روسيا والصين وباكستان وإيران والهند والولايات المتحدة لمناقشة نهج موحد لدعم السلام في أفغانستان، حسب بلينكين.
ثم أشار الوزير الأمريكي في الخطوة الثانية إلى ضرورة مشاركة المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، مقترحات مكتوبة مع الرئيس الأفغاني وقادة طالبان، والتي تهدف إلى "تسريع المفاوضات التي تتعلق بالتسوية ووقف إطلاق النار"، مشيراً إلى أن "هذه المقترحات تعكس بعض الأفكار المطروحة في خارطة الطريق لعملية السلام".
تفاصيل خطة إدارة بايدن لتحقيق السلام في أفغانستان
ويبدو أن إدارة بايدن قد توصلت إلى طريقة تخرج بها من الصيغة التقليدية التي تحصرها بين خيارين محدودين: البقاء في أفغانستان أو الخروج منها.
وبينما لم يعلن وزير الخارجية الأمريكي تفاصيل خطة إدارة بايدن لتحقيق السلام في أفغانستان، بقدر ما تحدث عن خطوات التفاوض، فقد تسربت فحوى الخطة التي يقال إن الحكومة الأفغانية معترضة عليها.
إذ أفادت تقارير أن الممثل الأمريكي الخاص في المصالحة الأفغانية، زلماي خليل زاد، قد اقترح على قادة البلاد شكلاً لحكومة انتقالية مشتركة مع طالبان تُناقش في اجتماع مع دول المنطقة على غرار مؤتمر بون الذي أفضى إلى تشكيل الحكومة الأفغانية عام 2001، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
وعرضت صحيفة Hashte Subh الناطقة باللغة الدارجة (لغة أفغانستان) في 3 مارس/آذار مقترح خليل زاد بالتفصيل.
وفي اليوم نفسه نشر خليل زاد نفسه مجموعة تغريدات تحدث فيها عن "مشاورات مثمرة" استمرت لثلاثة أيام مع شخصيات من الحكومة والمجتمع المدني في كابول. لكن وزارة الخارجية الأمريكية رفضت تأكيد رواية الصحيفة، قائلة إن خليل زاد يجري مناقشات مع الجانبين، و"لا نرغب في الإعراب عن توجه بعينه"، حسب تقرير مجلة Foreign Policy.
وبعد ذلك أعلن بلينكن بعض ملامح الخطة، في رسالة إلى الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، نشرت فحواها قناة "طلوع نيوز" الأفغانية عبر حسابها بموقع تويتر.
وتقترح خطة بايدن لتحقيق السلام في أفغانستان التي أشارت إليها صحيفة Hashte Subh الأفغانية هيكلاً واضحاً لـ"حكومة سلام انتقالية"- تجمع بطريقة غير محددة بين طالبان وحكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني- تشرف بدورها على صياغة دستور جديد وإجراء الانتخابات، وأن تشكل الحكومة الجديدة لجنة حقيقة ومصالحة وهيئة للإشراف على دمج مقاتلي طالبان، فضلاً عن لجان للتنمية الاقتصادية واللاجئين ومكافحة المخدرات وما شابه ذلك.
وتقترح الخطة أن يقدم "مجلس أعلى للفقه الإسلامي"، يضم أعضاء يُعيّنهم الجانبان، توجيهات دينية تخص التشريع. ويُفترض تحديد التفاصيل الفعلية لهذه الحكومة في اجتماع مع دول في المنطقة.
هل توافق طالبان على الخطة؟
والسؤال الأول هل ستوافق طالبان وحكومة غني على الجلوس مع بعضهما في بيئة شبيهة ببيئة مؤتمر بون. من المستبعد أن تشكل الحكومة في كابول، التي تخشى الانسحاب الأمريكي الكامل، عقبة لا يمكن التغلب عليها أمام الاقتراح الأمريكي.
لكن طالبان قد ترى أنه من الأفضل لها انتظار خروج الأمريكيين ومن ثم تحقيق نصر عسكري.
ويأمل بارنيت روبين، الباحث البارز في المنطقة والعضو السابق في فريق ريتشارد هولبروك الخاص بأفغانستان وباكستان، ويتمتع بعقود من الخبرة بطالبان، أن تنضم الحركة إلى طاولة المفاوضات. يقول روبين: "ما لا يفهمه الناس عن طالبان هو أنهم لا يسعون إلى الفوز فحسب، وإنما إلى الاعتراف بهم واحترامهم كذلك".
وأشار روبين إلى أن مفاوضي طالبان أصروا على أن يتضمن اتفاق فبراير/شباط في الدوحة بنداً ينص على أن "تلتزم الولايات المتحدة وجمهورية أفغانستان الإسلامية بالاستمرار في العلاقات الإيجابية بين البلدين، بما في ذلك التعاون الاقتصادي لإعادة الإعمار".
وإذا وافقت جميع الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فسوف تفعل تحت رعاية الأمم المتحدة. إذ إن أحد أسباب نجاح مؤتمر بون هو أن الأمم المتحدة هي من أشرفت عليه، على عكس مباحثات إعادة تنظيم العراق بعد الحرب، التي هيمنت عليها الولايات المتحدة بالكامل. إذ بإمكان الأمم المتحدة أن تؤدي دور الوسيط النزيه؛ لكن واشنطن لا يمكنها ذلك. وعلاوة على ذلك، من المقرر أن يُعقد هذا الاجتماع في تركيا، الدولة ذات الأغلبية المسلمة التي ليست طرفاً في الصراع.
يأتي ذلك في ظل تعثر محادثات السلام التي جرت في قطر بوساطة أمريكية، بين ممثلين عن الحكومة الأفغانية وطالبان خلال الأشهر الماضية.
حيث يقوم فريق الرئيس الأمريكي جو بايدن بمراجعة اتفاق إرساء السلام الذي أبرمته حكومة سلفه دونالد ترامب مع طالبان، في فبراير/شباط 2020. ويقضي الاتفاق بمغادرة جميع القوات الأمريكية والقوات المتحالفة أفغانستان، بحلول الأول من مايو/أيار 2021.
اعتراضات من الجانبين
كانت مصادر دبلوماسية وسياسية قد قالت، يوم السبت 6 مارس/آذار 2021، إن المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان، زلماي خليل زاد، اقترح خلال الأيام الماضية تعديلاً لعملية السلام المتعثرة يشمل تشكيل حكومة مؤقتة وعقد مؤتمر للأطراف الرئيسية، لكن خطته واجهت اعتراضات فورية من الجانبين المتحاربين.
وكان لافتاً في هذا الصدد أن بلينكن حث الرئيس الأفغاني أو "المعني بتمثيله" على حضور الاجتماع المرتقب بتركيا، مطالباً إياه بـ"التفكير بشكل إيجابي" في مقترح الحد من العنف.
كما أن الولايات المتحدة- حسب بلينكن- أعدت مقترحاً لخفض أعمال العنف لمدة 90 يوماً، والذي يهدف إلى "منع هجوم الربيع من قِبل طالبان بالتزامن مع جهود واشنطن الدبلوماسية لدعم تسوية سياسية بين الطرفين".
وبطبيعة الحال تبدو فكرة أن تتمكن الدول المجاورة لأفغانستان والولايات المتحدة بطريقة ما من تنسيق الآراء والمصالح للضغط على مقاتلي الحركة للتخلي عن السلاح قد تبدو خيالية، حسب الصحيفة الأمريكية.
إذ ستجد واشنطن وطهران صعوبة في الجلوس على طاولة واحدة، ناهيك عن الاتفاق على شيء ما بشأن أفغانستان. لكن دعونا نفترض أنهما فعلتا ذلك وأن نظام حكم جديداً، يُفترض أن يصدق عليه لويا جيرغا جديد (مجلس زعماء القبائل الأفغانية)، سينبثق بطريقة ما من هذا الاجتماع المغلق. فكيف ستبدو أفغانستان الجديدة؟ هل ستصب في مصلحة ليس في مصلحة الأمريكيين وحدهم، الذين سينهون أخيراً حرباً طاحنة بدأت منذ 20 عاماً، وإنما مصلحة الأفغان أيضاً؟ هل ستكون أفضل من البديل المحتمل إذا سحبت الولايات المتحدة قواتها دون إبرام مثل هذا الاتفاق؟.
الخوف من تكرار النموذج الفيتنامي
وتشير الدوائر الأمريكية إلى أن خطة بايدن لتحقيق السلام في أفغانستان تحاول منع تكرار الآثار التي خلقها الانسحاب الأمريكي السريع من فيتنام على حلفاء أمريكا هناك.
وفي هذا الصدد تشير مجلة Foreign Policy إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام عام 1975 لم يؤدِّ إلى أي من العواقب المروعة التي تنبأ بها أنصار الحرب، سواء كانت خسارة آسيا وتركها للشيوعية أو تحطيم الهيبة الأمريكية.
لكن الانسحاب الأمريكي كان بمثابة كارثة على الشعب الفيتنامي، حيث انتقل الملايين منهم من المدن إلى "مناطق اقتصادية جديدة" في المرتفعات أو خضعوا لما يسمى ببرامج إعادة التأهيل أو فروا في قوارب متهالكة هرباً من الشمولية، حسب تقرير Foreign Policy.
يقول براد آدمز، مدير آسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش الذي أمضى خمس سنوات في كمبوديا مع الأمم المتحدة، عن عواقب الانسحاب الأمريكي السريع على حقوق الفتيات الأفغانيات في الذهاب إلى المدرسة أو حق النساء في شغل الوظائف أو الأشخاص من أي نوع في ممارسة الصحافة دون خوف من التعرض للقتل، إن الأفغان الذين يعرفهم لا يتحدثون عن فيتنام بل عن كمبوديا، وتحديداً عن السيناريو الكابوسي المتمثل في انسحاب يفضي إلى عنف عشوائي.
وتقول المجلة "حكومة أفغانية تسيطر عليها حركة طالبان ولو جزئياً لن تكون في صالح حقوق الإنسان أو حقوق المرأة، بغض النظر عن مدى رغبة طالبان في أن يقبلها العالم".
وليس بإمكان الولايات المتحدة أن تمنع ذلك دون البقاء في أفغانستان للأبد، رغم أنه يمكنها أن تساعد في إصلاح الأمور عن طريق قبول مئات الآلاف من اللاجئين الذين لا مفر منهم، كما فعلت في حالة فيتنام. وعلى أي حال، قد لا تكون حكومة مشتركة أسوأ كثيراً من الحكومة الحالية، التي لم تفعل شيئاً يذكر في مواجهة الاغتيالات التي تستهدف نشطاء وصحفيين ومعلمين وغيرهم.
وقد تتمكن أفغانستان من العيش في سلام أخيراً وتطوير إمكاناتها الاقتصادية أو على الأقل إطعام شعبها. وهذا، في الواقع، هو سبب أهمية جيرانها البالغة: إذ يتطلب إعمار أفغانستان التعاون مع الصين وإيران وآسيا الوسطى. ويتطلب كذلك- ولفترة طويلة في المستقبل- مساعدات من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان. ومن المُشجّع أن إدارة بايدن تبدو غير مستعدة لغسل يديها من أفغانستان.