تقول القطاعات "الأكثر راديكالية" من حركة الإصلاح الإيرانية المحاصرة، إنّ التجارب السابقة علَّمتهم ألّا "يُعيّنوا مرشحين" من خارج "قبيلتهم" للانتخابات الرئاسية المقبلة، في يونيو/حزيران. ويقول الصحفي الإيراني سارباس نزاري، في تحليل بموقع Al-Monitor الأمريكي، إن مفهوم "المرشح المُعيّن" ظهر في الخطاب السياسي الإيراني، مع تبنّي الحركة المؤيّدة للإصلاح لحسن روحاني عام 2013، ومرةً ثانية خلال إعادة انتخابه عام 2017. وبالنسبة للعديد من أعضاء هذا المعسكر، شهد ذلك الخيار الكثير من التردد لاختيار أهون الشرين. فمن وجهة نظرهم، لم يُعرب روحاني أبداً عن ولائه لمبادئهم الأساسية المتعلقة بالإصلاح الحقيقي في الجمهورية الإسلامية.
وحول ذلك يقول محمد علي أبطحي، السياسي الإصلاحي المخضرم والحليف المقرب لزعيم حراك الإصلاح محمد خاتمي: "نظراً للقيود التي واجهها الإصلاحيون، لم يكن أمام الأعضاء البارزين خيار سوى تأييد روحاني. وطيلة الأشهر الماضية كان الإصلاحيون يُحاولون الوصول إلى إجماع حول المرشح الجديد، لأنّهم يعتزمون تجنّب تقديم مرشح مُعيّن".
جدل بين الإصلاحيين الإيرانيين
وعاود هذا الجدل الظهور على السطح من وقتٍ لآخر خلال فترة روحاني، باعتباره جزءاً من محاولات الإصلاحيين للتنصل من أدائه واستعادة شعبيتهم التي انحسرت سريعاً خلال السنوات الأخيرة.
وجادل غلام علي رجائي، العضو البارز الآخر في هذا المعسكر، على نحوٍ مماثل، بأنّ "عصر تعيين المرشحين قد انتهى. والمعسكر بحاجة إلى تقوية قاعدته الاجتماعية". ومن جانب آخر، حذَّر رئيس حزب صوت الإيرانيين صادق خرازي من أنّ المرشح المُعيّن "ليس حلاً، وعلينا الاعتراف بأخطائنا حين فعلنا ذلك في الماضي".
لكن لا يبدو أنّ تلك التعليقات تمثل رأي كافة أطراف نسيج المعسكر، التي شهدت تفاقماً في الانقسامات الداخلية التي قد تروي جزءاً من حكاية إخفاقاته على الساحة السياسية الإيرانية.
وبالتالي، فإنّ الإجماع حول ما إذا كانوا سيُعيّنون مرشحاً في النهاية قد يكون أمراً بعيد المنال، حيث قال محمد غوشاني، الإصلاحي الكبير والسجين السياسي السابق: "حين يتعلّق الأمر بالسياسة الخارجية والداخلية، والاقتصاد، والمجتمع، والثقافة؛ فقد كان روحاني أكثر انفتاحاً مقارنةً بالعديد من الشخصيات الإصلاحية الأخرى".
روحاني "خيَّب آمال" الإصلاحيين الإيرانيين
ولم يصف روحاني نفسه أبداً بأنّه عضوٌ في المعسكر الإصلاحي، باعتباره شخصيةً تُعتبر براغماتية ومعتدلة على نطاقٍ واسع. ورغم الدعم المطلق الذي يحظى به من الإصلاحيين، فإن الرئيس الإيراني يبدو وكأنّه لم يفعل شيئاً سوى تخييب أملهم برفضه منحهم المناصب الوزارية العليا.
وواجه الإصلاحيون العديد من التحديات، بدءاً من تقلص شعبيتهم وصولاً إلى قمعهم على يد المتشددين النافذين. ووسط ذلك كله، لم تتوصل حركة الإصلاح إلى اسمٍ يُمكنه أن يُمثّلها فعلياً ويحظى بفرصةٍ للتغلّب على المتشددين النافذين.
وبلهجةٍ أشد، أعلن كبير النقاد الإصلاحيين والعالم السياسي صادق زيباكلام أنّ "الإصلاحيين قد فقدوا مكانتهم الاجتماعية"، وحتى في حال ترشّح القائد الروحي للمعسكر خاتمي "فلن تكون أمامه فرصةٌ للفوز".
ويكمن التحدي الرئيسي الآخر بالنسبة للحركة في اجتياز عملية التدقيق، التي يسيطر عليها بشكلٍ حصري مجلس صيانة الدستور المتشدد. حيث أطاحت الهيئة الرقابية بالآمال الضعيفة لحركة الإصلاح قبل انتخابات 2020 البرلمانية. وبالتالي صار التصويت سباقاً من طرفٍ واحد للمحافظين، الذين فازوا بغالبية المقاعد باكتساح.
المحافظون يستغلون جميع أوجه القصور للإصلاحيين قبيل الانتخابات الرئاسية
يقول الصحفي نزاري، إن الإصلاحيين الإيرانيين جادلوا لسنوات بأنّ ارتفاع نسبة المشاركين في الانتخابات يرتبط بانتصارهم. ولكن حتى زيادة الإقبال الانتخابي قد لا تضمن بالضرورة النصر للإصلاحيين هذه المرة، بالتزامن مع صراعهم حتى ينأوا بأنفسهم عن السجل الاقتصادي العام لحكومة روحاني وحملة القمع الحديدية على المحتجين، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، التي أعقبت مخططه المثير للجدل من أجل رفع أسعار الوقود.
كما أنّ المنافسين المتشددين لم يجلسوا دون تحريك ساكن، إذ يبدو أنّهم يدركون محاولات الإصلاحيين لاستعارة مرشح. ويجادلون بأنّه حتى في حال نجاح الإصلاحيين في ذلك، فإنّهم سيظلون فصيلاً "مفلساً سياسياً". حيث كتب موقع Mashregh News الإيراني، المرتبط بالحرس الثوري: "لقد كانوا يشغلون أكبر المناصب التنفيذية والتشريعية طيلة 34 من أصل 42 عاماً في تاريخ الجمهورية الإسلامية، لكنّهم لا يزالون يتظاهرون بأنّهم جماعة مُعارضة".
ومن هذا المنطلق، يبدو أنّ المحافظين المتشددين يستغلون جميع أوجه القصور الواضحة للجانب المنافس. ومن المتوقع أن يبذلوا قصارى جهدهم لتأخير أي محادثات محتملة مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حتى ينسب إليهم الفضل في رفع العقوبات المحتمل. ولو نجحوا في ذلك فسوف يحظى المعسكر المتشدد باليد العليا خلال الحملات الانتخابية، عن طريق التطرّق إلى أوجاع العامة واستهداف روحاني والإصلاحيين عموماً، لفشلهم في تسهيل سبل الحياة للإيرانيين العاديين.
وتزعم القطاعات الأكثر راديكالية في حركة الإصلاح أنّ تأييد روحاني كان مقامرةً -في المقام الأول- كلّفتهم الكثير من مصداقيتهم. ولكن هل يتحمل روحاني المسؤولية وحده عن فقدان الشعبية؟ وهل سيتوافق كبار أعضاء المعسكر المنقسم على استراتيجيات لكيفية رأب الصدع المتزايد بينهم وبين العامة؟
خلال الأشهر المقبلة، ومع اقتراب السباق الانتخابي، سينشغل الإصلاحيون على الأرجح بنقاش كل تلك الأسئلة وأكثر، قبل أن يتوصلوا إلى الاسم الذي سيضعونه على صناديق الاقتراع في يونيو/حزيران.