بينما نجحت الصين في التغلب على كورونا وآثاره الاقتصادية بطريقة تثير الحسد، فإن البلاد تخسر معركة المواليد، حيث أصبح انخفاض معدل نمو السكان في الصين الخطر الأكبر على الاقتصاد، ويهدد جهودها للحاق بالولايات المتحدة في هذا الصدد.
وانخفض عدد المواليد الجدد في الصين بنسبة 15% في عام 2020 مقارنة بالعام الذي سبقه، مع ظهور فيروس كورونا الذي أثر على قرارات تكوين الأسرة، حسبما نقلت وكالة رويترز عن تقرير لوزارة الأمن العام الصينية.
شوهدت التدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية مع الهاشتاغ "كيفية إخراج الصين من فخ الخصوبة المنخفضة" 120 مليون مرة في فبراير/شباط 2021، مع بعض التعليقات التي تربط معدلات الخصوبة المنخفضة وانخفاض معدل نمو السكان في الصين بتكاليف المعيشة المرتفعة، بينما قال آخرون إن الأعراف الاجتماعية تتغير.
كتب أحد مستخدمي موقع Weibo، وهو مدونة صغيرة شبيهة بالتويتر وشائعة في الصين: "يعكس انخفاض معدل الخصوبة في الواقع التقدم في تفكير الصينيين- لم تعد النساء أداة للخصوبة".
في السنوات الأخيرة تردد العديد من الأزواج الصينيين في إنجاب الأطفال بسبب ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية والتعليم والإسكان. قرار الصين في عام 2016 بالتخلي عن سياسة الطفل الواحد المستمرة منذ عقود لم يقدم الكثير من الزخم لمعدل المواليد، وأدى ذلك إلى انخفاض معدل نمو السكان في الصين.
أدت حالات عدم اليقين الاقتصادية التي أحدثها فيروس كوفيد -19 العام الماضي إلى زيادة الضغط على قرارات الإنجاب، مما أدى إلى استمرار انخفاض المواليد على المدى الطويل في أكثر دول العالم اكتظاظاً بالسكان ولكنها سريعة الشيخوخة.
انخفاض معدل نمو السكان في الصين قد يهزم البلاد أمام أمريكا
ويبدو الاقتصاد الصيني قوياً نسبياً على المدى القصير، وساعده في ذلك تغلب البلاد سريعاً على انتشار الفيروس والاستثمارات الحكومية الضخمة التي صاحبت هذه الجهود.
وتنبأ بعض الاقتصاديين في وقت سابق هذا العام بأنَّ الصين قد تنتزع لقب أكبر اقتصاد في العالم من الولايات المتحدة بحلول 2028، أي قبل سنوات من الوقت المُتوقَّع سابقاً.
ولكن انخفاض معدل نمو السكان في الصين قد لا يمكن البلاد من الحصول على لقب أكبر اقتصاد في العالم، ويبدو ذلك بسبب القيود على الإنجاب، وخاصة سياسة الطفل الواحد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
ويُرجِّح تقرير صادر عن Capital Economics هذا الشهر أنَّ تباطؤ نمو الإنتاجية وتقلص القوة العاملة جراء انخفاض معدل نمو السكان في الصين قد يؤدي إلى منع البلاد من تجاوز الولايات المتحدة، أو أنه إذا فعلت ذلك، فستستعيد الولايات المتحدة المركز الأول مرة أخرى بمساعدة الهجرة التي تستمر في إعادة ملء حاجاتها من العمال.
أقل معدل مواليد منذ عام المجاعة
قبيل نتائج التعداد السكاني في الصين، التي يجريها مرة كل 10 سنوات، كانت هناك عدة مؤشرات على أنَّ عدد الأطفال الذين ولدوا في الدولة في عام 2020 أقل من أي عام منذ 1961، عندما عانت الصين من المجاعة الكبرى.
ووفقاً لتقرير Capital Economics، من المتوقع أن تتقلص القوة العاملة في الصين بأكثر من 0.5% سنوياً، مع حلول عدد أقل من الشباب محل عدد متزايد من المتقاعدين. على النقيض من ذلك، من المتوقع في الولايات المتحدة أن يرتفع حجم القوة العاملة خلال الأعوام الثلاثين القادمة، مدعومة بخصوبة أعلى من الصين والهجرة.
وكان متوسط التقدير في استطلاع أجرته صحيفة The Wall Street Journal لعلماء الديموغرافيا والاقتصاديين هو انخفاض بنسبة 15% في مواليد 2020 من 14.65 مليون في عام 2019. وكان التقدير الأكثر تحفظاً هو انخفاض بنسبة 10% في المواليد.
وأبلغت عدة مدن صينية بالفعل عن انخفاضات كبيرة في المواليد. إذ أعلنت مدن ونتشو وخِفِي ونينغبو، التي يبلغ عدد سكانها ما بين ثمانية ملايين إلى تسعة ملايين لكل منها، أنَّ المواليد في العام الماضي انخفضت بنسبة 19% و23% و12% على التوالي.
ويقول علماء الديموغرافيا إنَّ الوباء ربما ساهم في كبح ارتفاع المواليد؛ مما أضاف إلى الإشكاليات الموجودة أصلاً بما في ذلك انخفاض عدد النساء في سن الإنجاب والإحجام عن إنجاب طفلين بين العديد من الأزواج الذين نشأوا بدون أشقاء بموجب سياسة الطفل الواحد.
وفي هذا السياق، كان بنك Credit Suisse قد ذكر، في تقرير نشره على موقعه الإلكتروني العام الماضي، أنَّ الولادات في المستشفيات في 20 مدينة صينية انخفضت بنسبة 24% خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2020.
ويقول التقرير إنَّ النتائج "تُنبِئ بزيادة الضغط على صانعي السياسات الصينيين لرفع ضوابط تنظيم الأسرة المتبقية والتحول إلى دعم استباقي لتعزيز معدل المواليد لعكس ظاهرة انخفاض معدل نمو السكان في الصين" .
وزاد إلغاء سياسة الطفل الواحد في عام 2016 التوقعات بحدوث طفرة في معدل إنجاب الطفل الثاني. وأظهرت بيانات من لجنة الصحة الوطنية أنَّ عدد المستشفيات الخاصة لأمراض النساء والتوليد في الصين ارتفع بنسبة 40% تقريباً في عام 2016 مقارنة بعام 2013.
لكن موجة المواليد الجُدد في عام 2016، عندما ارتفعت المواليد بنسبة 7.9% إلى 17.86 مليون، ثبُت أنها قصيرة الأجل. ففي كل عام منذ ذلك الحين، انخفضت معدلات المواليد، حسب The Wall Street Journal.
أطباء الولادة يخشون على مستقبلهم
نتيجة انخفاض معدل نمو السكان في الصين وتحديداً ظاهرة تراجع الولادات، يقول الأطباء إنَّ العديد من المستشفيات تخفض رواتبها وتُقلِص عدد أقسام الولادة. وقال طبيب أطفال في مستشفى للنساء والأطفال في نانجينغ بشرق الصين إنَّ عدد المواليد الجُدد في المستشفى تقلص بنحو الخُمس في عام 2020 من عام 2019. وأضاف الطبيب: "أخشى فقدان عملي يوماً ما".
ولزيادة المواليد، بدأت بعض الحكومات المحلية في جميع أنحاء الصين في السماح بهدوء للعائلات بإنجاب طفل ثالث، بدلاً من الطفلين المسموح بهما رسمياً. وفي بيان أصدرته لجنة الصحة الوطنية، في 18 فبراير/شباط، أعلنت السماح للسلطات المحلية في شمال شرق الصين الذي يعاني من الكساد الاقتصادي، حيث معدلات المواليد منخفضة بنسبة كبيرة، بتجربة رفع القيود المفروضة على الإنجاب.
لكن حتى إذا رُفِعَت القيود على الصعيد الوطني، فلن يكون لها تأثير يُذكر في هذه المرحلة، كما يقول علماء الديموغرافيا. فبمجرد بدء معدلات المواليد في الانخفاض، من الصعب تغيير المنحنى، وهو ما يُشَار إليه باسم "فخ انخفاض الخصوبة"، الذي طرحه عالم السكان النمساوي وولفغانغ لوتز وآخرون في عام 2006. وقال هي يافو، ديموغرافي مستقل في قوانغدونغ: "خلال السنوات القادمة، من المحتمل أن تستمر المواليد في الانخفاض وبالتالي سيتواصل انخفاض معدل نمو السكان في الصين".
إجراءات محتملة، ولكن ذات فعالية محدودة
ولم يذكر القادة الصينيون ما إذا كان المشرعون سيناقشون انخفاض معدل نمو السكان في الصين، خلال الجلسة السنوية التي تبدأ يوم الجمعة 5 مارس/آذار. ووفقاً لتقرير نُشِر في صحيفة 21st Century Business Herald للأعمال سيقترح بعض مستشاري السياسات في الحزب الشيوعي تدابير لتشجيع الإنجاب، بما في ذلك تمديد إجازة الأمومة إلى 6 أشهر في زيادة من الأشهر الثلاثة الحالية، ودعم نفقات الإسكان والتعليم للطفل الثاني.
ومع ذلك، حتى إذا أقنعت الإعانات أو غيرها من الحوافز الأزواج الصينيين بإنجاب أكثر من طفل واحد، فمن المرجح أن تظل معدلات المواليد منخفضة بسبب التأثير المستمر لسياسة الطفل الواحد؛ إذ انخفض عدد النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً بمتوسط قدره أكثر من 5 ملايين سنوياً من 2017 إلى 2019 حسب البيانات الرسمية.
ويقول كاي يونغ، عالم الاجتماع بجامعة نورث كارولينا الأمريكية: "إنَّ انخفاض معدل نمو السكان في الصين، نتيجة الخصوبة المنخفضة مشكلة قائمة وحقيقية وستستمر".
ستؤدي الشيخوخة السريعة إلى رياح سياسية معاكسة للقادة الصينيين، حيث يعدون بضمان الرعاية الصحية ومدفوعات المعاشات التقاعدية، على الرغم من الانكماش المتوقع للقوى العاملة والتحديات التي تواجه رفع إنتاجية العمالة المتباطئة في الصين.