جاء انتخاب أنس سروار زعيماً لحزب العمال الاسكتلندي ليكون خبراً سعيداً ليس فقط للمسلمين والأقليات، بل خبر سعيد لما تبقى من الإمبراطورية البريطانية التي كانت يوماً لا تغرب عنها الشمس.
فنجاح سروار في إعادة بناء شعبية حزب العمال الأسكتلندي خبر مهم ليس بالنسبة للأسكتلنديين فقط، بل لمجمل البريطانيين، لأن الحزب من أشد المدافعين عن بقاء أسكتلندا ضمن المملكة المتحدة، في مقابل صعود القوى المطالبة بالاستقلال ممثلة بشكل أساسي في الحزب الوطني الأسكتلندي الذي يقود الحكومة الحالية.
وتولي أنس سروار رئاسة حزب العمال الاسكتلندي يعني أنه أصبح بذلك أول مسلم يقود حزباً سياسياً في بريطانيا، وقبل ذلك انتخبت لندن عام 2016 المسلم ذا الأصول الباكستانية صادق خان عمدة عن حزب العمال البريطاني.
وتغلب أنس سروار على منافسته على زعامة الحزب مونيكا لينون بنسبة 57.6% إلى 42.4%، ولدى أنس ثلاثة أبناء وزوجته فورحين محجبة.
فوز أنس سروار تقليد عائلي
وبهذا الفوز، واصل أنس سروار تقليداً عائلياً، حسب وصف صحيفة The Guardian البريطانية، لأن والد سروار، محمد، كان أول نائب مسلم ينتخب لعضوية وسط غلاسكو في عام 1997، قبل أن يتولى منصب حاكم منطقة البنجاب في مسقط رأسه باكستان.
وُلد سروار في غلاسكو عام 1983، ويتذكر أن ذكرياته السياسية الأولى كانت تهديداً ضد والدته، حيث فتح مظروفاً تم تسليمه يدوياً في منزل طفولته في عام 1997 لمشاهدة صورة وهمية لوالدته وهي تحمل مسدساً على رأسها ومعها تعليق: "الانفجار، الانفجار، هذا كل ما يتطلبه الأمر".
على الرغم من التهديدات العنصرية وسوء المعاملة، ترك سروار وظيفته كطبيب أسنان في عام 2010 لدخول عالم السياسة، وفاز بنفس مقعد وستمنستر الذي كان والده قد فاز فيها.
تم انتخاب سروار نائباً لزعيم حزب العمل الاسكتلندي من 2011 إلى 2014، بالإضافة إلى مهمة تنسيق حملة الحزب خلال استفتاء استقلال اسكتلندا (التي كان الحرب وأنس شخصياً معارضاً فيها للاستقلال).
كما أنه عمل كقائد بالنيابة بعد استقالة زعيم الحزب يوهان لامونت في عام 2014.
في عام 2015، فقد مقعده أمام أليسون ثيوليس من الحزب الوطني الاسكتلندي عندما اجتاح الحزب اسكتلندا، وفاز في جميع الدوائر الانتخابية باستثناء واحدة.
في سبتمبر 2017، قام بتحويل حصته من ثروة عائلته البالغة 4.8 مليون دولار إلى صندوق تقديري لصالح أطفاله الثلاثة الصغار، حتى لا يتمكن شخصياً من الوصول إلى الأصول أو الأرباح.
وأصبح يقوداً حزباً عريقاً يعاني أزمة كبرى
يعتبر حزب العمال الاسكتلندي بمثابة حزب شقيق لحزب العمال البريطاني ولكن مستقل عنه.
وقال سروار إن حزبه واجه معركة ضخمة لإعادة بناء الدعم في اسكتلندا. على الرغم من تراجع التأييد للاستقلال في آخر ثلاثة استطلاعات للرأي، فإنها لا تزال تظهر حزب العمال في المركز الثالث بعد الحزب الوطني الاسكتلندي والمحافظين، مع بقاء 10 أسابيع على انتخابات مايو/أيار 2021.
ومن منتصف القرن العشرين إلى أوائل القرن الحادي والعشرين، سيطر حزب العمال على السياسة في اسكتلندا، عبر الفوز بأكبر حصة من الأصوات في اسكتلندا في كل انتخابات عامة في المملكة المتحدة من 1964 إلى 2010، وفي كل انتخابات برلمانية أوروبية من 1979 إلى 2004 وفي أول عمليتي انتخابات للبرلمان الاسكتلندي في 1999 و2003.
بعد ذلك، شكل حزب العمال الاسكتلندي ائتلافاً مع الديمقراطيين الليبراليين الاسكتلنديين، وشكلوا أغلبية تنفيذية اسكتلندية.
في السنوات الأخيرة، لا سيما منذ استفتاء الاستقلال الاسكتلندي عام 2014، عانى الحزب من تراجع كبير، حيث خسر قوته في الغالب لصالح الحزب الوطني الاسكتلندي (الداعي لاستقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة).
في انتخابات البرلمان الاسكتلندي لعام 2016، خسر الحزب 13 مقعداً من أصل 37 مقعداً، ليصبح ثالث أكبر حزب بعد أن تجاوزه المحافظون الاسكتلنديون.
في الانتخابات العامة لعام 2017، حصل حزب العمال الاسكتلندي على ستة مقاعد من الحزب الوطني الاسكتلندي، ما رفع إجمالي عدد مقاعده إلى سبعة وفاز بنسبة 27% من الأصوات. كانت هذه هي المرة الأولى منذ الانتخابات العامة لعام 1918، قبل 99 عاماً، أن يحتل حزب العمال المركز الثالث في أي انتخابات عامة في اسكتلندا.
لماذا يمثل فوزه أهمية كبيرة لبريطانيا؟
تراجع حزب العمال الاسكتلندي يكون دوماً في صالح حزب الاستقلال، وبالتالي يهدد وحدة بريطانيا؛ لأن انفصال اسكتلندا قد يفتح الباب لمشكلات في أيرلندا الشمالية وويلز.
نجت المملكة المتحدة من التفكك في استفتاء 2014 بعد أن صوت الاسكتلنديون للبقاء داخلها بفارق ضئيل، وفي ذلك الوقت كان بريطانيا جزءاً من الاتحاد الأوروبي الذي يعد الاسكتلنديون أكثر شعوب المملكة المتحدة حماساً له.
لعب أنس سروار دوراً فاعلاً في الحملة المؤيدة لبقاء اسكتلندا في المملكة المتحدة خلال الفترة التي سبقت إجراء الاستفتاء على الاستقلال في 2014، حيث كان يجوب اسكتلندا في حافلة مع نشطاء معارضين للاستقلال.
وعلق زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر على فوز أنس سروار قائلاً: "تحت قيادته، سيركز حزب العمل الاسكتلندي على ما يوحدنا وليس ما يفرقنا"، حسبما نقل عنه موقع insider بريطانيا.
وأضاف: "أعلم أن أنس سوف يقوم بالعمل الجاد الضروري لاستعادة ثقة الشعب الاسكتلندي والبناء للمستقبل بينما نخرج من هذا الوباء".
ولكن يبدو أن أنس سيكون خلافه الأساسي مع حليفه التقليدي حزب العمال البريطاني.
إذ قال أنس سروار إن حزب العمال الرئيسي يجب أن يغير سياسته تجاه الاتحاد الأوروبي من خلال تقريب المملكة المتحدة من السوق الأوروبية الموحدة، حسبما ورد في تقرير آخر لصحيفة The Guardian البريطانية.
ونأى أنس سروار بنفسه عن رفض كير ستارمر إعادة التفاوض بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (وهي المفاوضات التي يفترض أن تؤدي لمزيد من التقارب مع أوروبا).
وكان ستارمر، زعيم حزب العمال البريطاني الرئيسي، قد قبل صفقة رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من أجل استمالة الناخبين الميالين لليسار في شمال إنجلترا والذين كانوا مؤيدين للبريكست.
المشكلة أن هذا أضعف وضع حزب العمال الاسكتلندي؛ لأن الاسكتلنديين يميلون إلى روابط أوثق بكثير مع الاتحاد الأوروبي.
وفي تحذير واضح لزعيم حزب العمال البريطاني الرئيسي، قال أنس سروار إن اسكتلندا كانت المكان الذي انهار فيه التصويت لحزب العمال لأول مرة، وبدون انتعاش كبير للحزب في اسكتلندا لن يتمكن ستارمر من الفوز في الانتخابات العامة التالية على مستوى المملكة المتحدة برمتها، حسبما ورد في تقرير The Guardian.
وقال إن هذا لا يعني أن استقلال اسكتلندا عن بريطانيا هو الحل. "ما زلت أريد أن يكون لدى اسكتلندا تحالف وثيق قدر الإمكان مع الاتحاد الأوروبي، لكن فكرة أن استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة ستكون لحظة سهلة ولن تكون فوضوية، ولن تستغرق وقتاً، فهذا أمر ليس له مصداقية".
الاستقلال أقرب ما يكون
ومن المتوقع أن تجعل رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجن من قضيتي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والاستقلال أمراً أساسياً في الحملة الانتخابية لحزبها (الحزب الوطني الاسكتلندي).
وبعد فوزها الساحق في الانتخابات العامة عام 2019، قالت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجن إن على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن "يركز على الواقع" ويقر بأن الحزب الوطني الاسكتلندي مفوض لإجراء استفتاء ثانٍ على الاستقلال (وهو ما يرفضه جونسون).
وأضافت أنها تتخوف من تركيز السلطة في لندن بعد بريكست، معتبرة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيبرر إجراء استفتاء جديد بعد الاستفتاء الذي خسره المطالبون بالاستقلال في 2014، حين أعرب 55% من الناخبين عن رغبتهم في البقاء بالمملكة المتحدة.
وتظهر العديد من استطلاعات الرأي أن ناخبي حزب العمال حولوا دعمهم إلى الحزب الوطني الاسكتلندي قبل اكتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بسبب دعم نيكولا ستيرجن الواضح للاتحاد الأوروبي؛ كما تصاعد دعم الاستقلال بعد أن أصبح بوريس جونسون رئيساً لوزراء بريطانيا.
وافتتحت نيكولا ستيرجن المؤتمر السنوي للحزب الوطني الاسكتلندي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بالقول لأعضاء الحزب إنها "لم تكن متيقنة يوماً من أن البلاد ستنال الاستقلال مثلما هو الحال الآن.
في المقابل يقول أنس سروار إن "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان سيئاً لاسكتلندا، لكن الاستقلال سيكون مضخماً ومضاعفاً لسلبيات خروج البريكسيت".
وبالتالي تمثل قدرة سروار على بناء حزب العمال الاسكتلندي أهمية بالغة ليس للحزب فقط بل للمملكة المتحدة ذاتها أيضاً؛ لأن شعبيته تكون على حساب حزب شعبية دعاة الانفصال الاسكتلندي.
الموقف من اليهود
واعترف سروار بأن حزب العمل يخاطر بتنفير الناخبين اليهود بعد فوزه بسبب وصفه بأنه أول زعيم أقلية عرقية في حزب كبير في المملكة المتحدة، خاصة بعد فشل قيادات يهودية سابقة في الوصول لمناصب رفيعة.
وقال: "لا أريد أن نقلل بأي شكل من أهمية الإنجازات الهامة للجالية اليهودية في اسكتلندا وفي جميع أنحاء المملكة المتحدة"، معترفاً بأن خلفيته الآسيوية وتراثه الإسلامي يمكن أن تثير قلقهم.