الأسلحة النووية تمثل أداة دبلوماسية أكثر منها نقطة تفوق عسكرية في أي حرب، وهناك أيضاً أسلحة أخرى ثبت أنها لا تستحق الثروات الهائلة لتطويرها وإنتاجها، منها طائرات وصواريخ.
وفي ظل السباق المحموم للحصول على سلاح نووي، يعتقد البعض أن نظرة فاحصة على تلك الأسلحة المدمرة لدى الدول التي تمتلكها بالفعل، وخصوصاً الولايات المتحدة، تشير إلى أن الأسلحة النوعية بشكل عام "مبالغ فيها تماماً" عند اندلاع مواجهات عسكرية بالفعل.
ونشرت مجلة The National Interest الأمريكية تقريراً عن 5 من أسلحة الحرب تشغل مساحة أكبر مما تستحقه فعلاً في الحديث الأمني الدفاعي، بعضها قد يكون منظومات أسلحة فعَّالة في بعض جوانبها، في حين أنَّ بعضها ليس كذلك.
الدرع الصاروخية الأمريكية
أهدرت الولايات المتحدة موارد غير عادية على مدار العقود الثلاثة الماضية على شبح الدرع الصاروخية الوطنية، إذ تضم المنظومة الحالية نظام Aegis الاعتراضي من البحر، ونظام Midcourse Defense المنصوب على البر، ونظام THAAD. وتشمل الأنظمة المُنتَظَرة مكونات محمولة جواً وأخرى ليزرية.
وخطى الدفاع الجوي في مسرح العمليات خطوات ضخمة، تماماً مثلما فعل نظام الدفاع الجوي المنصوب في البحر والمبني على أساس نظام Aegis الدفاعي، حيث يمكن لمنظومات مسرح العمليات التي تركز على هجمات الصواريخ الباليستية التقليدية تقليص الضرر في المناطق المدنية والمنشآت العسكرية.
المشكلة هي أنَّ الدرع الصاروخية الوطنية تواجه مشكلات جوهرية، فأي شخص مجنون بما يكفي لمهاجمة الولايات المتحدة بسلاح نووي لن يمكن ردعه من خلال الوسائل المعتادة بأي حال من الأحوال، إذ لا يمكن الاعتماد على أي منظومة دفاعية غير مضمونة النجاعة حين يكون الأمر متعلقاً بالصواريخ النووية. ولن يعتمد أي رئيس أبداً على منظومة درع صاروخية فعَّالة بنسبة 90% فقط. علاوة على ذلك، تشجِّع الدرع الصاروخية الوطنية الخصوم المحتملين على تطوير وسائل أخرى لتوصيل الأسلحة إلى أهدافها، أو تبنّي إجراءات استهداف مبتكرة.
إنَّ المعيار المُحدِّد لنجاح الدرع الصاروخية الوطنية عالٍ للغاية، نظراً لأنَّه مُكلَّف بحماية المدن الأمريكية. وهذا المعيار العالي يمنح الخصوم المحتملين فرصاً كثيرة لاختراق الدرع. فالفِخاخ الرخيصة وسهلة الإطلاق نسبياً بإمكانها إرباك منظومات الدرع الصاروخية الوطنية. وربما يمكن للصواريخ الباليستية ذات القدرة على المناورة تفادي الصواريخ الاعتراضية. وأي ابتكار من جانب الطرف المهاجم يؤدي لجعل الدرع الصاروخية أقل فاعلية، ولو بشكل هامشي، وتجعل هذه الدرع بلا جدوى سياسياً. بعبارة أخرى، لا تحتاج مكونات الدرع الصاروخية إلى سلاح حرب، بل إلى سلاح دبلوماسية.
صاروخ توماهوك
يُعَد صاروخ Tomahawk توماهوك رمز القوة الأمريكية ما بعد الحرب الباردة. أطلقت البحرية الأمريكية أولى رشقات صواريخ توماهوك الهجومية الأرضية على العراق في عام 1991، واستخدمت الصواريخ في كل الصراعات منذ ذلك الحين. يمنح صاروخ توماهوك الولايات المتحدة الفرصة لإيصال الرسالة العسكرية دون المخاطرة بالطيارين، ويمنحها أيضاً فرصة لتحطيم أبواب شبكات الدفاع الجوي المتكاملة.
لكنَّ الصاروخ بات قديماً. إذ تتميز منظومات صواريخ كروز التنافسية في الصين والهند بسرعات أعلى بكثير فضلاً عن خصائص المراوغة. وتُعَد هذه الصواريخ أكثر فتكاً بكثير بسفن السطح مقارنةً بصاروخ توماهوك، ويمكنها أيضاً تهديد المنشآت العسكرية على البر.
من المؤكد أنَّ هناك بعض الأمور التي سيكون توماهوك دوماً قادراً على القيام بها بصورة جيدة، بما في ذلك ضرب الخصوم الذين يفتقرون إلى منظومات الدفاع الجوي المتطورة. علاوة على ذلك، لدى شركة Raytheon خطط لمجموعة واسعة من التحسينات لصواريخ توماهوك، والتي من شأنها السماح للصاروخ المهيب بمواصلة أداء مهماته في المستقبل. تتضمَّن هذه التحسينات إضافة مستشعرات للصاروخ تجعل من الأسهل ضرب الأهداف المتحركة.
لكن كما هو الحال مع كل الأسلحة، تحد البنية الأساسية للصاروخ من مدى التحسينات التي يمكن إدخالها. وتعمل الولايات المتحدة حالياً على بديل، الصاروخ طويل المدى المضاد للسفن "LRASM"، الذي كان يُستهدَف في البداية أن يحلق بسرعة تفوق سرعة الصوت، لكنَّ الاختبارات لم تمضِ على نحوٍ جيد، وستحلق أحدث النسخ بسرعة دون سرعة الصوت. إنَّ توماهوك صاروخ جيد ومفيد، لكنَّه لم يعد أفضل الصواريخ المتاحة.
الطائرة بدون طيار بريداتور
أصبحت الطائرة بدون طيار Predator بريداتور واجهة القوة الجوية الأمريكية خلال الحروب على الإرهاب، وهيمنت فكرة شن طائرات بريداتور للضربات على الكيفية التي ينظر بها المجتمع الدولي إلى الحرب على الإرهاب، والكيفية التي فهم بها دور الولايات المتحدة بصورة أوسع نطاقاً.
تُعَد بريداتور طائرة صغيرة رائعة، لكن بالتأكيد لديها مشكلاتها. فهي تحلق ببطء، ولا تحمل الكثير من الذخائر، ولا تستطيع المناورة. بصياغة بسيطة لا يمكن لطائرة بريداتور العمل في بيئة محل تنازع. وهذا يعني أنَّها لا يمكنها المساهمة كثيراً في القتال في مجموعة واسعة من مناطق الصراع، بما في ذلك أوكرانيا وسوريا أو أي صراع جدي في بحر الصين الجنوبي أو الشرقي.
فاعلية طائرة بريداتورهي نتاج للظروف السياسة الخاصة بالحرب على الإرهاب، حيث ترغب بلدان (مثل باكستان) في توجيه ضربات جوية أمريكية ضد المتمردين، وتريد في الوقت نفسه نفي رغبتها في توجيه تلك الضربات، لكن للمفارقة يؤدي ضعف طائرة بريداتور إلى إحراج بعض حلفاء أمريكا. إذ لا يمكن للجيش الباكستاني مثلاً ادعاء أنَّ طائرات بريداتور التي تحلق في المجال الجوي الباكستاني تفعل ذلك دون إذنه.
لكنَّ هذه الحقائق بالكاد أثرت في التصور السائد عن الطائرة. كانت بريداتور أول طائرة دون طيار تدخل مرحلة الإنتاج على نطاق واسع، ولديها هيكل مرن بما يكفي للقيام بمجموعة واسعة من المهمات. إنَّها طائرة مهمة، لكنَّها بالكاد تستحق الاهتمام الذي تحظى به.
الأسلحة النووية
هيمنت الأسلحة النووية على الدبلوماسية الدولية على مدار العقود الستة الماضية، لكنَّها لم تهيمن على الحرب، حيث تبدو بلا فائدة تقريباً على مختلف الأصعدة.
صمَّمت الولايات المتحدة معظم عقيدتها وهيكل قوتها على أساس إمكانية نشوب الحرب الذرية في النصف الأول من الحرب الباردة، فجرى تطوير حاملات الطائرات لإطلاق الأسلحة النووية، وتغيَّر نظام أسطول الدفاع الجوي بصورة جذرية بسبب المخاوف من الهجمات النووية التكتيكية. وأسس سلاح الجو نفسه حول فكرة الهجوم الاستراتيجي النووي في عمق الاتحاد السوفييتي. وكان الجيش يتوقع إطلاق (واستيعاب) عدد كبير من الأسلحة النووية التكتيكية في أي معركة بين حلفيّ وارسو وشمال الأطلسي (الناتو).
لكن منذ الحرب العالمية الثانية، تحاشت الولايات المتحدة استخدام الأسلحة النووية، حتى ضد الخصوم الأقوياء غير النوويين. وبسبب التعقيد السياسي العميق المرتبط باستخدامها، يُعَد تأثير الأسلحة النووية الاستراتيجي وفي ساحة المعركة أقل بكثير من أن تفكر الولايات المتحدة جدياً في استخدامها.
وتُصدِر الولايات المتحدة في مناسبات متباعدة جداً تهديدات بالاستخدام القتالي للأسلحة النووية، وغالباً ما تستخدم الأسلحة النووية كأوراق دبلوماسية، وهي بالتأكيد تتمتع بمظلة الردع التي توفرها القوات النووية الاستراتيجية. لكنَّ الأسلحة نفسها لم تساعدها في الانتصار بأي حرب منذ عام 1945.
وسيستمر هذا التوتر بين أسلحة الحرب وأسلحة الدبلوماسية في التأثير بشكل كبير على مشتريات سلاحي الجو والبحرية، فكلا السلاحين لديهما مخاوف مشروعة بشأن مقدار القدرة القتالية التي سيفقدانها بسبب تحديث منظوماتهما النووية القديمة، منظومات من شبه المؤكد أنَّها لن تُطلَق ضد عدو.
طائرة A-10 Warthog
لا يمكن لأي طائرة أن ترتقي إلى أسطورة طائرة Warthog. اقترح سلاح الجو طائرة هجوم أرضي لتحل محل الطائرة A-1 Skyraider. لم يكن سلاح الجو متيماً بمهام الدعم الأرضي، لكنَّه دعم طائرة A-10، وهو ما أدَّى في النهاية إلى إدخال المئات منها إلى الأسطول.
كان من المتوقع في الأصل أن تدمر طائرة A-10 الدبابات السوفييتية، ما يحد من أي هجوم لحلف وارسو على ألمانيا، وربما جاء ذلك بثمن باهظ تتحمله طائرات A-10 نفسها. لكنَّ الحرب الباردة انتهت، ولم تضطلع طائرات A-10 بهذا الدور إلا في الكويت، حيث دمرت قوات الجيش العراقي في 1991.
واليوم، تُعَد A-10 طائرة مفيدة في عمليات مكافحة التمرد. ولا شك أنَّ الطائرة تعاني من مشكلات، لكن ضمن قوات لا تزال تُشغِّل طائرات C-130 وB-52، ينبغي أن نتردد في اتهام أي طائرة بالتقادم. ومع ذلك، فإنَّ طائرات A-10 قديمة، وكانت مُصمَّمة لخصم مختلف كثيراً عن أولئك الذين تقاتلهم الولايات المتحدة اليوم وأولئك الذين تتوقع مقاتلتهم في المستقبل.
لكن بعد سنوات من محاولة سلاح الجو إحالة الطائرة إلى التقاعد (ومعارضة الجيش لتلك الطائرة)، اكتسبت الطائرة صدى رمزياً، لدرجة أنَّه لا يكاد أحد يُقيِّمها بموضوعية. فاتخاذ موقف حيال طائرات A-10 هو بمثابة اتخاذ موقف حيال فكرة أهمية الدعم الجوي القريب نفسها واتخاذ موقف حيال 60 عاماً من العلاقات بين الجيش وسلاح الجو. وهذا التنافر يفسح المجال للمبالغة من جانب كلٍّ من أنصار الطائرة ومعارضيها.
لكن حتى لو لم تكن A-10 منصة مثالية للدعم الجوي القريب الحديث، فإنَّها أفضل من معظم الخيارات التي يقترحها سلاح الجو حالياً. لكنَّ كثيرين (بما في ذلك البعض داخل الكونغرس) يرى أنَّ إلقاء مسؤولية طائرات A-10 على عاتق سلاح الجو هو وسيلة لضمان استمرار التزام سلاح الجو بمهام الدعم الجوي القريب.