التقرير المخابراتي الأمريكي بشأن جريمة اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي، الذي كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قد رفضت نشره سيجد طريقه للنور بقرار من إدارة بايدن، فما الذي تم تسريبه حتى الآن بخصوص دور ولي عهد السعودية في الجريمة؟
خاشقجي تعرض للقتل بطريقة بشعة في قنصلية السعودية بإسطنبول بتركيا، مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018، على أيدي فريق من القتلة السعوديين سافروا على متن طائرتين كشف تقرير لشبكة CNN الأمريكية اليوم الخميس، 25 فبراير/شباط 2021، أنهما تابعتان لشركة طيران استحوذ عليها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد قبل عام من الجريمة.
الكشف عن استحواذ ولي العهد على شركة سكاي برايم للطيران جاء من خلال مستندات "سرية للغاية"، تم تقديمها للمحكمة التي تنظر في دعوى سعد الجبري مسؤول المخابرات السعودي السابق والذراع اليمنى لولي العهد السابق محمد بن نايف، التي يتهم فيها محمد بن سلمان بمحاولة اغتياله -في كندا حيث يقيم- بنفس الطريقة التي تم بها اغتيال خاشقجي.
ويوم 10 أغسطس/آب الماضي وجهت المحكمة الفيدرالية في واشنطن استدعاء لولي العهد للمثول أمامها بشأن الاتهامات التي وجهها له الجبري، وتجاهل الأمير استدعاء المحكمة لمدة ثلاثة أشهر قبل أن يرد من خلال محاميه الأمريكي، الذي قدم رداً تفصيلياً من 60 ورقة نفى فيها ادعاءات الجبري.
ماذا قالوا عن تقرير مقتل خاشقجي؟
أمس الأربعاء 24 فبراير/شباط، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن للصحفيين، إنه قرأ التقرير المخابراتي بشأن اغتيال خاشقجي، دون أن يكشف عن تفاصيله، وقالت جين بساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض إن التقرير سيتم نشره اليوم الخميس، فيما قال بايدن إنه سوف يجري "قريباً" اتصالاً هاتفياً مع العاهل السعودي الملك سلمان.
ونشرت وكالة رويترز تقريراً نقلت فيه عن 4 مسؤولين أمريكيين مطلعين قولهم إن التقرير الذي كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) هي المساهم الأساسي فيه، يورد أن ولي العهد وافق على اغتيال خاشقجي، الذي كان ينتقد سياسات الأمير في مقالاته بصحيفة واشنطن بوست، بل ومن المرجح أن يكون قد أمر به.
وكان أعضاء الكونغرس الأمريكي قد اطلعوا على نسخة سرية من التقرير في أواخر 2018، في ظل رفض إدارة ترامب رفع السرية عن التقرير ونشره، رغم مطالب مشرعين وجماعات حقوقية بنشر النسخة السرية، وذلك في إطار العلاقة الخاصة التي ربطت بين ترامب وولي العهد السعودي.
لكن مع خسارة ترامب ومجيء بايدن للبيت الأبيض تغيرت الأمور، إذ تعهدت آفريل هينز مديرة الأمن القومي الجديدة في إدارة بايدن، لدى جلسة التصديق على ترشيحها، بالالتزام ببند في قانون دفاعي صدر عام 2019، ويطالب مكتب مدير الأمن القومي بأن ينشر في غضون 30 يوماً التقرير السري عن اغتيال خاشقجي.
وكانت أنييس كالامار، محققة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، قد اتهمت السعودية "بإعدام خاشقجي مع سبق الإصرار والترصد"، وطالبت بمزيد من التحقيقات، وقالت كالامار عام 2019 بعد التحقيق الذي دام ستة أشهر "توجد أدلة كافية يعتد بها فيما يتعلق بمسؤولية ولي العهد تستدعي مزيداً من التحقق".
لحظة الحقيقة لإدارة بايدن
قرب الكشف عن التقرير السري المتوقع أن يقدم تفاصيل صادمة أكثر حول جريمة قتل وتقطيع خاشقجي، بحسب موقع Responsible Statecraft الأمريكي، يمثل نقطة قد تكون فارقة في العلاقات الأمريكية- السعودية، التي يرى محللون تحدثوا للموقع أنه على الرغم من حديث بايدن وإدارته عن "إعادة ضبط العلاقات بين الرياض وواشنطن"، فإن أسس تلك العلاقة لم يحدث عليها تغيير يذكر منذ تنصيب بايدن قبل أكثر من شهر.
ورصد التقرير إعلان البنتاغون يوم 26 يناير/كانون الثاني -أي بعد تولي بايدن منصبه بستة أيام- عن احتمال توسيع الوجود العسكري الأمريكي في ميناء ينبع السعودي، بالإضافة إلى الوجود الأمريكي في القواعد العسكرية الأمريكية، ومنها قاعدة الملك فيصل الجوية في تبوك، قرب الحدود مع الأردن، وقاعدة الملك فهد الجوية في الطائف، ما يشير إلى ما يراه البعض تناقضاً مع "إعادة معايرة أو ضبط العلاقات" كما أعلن بايدن.
وبحسب التقرير نفسه، ربما يكون الخطاب الصارم من بايدن تجاه السعودية موجهاً إلى الرأي العام الأمريكي، في ظل تدني شعبية المملكة هناك منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتضرر صورة المملكة بشكل أسوأ في أعقاب جريمة مقتل خاشقجي التي هزت الرأي العام العالمي وليس الأمريكي فقط.
وفي القصة نفسها، ولكن في سياق مختلف، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً نقلت فيه عن خبراء ومحللين قولهم إن الكشف عن التقرير السري الأمريكي الذي طال انتظاره يمثل اختباراً حقيقياً للإدارة الأمريكية برئاسة بايدن، وقال خالد الجبري -ابن سعد الجبري- للصحيفة إن "نشر التقرير يمثل خطوة طال انتظارها، ولابد أن تصاحبها قرارات حاسمة لضمان ألا تتكرر تلك الجريمة البربرية مرة أخرى".
وأضاف خالد الجبري، الذي يعيش في المنفى: "لم تؤد العقوبات الشكلية التي فرضتها إدارة ترامب إلى ردع محمد بن سلمان عن مطاردة (معارضين) آخرين. لا بد أن تتخذ إدارة بايدن خطوات أكثر فاعلية وفرض عقوبات بحق مسؤولين كبار ومؤسسات وهيئات ساهموا في الجريمة (اغتيال خاشقجي)".
وكان جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، قد قال في حوار مع CNN الأسبوع الماضي، إن البيت الأبيض يجهز لأن يصاحب رفع السرية عن التقرير ونشره "رد مناسب" من الإدارة لتحميل الأفراد المسؤولين عن الجريمة مسؤولياتهم، لكن لا أحد يمكنه التكهن بما قصده سوليفان بكلامه.
هل تفرض عقوبات على ولي العهد نفسه؟
قال كريستين فونتينروز، مدير مبادرة أمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي للصحيفة البريطانية: "لا أعتقد أنهم (إدارة بايدن) يمكن أن يفرضوا عقوبات على محمد بن سلمان شخصياً، لكن يمكن أن نرى عقوبات بحق مؤسسات مملوكة للسعودية، وربما فرض تقييد على استثمارات صندوق الثروة السيادي في الولايات المتحدة. ويمكن أيضاً أن يصدروا بياناً بأنهم لن يتعاملوا مع محمد بن سلمان كحاكم للسعودية وهو ما تم التعبير عنه بالفعل".
كانت جين بساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، قد قالت للصحفيين إن "ملك السعودية هو نظير الرئيس بايدن"، في تصريح مباشر أن بايدن لن يتحدث مباشرة مع ولي العهد، عكس الحال في ظل إدارة ترامب، وفي السياق نفسه، أجرى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين اتصالاً بالأمير محمد بن سلمان، الذي يتولى أيضاً وزارة الدفاع السعودية.
سارة لي ويتسون، المديرة التنفيذية لمؤسسة الديمقراطية للعالم العربي كان لها رأي آخر، إذ قالت للغارديان إن إدارة بايدن يجب أن تفرض عقوبات على ولي العهد نفسه: "يجب أن تطبق إدارة بايدن نفس عقوبات قانون ماغنيتسكي التي طبقتها على 17 سعودياً في جريمة مقتل خاشقجي، وتشمل تلك العقوبات حظر السفر إلى الولايات المتحدة وتجميد الأصول".
لكن معظم الخبراء يقولون إن فرض عقوبات على الأمير محمد بن سلمان نفسه احتمال غير مرجح، لأن هذه الخطوة يمكن أن تكون لها تداعيات عميقة في المستقبل على وريث العرش، ويشير بعض المحللين إلى أنه حتى لو اختارت إدارة بايدن أن تتحدى سلطة ولي العهد، ليس من الواضح مَن يمكن أن يحل محله، في ظل حملة التخلص من المنافسين التي شنها، وأدت لإسكات أو حبس منافسيه السياسيين.
أما كالامار فقد قالت للصحيفة البريطانية إن فرض عقوبات على ولي العهد نفسه يمثل "الحد الأدنى" من العقاب، إذا ما أثبت التقرير السري المنتظر نشره أن محمد بن سلمان أعطى الأمر بالفعل بقتل خاشقجي، مضيفة أن بايدن يجب أن يضغط على السعوديين للكشف عن مكان إخفاء بقايا جثمان خاشقجي، وأن يسمحوا لأولاد القتيل بمغادرة السعودية إذا ما رغبوا في ذلك، إضافة إلى تجميد التواصل الدبلوماسي الأمريكي مع الأمير محمد.