تتصدر حرب اليمن قائمة أولويات السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، واستغل بايدن فرصة أول خطاب يلقيه عن السياسة الخارجية الأمريكية، في 4 فبراير/شباط، للتعهد بإنهاء "جميع أشكال الدعم الأمريكي، ومنها مبيعات الأسلحة، للعمليات الهجومية في الحرب اليمنية". ومنذ حينها، لمَّحت إدارته إلى أنها ستُوقِف لأجل غير مسمى صفقتي بيع قنابل إلى السعودية، كانت إدارة ترامب قد أعلنت عنهما في أواخر ديسمبر/كانون الأول.
ورغم أن السعودية هي من تلقت الجزء الأكبر من الانتقادات على دورها في البلاد التي مزقتها الحرب، يقول الخبراء إن الإمارات، التي زعمت إنهاءها لوجودها في اليمن، لا تزال متورطة بدرجة كبيرة. وأعلنت الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول أنها أنهت تدخلها العسكري في اليمن، لكن بعد أربعة أشهر، أكد القائمين على توثيق الحرب خلاف ذلك، إذ تُتهم الإمارات بأنها حاضرة بقوة في الحرب الأهلية التي تحولت إلى حرب بالوكالة، بجُزر استراتيجية وموانئ جوية وبحرية وقواعد عسكرية وميليشيات.
ما الدور الذي تلعبه الإمارات الآن في حرب اليمن؟
يقول جاستن راسل، رئيس مركز نيويورك للشؤون السياسية الخارجية (NYCFPA)، الذي رفع دعوى قضائية على وزارة الخارجية الأمريكية بشأن صفقة أسلحة متوقفة في الوقت الحالي مع الإمارات، لموقع Middle East Eye البريطاني إن مركزه لديه ما يثبت استمرار التدخل الإماراتي في اليمن. وقال راسل: "الإمارات، سواء في دائرة الضوء أو بعيداً عن الأنظار، ما تزال ماضية في دورها العدواني في المنطقة".
وتابع قائلاً: "صرف إعلان انسحاب الإمارات أنظار المجتمع الدولي عما تفعله في المنطقة بالفعل… لكننا تقصّينا وتوصلنا إلى أن التمويل والدعم الميداني من الإمارات في اليمن لا يزالان مستمرين بصفة منتظمة".
من جهته، يقول ويليام هارتونج، مدير مشروع الأسلحة والأمن في مركز السياسة الدولية في واشنطن، بمقالة منشورة له في موقع Responsible Statecraft الأمريكي، إن السياسة الجديدة للإدارة الأمريكية يجب أن تشمل مراجعة شاملة لجميع مبيعات الأسلحة الأمريكية للإمارات كما السعودية.
ويضيف هارتونج: "من الضروري خضوع مبيعات الأسلحة إلى الإمارات لنفس التدقيق الذي تخضع له عروض بيع الأسلحة للسعودية، استمرار صفقات السلاح مع الإمارات يهدد بزيادة العنف وتأجيج النزاع في الوقت الذي ينبغي فيه على إدارة بايدن منح الأولوية لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط الكبير. ولا يجب على إدارة بايدن الاكتفاء بإلغاء عروض الشراء هذه، بل عليها أيضاً إعادة النظر في طبيعة التحالف مع الإمارات ومواءمته مع الأهداف الأمنية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
النفوذ الإماراتي في مضيق باب المندب
تتنوع مصالح الإمارات في اليمن، لكن أحد الأهداف الرئيسية للدولة الخليجية الصغيرة -التي لا تشترك في حدود مع اليمن- هو أن تحتفظ بنفوذها على مضيق باب المندب. وهذا الممر المائي حيوي لمرور حوالي 9% من النفط الخام والبترول المكرر المنقول بحراً في العالم.
تقول شيرين العديمي، الناشطة يمنية المولد والأستاذة بجامعة ولاية ميشيغان، لموقع Middle East Eye: "هدف الإمارات واضح جداً لي باعتباري يمنية، وهو أن تضمن وجود حكومة لها في اليمن تسهّل سفر نفطها عبر باب المندب". وقالت: "إنه موقع استراتيجي مهم كثيراً. ولهذا السبب كانت السعودية والولايات المتحدة تتدخلان في اليمن في الماضي. وهذا ما يدور حوله الأمر في الواقع".
وتلجأ الإمارات إلى مناورات لبسط سيطرتها على بعض المواقع القوية على أمل الحفاظ على نفوذها على الموانئ وحركة المرور البحرية في المنطقة، من جزيرة سقطرى، التي تقع عند مصب خليج عدن، إلى جزيرة ميون، التي تقع في وسط باب المندب مباشرة.
وتؤكد الحكومة اليمنية أن هذه الجزر والموانئ لا تزال تحت سيطرة الإمارات حتى يومنا هذا. ففي مطلع هذا الشهر، قوّض محمد قيزان، وكيل وزارة الإعلام اليمنية، مزاعم الإمارات بإنهاء وجودها في اليمن.
وقال قيزان في تغريدة على تويتر موجهة لوزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش: "يا د.قرقاش، العالم قرية صغيرة بفضل وسائل الإعلام والجميع يعرف أنكم مازلتم في اليمن، اسحبوا جنودكم من سقطرى، بلحاف، ميون، أوقفوا تسليح الميليشيات".
والشهر الماضي، اعترض مختار الرحبي، مستشار وزير الإعلام اليمني، أيضاً على رفض الإمارات إعادة فتح مطار الريان في ميناء المكلا البحري النشط الذي يقع جنوب شرقي البلاد في عاصمة أكبر محافظات اليمن.
وكانت الإمارات قد حولت المطار إلى قاعدة عسكرية لقواتها مع بداية الحرب ورفضت إعادة فتحه، لأسباب أمنية، على حد قولها. لكن الرحبي اتهم القوات الإماراتية بتحويل المطار إلى "سجن غير قانوني لارتكاب أشكال شنيعة من التعذيب بحق اليمنيين".
الإمارات تترك ميليشيات دربتها ومولتها في المناطق التي تنسحب منها
غير أنه توجد بعض المؤشرات على أن الإمارات تسحب بعض قواتها، مثل تفكيكها الأخير لميناء ومهبط عصب العسكري الذي أقامته في إريتريا، على بعد حوالي 64 كم غرب اليمن وقبالة ساحل مضيق باب المندب. وكانت هذه القاعدة العسكرية موقعاً استراتيجياً تستخدمه الإمارات لجلب الأسلحة والجنود، الذين كان من بينهم مرتزقة أجانب. وأوضحت صور الأقمار الصناعية الحديثة تفكيك هذه القاعدة.
لكن شيرين العديمي لفتت إلى أن الإمارات في الغالب تترك قوات أجنبية دربتها ومولتها في المناطق التي تنسحب منها. وقالت شيرين: "في وقت ما من العام الماضي أعلنوا انسحابهم… لكن ما كانوا يقولونه في الحقيقة هو أنهم تركوا وراءهم مرتزقة مدربين وسحبوا قواتهم البرية الرسمية".
وتابعت قائلة: "هنا يأتي دور الدعاية، يجعلون الأمر يبدو وكأنهم انسحبوا من اليمن، في حين أن كل ما فعلوه هو سحب قواتهم الرسمية على الأرض". وقالت شيرين: "تمكنت الإمارات من استغلال تصدر السعوديين للصورة في هذه الحرب، وتمكنوا من التراجع قليلاً والعمل من وراء الكواليس".
العلاقات بين الإمارات وأكبر مورد أسلحة لها "الولايات المتحدة"
في السياق، حثت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير لها يوم 18 فبراير/شباط الولايات المتحدة على إنهاء دعمها للسعودية والإمارات بشكل كامل وفرض عقوبات على البلدين لضمان ألا يتوفر لدى أي من الدولتين "الوسائل لارتكاب المزيد من الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب في اليمن".
وكان الرئيس بايدن، في واحد من أولى تحركاته في السياسة الخارجية، قد أقر حظراً مؤقتاً على بعض مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات حتى تنتهي مراجعتها، لكن صياغة هذا القرار تقلق المعارضين لهذه الصفقات. فبعد أيام من إعلان هذا التجميد المؤقت، بدا أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن يقلل من أهميته بقوله: "بشكل عام، في صفقات الأسلحة، من المعتاد في بداية أي إدارة مراجعة أي صفقات معلقة لضمان أن ما يجري دراسته يعزز أهدافنا الاستراتيجية ويساعد في تقدم سياستنا الخارجية".
وتعتبر الولايات المتحدة أكبر مورِّد أسلحة إلى الإمارات، بعد تزويدها بأكثر من ثلثي وارداتها من الأسلحة بين عامي 2015 و2019. ومن ثم، سيكون لقطع صادرات الأسلحة وقطع الغيار والصيانة تأثيرٌ كبير على آلة الحرب الإماراتية، وسيترك تأثيراً كبيراً في تغيير سلوكها المتهور في الشرق الأوسط الكبير، بحسب ويليام هارتونج.
وبحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية، حوَّلت الإمارات الأسلحة التي اشترتها من الولايات المتحدة إلى الجماعات المتطرفة في اليمن، بما في ذلك الميليشيات المتحالفة مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وفي فبراير/شباط 2020، أعلنت الإمارات أنها سحبت معظم قواتها في اليمن، لكنها تواصل تسليح الميليشيات المتورطة في الحرب وتدريبها ودعمها، ويبلغ مجموع أفرادها 90 ألف عنصر. ولا تزال أيضاً متورطة في انتهاكات تتراوح من القصف المدفعي العشوائي إلى التعذيب وتجنيد الأطفال، بحسب تقرير لمنظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان.
من جهته، يقول راسل مدير رئيس مركز نيويورك للشؤون السياسية الخارجية، لموقع MEE: "ليس واضحاً إن كانت الولايات المتحدة ستعارض مبيعات الأسلحة للإمارات لاستخدامها في ليبيا، حيث تشارك في حرب أخرى بالوكالة.. إن منح الإمارات منظومات جوية متطورة دون طيار، وأسطولاً من طائرات F-35 لا يساعد في تقليل التأثير الذي أحدثته الإمارات وما زالت تحدثه في المنطقة"، وطالب بالوقف الكامل لجميع صفقات الأسلحة الأمريكية وعقود التدريب مع السعودية والإمارات. مضيفاً: "كل ما تفعله صفقات الأسلحة هو أنها تفاقم أزمات حقوق الإنسان التي لم يسبق لها مثيل في المنطقة".
هل تتسع قائمة الدول التي تحظر مبيعات الأسلحة للإمارات والسعودية بسبب حربهما في اليمن؟
وبعد قرار الولايات المتحدة تجميد مبيعات الأسلحة المعلقة إلى السعودية والإمارات مؤقتاً، في إطار سعيها لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن، تتصاعد النداءات وضغوطات منظمات حقوق الإنسان على الدول الغربية الأخرى لوقف مبيعات الأسلحة للإمارات والسعودية.
وبالإضافة إلى أمريكا، أوقفت كل من ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا مبيعات الأسلحة للدولتين الخليجيتين بسبب انتهاكاتهما المستمرة، فيما تزداد الضغوط على دول أخرى مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وأستراليا، التي لا تزال ترفض تعليق أو حظر بيع الأسلحة للسعودية والإمارات، فيما تقف كندا في موقف غير واضح من حظر هذه الصفقات.