تصاعدت التوتُّرات العام الماضي في منطقة الخليج في أعقاب القرار أحادي الجانب من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق الذي يحدُّ من البرنامج النووي الإيراني.
وورَّط الجيش الأمريكي عملاءً إيرانيين في عدة هجمات في صيف 2019 على سفنٍ مدنية تبحر بالقرب من إيران، كما يقول تقرير مجلة National Interest الأمريكية. فيما أرسلت البحرية الأمريكية حاملة الطائرات أبراهام لينكولن ومجموعتها الضاربة إلى المنطقة، فيما نشرت القوات الجوية الأمريكية قاذفات بي-52 ومقاتلات إف-22 وإف-35.
وفي حالة اندلاع حرب، كان يمكن للقوات الأمريكية أن تستهدف البحرية الإيرانية الصغيرة، وكذلك السفن التابعة للحرس الثوري الإيراني. وقد تكون هذه الحرب "معركة قصيرة الأجل". لماذا؟
تاريخ من الهزائم للبحرية الإيرانية
للأسطول الإيراني تاريخٌ طويل في خوض "معارك خاسرة" مع الولايات المتحدة والقوى الغربية. خلال الحرب العالمية الثانية، شعرت قوى الحلفاء بالقلق من أن إيران، رغم حيادها الظاهري، قد تتعاطف مع ألمانيا النازية بقيادة أدولف هتلر وتساعده، مِمَّا قد يحرم الحلفاء من نفط البلاد. وفي 25 أغسطس/آب 1941، غزت قوات الكومنولث والقوات السوفييتية إيران.
دخلت السفن الحربية البريطانية والأسترالية ميناء عبادان في هجومٍ مفاجئ. فتحت السفينة HMS Shoreham النار أولاً، وأصابت السفينة الحربية الإيرانية Palang. وسرعان ما أصبح الأسطول الإيراني بأكمله في حالة دمار، وقُتِلَ القائد العام للقوات المسلحة الأدميرال غلامالي باياندور.
البحرية الإيرانية وحرب الخليج الأولى
وخلال الثمانينات قاتلت البحرية الإيرانية الجديدة بضراوة خلال الحرب الدامية بين إيران والعراق بين عاميّ 1980 و1988. وأثارت الهجمات الإيرانية على الناقلات- بعضها محايد تماماً والبعض الآخر يزوِّد العراق- غضباً دولياً عارماً.
وفي عام 1987 وافقت واشنطن على طلب الكويت "تغيير علم" ناقلاتها كسفنٍ أمريكية، من أجل السماح للبحرية الأمريكية بمرافقة السفن عبر الخليج. وتضمَّنَت العملية الأمريكية، التي استمرت من يوليو/تموز 1987 إلى سبتمبر/أيلول 1988، العديد من الجهود الصغيرة التي أدَّت إلى تدمير القوات الإيرانية.
قامت البحرية بتحويل مركبتيّ خدمات نفطية إلى "قواعد بحرية" لقوات العمليات الخاصة والمروحيات، ووضع الجيش الأمريكي مروحياتٍ هجومية على سفن البحرية. وفي 21 سبتمبر/أيلول 1987، هاجمت مروحيات Little Bird من كتيبة العمليات الخاصة رقم 160 التابع للجيش السفينة الإيرانية عجر، أثناء قيامها بزرع الألغام، مِمَّا أجبر الطاقم على ترك السفينة. وبعد أيام، أغرقت المروحيات ثلاثة زوارق دورية إيرانية.
في 16 أكتوبر/تشرين الأول، أصاب صاروخٌ إيراني ناقلة نفط كويتية، مِمَّا أدَّى إلى إصابة 19 شخصاً. ورداً على ذلك، استهدفت فرقة عمل أمريكية منصتيّ نفط غير صالحتين للعمل كانت قوات الحرس الثوري الإيراني تستخدمهما كقاعدتين للزوارق السريعة المسلَّحة.
حاصرت السفن الحربية الأمريكية المنصتين، مِمَّا أجبر الأطقم الإيرانية على الإخلاء. صعدت قوات الكوماندوز الأمريكية على منصةٍ لجمع أيِّ وثائق تركها الإيرانيون خلفهم. وفتحت أربع مدمِّرات أمريكية النار، مِمَّا أشعل النار في المنصتين.
وفي 14 إبريل/نيسان 1988، ضربت الفرقاطة Samuel B. Roberts لغماً إيرانياً أثناء مرافقتها لسفن ناقلة عبر الخليج.
وهاجمت مدمِّرتان أمريكيَّتان وسفينة هجومية برمائية، تحمل كتيبة من مشاة البحرية الأمريكية، منصة نفطية كان الإيرانيون يستخدمونها كقاعدة انطلاق. وردَّ الإيرانيون على ذلك، مِمَّا حفَّزَ رداً كثيفاً من المدمِّرات ومروحيات كوبرا البحرية. واقتحم مشاة البحرية المنصة، وأسروا مدفعياً إيرانياً نجا من المعركة.
المعركة التي قصمت ظهر البحرية الإيرانية
وفي تلك المعركة، داهمت الزوارق الإيرانية السريعة ثلاث سفن شحن مدنية، وحين انسحب الإيرانيون انطلقت قاذفات A-6 وأغرقت زورقاً سريعاً واحداً بقنابل عنقودية.
وأطلق القارب الصاروخي الإيراني جوشان صاروخ هاربون المضاد للسفن على مجموعةٍ من السفن الحربية الأمريكية، لكنه أخطأ هدفه. وردَّ الأمريكيون بإطلاق النار بصواريخ هاربون وستاندرد، ثم أغرقوا القارب جوشان.
وبينما كانت السفن الأمريكية تصد الهجمات الجوية الإيرانية، انضمَّت مدمِّرات طهران التي تعود إلى الستينيات إلى المعركة. أطلقت المدمِّرتان سهند وسبالان النيران بدون تأثير، فيما ردَّت طائرات A-6 بإطلاق صواريخ هاربون وصواريخ أخرى مُوجَّهة بالليزر وأغرقت سهند وألحقت أضراراً بالغة بسبالان.
قُتِلَ ما لا يقل عن 56 إيرانياً في المعركة، بينما لقي اثنان من مشاة البحرية الأمريكية حتفهما حين تحطَّمَت مروحيتهما. وتراجَعَ الأسطول الإيراني إثر ما تلقاه من ضربات، ومنذ ذلك الحين ظلَّ متردِّداً في تنفيذ تهديداته الدورية ضد جيران إيران والولايات المتحدة، كما تقول ناشونال إنترست.
ما هي قدرات البحرية الإيرانية الآن؟
سعت إيران خلال السنوات الماضية لتدعيم قوتها البحرية بشكل كبير، وأدخلت بعض التحسينات عليها وخاضت تدريبات ومناورات مشتركة مع بعض الدول والحلفاء مثل روسيا والهند والصين. وفي 8 فبراير/شباط 2021، أعلن الحرس الثوري الإيراني، انضمام 340 زورقاً وقطعة بحرية قتالية ولوجستية للأسطول الإيراني.
وبحسب وكالة أنباء "فارس"، فإن البحرية الإيرانية تعمل بجد على تعزيز أسطولها البحري، وأعلنت أخيراً عن إطلاق حاملة طائرات صغيرة وعدد من الزوارق المزودة بالمعدات العسكرية والطائرات المسيّرة المطورة في البلاد.
وكان قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأدميرال علي رضا تنكسيري، قد صرح في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأن بلاده أصبحت على استعداد تام للدفاع عن حدودها المائية وأمنها.
وأكد تنكسيري، في تصريح صحفي خلال زيارة لجزيرتي "طنب الكبرى" و"طنب الصغرى"، المتنازع عليهما مع الإمارات، "استعداد القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني لحماية الحدود المائية والدفاع عن مصالح وأمن البلاد"، بحسب وكالة "تسنيم" المحلية. موضحاً أن "مشاهداته الميدانية تظهر أن القوات والمنظومات والمعدات في مستوى مناسب من الاستعداد".
وبحسب مجلة "ناشونال إنترست"، تمتلك إيران بحريتين: الأقدم، وهي البحرية الإيرانية "النظامية"، والتي تركز على تشغيل طرَّادات وفرقاطات وزوارق صواريخ أكبر، إلى جانب ما يزيد على 12 غواصة. ومنطقة عملها بالأساس هي المناطق الأبعد في مضيق هرمز وخليج عُمان والمحيط الهندي. لكنَّ غواصاتها القزمية البالغ عددها 22 من طراز "غدير" ملائمة للغاية لحرب الكمائن في مياه الخليج الضحلة والصخرية.
وفي الوقت نفسه، يملك الحرس الثوري الإيراني شبه العسكري هو الآخر البحرية الخاصة به، والتي تتجاوز أكثر من 1500 زورق سريع، مصممة للهجمات الاحتشادية "Swarming" السريعة في المياه الساحلية الضحلة للخليج.
وفيما يتعلَّق بـ"الزوارق المدنية"، يجمع الحرس الثوري المئات من الزوارق السريعة والصغيرة الشبيهة بزوارق "بوسطن ويلر– Boston Whaler" ذات المقصورة المفتوحة، تكون مزودة عادةً بمنصات إطلاق صواريخ غير مُوجَّهة، وقذائف صاروخية، وصواريخ مضادة للدبابات ورشاشات عديمة الارتداد. وتشمل المنصات الشائعة الأخرى زوارق Boghammar السويدية، وقوارب Zodiac المطاطية القابلة للنفخ. ويمكن وضع هذه المركبات المائية الصغيرة على الجزر المعزولة ومنصات النفط وسط الخليج.
إيران تصنع قطعها العسكرية البحرية الخاصة بها
وتصنع إيران أيضاً زوارق حربية سريعة متخصصة ذات قدرات أكثر إثارة للإعجاب. أحد الأمثلة على ذلك زورق "سراج-1″، وهو عبارة عن نسخة مُهندَسة عكسياً من الزورق البريطاني السريع Bladerunner 51 بعد شرائه من جنوب إفريقيا. وتُظهِر الصور أنَّ هذه الزوارق مُسلَّحة بنظام قاذفة صواريخ متعددة ومدفع رشاش ثقيل مضاد للطائرات على مقدمة الزورق. وتفيد تقارير بأنَّ الزورق يمكنه الحفاظ على سرعة بين 55 إلى 72 عقدة.
ويملك زورق "ذو الفقار" المُصمَّم محلياً سرعة قصوى تصل إلى 70 عقدة، ويحمل راداراً مُدمَجاً وقاذفتي صواريخ لصواريخ كروز من طراز نصر-1 عند مؤخرة الزورق. ويصل مدى صاروخ نصر-1 إلى 22 ميلاً (35.4 كم تقريباً)، ويمكنه استخدام التوجيه بالأشعة تحت الحمراء أو بالرادار أو التوجيه التلفزيوني.
وتشمل المركبات المائية الإيرانية الغريبة أيضاً الزوارق شبه الغاطسة المُصمَّمة للغطس جزئياً تحت الماء، لتجنُّب اكتشافها من أجل القيام بعمليات تخريبية، وإنزال القوات الخاصة، والتجسس.
وأخيراً، وفيما يتعلق بالمركبات الثقيلة، يمكن للحرس الثوري نشر 20 زورقاً هجومياً سريعاً من طراز "تندر" المُسلَّح بأربعة صواريخ مضادة للسفن من طراز C802 لكلٍّ منها، إلى جانب 10 زوارق طوربيد من طراز "تير 2".
تحدي الغواصات الإيرانية
وبعيداً عن الدعاية الإيرانية، لدى إيران سلاح خفي يقلق البحرية الأمريكية بالفعل، إذ تمثل الغواصات الإيرانية من طراز كيلو الروسية الصنع تحدياً نسبياً للقوة الأمريكية في الخليج. وتحتفظ إيران بأسطول من الغواصات مقرها في ميناء استراتيجي هو بندر عباس بالخليج العربي، ومعظمها مصنوع محلياً. وأغلب الأسطول الإيراني تحت الماء عبارة عن غواصات صغيرة الحجم، مصممة للتسلل والتخريب، أو غواصات صغيرة الإزاحة قد تكون لها قدرة محدودة على التحمل وعمق الغوص.
ومن منظور القدرات، فنقطة طهران الوحيدة المضيئة هي غواصاتها من فئة كيلو. فهي أفضل ما لديها ضد البحرية الأمريكية إذا حدث صراع بين البلدين، حسبما ورد في تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
وهذه الغواصات جاءت من أحواض بناء السفن السوفييتية في أوائل الثمانينيات، حيث اشترت إيران غواصات كيلو بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وتعمل هذه الغواصات التي سميت بـ"طارق" بالديزل والكهرباء، ويبلغ طول هذه الغواصات 74 متراً وعرضها 69.9 متر، ويمكنها السفر حتى 25 عقدة عند غمرها. يمكن لأنظمة أسلحتها إطلاق طوربيدات. يمكن أيضاً استخدام هذه السفن في زرع الألغام.
ورغم أن الغواصات الإيرانية من طراز كيلو قديمة إلى حد ما، فهي تتمتع بعدد من الميزات التي تجعل منها صيادة قوية في مضيق هرمز أو في المياه الإقليمية الإيرانية، مثل الدفع الهادئ نسبياً، وربما طلاء عازل للصوت يساعد في كتم صوت التشغيل الاعتيادي.
ولكن على عكس غواصات الصواريخ الباليستية الضخمة التي تعمل بالطاقة النووية في الاتحاد السوفييتي سابقاً، وروسيا حالياً، تعمل غواصات كيلو بالديزل والكهرباء وحجمها أصغر بكثير. كما أنها تفتقر إلى حجيرات إطلاق الصواريخ العمودية، وتؤدي بدلاً من ذلك دوراً هجومياً، ومصممة للتجول في المياه الساحلية لترصد سفن العدو السطحية والغواصات الأخرى.
ومع ذلك عانت هذه الغواصات في السابق من مشكلات تبريد البطارية، وضعف التدريب، وعدم كفاية الصيانة، وبحلول إبريل/نيسان 2001 تم اعتبار اثنتين من الغواصات بالفعل غير عاملة. كما يعتقد أن هذا النوع من الغواصات الإيرانية واجه على وجه الخصوص مشكلات في الطلاءات عديمة الصدى، (طبقة من المطاط مثبتة على بدن الغواصة الفولاذي لتقليل الضوضاء).
تم تصنيع بطاريات هذه الغواصات للمحيطات الباردة والمياه غير الدافئة التي تعمل فيها البحرية السوفييتية عادةً، وليس المياه الساحلية الدافئة نسبياً للخليج العربي. ولكن يعتقد أنه بمساعدة من الهند، تمكنت إيران من تصنيع بطاريات بديلة تم تحسينها لتتكيف مع عمليات المياه الدافئة.
لكن على أي حال، ليس من الواضح مقدار الترقية الداخلية التي تلقتها هذه الغواصات الإيرانية، وما الذي لا يزال في إطار الخدمة منها، ومقدار تلك التي خرجت من الخدمة.