استغل الرئيس الأمريكي جو بايدن فرصة أول خطاب يلقيه عن السياسة الخارجية الأمريكية، في 4 فبراير/شباط، للتعهد بإنهاء "جميع أشكال الدعم الأمريكي، ومنها مبيعات الأسلحة، للعمليات الهجومية في الحرب اليمنية". ومنذ حينها، لمَّحت إدارته إلى أنها ستُوقِف لأجل غير مسمى صفقتي بيع قنابل إلى السعودية، كانت إدارة ترامب قد أعلنت عنهما في أواخر ديسمبر/كانون الأول.
ويجب أن تشمل السياسة الجديدة للإدارة مراجعة جميع مبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة، المسؤولتين الأساسيتين عن الكارثة الإنسانية في اليمن. فمن الضروري خضوع مبيعات الأسلحة إلى الإمارات لنفس التدقيق الذي تخضع له عروض بيع الأسلحة للسعودية، كما يقول ويليام هارتونج، مدير مشروع الأسلحة والأمن في مركز السياسة الدولية في واشنطن.
إعادة النظر بالصفقات وحتى العلاقات الأمريكية مع الإمارات
يضيف هارتونج بمقالة له في موقع Responsible Statecraft الأمريكي، أن صفقات السلاح مع الإمارات تهدد بزيادة العنف وتأجيج النزاع في الوقت الذي ينبغي فيه على إدارة بايدن منح الأولوية لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط الكبير. ولا يجب على إدارة بايدن الاكتفاء بإلغاء عروض الشراء هذه، بل عليها أيضاً إعادة النظر في طبيعة التحالف مع الإمارات ومواءمته مع الأهداف الأمنية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أخطرت إدارة ترامب الكونغرس بعرض بيع مقاتلات "إف-35″، وطائرات بدون طيار "إم كيو-9″، وقنابل، وصواريخ إلى الإمارات بقيمة إجمالية تزيد عن 23 مليار دولار. وفشل تصويت مجلس الشيوخ بهامش ضئيل في عرقلة الصفقة، مع تصويت جميع الأعضاء الديمقراطيين تقريباً على قرارين منفصلين لوقف تمرير الصفقة.
ويقول هارتونج، وهو المدير السابق لمركز موارد تجارة الأسلحة في معهد السياسة العالمي، إن هذا ليس هو الوقت المناسب لتقديم "طوفان من الأسلحة الجديدة" إلى الإمارات؛ بالنظر إلى دورها في تأجيج الحرب في اليمن وليبيا، وتحويلها الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة لها سابقاً إلى الجماعات المتطرفة، وسجلها في القمع الداخلي. إضافة إلى ذلك، انخرطت الإمارات، إلى جانب الميليشيات التي تُسلّحها وتُدرِبها، في انتهاكات مرتبطة بالتعذيب والاحتجاز في اليمن، إضافة إلى أنَّ عمليات نقل الأسلحة وضربات الطائرات بدون طيار، التي تنفذها نيابةً عن قوات المشير الليبي خليفة حفتر في ليبيا، تُعَد انتهاكاً صارخاً لحظر الأمم المتحدة إمداد ليبيا بالأسلحة.
وتعتبر صفقة الـ23 مليار دولار تطوراً كبيراً عن أول عرض شراء أسلحة أمريكية ضخمة من الإمارات. فعلى مدى العقد الماضي، ضخت الولايات المتحدة ما مجموعه 59 مليار دولار من الأسلحة للنظام الإماراتي، بدايةً من طائرات الهليكوبتر الهجومية والعربات المدرعة إلى عشرات الآلاف من القنابل الموجهة بدقة، التي استُخدِم كثيرٌ منها في التدخل السعودي/الإماراتي الوحشي في اليمن الذي أدى إلى وفاة أكثر من 100 ألف شخص، ودفع ملايين اليمنيين إلى شفا المجاعة.
أمريكا هي أكبر مورِّد أسلحة للإمارات
وتعتبر الولايات المتحدة هي أكبر مورِّد أسلحة إلى الإمارات، بعد تزويدها بأكثر من ثلثي وارداتها من الأسلحة بين عامي 2015 و2019. ومن ثم، سيكون لقطع صادرات الأسلحة وقطع الغيار والصيانة تأثيرٌ كبير على آلة الحرب الإماراتية، وسيترك تأثيراً كبيراً في تغيير سلوكها المتهور في الشرق الأوسط الكبير، بحسب هارتونج.
وحوَّلت الإمارات الأسلحة التي اشترتها من الولايات المتحدة إلى الجماعات المتطرفة في اليمن، بما في ذلك الميليشيات المتحالفة مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وفي فبراير/شباط 2020، أعلنت الإمارات أنها سحبت معظم قواتها في اليمن، لكنها تواصل تسليح الميليشيات المتورطة في الحرب وتدريبها ودعمها، ويبلغ مجموع أفرادها 90 ألف عنصر. ولا تزال أيضاً متورطة في انتهاكات تتراوح من القصف المدفعي العشوائي إلى التعذيب وتجنيد الأطفال. وتظل الإمارات فاعلاً رئيسياً في اليمن، رغم مزاعمها بخلاف ذلك، ويجب محاسبتها على دورها هناك.
يضاف إلى ذلك أنَّ الإمارات من بين الفاعلين الأجانب الأكثر نفوذاً في الحرب الأهلية في ليبيا؛ فقد زوّدت ميليشيات خليفة حفتر بالأسلحة ونفذت ضربات جوية بمقاتلات وطائرات بدون طيار دعماً لحملاته العسكرية، في انتهاك صارخ لحظر الأمم المتحدة، ودعم الولايات المتحدة للحكومة المُعترَف بها دولياً في ليبيا. وتورطت قوات حفتر في انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في الحرب، بما في ذلك قتل العشرات من المدنيين.
وتمتلك الإمارات نفسها سجلاً من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الداخل. ونوهت منظمة Human Rights Watch: "سكان الإمارات الذين تحدثوا عن قضايا حقوق الإنسان تعرضوا لخطر الاعتقال التعسفي والسجن والتعذيب. ويقضي الكثير منهم فترات طويلة في السجن أو غادروا البلاد تحت ضغط".
إذا كان بايدن جاداً بإنهاء حرب اليمن عليه وقف تصدير الأسلحة للإمارات
وكانت أكثر من 80 منظمة وشخصية تقدمية، على رأسها ائتلاف Win Without War، ومنظمة MADRE، والمؤسسة اليمنية للإغاثة وإعادة الإعمار، ولجنة التحالف اليمني، ومشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، ومركز السياسة الدولية، قد طالبت إدارة بايدن بالإلغاء التام لعشرات صفقات الأسلحة مع السعودية والإمارات، بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، في الوقت الذي تضغط فيه من أجل المساءلة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني المُرتَكَبَة في اليمن.
وتحث هذه المنظمات والجهات في ندائها على الوقف الفوري لإطلاق النار وعملية سلام شاملة تضم جميع قطاعات المجتمع اليمني، وليس فقط الأطراف المسلحة التي تخوض الحرب.
وسيُمثل عكس جميع مبيعات الأسلحة التي مرَّرها ترامب للإمارات والسعودية خطوةً أولى ممتازة نحو تحقيق رغبة الرئيس بايدن في إنهاء الحرب في اليمن، وكذلك خطوة للأمام نحو إعادة توجيه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير للتركيز على تعزيز السلام والمصالحة بدلاً من الحرب والمواجهة، بحسب هارتونج.