أخيراً، وبعد نحو شهر من توليه الحكم، وبعد مناشدات إسرائيلية وانتقادات، اتّصل الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأنهى انتظاره الطويل، وذلك بعد أن هاتف بايدن العديد من قادة وزعماء العالم، متجاهلاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بشكل واضح، في سابقة تاريخية بين واشنطن وتل أبيب.
وبالمقارنة بالرئيسين الأمريكيين السابقين، كان فعل بايدن غير مألوف، إذ اتصل أوباما بنتنياهو بعد أربعة أيام من توليه الحكم، وترامب بعد ثلاثة أيامٍ فقط، في حين ماطل بايدن لنحو شهر قبل أن يتصل بنتنياهو، حيث سارع مكتب الأخير للاحتفاء بالاتصال والإعلان عنه، في حين اكتفى بايدن بقول كلمتين عن فحوى المكالمة للصحفيين: "كانت جيدة"، دون أن يذكر المزيد من التفاصيل. فهل وصلت الرسالة التي أرادها بايدن لنتنياهو؟
"أنا صديق لإسرائيل، لكنني لست بالضرورة مؤيداً لنتنياهو"
لاحقاً، أكد البيت الأبيض الخميس 18 فبراير/شباط 2021، إجراء بايدن لأول مكالمة هاتفية رسمية له مع نتنياهو، إذ كانت هذه أول مكالمة يوجهها بايدن إلى زعيم في الشرق الأوسط منذ توليه منصبه في 20 يناير/كانون الثاني، ما يشير في الوقت نفسه إلى أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي كانت قوية منذ عقود، ولكن تم تعزيزها بشكل كبير من قِبل الرئيس السابق دونالد ترامب، الحليف القوي لنتنياهو.
وقال البيت الأبيض في بيان حول المكالمة إن بايدن ونتنياهو "ناقشا أهمية استمرار التشاور الوثيق بشأن قضايا الأمن الإقليمي، بما في ذلك إيران". وأكد الرئيس الأمريكي دعم بلاده للتطبيع الأخير للعلاقات بين إسرائيل ودول العالم العربي والإسلامي. وشدّد على أهمية العمل لدفع السلام في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
من جهته، يقول آرون ديفيد ميللر، الباحث البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن الرئيس الأمريكي يعتزم إرسال رسالة من خلال إجراء مكالمته مع نتنياهو بعد شهر واحد فقط من توليه منصبه. وقال ميللر للجزيرة الإنجليزية: "الرسالة هي: "أنا مؤيد لإسرائيل -رئيس مؤيد لإسرائيل بشكل مذهل- لكنني لست بالضرورة مؤيداً لنتنياهو".
مضيفاً: "بايدن لم يكن سيستعير صفحة من كتاب قواعد اللعب الخاص بترامب، ويمنح نتنياهو عناقاً دافئاً قبل أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية"، في إشارة إلى الانتخابات التشريعية التي ستجرى في 23 مارس/آذار القادم.
بايدن لم ينسَ لنتنياهو تجاوزاته وإساءاته السابقة
وكانت الصحافة الإسرائيلية قد تحدثت عن وجود أزمة بين بايدن ونتنياهو، ليس فقط بسبب الدعم الفج الذي قدمه ترامب لصديقه الإسرائيلي، وتحريض نتنياهو ترامب لتدمير إنجاز إدارة أوباما حول الصفقة النووية مع إيران، بل لأن فريق الرئيس الجديد هو نفسه الذي كان يتولّى زمام الأمور بين 2009 و2017 في إدارة باراك أوباما التي كانت علاقتها مع إسرائيل أكثر توتراً، وتعرَّضت لانتقادات وهجمات عديدة من نتنياهو وحزبه شخصياً.
ويقول المحلل في الشؤون الإسرائيلية يوني بن مناحيم، إن ثمة العديد من الإشكاليات التي ما زالت في ذهن بايدن، ومنها إعلان نتنياهو عن مناقصة لبناء وحدات في مستوطنة رامات شلومو، بالقدس الشرقية عام 2010، خلال زيارة بايدن إلى إسرائيل، بصفته نائباً للرئيس الأمريكي.
وتابع "تلك الحادثة ما زالت ماثلة بالأذهان، وقد تسببت في أزمة بين الإدارة الأمريكية ونتنياهو، لأن بايدن جاء برسالة تدعو إسرائيل إلى تجميد الاستيطان". ولفت بن مناحيم أيضاً إلى مخاطبة نتنياهو للكونغرس الأمريكي، في مطلع العام 2015 ضد الاتفاق الذي كانت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، على وشك التوصل إليه مع إيران. وقال: "آنذاك، كان بايدن نائباً للرئيس الأمريكي، وتم اعتبار خطاب نتنياهو بأنه تحدٍّ للإدارة الأمريكية، وتحريض عليها في عُقر دارها".
ومن الواضح، أن نتنياهو كان يأمل فوز الرئيس السابق دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، وهو ما لم يحصل. هذه نقطة هامة أيضاً لم تغِب عن بال بايدن أو حتى دوائر الحزب الديمقراطي.
برود واضح ينبعث من البيت الأبيض والصدام قد يستمر
في السياق، علقت صحيفة هآرتس الإسرائيلية على مكالمة بايدن ونتنياهو، بالقول إنه رغم هذه المكالمة المتأخرة وتفاخر مكتب نتنياهو بأنها كانت "ودية"، فإن البرود لا يزال ينبعث من البيت الأبيض، وإن المخاوف الآن من أن العلاقات المتجمدة بين نتنياهو وبايدن قد تؤثر على قرارات منح المساعدات التي تتوقعها إسرائيل من واشنطن.
وتضيف الصحيفة أن "نتنياهو تسبب في أضرار كبيرة خلال سنوات حكمه للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فقد قام بتفكيك معقل الدعم لإسرائيل في الحزب الديمقراطي، وقام بتنفير اليهود الأمريكيين منه وحتى القادة الأوروبيين، الذين اعتبروه شخصاً غير موثوق به، ناهيك عن كذبه المستمر".
وتشير الصحيفة إلى أن نتنياهو قرر أن يتجه بسرعة عالية نحو مسار تصادمي مع الإدارة الأمريكية الجديدة فيما يتعلق بإيران، وذلك بعد أن وجه رئيس أركان جيشه تحذيرات فجّه لإدارة بايدن حول العودة للاتفاق النووي مع طهران خلال الأيام الأولى لتولي بايدن مقاليد الحكم. وتخلص الصحيفة إلى أنه "سيكون هناك المزيد من التصادم بين تل أبيب وواشنطن، إذا استمر نتنياهو في مسيرته السياسية كرئيس للحكومة، وخرج منتصراً من جولة الانتخابات القادمة".
"الإدارة الجديدة تركت نتنياهو يتعرّق ويجفّ دمه عن قصد"
كانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" قد علقت الأسبوع الماضي على تأخر اتصال بايدن بنتنياهو، بالقول إنه "ينبغي ببساطة علينا الاعتياد على أن بايدن ليس ترامب، ويمكن نسيان القرب الحميم بين الزعيمين. لقد تم انتخاب إدارة تعهداتها للجمهور كانت في مجال مكافحة كورونا، وإصلاح أضرار الاقتصاد والأعمال، ومكافحة التغير المناخي والتنافس مع الصين".
مضيفة أن "الشرق الأوسط ليس الأول في جدول أعمال الإدارة الجديدة"، وأن "مصادر أمريكية مطلعة تزعم أن الإدارة الجديدة تركت نتنياهو يتعرّق ويجف دمه عن قصد".
إذ يعلم الأمريكيون أن نتنياهو لديه انتخابات قريبة، وليسوا توّاقين لمساعدته، خصوصاً على خلفية ترسّبات الماضي. كذلك فإن التصريحات الإسرائيلية ضد العودة إلى الاتفاق النووي، وتصريحات رئيس الأركان أفيف كوخافي التي حذر فيها بايدن بشدة من العودة للاتفاق مع طهران، لم تسهم فعلاً في بناء الثقة المتبادلة بين تل أبيب وواشنطن.