تزامن إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن وقف دعم بلاده للعمليات العسكرية العسكرية في اليمن وإلغاء قرار سلفه ترامب تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية بهدف توفير الأجواء المناسبة لإنهاء الحرب، مع تصعيد جماعة الحوثي هجماتها ضد السعودية والحكومة اليمنية بصورة لافتة، فماذا يريد الحوثيون؟
وشهدت الأيام الماضية تجديد الحوثيين هجومهم على محافظة مأرب من عدة محاور، فيما أطلقوا 8 صواريخ بالستية على مركز المحافظة المكتظة بالسكان، ما أدى إلى مقتل 4 مدنيين وإصابة 10 آخرين، وفق تقارير حكومية. ويرى مراقبون أن سعى الحوثيين للسيطرة على مأرب له عدة أسباب، أهمها أن المحافظة تعد أهم معاقل حكومة الرئيس عبدربه هادي منصور والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع، والسيطرة عليها من جانب الحوثيين تعني سيطرتهم على معظم مناطق شمال اليمن، إضافة إلى تمتعها بثروات النفط والغاز.
لكن التصعيد الحوثي لم يقتصر على مأرب، إذ امتد أيضاً إلى محافظتي الجوف (شمال) والحديدة (غرب)، بل وامتد أيضاً إلى السعودية التي تدعم الحكومة الشرعية، حيث كثفت الجماعة من عمليات إطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية تجاه المملكة خلال الأسبوع المنصرم.
وكان تحالف دعم الشرعية الذي تقوده السعودية قد أعلن اعتراض وتدمير نحو 10 طائرات مسيرة أطلقها الحوثيون باتجاه السعودية، خلال أقل من أسبوع، إضافة إلى تدمير صاروخ باليستي، دون الإعلان عن خسائر بشرية. والأربعاء الماضي بلغ التصعيد الحوثي ذروته عندما أعلن التحالف السيطرة على حريق في طائرة مدنية بمطار أبها الدولي، إثر تعرضها لـ"اعتداء إرهابي" من قبل الحوثيين الذين قالوا إن الهجوم استهدف مرابض طائرات حربية بالمطار.
في المقابل، أعلنت جماعة الحوثي خلال الفترة ذاتها إطلاق نحو 15 طائرة مسيرة، وصاروخ باليستي، بشكل متفرق، باتجاه السعودية. ومن بين المواقع التي قالت الجماعة إنها استهدفتها بدقة، مطار أبها الدولي وقاعدة الملك خالد الجوية جنوب غربي السعودية.
هل يريد الحوثي تحسين وضعه التفاوضي؟
هذا التصعيد من جانب جماعة الحوثي التي انقلبت على الحكومة الشرعية في اليمن عام 2014 وتسيطر على معظم شمال اليمن، أصاب الآمال التي تصاعدت بقرب وضع نهاية للحرب المستمرة منذ نحو ست سنوات والتي تسببت في أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث، بانتكاسة، رغم أن محللين يرون أن التصعيد الحوثي هدفه تحسين وضعهم على طاولة المفاوضات.
وكانت بداية التصعيد الحوثي قد تزامنت مع زيارة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث لإيران، الأحد 7 فبراير/شباط الجاري، من أجل بحث سبل إحلال السلام في اليمن. وجاءت زيارة غريفيث إلى إيران، أبرز الداعمين للحوثيين، من أجل إقناع الجماعة بضرورة التفاعل الإيجابي مع الجهود الأممية الرامية لوقف الحرب، وفق ما قالته مصادر مطلعة لوكالة الأناضول التركية، وأفادت المصادر بأن "زيارة غريفيث جاءت إثر استمرار الحوثيين منعه من زيارة صنعاء منذ مارس/آذار الماضي".
ويرى فريق من المحللين أن تصعيد الحوثيين بالتزامن مع زيارة غريفيث إلى إيران يأتي في سياق سعي الجماعة لإظهار نفسها بأنها لا تتلقى قرارها من طهران، وأنها هي من تقرر متى وكيف تنفذ عملياتها في اليمن والسعودية.
بينما يرى فريق آخر أن تصعيد الحوثيين يهدف إلى إثبات قدرتهم على مواصلة الحرب بهدف تحسين وضعهم التفاوضي والحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب، وهذا ما عبر عنه بيتر ساليسبيري، باحث في الشأن اليمني لدى مجموعة الأزمات الدولية، بقوله لصحيفة The Independent البريطانية إنه "عندما يكون هناك تحرك نحو وقف إطلاق النار أو مفاوضات لإنهاء صراع، ترفع الأطراف المتصارعة من تكلفة الحرب للطرف الآخر لتحسين وضعها التفاوضي"، وهذا ما يفعله الحوثيون.
وكان وزير الخارجية في حكومة الحوثي هشام شرف عبدالله قد قال إنه على الرغم من سعي الحوثيين لتسوية سلمية، فإنها "جاهزة للمواجهة والرد" إذا لم تتوقف الضربات الجوية السعودية إضافة إلى ضرورة رفع الحصار الجوي والبحري: "طالما يتعرض شعبنا لأقسى درجات الحصار ويعاني كل يوم، ستظل صنعاء مستعدة وجاهزة لاستخدام قدراتها لإنزال الأضرار بموانئ ومطارات المعتدي (السعودية)"، بحسب وسائل إعلام حوثية.
هل أخطأ بايدن تقدير الموقف في اليمن؟
الخارجية الأمريكية من جانبها علقت على التصعيد الحوثي في بيان، الأحد 14 فبراير/ شباط الجاري، قالت فيه: "بينما يتخذ الرئيس (بايدن) خطوات لإنهاء الحرب في اليمن وأيدت السعودية جهود التوصل لتسوية سلمية من خلال المفاوضات، تعبر الولايات المتحدة عن انزعاجها الشديد من استمرار الهجمات الحوثية. ونطالب الحوثيين بالوقف الفوري لهجماتهم التي تستهدف المناطق المدنية داخل السعودية وأن يوقفوا أي هجوم عسكري جديد".
لكن مراقبين أمريكيين بدأوا بالفعل في توجيه اللوم للرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن بسبب إلغائهما تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية وإعلان وقف الدعم للتحالف العربي بقيادة السعودية، دون الحصول على تعهدات من جانب الحوثيين وطهران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوصل لحل سياسي للحرب أولاً.
ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقريراَ عنوانه "مقامرة بايدن في اليمن"، رصد النقاط التي استندت عليها الإدارة الجديدة في خطواتها التي وصفها البعض بالتنازلات المجانية وأبرزها التخفيف من معاناة المدنيين في اليمن، لكن المنتقدين لسياسة بايدن يقولون إن الحوثيين لا يهتمون بالمدنيين زاعمين أن الجماعة التي تدعمها طهران تستهدف المدنيين وتحرمهم من المعونات الإنسانية.
إذ يشير كثير من المراقبين واليمنيين إلى أن الحوثيين ارتكبوا أعمال عنف وتعذيب مروعة، وزرعوا عدداً لا يحصى من الألغام الأرضية، وأجبروا آلافاً على الفرار من ديارهم. ويقول خصوم الحوثيين إن الجماعة تعمد بالدرجة الأولى إلى استخدام السكان اليمنيين الخاضعين لسيطرتهم -نحو 20 مليون شخص- كرهائن.
ففي سياق تحركات إدارة بايدن الرامية لإنهاء الحرب، أعلن الرئيس في 4 فبراير/شباط الجاري أنه قرر وقف دعم بلاده للعمليات العسكرية في اليمن، بما في ذلك صفقات بيع الأسلحة ذات الصلة، كما أعلن عن تعيين تيم ليندركينغ مبعوثاً أمريكياَ إلى اليمن، في خطوة تعد الأولى من نوعها، مشدداً على ضرورة وضع حد للحرب هناك.
وبعد تعيينه أجرى كينغ اتصالات متعددة حول ضرورة حل الأزمة اليمنية، مع قادة دول الخليج والخارجية البريطانية ومسؤولين إقليميين آخرين. كما زار الرياض والتقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إضافة إلى عقده مباحثات مع مسؤولين يمنيين أبرزهم الرئيس عبدربه منصور هادي. كما أعلن بلينكن أن وزارته أبلغت الكونغرس بإلغاء تصنيف الحوثي كمنظمة إرهابية. وتلا ذلك بداية التصعيد الحوثي الذي بدأ الأحد 7 فبراير/شباط ولا يزال مستمراً.
وأصحاب هذا الرأي يشككون في جدية جماعة الحوثي بالالتزام بأي مفاوضات تفضي إلى حل شامل للصراع في اليمن، بينما يقول الحوثيون إن وقف عملياتهم العسكرية مرهون بإنهاء غارات التحالف العربي، وهو ما يعني أن التوصل لتسوية تنهي الحرب المأساوية في اليمن ربما لا يكون قريباً كما يأمل الجميع.
إذ كان الهدف المعلن لإدارة بايدن من إلغاء تصنيف الحوثي منظمة إرهابية هو التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار والتركيز مبدئياً على القضايا الإنسانية الملحة في اليمن، الذي يشهد الكارثة الإنسانية الأسوأ، بحسب التقارير الأممية، وخطر المجاعة الذي يحيق بالملايين من اليمنيين، خصوصاً في مناطق سيطرة الحوثيين، لكن الذي حدث هو العكس تماماً بعد التصعيد الحوثي داخل اليمن وخارجه.