تمثل الصواريخ الروسية الباليستية العابرة للقارات الفائقة الصوتية (أي أسرع من الصوت عدة مرات)، سلاحاً قادراً على تدمير أمريكا دون وجود أي وسيلة لإسقاطه في المدى المنظور.
إذ إن الصواريخ الروسية الباليستية العابرة للقارات الفائقة الصوتية تجمع بين السرعة العالية والقدرة على المناورة السريعة يمكن أن تجعل من الصعب جداً مواجهة الأنظمة التقليدية المضادة للصواريخ، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يولي اهتماماً خاصاً لتطوير الصواريخ، ليس فقط باعتبارها وسيلة للردع النووي ضد الولايات المتحدة، بل أيضاً كمظهر لاستعادة الأمجاد السوفييتية السابقة.
وفي العام الجديد ستتلقى قوتها الصاروخية الاستراتيجية ثلاثة عشر قاذفة مُجهزة بأحدث صواريخ Yars و Avangard ICBM. كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تخصيص أموال إضافية لإنتاج أنظمة الصواريخ الروسية الباليستية العابرة للقارات الفائقة الصوتية.
"في عام 2021 ستتعامل وزارة الدفاع الروسية مع عدد من مهام إعادة التسلح ذات الأولوية". قال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، حسبما أوردت وكالة تاس، إنه سيتعين عليها وضع 13 قاذفة مع صواريخ يارس وأفانجارد الباليستية العابرة للقارات في مهمة قتالية في قوة الصواريخ الاستراتيجية.
وأضاف شويغو أن روسيا تعمل الآن على استكمال بناء البنية التحتية اللازمة لمنصات Yars وAvangard ICBM، والتي ستسمح بنشر الصواريخ في Kozelsk وYasny وUzhur وNovosibirsk وYoshkar-Ola.
واقترح وزير الدفاع الروسي أن "الأموال الإضافية المخصصة لإنتاج هذه الأنظمة ستساعد في الوصول إلى مستوى تزويد القوات النووية الاستراتيجية بأسلحة متطورة بنسبة 88.3%".
في هذا التقرير نرصد قدرات أبرز منظومتين صاروخيتين لدى روسيا ومميزاتهما وعيوبهما.
أبرز الصواريخ الروسية الباليستية العابرة للقارات الفائقة الصوتية
Avangard: صاروخ يطير 27 ضعف سرعة الصوت ولديه قدرة هائلة على المناورة
وذكرت وسائل إعلام رسمية روسية مؤخراً أن أول فوج صاروخي مسلح بأسلحة أفانغارد التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، تولى مهمة قتالية في فرقة ياسني للصواريخ في منطقة أورينبورغ أواخر عام 2019.
ولقي هذا الخبر اهتماماً من الإعلام في روسيا والغرب على السواء.
تفيد التقارير بأن مركبة Avangard Boost-glide تحلق بسرعة تفوق سرعة الصوت عدة مرات.
إذ إنها قادرة على الطيران بسرعة تفوق سرعة الصوت تصل إلى 27 ماخ – أو حوالي 32000 كيلومتر في الساعة- في الطبقات الكثيفة من الغلاف الجوي، والمناورة من خلال مسار طيرانها ومسارها الارتفاعي قادرة على خرق أي دفاع مضاد للصواريخ.
وأصبحت سرعته العالية ممكنة باستخدام "مواد مركبة جديدة".
مثل هذا الجمع بين السرعة العالية والقدرة على المناورة السريعة قد يجعل من الصعب للغاية مواجهة الأنظمة التقليدية المضادة للصواريخ لهذه الصواريخ الروسية العابرة للقارات الأسرع من الصوت أو فائقة الصوتية.
إذ إن القدرة على المناورة لصاروخ أفانغارد الفرط صوتي تجعل من الصعب التنبؤ بمساره، وتمنحه القدرة على حماية نفسه من الدفاعات الجوية والصاروخية عن طريق إيصال عدة رؤوس حربية نووية إلى أهداف مستقلة، في أوروبا والولايات المتحدة، على سبيل المثال.
تم تصميم Avangard للمناورة في الغلاف الجوي العلوي بسرعات تزيد على 5 ماخ (سرعة صوت)، بينما تبلغ سرعة الاشتباك المزعومة 27 ماخ.
ومنظومة Avangard هي مركبة انزلاقية معززة متصلة بصاروخ باليستي، وتنفصل مركبة الانزلاق عن الصاروخ على ارتفاع 100 كيلومتر تقريباً ثم تقوم بالمناورات نحو هدفها بسرعات تصل إلى 20 ماخ.
ولا تختلف هذه السرعة عن القدرات الحالية، حيث إن مركبات Avangard ومركبات الانزلاق التي تفوق سرعة الصوت بشكل عام أبطأ من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
لكن الجديد هو قدرة منظومة Avangaard على المناورة، مما يجعل مسارها غير متوقع.
علاوة على ذلك، فإن ارتفاع مسار Avangard يجعل من الصعب على الرادار الأرضي اكتشافه ويصعب على أنظمة الدفاع الصاروخي مواجهته.
تم ذكر سلاح Avangard الفرط صوتي لأول مرة من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس/آذار 2018، والذي قال إن المركبة الانزلاقية Avangard التي تفوق سرعتها سرعة الصوت هي تكنولوجيا يمكن مقارنة تأثيرها بالإطلاق السوفييتي لأول قمر صناعي عام 1957.
في عام 2019، عرضت وزارة الدفاع الروسية نظام Avangard لفريق من المسؤولين الأمريكيين كجزء من تدابير الشفافية بموجب معاهدة New Start للأسلحة النووية مع البلاد.
وفقاً لموقع Missile Threat، يمكن إرجاع أصول Avangard إلى منتصف الثمانينيات، عندما بدأت روسيا لأول مرة البحث عن الرؤوس الحربية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. وتشير إلى أن روسيا صرحت مراراً وتكراراً في الماضي بأنها تطور أسلحة تفوق سرعة الصوت لضمان قدرة القوات الاستراتيجية الروسية على اختراق الدفاعات الجوية والصاروخية الأمريكية في المستقبل.
ويبلغ مدى صواريخ Avangard أكثر من 6000 كم، ويزن الواحد منها حوالي 2000 كغم ويمكن أن تتحمل درجات حرارة تزيد على 2000 درجة مئوية.
وصفت وزارة الدفاع الروسية أفانغارد بأنه "سلاح المستقبل" الذي "يمكنه اختراق كل من أنظمة الدفاع الصاروخي الحالية والمستقبلية" للولايات المتحدة.
ويُنظر إلى القدرة على اختراق نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي على أنها ضرورية بالنسبة لروسيا لمنع الولايات المتحدة من تطوير قدرة الضربة الأولى وتهدف ليس فقط إلى الحفاظ على قدرة الضربة الثانية لروسيا ولكن أيضاً على مصداقية الردع الاستراتيجي الروسي عبر جعل أمريكا تتجنب توجيه ضربة أولى خوفاً من انتقام روسي أشد.
لن يحسن الوضع الاستراتيجي لروسيا كثيراً.. لماذا؟
ومع ذلك يعد Avangard حالياً خياراً ضعيفاً لضمان قدرة الضربة الثانية الآمنة لأنه يتم تعزيزها باستخدام صاروخ باليستي ينطلق من صومعة ثابتة، مما يجعل من الممكن تدميره في أي ضربة نووية أمريكية أولى والتي ستستهدف بالأساس صوامع إطلاق الصواريخ الثابتة المعروف أماكنها غالباً.
كان من المقرر في البداية نشر Avangard على SS-26 Rubezh، وهو صاروخ باليستي ينطلق من منصة متحركة تم اختباره طوال أوائل عام 2010 ولكن يبدو أنه تم تأجيل تطويره حتى عام 2027 على الأقل.
في حين أن Avangard هو خيار ضعيف لتوجيه ضربة ثانية آمنة (لأنه قد يستهدف من الضربة الامريكية الأولى المحتملة)، ولكن يمكن استخدامه للقضاء على أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية قبل توجيه روسيا ضربة ثانية بعد تلقيها الضربة الأولى.
ماذا يعني هذا بالنسبة للولايات المتحدة؟
يشير تقرير أعدته خدمة أبحاث الكونغرس إلى أن بوتين "ربط صراحةً" تطوير الأسلحة الاستراتيجية الروسية بانسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية.
ويقال إن الولايات المتحدة لم تطور أو تنشر أنظمة دفاع صاروخية باليستية، لاعتراض الصواريخ الباليستية الاستراتيجية والرؤوس الحربية الروسية.
وتقول روسيا إن Avangard يشكل تحدياً جديداً للولايات المتحدة؛ لأن الدفاعات الصاروخية لا يمكنها اعتراض مركبة انزلاقية تفوق سرعة الصوت ولديها القدرة على المناورة.
ولكن يقول محللون إن تطوير ونشر Avangard لن يغير التوازن الحالي بين القوات الدفاعية الأمريكية والهجوم الروسي؛ حيث تؤكد الولايات المتحدة أنها لا تستطيع الدفاع ضد الرؤوس الحربية الموجودة حالياً على الصواريخ الروسية، ناهيك عن الصواريخ الأكثر تقدماً مثل مثل Avangard.
لم تغير منظومة Avangard الوضع الاستراتيجي الراهن لسببين؛ أولاً ، تفتقر الولايات المتحدة إلى قدرة الضربة الأولى ولن تطورها في المستقبل المنظور. كما أن ترسانة روسيا النووية كبيرة جداً بالنسبة لقدرات القوة المضادة الأمريكية الحالية أو التي تعمل على تطويرها للحصول على ميزة الضربة الأولى، حتى إذا طورت الولايات المتحدة ضربة سريعة تقليدية ووسعت أنظمة الدفاع الصاروخي الحالية.
ثانياً، التهديدات التي يمثلها Avangard تشكلها بالفعل الأسلحة الأقدم لدى روسيا.
كما أنه يمكن لموسكو شن الهجمات على أنظمة الدفاع الصاروخي الباليستية الأمريكية في أوروبا أو في أي مكان آخر بواسطة صواريخ كروز الروسية.
ويمكن للقوات النووية الروسية بالفعل اختراق أنظمة الدفاع الصاروخية الأمريكية، بقدرات ما قبل Avangard.
إذ تمتلك روسيا بدون منظومة Avangard ما يكفي من الصواريخ الباليستية للتغلب على نظام أمريكي حالي أو مستقبلي، كما أن القاذفات الاستراتيجية الروسية وصواريخ كروز يمكنها اختراق أنظمة الدفاع الصاروخي وتوجيه ضربة تقليدية أو نووية.
يمنح هذا روسيا القدرة على مواجهة الدفاع الصاروخي الأمريكي وتوجيه ضربة نووية بنجاح، سواء أكان ذلك كأول استخدام للأسلحة النووية أو رداً على الضربة النووية الأمريكية على روسيا، مع أو بدون Avangard.
لماذا لا تطور أمريكا أسلحة مضادة؟
يرى تقرير لمجموعة الأزمات الدولية CSIS أنه يجب ألا تستثمر الولايات المتحدة في التقنيات الدفاعية التي تستهدف صد أو إسقاط صواريخ Avangard.
إذا يقول التقرير إنه حتى إذا استطاعت الولايات المتحدة التصدي لهجوم من عدد صغير من المركبات الانزلاقية الروسية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، فستظل عرضة لهجوم نووي روسي بأسلحة أخرى.
وإذا كانت الولايات المتحدة قادرة على تطوير أنظمة قادرة على الدفاع عن أهداف أوروبية محتملة ضد ضربة أفنجارد التقليدية أو النووية، فستظل هذه الأهداف عرضة للضربات التقليدية أو النووية من أنظمة الأسلحة الأخرى.
ويخلص التقرير إلى أن الردع هو أفضل طريقة لمنع هجوم أفانجارد على الولايات المتحدة أو حلفائها الأوروبيين، وليس نظاماً مضاداً لـAvangard.
كما أن نجاح الأمريكيين في بناء نظام صاروخي مضاد لـ Avangard، فإن هذا سيزيد التوتر مع الروس، كما سيشكل حافزاَ لهم لبناء أنظمة أكثر تطوراً.
ونقلت شبكة سي إن بي سي عن مصدر بالحكومة الأمريكية قوله في تقرير صدر في الأول من يوليو/تموز 2019: "من المتوقع ألا يصنع الروس أكثر من 60 من هذه الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، لأنه ثبت أنها مكلفة للغاية لتطويرها".
ورداً على التقرير، أصدر مكتب نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف، بياناً مفاده أن إنتاج وتسليم الرأس الحربي أفانجارد يسيران وفقاً للجدول الزمني.
صاروخ RS-24 Yars: لديه ميزة في الضربة الأولى
رغم أنه لم ينل شهرة Avangard، فإن صاروخ RS-24 Yars قد يكون له ميزة نسبية عليه.
وRS-24 Yars هو نظام صاروخي استراتيجي روسي يتكون من صاروخ باليستي عابر للقارات يعمل بالوقود الصلب مع رؤوس حربية متعددة المركبات قابلة للاستهداف بشكل مستقل (كل رأس أو مركبة يستهدف هدفاً مستقلاً).
تم تطوير Yars كتعديل لنظام الصواريخ Topol-M من قبل معهد موسكو للتكنولوجيا الحرارية تحت إشراف الأكاديمي في أكاديمية العلوم الروسية يوري سولومونوف.
وتبلغ سرعته 20 ماخ (أي عشرين ضعف سرعة الصوت).
أجرى الجيش الروسي إطلاقاً تدريبياً ناجحاً للمنصة في سبتمبر/أيلول 2017، للتحقق من موثوقية هذا السلاح.
حتى الآن، تمت إعادة تسليح ستة فرق صواريخ بصواريخ Yars المتنقلة العابرة للقارات، ووفقاً لوزارة الدفاع الروسية، في سبتمبر/أيلول، تمت إعادة تجهيز قسم الصواريخ التابع لقوة الصواريخ الاستراتيجية المتمركزة في إيركوتسك في سيبيريا بالمنصة.
ويعتقد أن الصاروخ مزود بتصميم RV الأحدث الذي سيسمح للمركبات بالمناورة في الفضاء وأثناء إعادة الدخول الغلاف الجوي، ومن المتوقع أن يبلغ مداه الأدنى 2000 كم وحده الأقصى 10500 كم.
وقال كبير المصممين لمعهد موسكو للتكنولوجيا الحرارية، مطور Yars، يوري سولومونوف، إن روسيا ستكمل إعادة تسليح قوتها الصاروخية الاستراتيجية بصواريخ باليستية عابرة للقارات تنطلق من الصوامع الثابتة أو المنصات المتحركة.
يعطي Yars العنصر الأرضي للثالوث النووي الروسي فعالية متزايدة من خلال قدرته على التهرب من أنظمة الدفاع الصاروخي. الصاروخ لديه القدرة على المناورة أثناء الطيران ونشر الشراك الخداعية النشطة والسلبية، مما يمنح يارس ميزة ضد أنظمة الدفاع الصاروخي الحديثة.
ولكن يعتقد أن لديه ميزة على منظومة Avangard، حيث يقال إن RS-24 يطلق من منصات متحركة مما يجعل اكتشاف الصاروخ أكثر صعوبة، وهذا يعطيه قدرة أكبر من النجاة مقارنة من منظومة Avangard من أي ضربة أمريكية نووية أولى.
يقترن ذلك بحقيقة أن صاروخ Yars يستغرق 7 دقائق فقط للإطلاق، مما يجعله يشكل تهديداً خطيرة لنظام الدفاع الصاروخي الذي تستخدمه الولايات المتحدة لحماية وطنها وحلفائها.
وتعتبر RS-24 جزءاً حيوياً من جهود موسكو لزيادة بقاء قواتها النووية ومواجهة أنظمة الدفاع الصاروخي التي تنشرها الولايات المتحدة. من المتوقع أن تظل صواريخ Yars جزءاً حيوياً من القوات النووية الروسية على مدار العشرين عاماً القادمة.