"صيدلية العالم"، هكذا باتت توصف الهند في ظل قدرتها الهائلة على توفير لقاحات كورونا، وهو الأمر الذي استغلته نيودلهي في إطلاق ما يسمى "دبلوماسية اللقاحات الهندية" في مواجهة مساعي الصين لتعزيز نفوذها عبر توزيع اللقاحات.
فهل تنجح دبلوماسية اللقاحات الهندية في منافسة الصين، ولماذا تبدو الهند تحظى بميزة نسبية قد تجعلها تتفوق على الصين في مجال اللقاحات تحديداً مقابل إخفاقها في منافسة بكين في معظم المجالات الأخرى.
يشار إلى أن الهند حققت نجاحاً كبيراً في تصنيع المعدات التي يرتديها الأطباء أثناء مواجهة كورونا من صفر في بداية الوباء إلى 1691 مصنعاً، حيث بلغت حالياً طاقة الإنتاج المليون، وزاد عدد المصنّعين لأجهزة التنفس الصناعي من ثلاثة في بداية الوباء إلى 25 الآن، أما بالنسبة للكمامات فيتم إنتاج ملايين الكمامات يومياً، مقابل 100 ألف في بداية الوباء.
أكبر منتج للقاحات في العالم
ويستخدم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قدرات بلاده، باعتبارها أكبر منتج في العالم للقاحات المستخدمة في الوقاية من أمراض عديدة، في تحسين العلاقات مع دول المنطقة ومقاومة النفوذ الصيني السياسي والاقتصادي فيما يطلق عليه البعض دبلوماسية اللقاحات الهندية.
وقالت الهند إنها تستطيع زيادة إنتاجها من لقاحات فيروس "كورونا" إلى 500 مليون جرعة شهرياً للتصدير، حيث إنها تحظى باهتمام من المملكة المتحدة وبلجيكا ودول في جميع أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا التي تسعى للحصول على لقاحات أرخص ثمناً.
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" للأنباء، عن أشخاص مطلعين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأن المحادثات لا تزال جارية، القول إنه يمكن للهند زيادة إنتاجها بناء على توقعات بأن الطلب على اللقاح سوف يرتفع.
وحسب تقرير حكومي هندي، فإن الهند حققت مساهمات كبيرة في أسواق اللقاح في العالم تصل إلى ربع حجمها البالغ 35 مليار دولار، كما تشكل لقاحاتها إمدادات 60% من اللقاحات المقدمة لمنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة. ووفق التقرير، تنتج الهند 30 نوعاً من اللقاحات يستفيد منها 140 بلداً في العالم وتشكل جميعها 1.45 مليار جرعة.
ويعد "المعهد الهندي للأمصال"، أكبر مصنع للقاحات في العالم وهو بمثابة اللاعب الكبير في الحرب ضد فيروس كورونا المستجد.
وحتى قبل الوباء كانت الشركة الهندية رائدة في مجال اللقاحات، التي كانت تنتج منها 1.5 مليار جرعة سنوياً، وتطعم طفلين من ثلاثة في 170 بلداً من أمراض مثل شلل الأطفال والتهاب السحايا والحصبة.
وأفاد مسؤولون بأن مزيداً من البلدان من أوروبا أبدت اهتماماً بشراء اللقاحات المنتجة في الهند نظراً لأن متوسط تكلفة لقاح "فايزر – بيونتك" ولقاح "موديرنا" يبلغ 35 دولاراً للجرعة الواحدة. ويمكن لـ"معهد المصل الهندي"، وهو أكبر منتج للقاحات في العالم من حيث الحجم، شحن اللقاح الذي طورته شركة "أسترازينيكا" وجامعة أكسفورد بسعر يتراوح بين 5 و10 دولارات للجرعة.
ما هي اللقاحات التي تصدرها الهند؟
وكانت نيودلهي اعتمدت لقاحين من أجل الاستخدام الطارئ، وبدأت بتصنيعهما وهما أسلحتها في دبلوماسية اللقاحات الهندية.
أحدهما طوِّر من قبل "أسترازينيكا" وجامعة أكسفورد، المعروف باسم لقاح أكسفورد ويُصنع حالياً في الهند من قبل "معهد الأمصال الهندي".
أما الآخر، فهو لقاح محلي يدعى "كوفاكسين"، وتنتجه حالياً شركة "بهارات بايوتيك" المحلية بتعاون مع "المجلس الهندي للبحث الطبي"، و"المعهد الوطني لعلم الفيروسات" (ولكن الأطقم الطبية الهندية تبدو أكثر اطمئناناً للقاح البريطاني الأصل من الهندي).
كما أن هناك ثلاث شركات هندية على وشك الإعلان عن لقاحات جديدة.
وأعلن الصندوق السيادي الروسي إبرام اتفاق مع مجموعة "هيتيرو" الهندية للأدوية لإنتاج أكثر من 300 مليون جرعة سنوية من لقاح "سبوتنيك – في" الروسي المضاد لفيروس كورونا.
وتُعد الهند ثالث أكبر منتج للأدوية في العالم، ومن المتوقع أن تكون مصدَراً رئيساً للقاح بالنسبة للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط مستقبلاً- حتى في وقت تهيمن فيه البلدان الغنية على السوق.
وقد صنع البلد لنفسه سمعة باعتباره "صيدلية العالم"، إذ يوفّر أدوية عالية الجودة ورخيصة الثمن في عدد من الأمراض عبر العالم. وتنتج الهند 50 إلى 60% من الطلب العالمي على العديد من اللقاحات، بما في ذلك أدوية رخيصة مضادة للفيروسات، و40% من الأدوية الجنسية في الولايات المتحدة، و25% من كل الأدوية التي توصف في المملكة المتحدة.
غير أن مدى قدرة الهند على مساعدة البلدان الأخرى يعتمد أيضاً على الكيفية التي تنوي بها تلبية احتياجاتها الداخلية. هذا علاوة على القيود اللوجستية على دبلوماسية اللقاح لأن الهند هي ثاني أكثر بلد إصابة بالفيروس، بأكثر من 10.4 مليون حالة إصابة.
وتعتزم البلاد تطعيم 300 مليون شخص من سكانها خلال المرحلة الأولى. والمشكلة التي يتعاطى معها المسؤولون داخل الحكومة حالياً تتعلق بكمية اللقاحات التي يستطيع البلد الجنوب آسيوي توفيرها للخارج، مع أخذ احتياجاته الداخلية بعين الاعتبار؛ غير أن هذا لم يمنع الهند من الاضطلاع بدور قيادي فيما يتعلق بتوزيع الإمدادات الطبية، مثل معدات الوقاية في الحي وخارجه عندما بدأ الوباء العام الماضي.
ملايين الجرعات والتركيز على الجيران
وبالنسبة للهند هناك تضافر عدة عوامل فيما يتعلق بازدياد أهميتها العالمية في مجال دبلوماسية اللقاحات. إذ من المتوقع أن يكون هناك طلب كبير في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا على اللقاحات المنتجة في الهند.
ومن المتوقع أن يلعب البلد دوراً مهماً في تلبية هذا الطلب، ومساعدة البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وهو ما سيساعد نيودلهي على إظهار قدراتها القيادية في الساحة الدولية عبر دبلوماسية اللقاحات الهندية، وخاصة بعد أن حصلت على مقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي الشهر الماضي.
وجذبت الهند اهتمام العالم بالفعل عندما قدمت في الأيام الأخيرة ملايين الجرعات من اللقاح هدايا إلى دول الجوار المطلة على المحيط الهندي، في محاولة لتدشين دبلوماسية اللقاحات الهندية مقابل مثيلتها الصينية.
وفي إطار دبلوماسية اللقاحات الهندية، تم نقل أكثر من 5 ملايين لقاح هندي الصنع، الأسبوع الماضي، إلى دول تمتد من ميانمار وبنغلادش، إلى موريشيوس وسيشيل. وهناك ملايين اللقاحات المجانية ستوزع لاحقاً.
وتتهم المصادر الهندية الصين بأنها تستخدم دبلوماسية اللقاحات الخاصة بها في محاولة لإصلاح الأضرار التي لحقت بصورتها عالمياً، جراء تقارير تحدثت عن انتشار الفيروس القاتل من أراضيها، في المقابل تقول إن دبلوماسية اللقاحات الهندية لا تنال حقها من الاهتمام الإعلامي، كما أن دوافعها أكثر إنسانية.
ووافقت الهند على تقديم شحنات من لقاح كوفيد-19 لكمبوديا كما تعتزم إمداد منغوليا والدول الجزر في المحيط الهادي بشحنات، في حين وصلت شحنة منه إلى أفغانستان في مؤشر على اتساع نطاق دبلوماسية اللقاحات الهندية.
وسعياً منها للتفوق على منافستها الصين، التي وعدت بتقديم لقاحات لكثير من الدول، تقدم حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للدول القريبة ملايين الجرعات من لقاح أسترازينيكا (لقاح أكسفورد البريطاني المنتج محلياً في الهند) رغم أن برنامجها للتطعيم المحلي بدأ للتو.
وقالت السفيرة الهندية في فنومبينه إن نيودلهي وافقت على مئة ألف جرعة لكمبوديا بشكل عاجل بعد طلب قُدم إلى مودي من رئيس الوزراء الكمبودي هون سين.
وكمبوديا حليف مهم للصين التي يتوقع أن تمدها بمليون جرعة من لقاحاتها التي طورتها بالأساس شركة سينوفارم الصينية الحكومية.
وقالت السفيرة ديفياني كهوبراجادي: "سيوفر معهد سيروم الهندي للمصل واللقاح الشحنة رغم الطلبيات التي لا تحصى والتزامنا تجاه سكان بلادنا".
كما قدمت الهند جرعات لميانمار وبنعلاديش ونيبال وسريلانكا وجزر المالديف لمساعدة تلك الدول على البدء بتحصين الأطقم الطبية، وذلك ضمن مبادرتها المسماة "صداقة اللقاح".
وأرسلت الهند نصف مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا إلى أفغانستان، وهي أولى الجرعات التي تصل إلى تلك الدولة التي تمزقها الحرب والتي لا تزال تنتظر إجازة منظمة الصحة العالمية للاستعمال الطارئ قبل توزيعها.
وأنفقت الهند ملايين الدولارات في أفغانستان عبر السنوات في مسعى لمواجهة نفوذ باكستان هناك. وقال مصدر حكومي: "الجرعات منحة مجانية".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية أنوراغ سريفاستافا إن الهند قدمت إلى الآن 15.6 مليون جرعة من اللقاح إلى 17 دولة سواء في شكل هبات أو عبر عقود تجارية.
وتركز دبلوماسية اللقاح الهندية على جيران نيودلهي، بهدف تعزيز نفوذ الهند في الإقليم، إذ تعمل الهند حالياً على تقاسم جرعات اللقاح مع بلدان مجاورة، مثل سريلانكا ونيبال وبنغلاديش، في إطار جهودها الرامية لتوفير المساعدة والخبرة الطبية لجيرانها الأصغر.
فقد أكد كل المسؤولين الهنود، من رئيس الوزراء إلى وزير الخارجية وأعضاء آخرين في الحكومة، أن الجيران هم أولى أولويات الهند فيما يتعلق بتوفير المساعدة في زمن كوفيد- 19.
هذه المبادرة تُرجمت إلى أشياء مختلفة، من تدريب المسؤولين الطبيين في التجارب السريرية إلى تقاسم الكمامات ومعدات الوقاية في وقت سابق، خلال ذروة الوباء العام الماضي.
والآن تحوّل اهتمام الهند إلى توفير اللقاحات عبر دبلوماسية اللقاحات الهندية، نظراً لأن البلد مشهور بقدراته في إنتاج اللقاحات.
كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد طمأن نظيرته البنغلاديشية شيخة حسينة بأن الهند ستولي اهتماماً خاصاً باحتياجات داكا من لقاحات كوفيد- 19. كما وقّعت بنغلاديش اتفاقاً مع "معهد الأمصال الهندي" لشراء 30 مليون جرعة.
وأجرى جيران آخرون مثل ميانمار (دولة حليفة للصين) محادثات مماثلة من أجل الحصول على اللقاح. وفي بوتان أيضاً، هناك مباحثات حالياً حول تأمين اللقاحات الهندية لمواطنيها.
ولئن كان هدف نيودلهي الرئيس هو مساعدة البلدان الأصغر في الجوار، فإن دبلوماسية قوتها الناعمة ستكون واضحة للعيان بشكل أكبر خلال الأشهر المقبلة.
البرازيل تلجأ للهند
والأكيد أنه من هنا فصاعداً ستلعب دبلوماسية اللقاحات الهندية دوراً مهماً في وقت تعتزم فيه البلاد مساعدة أصدقائها والبلدان التي تعتبرها جديرة بالأولوية، ليس داخل جنوب آسيا فقط، ولكن خارج جوارها المباشر أيضاً.
وفي مؤشر على مدى تهافت بلدان العالم على اللقاح وتركيزها على الهند، تتدفق الطلبات على اللقاحات المنتَجة في الهند من خارج الإقليم. وفي هذا الإطار، ترغب البرازيل، التي تُعد من بين أكثر البلدان تضرراً من الوباء، في الحصول على لقاح "أسترازينيكا" من الهند.
كما عقدت عيادات برازيلية خاصة اتفاقاً لتزويدها بلقاح "كوفاكسين"، الذي حصل على موافقة الجهات المنظِّمة في الهند من أجل الاستخدام الطارئ من دون انتظار نتائج اختبارات المرحلة الثالثة.
وقد سبق لصانعيه أن أكدوا مراراً وتكراراً أن اللقاح آمن.
وقالت مصادر مطلعة إن جنوب إفريقيا وكينيا ونيجيريا من بين الدول الإفريقية التي تجري محادثات بشأن الإمدادات من اللقاحات الهندية.
العالم العربي
وامتدت دبلوماسية اللقاح الهندية إلى المنطقة العربية حتى لو تعتمد على تقديم لقاحات مجانية، فأغلب دول المنطقة لا تعاني نقصاً في الأموال، ولكن تواجه مشكلة فرض الدول الغربية قيوداً على تصدير اللقاحات لتوفيره لشعوبها أولاً، إضافة إلى عدم ثقة الشعوب العربية في اللقاحات الصينية البديلة.
ومن هنا تأتي ميزة الهند باعتبارها أكبر منتج للقاحات في العالم، إضافة إلى أنها تنتج لقاح أكسفورد البريطاني المقبول دولياً والرخيص نسبياً مقارنة باللقاحات الغربية الأخرى.
وفي هذا الإطار، أعلن توصل المملكة المغربية لاتفاق لشراء بأربعة ملايين جرعة من لقاح "أسترازينيكا" المصنع في دولة الهند.
واعتبرت وسائل إعلام مغربية هذه الصفقة نجاحاً دبلوماسياً للمغرب، بفضل ما وصفته بمستوى علاقاتها مع الهند التي تعتبر اليوم بمثابة "صيدلية العالم" في توفير اللقاح.
كما قررت الهند إرسال الملايين من جرعات لقاح فيروس كورونا إلى السعودية، ولكن القرار أثار غضب المغتربين الهنود الذين كانوا يعملون في السعودية، ولكن منعوا من دخولها، إذ فُرض عليهم حظر سفر لأشهر من قبل المملكة، في مسألة تشكل جدلاً دبلوماسياً، حسبما ورد في تقرير لموقع فرانس 24.
نحن أكثر إنسانية من الصين
وتركز المصادر الهندية في معرض ترويجها لدبلوماسيات اللقاحات الهندية على الإشارة إلى أهمية ما تصفه بـ"لفتة الهند الإنسانية"، هو أن دبلوماسية اللقاحات الهندية انطلقت بعد أربعة أيام فقط من بدء عمليات تلقيح مواطنيها، بدءاً من العاملين في مجال الرعاية الصحية.
وعند تسلم الشحنة الأولى من اللقاحات الهندية، وصف رئيس وزراء مملكة بوتان الواقعة في جبال الهيمالايا، التحرك الهندي بأنه "إيثار" تعكسه مشاركة السلع الثمينة حتى قبل تلبية احتياجات الهند الخاصة.
وتستهدف شحنات اللقاحات الخارجية في خطة الهند الطموحة، تلقيح 1.3 مليار نسمة في واحدة من أكبر حملات التطعيم في العالم.
ولكن اللافت أنه عند انطلاق حملة التطعيم ضد فيروس كورونا في الهند، ظهرت مشكلة غريبة هي عزوف الكثيرين بمن فيهم الأطقم الطبية عن تلقي اللقاح.
إذ تقدم الهند نموذجاً فجاً لمشكلة رُهاب اللقاحات.
فبينما تكافح معظم دول العالم لتأمين ما يكفي من اللقاحات لسكانها. فإن الهند لديها مشكلة معاكسة: الكثير من الجرعات، لكنْ كان هناك نقص في الأشخاص المستعدين لتلقيها، في مؤشر خطير على احتمالات تصاعد التردد في تلقي اللقاح ليس في الهند فقط بل حتى في بعض الدول المتقدمة.
هل تفوقت دبلوماسية اللقاحات الهندية على نظيرتها الصينية؟
دبلوماسية اللقاحات الهندية كانت مدفوعة بأكثر من مجرد الإيثار.
هناك اعتبارات جيوسياسية تلعب دورها، بما في ذلك بناء النوايا الحسنة، والتأثير، ومواجهة التأثير الاستراتيجي المتنامي للصين في منطقة المحيط الهندي. ومن هنا يبدو توفير لقاحات مجانية لمكافحة الوباء، هو خيار أفضل لنيودلهي من تقديم المساعدة المباشرة في مجالات أخرى.
تتمثل إحدى نقاط القوة في الهند في أنها توفر أكثر من 60% من اللقاحات العالمية ضد الأمراض المختلفة. والآن، تستفيد من هذا الثقل التصنيعي من خلال الشروع فيما تحاول الترويج له على أنه دبلوماسية إنسانية، لتوفير اللقاحات المجانية للبلدان الواقعة في جوارها.
وتسهم الهند في توريد أكثر من مليار لقاح ضد فيروس كورونا إلى مختلف البلدان، من خلال مبادرة "كوفاكس" التي تدعمها منظمة الصحة العالمية وتستهدف البلدان الفقيرة.
علاوة على ذلك، أعطى تراجع أعداد المصابين في الهند، الحكومة المركزية فرصة أكبر لتعزيز دبلوماسية اللقاحات. فقد انخفضت الحالات الجديدة على أساس يومي بشكل كبير منذ الخريف الماضي، علماً بأن الهند كانت في المرتبة الثانية من حيث عدد الإصابات بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
"تبرعاتنا أكبر من الصين"
وتقول المصادر الهندية إن تسليط الأضواء عالمياً على عروض المنافسة على إنتاج اللقاحات وأدوية كورونا لدى الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين، قد تسبب في حجب دور الهند.
فمنذ أن بدأ الوباء، تبرعت الهند بهدوء أو صدّرت تجارياً عناصر مهمة واجهت ارتفاعاً كبيراً في الطلب، مثل مجموعات اختبار كوفيد 19، ومعدات الحماية الشخصية والأدوية.
وشحنت الهند، المورِّد الكبير للأدوية ذات الصلة، 50 مليون قرص من هيدروكسي كلوروكين إلى الولايات المتحدة في الربيع الماضي بناء على طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتقول هذه المصادر إنه في الوقت الذي تستغل فيه الصين نفوذها الصيدلاني لأغراض تجارية، فقد أعلنت بكين فعلياً حتى الآن عن تبرعات لقاحات متواضعة.
في ظل هذه الخلفية، هل ستدعم دبلوماسية اللقاحات الهندية بشكل ملموس مصالح سياستها الخارجية مع استمرار وجود أكثر من 100 ألف جندي هندي وصيني جاهزين للحرب في مواجهة عسكرية في جبال الهيمالايا استمرت لأشهر.
وتشعر الهند بشكل متزايد بأنها محاصرة بسبب النفوذ الصيني المتزايد في جوارها.
ومع بسط الصين نفوذها في عمق الفناء الخلفي للهند، فإن نيودلهي تقف عاجزة عن لجم هذه التحركات وبسط نفوذها الإقليمي الآخذ في التآكل.
ولكن بفضل تفوقها في مجال إنتاج اللقاحات وعلاقتها بالشركات الغربية فإن دبلوماسية اللقاحات الهندية قد تمثل نجاحاً نادراً لنيودلهي أمام بكين.
وينتظر أن يكون دور الصناعة الهندية محورياً في مواجهة الوباء؛ لأن الهند هي الدولة الوحيدة التي تمتلك البنية التحتية الواسعة في الوقت الحالي لتلبية الطلب العالمي على اللقاحات.
ومع ذلك، فإن الأضرار الجسيمة والوفيات التي تسبب بها الحريق الكبير الذي وقع الأسبوع الماضي في معهد العلوم الطبية، كان بمثابة تذكير بأنه في الوقت الذي تعتمد فيه العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، على الإنتاج الهندي من اللقاحات، فإن الأحداث غير المتوقعة والمشكلات الداخلية الهندية يمكن أن تعطل الإمدادات.
ورغم ذلك تقول المصادر الهندية إن حجم هدايا الهند من اللقاحات لا مثيل له حتى لدى الصين.
ولكن هل تكون دبلوماسية اللقاحات الهندية كافية للصمود أمام صعود التنين الصيني في كل المجالات؟