مركز لوجستي لصادرات تركيا نحو إفريقيا.. هل تكون ليبيا بوابة أنقرة الجديدة إلى القارة السمراء؟

تم النشر: 2021/02/11 الساعة 11:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/11 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش
ليبيون يلوحون بأعلام بلادهم وتركيا في طرابلس، يونيو 2020/ الأناضول

منذ وقت طويل تتجه أنظار الدول الكبرى نحو القارة الإفريقية، ففرنسا وأمريكا والصين وروسيا وأوروبا لا تزال تعقد شراكات استراتيجية دورية مع دول هذه القارة، وكذلك فعلت بعض الدول الصاعدة، ومن بينها تركيا.

وتسير علاقات تركيا الاقتصادية مع القارة السمراء وفق خطط واضحة ومدروسة منذ نحو عقدين، ووقعت أنقرة العديد من الاتفاقيات الاقتصادية، وأنشأت أكثر من 30 مجلساً اقتصادياً مع هذه الدول في إطار ثنائي ناجح، لكن تظل أنقرة بحاجة إلى بوابة كبيرة لها ومركزية نحو إفريقيا، في ظل التنافس الشديد بين القوى الدولية على القارة السمراء.

ومنذ الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر صيف 2013، انقطعت العلاقات المصرية التركية، وتلاشت الآمال التركية بالتعويل على القاهرة في دور حيوي بالقارة الإفريقية، وسعت أنقرة للبحث عن أكثر من بديل للقاهرة، لتكون بوابتها الاقتصادية والتجارية نحو القارة السمراء، فاتجهت للصومال والسودان والجزائر وحتى جيبوتي، ولكن لأسباب عديدة لم تكن تلك الخيارات كافية وناجحة لوقت أطول، في سد الفراغ الذي تركته مصر، نظراً لحجمها وقوتها، وباعتبارها دولة عابرة للقارات.

الرئيس التركي أردوغان في العاصمة الصومالية مقديشو، يونيو 2016/ الأناضول

ومؤخراً، تتصدر ليبيا الأحاديث وعناوين الأخبار، بصفتها تستحوذ على اهتمام تركيا، حيث تحظى أنقرة بنفوذ جيد وعلاقات قوية مع الدولة الإفريقية الكبيرة، وهي التي نجحت في مساندة حكومة فايز السراج المعترف بها دولياً، في صد هجوم الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، المدعوم من فرنسا والإمارات ودول أخرى. وفي ظل الآمال في الاستقرار السياسي وانتهاء الحرب بعد انتخاب حكومة جديدة في ليبيا، تسعى أنقرة لكسب مكانة متقدمة في البلاد التي قد تتحول لأكبر بوابة اقتصادية لتركيا نحو القارة الإفريقية.

هل تكون ليبيا البوابة الاقتصادية الجديدة لتركيا نحو إفريقيا؟

بعد يومين من انتخاب حكومة عبدالحميد الدبيبة في ليبيا، 5 فبراير/شباط 2021، كحكومة وحدة وطنية انتقالية، وفي أول مقابلة صحفية يجريها مع وسيلة إعلام دولية، أكد رئيس الوزراء الليبي الجديد لوكالة الأناضول أن حكومته تأمل في مضاعفة التعاون مع تركيا، واصفاً إياها بالدولة الحليفة، التي تملك إمكانات كثيرة لمساعدة الليبيين في الوصول إلى أهدافهم الحقيقية.

وأضاف الدبيبة بأن "تركيا فتحت مطاراتها ولم تغلق سفارتها في طرابلس، وأعتقد أن حرية التنقل سوف تنعكس على التعاون بين الشعبين في مجال الاقتصاد، ونأمل أن ننمي هذا التعاون ونرفع حجم التبادل التجاري إلى أعلى المستويات".

مرتضى قرنفيل، رئيس مجلس الأعمال التركي- الليبي، إلى جانب رئيس الوزراء الليبي الجديد عبدالحميد الدبيبة/ الأناضول

وبعد نحو 3 أيام من هذه التصريحات، أعلن مسؤول تركي، الخميس 11 فبراير/شباط، بدء العمل بإنشاء مركز لوجستي في ليبيا، من المتوقع أن يشكل معبراً لصادرات بلاده إلى إفريقيا. والمركز هو الأول ضمن سلسلة مراكز لوجستية دولية للصادرات التركية، بدأ العمل بإنشائها بتوجيه من الرئيس رجب طيب أردوغان.

جاء ذلك في حديث أدلى به للأناضول، مرتضى قرنفيل، رئيس مجلس الأعمال التركي- الليبي، التابع للجنة العلاقات الاقتصادية الخارجية التركية. وقال قرنفيل، إن أردوغان كلّف لجنة العلاقات الاقتصادية الخارجية، واتحاد الغرف التجارية والصناعية، ومجلس مصدّري تركيا، من أجل إقامة مراكز لوجستية لدعم صادرات البلاد حول العالم.

وتحسّنت العلاقات التركيةـ الليبية على نحو لافت منذ الربع الأخير 2019، وتوقيع البلدين حزمة اتفاقات تجارية وسياسية واقتصادية، أسهمت في تغيير موازين القوى لصالح حكومة الوفاق، في ذلك الوقت.

وأضاف قرنفيل: "لجنة العلاقات الاقتصادية الخارجية بدأت العمل على فتح أول هذه المراكز اللوجستية الدولية في ليبيا، التي ستتحول مع هذا المشروع إلى بوابة للصادرات التركية إلى القارة الإفريقية".

ما الذي تأمله تركيا من إنشاء "مركز اقتصادي لوجيستي" في ليبيا؟

بحسب المسؤول التركي، من المتوقع أن تُسهم القاعدة اللوجستية وصالة عرض إلكترونية في ليبيا، في رفع قيمة الصادرات التركية إلى إفريقيا بمقدار 10 مليارات دولار. مشيراً إلى سهولة النقل إلى القارة الإفريقية من ليبيا براً وجواً، وإمكانية نقل المنتجات بسهولة من المركز اللوجستي إلى 53 دولة إفريقية يبلغ مجموع عدد سكانها نحو مليار نسمة.

وسجل التبادل التجاري بين تركيا وبلدان القارة الإفريقية نمواً ملحوظاً بين عامي 2010ـ2019، ليصل بحلول نهاية 2019، إلى 186 مليار دولار.

ويقول قرنفيل إن الصادرات التركية إلى ليبيا بلغت ذروتها عام 2012، متجاوزة ملياري دولار، ثم انخفض الرقم في السنوات اللاحقة بسبب المشاكل الأمنية التي تشهدها البلاد. مضيفاً أن الصادرات التركية إلى ليبيا بدأت الانتعاش مرة أخرى بدءاً من 2017، لتصل إلى 1.9 مليار دولار في 2019، لكنها تراجعت في 2020 إلى 1.4 مليار دولار جراء تداعيات قيود جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي.

تسعى تركيا لتحويل ليبيا إلى بوابتها الاقتصادية الكبرى نحو إفريقيا.. (الصورة: منتدى الأعمال والاقتصاد التركي الإفريقي الثاني، إسطنبول، أكتوبر 2018)/ الأناضول

ويؤكد قرنفيل أن "العلاقات الاقتصادية بين البلدين تتطور بوتيرة إيجابية للغاية". ويتم تسويق مجموعة واسعة من المنتجات التركية في ليبيا، التي تشهد رواجاً في الخضراوات الطازجة والفواكه والملابس الجاهزة والأثاث والمجوهرات والإلكترونيات والمواد الغذائية، وغيرها. 

ووفقاً للمسؤول التركي فإن "ليبيا تعتبر من المناطق ذات الأهمية الخاصة بالنسبة إلى تركيا على الصعيدين السياسي والاقتصادي". متوقعاً استمرار اتساع الصادرات التركية إلى طرابلس الغرب، مع الانتقال إلى الوضع الطبيعي في ليبيا بعد انحسار وباء كورونا.

وصرّح بأن المقاولين الأتراك يتوقعون الحصول على فرص جديدة في أعمال البناء وإقامة البنية التحتية في ليبيا، وحدوث تطورات سريعة في هذا القطاع بعد حل مشكلة ديونهم البالغة 4 مليارات دولار.

سعر صرف ثابت وحكومة موحدة في ليبيا.. نقاط تصبّ في صالح تركيا

رئيس الوزراء الليبي الجديد: نأمل في مضاعفة التضامن مع تركيا ورفع حجم التبادل التجاري إلى أعلى المستويات/ الأناضول

يعتبر قرنفيل، أن التطبيقات المختلفة لسعر الصرف، والتي تسببت في أضرار كبيرة للأنشطة التجارية الدولية في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، انتهت اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني الماضي، واعتمدت البلاد تطبيقاً ثابتاً له. مشيراً إلى أن اعتماد الحكومة الانتقالية في ليبيا سعر صرف ثابتاً للعملة الوطنية، سيزيد من إمكانات الأعمال التجارية والاستثمارات في البلاد، وقدرتها على جذب المستثمرين.

"السوق في ليبيا تواجه احتياجات مهمة مؤجّلة منذ 6 سنوات، وتطبيق سعر الصرف الثابت والموحد سيُسهم في دفع الأنشطة التجارية والاستثمارية في هذا البلد قدماً نحو الأمام"، يقول المسؤول التركي.

وختم بالقول: "مع إعلان تشكيل حكومة انتقالية لإدارة البلاد حتى الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ستشهد ليبيا تسارعاً ملحوظاً في جميع القطاعات، بما في ذلك الاقتصادية".

تحميل المزيد