مع بداية كل عام ميلادي جديد يتبادل البشر التهنئة وأحياناً الهدايا، ولكن يتبادل الهنود والباكستانيون قوائم تكشف مواقع المنشآت النووية، تنفيذاً لبند غريب في اتفاقية عدم الاعتداء على المنشآت النووية بين الهند وباكستان.
وتعد هذه واحد من غرائب العلاقة بين الأخوة الأعداء الهند وباكستان الذي كانا دولة واحدة ويتشاركان حتى اللغة، ولكن كل منهم يسميها باسم مختلف (الهندية والأوردية).
سباق نووي خطير
تتصارع الهند وباكستان لأسباب عدة أبرزها الخلاف حول إقليم كشمير التي تقول الهند إنه جزء من أراضيها، بينما تقول باكستان، إنه وفقاً للمعايير التي أدت إلى تقسيم الهند إلى شطر مسلم وآخر هندوسي فإن كشمير يجب ان تنضم إليها.
وعلى مدار العقود خاض البلاد أربع حروب وعدداً أكبر من النزاعات المحدود، وتعكس عبارة أطلقها رئيس وزراء باكستان الأسبق الراحل، ذو الفقار علي بوتو، عام 1965 الكثير من الدلالات في هذا الاتجاه، حيث قال حينها: "إذا صنعت الهند القنبلة النووية، فسوف نأكل العشب أو أوراق الشجر، بل وسنجوع، لكننا سنحصل على واحدة تكون ملكنا".
اللافت أن الهزيمة العسكرية التي مُنيت بها باكستان أمام الهند عام 1971، وما نجم عنها من انفصال شرق باكستان واستقلاله تحت اسم دولة بنغلاديش، أسبغت على البرنامج النووي لهذا البلد أولوية قصوى.
أما النقطة المفصلية التي عجّلت بالبرنامج النووي الباكستاني فتمثلت في إجراء الهند اختبارها النووي الأول في مايو/أيار عام 1974، ما وضع شبه القارة الهندية على طريق سباق نووي خطر.
ولا يزال تاريخ نجاح إسلام آباد في إنتاج أول قنبلة نووية غامضاً، إلا أن رئيسة الوزراء الراحلة، بنظير بوتو، ابنة ذو الفقار علي بوتو، كشفت أن والدها أخبرها أن أول قنبلة كانت جاهزة بحلول عام 1977، في حين أن عضواً في وكالة الطاقة الذرية الباكستانية قال إن تصميم القنبلة اكتمل في عام 1978 وإن أول اختبار لها "بشكل بارد"، وهو أقل من تفجير فعلي، قد جرى في عام 1983.
وكشفت بنظير بوتو أيضاً لاحقاً أن قنابل باكستان النووية كانت مخزنة حتى عام 1998.
وفي ذلك العام اختبرت نيودلهي خمس قنابل نووية، فردت باكستان باختبار ست قنابل نووية.
ويمكن اعتبار الجبهة الهندية الباكستانية واحد من أخطر جبهات العالم التي يمكن أنها تندلع بها حرب نووية، فعلى عكس معظم القوى النووية المتنافسة الأخرى، فالهند وباكستان الصراع بينها نشط، ويتداخل فيه عناصر حكومية مثل الشعب الكشميري ومقاتليه الذين يحاربون الهند، إضافة إلى الطابع الديمقراطي الشعبوي الذي يميز حكم البلدين، والذي قد يدفع أحد القادة للتهور لتحقيق مكاسب دعائية مثلما فعل رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي عندما قصفت الهند معسكراً داخل الأراضي الباكستانية فأسقطت باكستان طياراً هندياً واعتقلته، ونشبت اشتباكات بين البلدين، وتبين بعد ذلك أن مودي أبلغ مذيعاً متطرفاً بالهجوم قبل وقوعه فيما اعتبر أنه محاولة لاستغلال الأزمة انتخابياً.
وتعتمد الهند على سياسة التعهد بعدم استخدام الأسلحة النووية أولاً في أي حرب، علماً بأن نيودلهي ألمحت إلى إمكانية التخلي عن هذه السياسة، بينما باكستان لا تلزم نفسها بهذه السياسة باعتبارها أضعف عسكرياً وأقل سكاناً من الهند وبالتالي ترى نفسها معرضة لخطر العدوان الهندي بأسلحة تقليدية.
لدى باكستان 150-160 صاروخاً نووياً، مقابل 130-140 للهند، وفقاً لتقديرات معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام نشرت نهاية عام 2019. علاوةً على ذلك، يمتلك كلا البلدين أسلحة نووية متطورة، فضلاً عن برامج للبحث والتطوير في مجال المقذوفات.
ورغم كل هذه الصراعات والمنافسة بين الجانبين، فإنهما بينهما ترتيبات تستحق الإشادة فيما يتعلق بالأسلحة النووية، عبر ما يُعرف باتفاق أو اتفاقية عدم الاعتداء على المنشآت النووية.
ما هي اتفاقية عدم الاعتداء على المنشآت النووية بين الهند وباكستان؟
يتم تسليم القائمة إلى المفوضية العليا الهندية وفقاً للمادة الثانية من اتفاقية حظر الهجمات على المنشآت والمرافق النووية بين باكستان والهند.
اتفاقية عدم الاعتداء على المنشآت النووية هي معاهدة ثنائية ونووية لمراقبة الأسلحة النووية بين الهند وباكستان، بشأن تخفيض (أو تحديد) الأسلحة النووية، تم التوقيع عليها في 31 ديسمبر/كانون الأول 1988.
تتضمن الاتفاقية نصاً يقضي بإبلاغ البلدين بعضهما البعض بمنشآتهما النووية في الأول من يناير من كل عام.
كما تعهد البلدان بعدم مهاجمة أو مساعدة القوى الأجنبية للهجوم على المنشآت والمنشآت النووية لكل منهما.
تمت صياغة المعاهدة في عام 1988، ووقعها رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي ونظيرته الباكستانية بنظير بوتو في 21 ديسمبر/كانون الأول 1988؛ دخلت حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 1991.
منعت المعاهدة الموقعين عليها من تنفيذ هجوم مفاجئ (أو مساعدة القوة الأجنبية على الهجوم) على المنشآت والمرافق النووية لكل منهما.
اعتباراً من يناير 1992، تتبادل الهند وباكستان سنوياً قوائم المرافق النووية العسكرية والمدنية لكل منهم في أول يوم من كل عام.
لماذا تم توقيع هذا الاتفاق الغريب؟
ظهرت الحاجة إلى اتفاق عدم الاعتداء على المنشآت النووية على خلفية قصف إسرائيل عام 1981 لمفاعل أوزيراك العراقي بالقرب من بغداد، وهو ما خلق حالة من التوجس المتبادلة بين البلدين خوفاً من تكرار هذا العمل.
كما جاء التحضيرات للاتفاق في وقت أصبحت باكستان شديدة الحساسية عسكرياً مع استمرار تداعيات هزيمتها عام 1972 التي قطعت أوصال البلاد (انفصال بنغلاديش)، والتطورات العسكرية في الهند، مثل عملية براستاك، التي كانت بمثابة مناورات ضخمة للجيش الهندي للتدريب على تنفيذ عمليات هجومية عميقة تستهدف المنشآت النووية الباكستانية وردت باكستان في ذلك الوقت بوضع منشآتها وأصولها النووية في "حالة تأهب قصوى".
ومنذ ذلك الحين، بدأت وزارتا خارجية البلدين في التفاوض للتوصل إلى تفاهم بشأن التحكم في الأسلحة النووية.
ماذا سيحدث للبشر إذ قامت حرب نووية بين البلدين؟
125 مليون شخص قد يسقطون قتلى إذا تبادلت الهند وباكستان القصف بقنابل ذرية بزنة 100 كيلوطن (ست مرات أكبر من قنبلة هيروشيما)، حسب دراسة أجريت مؤخراً.
والتدمير لن يقتصر على الدولتين فقط أو منطقة شبه القارة الهندية، فقط، بل سيلحق ضرراً كبيراً بالعالم.
إذ توضح الدراسة أن ما بين 16 و36 طناً من السخام سترتفع في الغلاف الجوي نتيجة الانفجارات، وسيمتص هذا السخام أشعة الشمس وسيسخن الهواء، ما سيؤدي إلى ارتفاع الدخان إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي، الأمر الذي سيخفض قوة نور الشمس الذي يصل إلى الأرض بما بين 20 و35%.
أما انخفاض الحرارة على سطح الأرض فسيكون ما بين 2 و5 درجات، وستتراجع نسبة هطول الأمطار بما بين 15 و30%.
وأبرز نتائج هذه الكارثة سيكون نقصاً كبيراً في المواد الغذائية طيلة سنوات وحتى إلى عقد على كامل مناطق الكرة الأرضية.
ولذا يمكن اعتبار أن قوائم المنشآت النووية التي تتبادلها البلدان هي بمثابة هدية بداية العام للعالم كله.