يبدو أن الصينيين لم يتعلموا الدرس بعدما تسببوا في تصدير فيروس كورونا للعالم، الذي كان كفيلاً بإزهاق أرواح أكثر من مليون عبر العالم وإصابة مئات الملايين، وحتى الآن لم تتوصل البشرية لطريقة توقف بها زحف كوفيد-19.
فبسبب سوق المأكولات بمدينة ووهان الذي تباع فيه الحيوانات البرية، انتقل الوباء من الخفافيش إلى البشر وبعدها غزا الكوكب، دون أن يكون هناك رادع قوي يوقف احتمالية انتقال أمراض أخرى إلى الناس بسبب ثغرات في القانون.
ومرَّ أكثر من عام منذ أن اكتُشِفَ فيروسٌ غامض وجرى تتبُّعه وصولاً إلى سوقٍ للمأكولات في ووهان، ومن الصعب على أيِّ شخصٍ أن يتخيَّل في يناير/كانون الثاني 2020 أن المرض غير المعروف مُسبقاً، والذي عُرِفَ فيما بعد باسم كوفيد-19، سيصيب أكثر من 100 مليون شخص حول العالم.
بعد فترةٍ وجيزةٍ من انتشار الفيروس في كافة أنحاء المدينة التي يقطنها أكثر من 11 مليون شخص في يناير/كانون الثاني 2020، سرعان ما أغلق المسؤولون المحليون في ووهان سوق هوانان للمأكولات البحرية. ثم في فبراير/شباط من العام نفسه، أقرَّ مجلس الشعب الصيني حظراً على استهلاك الحيوانات البرية كغذاء، بحسب تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
مراجعة القانون.. ولكن
أعقبت هذه الخطوة خططٌ لمراجعة قانون حماية الحياة البرية في الصين، ولتعديل قانون الوقاية من الأوبئة الحيوانية، ولإدراج قانون للأمن الحيوي، وكلُّ هذا كان جزءاً من جهود بكين لمنع الأمراض الحيوانية الأخرى من الانتقال من الحيوانات إلى البشر في المستقبل.
كان للحظر المؤقَّت لأكل الحيوانات البرية بعض التأثير الفوري على أسواق ومزارع الحيوانات البرية في الصين، وهي صناعةٌ مُربِحةٌ تبلغ قيمتها أكثر من 17 مليار دولار سنوياً، وفقاً لتقريرٍ نشره معهد بروكينغز في يناير/كانون الثاني الماضي. ويعني الحظر أن استهلاك الحيوانات البرية كمصدرٍ للغذاء سيصبح شيئاً من الماضي في أجزاءٍ من الصين.
وقال جاي فانغ من مؤسَّسة المستهلكين الخضر في تايوان: "لا توجد فرصٌ كبيرة للأشخاص الذين يريدون تناول الحيوانات البرية كمصدرٍ للغذاء في أجزاءٍ كثيرة من الصين". وأضاف: "أعتقد أن المواطنين العاديين في الصين أصبحوا الآن أكثر وعياً بتأثير الحظر الذي فرضته الحكومة الصينية العام الماضي".
ووفقاً لفانغ، فقد جَعَلَ الحظر من المستحيل تقريباً على البائعين بيع الحيوانات البرية في الأسواق في جميع أنحاء الصين. ووفقاً لصحيفة The Independent البريطانية، فإنه "حتى إذا كان بعض الناس لا يزالون يحاولون شراء الحيوانات البرية بطريقةٍ غير مشروعة، فمن الصعب الآن على تجارة الحيوانات البرية أن تعود إلى النطاق الذي كانت عليه قبل الجائحة".
وأضافت الصحيفة: "لقد علَّمَت الجائحة السلطات الصينية درساً صعباً حقاً، وكفوا عن التسامح إزاء تجارة الحيوانات البرية واستهلاكها كغذاء. ومع ذلك، بينما تحرَّكَت بكين بسرعةٍ لفرض الحظر على استهلاك الحيوانات البرية كغذاء، فإنها لم تعالج المشكلات الهيكلية الكامنة وراء النظام الكامل لتجارة الحياة البرية".
ووفقاً لمنظمة ACTAsia غير الربحية، التي تعمل على إحداث تغييرٍ اجتماعي مستدام في الصين، فإن سلسلة الإجراءات التي أُدخِلَت منذ فبراير/شباط 2020، لحظر استهلاك الحيوانات البرية والتجارة غير المشروعة فيها، شابتها العديد من الثغرات التي قد تؤدِّي إلى جائحةٍ أخرى تنجم عن مرض حيواني المنشأ في المستقبل.
وفي حين حُظِرَ استهلاك بعض الحيوانات، مثل الطاووس الأزرق، لا يزال يُسمَح للناس بالمتاجرة به للترفيه أو لأغراضٍ أخرى.
ثغرات في القانون.. كيف استغلها الصينيون؟
قالت بي سو، مؤسِّسة منظمة ACTAsia: "بصرف النظر عن منع الناس في الصين من تناول أنواع معينة من الحيوانات البرية، فإن اللوائح والتعديلات الجديدة التي أُدخِلَت العام الماضي لا تزال تسمح بتربية الحيوانات البرية والاتجار بها لأغراضٍ أخرى، بما في ذلك الحصول على الفراء أو الأدوية أو الترفيه".
وأوضح فانغ أنه "بموجب القانون لا يزال من الممكن استهلاك الضفادع والثعابين كغذاء أو تربيتها لأغراضٍ تجارية". وأضاف: "الاختلاف الوحيد قبل وبعد الجائحة هو أن بعض الأنواع قد اختفت من السوق كمصدرٍ للغذاء".
وتشير سو إلى أنه في حين أن القانون الحالي يحظر على الصينيين تناول أنواع معينة من الحيوانات البرية، مثل البنغول والزباد والخفافيش والنمور وحيوانات برية أخرى، لا يزال من الممكن تربيتها للأغراض الأخرى المسموح بها بموجب القواعد الجديدة.
وقالت: "يعتقد الكثير من الناس أن قانون حماية الحيوانات البرية المُحدَّث قد حظر جميع أشكال التجارة غير المشروعة في هذه الحيوانات، ولكن العديد من الحيوانات قد أُعيدَ تصنيفها باعتبارها "ماشية" أو "حيوانات برية مائية"، حيث يُسمَح بتربيتها والاتجار بها لأغراضٍ أخرى.
وقالت سو إن حيواناتٍ مثل المنك أُعيدَ تصنيفها على أنها "ماشية" في الصين، مِمَّا يسمح بإعفائها من قانون حماية الحيوانات البرية والحظر المُعلَن في فبراير/شباط 2020. وبالإضافة إلى ذلك، صُنِّفَت الضفادع باعتبارها "حيواناتٍ برية مائية"، مِمَّا يسمح للبائعين بمواصلة بيعها في الأسواق في جميع أنحاء الصين.
وأضافت: "غالباً ما تبدو قوانين الصين شاملة للغاية في مظهرها، لكن في الواقع هناك الكثير من الأبواب الخلفية لاستمرار الأنشطة غير المشروعة".
وفي تقرير معهد بروكنغز، سلَّطَت فاندا فيلباب براون، مديرة مبادرة الفاعلين غير الحكوميين في المعهد، الضوء على مثال على وجود غموض في اللوائح الحالية يجعل الحيوانات البرية تظلُّ عرضةً للتربية التجارية أو الاستغلال في الصين.
وكتبت: "رغم أن معظم الطب الصيني التقليدي لا يستخدم أعضاء الحيوانات البرية، فاقمت المنتجات من انهيار الأنواع البرية في جميع أنحاء العالم من خلال التجارة غير المشروعة أو الصيد الجائر".
وأضافت: "الممارسات غير الصحية في مزارع الحيوانات البرية للطب الصيني التقليدي تنتج مخاطر مماثلة للإصابة بالأمراض حيوانية المنشأ، ما لم تُحسَّن الممارسات البيطرية وأساليب الجزارة".