في 25 يناير/كانون الثاني 2021، ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطاباً في النسخة الإلكترونية من مؤتمر دافوس للمنتدى الاقتصادي العالمي بعنوان نبيل: "دعوا شعلة التعددية تضيء طريق الإنسانية إلى الأمام". وهو خطاب مهم، ليس لأنه قدم اكتشافات جديدة حول تفكير الرئيس الصيني أو طموحات بلاده، ولكن لأنه قدَّم ملخصاً مفيداً للطريقة التي ترغب الصين في أن يراها الآخرون بها.
ومع أن جزءاً كبيراً من خطاب شي قد يكون صادقاً تماماً، إلا أن الطبيعة العلنية في أدائه وكذلك بعض التناقضات الواضحة تشيران إلى وجوب قراءته بعين حذرة وناقدة، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية. كيف ينبغي تفسير خطاب شي، وكيف ينبغي أن تستجيب الدول الأخرى؟
خطاب يجب التوقف عنده مع صعود الصين نحو القمة في 2021
تحاول جميع القوى العظمى كسب الدعم وتقليل المعارضة، عن طريق تقديم نفسها في ضوء إيجابي. والصين في عهد شي جين بينغ ليست استثناءً. بذل شي جهوداً كبيرة لتصوير الصين باعتبارها قوة عظمى صاعدة لكنها خيِّرة تهتم بمصلحة البشرية. ودعا شي إلى تنسيق الاقتصاد الكلي، من أجل "التعزيز المشترك لنمو قوي ومستدام ومتوازن وشامل للاقتصاد العالمي".
وبالطبع يتزامن خطاب شي للعالم مع دخول الاقتصاد الصيني العام الجديد كأكبر اقتصاد في العالم، وفي الوقت الذي كانت فيه كثير من الدول حول العالم تتسابق لمنع إصابات كورونا من عرقلة التعافي الهش من الركود الاقتصادي الناجم عن الجائحة، استعاد الاقتصاد الصيني نشاطه المعتاد وأنهى عام 2020 بقوةٍ تفوق أي وقتٍ مضى.
ويتفاخر شي بأن الاقتصاد الصيني هو القوة العالمية الوحيدة التي تمكنت من الإفلات من الركود في 2020 بعدما فرضت جائحة كورنا على العالم الدخول في إغلاق وعرقلت الأعمال.
وبالعودة إلى خطابه، كرر شي دعوة الصين المألوفة إلى "التخلي عن التحيز الأيديولوجي، وانتهاج سبيل التعايش السلمي والمنفعة المتبادلة والتعاون المربح للجانبين". وقال: "لا توجد ورقتا شجرٍ متطابقتان في العالم"، وأكد أن "كل بلد فريد من نوعه" و"لا فضل لبلدٍ على آخر". لذا، بدلاً من الحكم على الأنظمة الاجتماعية وفقاً لمجموعة من القيم العالمية، "أفضل المعايير هي ما إذا كان تاريخ البلد وثقافته ونظامه الاجتماعي تتناسب مع وضعه الخاص، وتصب في تحقيق الاستقرار السياسي والتقدم الاجتماعي وحياة أفضل".
كما حرص شي على التواصل مع الجنوب العالمي، واصفاً الصين بأنها "عضو ثابت في مجموعة البلدان النامية". ودعا إلى سد "الفجوة بين البلدان المتقدمة والنامية"، وقال إن البلدان "يجب أن تتكاتف لمواجهة التحديات العالمية وتخلق معاً مستقبلاً أفضل للبشرية". وأشار شي إلى تعدد الأطراف فيما لا يقل عن اثنتي عشرة مرة (من ضمنها عنوان الخطاب نفسه)، وقال إن دول العالم يجب أن "تظل ملتزمة بالانفتاح" و"ترفض عقلية الحرب الباردة واللعبة الصفرية التي عفى عليه الزمن"، و"تقول لا للسياسات الضيقة الأفق الأنانية"، وتعارض الجهود الرامية إلى" رفض أو تهديد أو ترهيب الآخرين [أو] لفرض الفصل أو تعطيل الإمدادات أو فرض العقوبات".
تحليل خطاب الرئيس الصيني من وجهة النظر الأمريكية
يقول ستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، في تحليل بمجلة فورين بوليسي، إنه يجب أن يُنظر إلى تصريحات الرئيس الصيني، بشك كبير، بالطبع. فإشارته إلى أن الدول يجب أن تمتنع عن تهديد أو ترهيب الآخرين تتعارض مع سلوك الصين على حدودها مع الهند، أو مع جهودها لمعاقبة أستراليا لاقتراحها إجراء تحقيق دولي مستقل في أصول فيروس كورونا، أو حملتها المستمرة لترهيب تايوان.
ودعوته إلى "الالتزام بالقانون الدولي والقواعد الدولية بدلاً من السعي وراء التفوق"، تبدو جوفاء في ضوء السلوك الصيني ببحر الصين الجنوبي، وضمن ذلك رفضها العلني لحكم محكمة التحكيم الدائمة لعام 2016 بأن المطالبات الصينية الإقليمية لا أساس لها.
كما أن رغبته في تعزيز منظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة العالمية مرحبٌ بها بالطبع، لكن أفعال الصين السابقة مسؤولة جزئياً على الأقل عن تآكل شرعيتها (مع أن إدارة ترامب تتحمل قدراً كبيراً من اللوم أيضاً). والتزامه الخطابي بـ"الانفتاح" لا ينطبق على مجال المعلومات؛ فلم يُلمح إلى أنه يخطط لتفكيك "جدار الحماية العظيم" أو إزالة القيود والتهديدات المتزايدة للصحفيين الأجانب. كما أن الصين لا تحترم السيادة أو التنوع كما يقول شي، ويتضح ذلك من تدخلها في البلدان الأخرى وجهودها للقضاء على ثقافة الإيغور داخل الصين.
يضيف والت: "لكي أكون واضحاً، أنا لا أقول إن الخطاب لم يكن أكثر من تمرين دعائي، أو أن كل ما قاله شي كان مخادعاً. بدلاً من ذلك، أقترح أن شي كان يتصرف مثل قادة العالم الآخرين ويسعى لتقديم مصالح بلاده في ضوء أكثر جاذبية".
رغم اختلاف المحتوى، فإن الرسالة كانت مشابهة لرسالة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، الذي ادعى أن أمريكا ستستخدم قوتها الهائلة "في تشكيل العالم… لمصلحة ليس فقط الولايات المتحدة ولكن جميع الدول"، أو إعلان الرئيس الأسبق باراك أوباما أن "أمريكا قادت العالم في بناء بنية للحفاظ على السلام، وآليات تسيطر على اندلاع الحروب، ومعاهدات لحماية حقوق الإنسان، ومنع الإبادة الجماعية، وتقييد الأسلحة الأكثر خطورة". كما لاحظ المؤرخ إي. إتش. كار ذات مرة، أن "الشعوب الناطقة بالإنجليزية أساتذة متمرسون في فن إخفاء مصالحهم الوطنية الأنانية تحت ستار الصالح العام". لكن هذا التوجه لا يقتصر على الشعوب الناطقة بالإنجليزية.
كيف سترد واشنطن على خطاب الرئيس الصيني "النبيل"؟
يقول والت: "يجب على الولايات المتحدة ألا ترفض هذا الخطاب باعتباره مجرد دعاية لا معنى لها تهدف إلى خداع الجمهور وإخفاء أهداف الصين الحقيقية. القيام بذلك يعني تجاهل احتمال أن الصين تريد حقاً تعاوناً يحقق تبادل المنفعة في عدد من المجالات المهمة، حتى في الوقت الذي تسعى فيه أيضاً جاهدة لتحقيق أفضلية دائمة بمجالات أخرى. في الوقت نفسه، لا ينبغي أن تمر التناقضات في الخطاب دون إشارة إليها، ويجب على الدبلوماسيين الأمريكيين تذكير نظرائهم الأجانب بالطرق التي لا ترقى بها تصرفات الصين إلى خطاب شي النبيل".
والأهم من ذلك كله، أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن ترد بطرق تجعل بكين تبدو كأنها أكثر عقلانية ورشاقة من واشنطن، أو تجعل الأمريكيين يبدون منعزلين، وغير حساسين، وغير متسامحين، وخائفين، وأنانيين. كان هذا هو نهج الرئيس السابق دونالد ترامب ونائبه مايك بنس للدبلوماسية الدولية، وقد تسبب في أضرار لا توصف. تشعر الدول الآسيوية بالقلق بشكل خاص من الوقوع في فخ المنافسة الصينية الأمريكية المتصاعدة، وسوف تنأى بنفسها عن أي قوة عظمى، تعتقد أنها المسؤولة الأكبر عن زعزعة السلام في المنطقة.