قبل أن يغادر دونالد ترامب البيت الأبيض قرر تصنيف جماعة الحوثي في اليمن منظمة إرهابية، فهل يبقى بايدن على هذا القرار في ضوء عرقلة الحوثيين لعملية التسوية باليمن وهجماتهم على السعودية، أم يلغيه بسبب المخاوف من تأثيره على فرص إنهاء الحرب، بخلاف تداعياته الإنسانية.
وجاء قرار إدارة ترامب مع استمرار الحوثيين في عرقلة التسوية باليمن ومماطلتهم في الانخراط مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً، وسط تكهنات بأن مواقف الحوثيين ترتبط بالصراع الإيراني مع السعودية، كما صعد الحوثيون أعمالهم العسكرية بعد الإعلان عن فوز بايدن، فيما نًظر له على أنه رسالة بأنهم الأقوى على الأرض، لقدرتهم على ضرب أهداف في العمق السعودي، وبالتالي الحصول على مكاسب سياسية في أي مشاورات مقبلة قد تضغط الإدارة الأمريكية المقبلة لإجرائها، بغرض إنهاء الحرب.
قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جاء على لسان وزير خارجيته مايك بومبيو، الأحد 10 يناير/كانون الثاني، أي قبل 10 أيام من تولي الرئيس الحالي جو بايدن المسؤوليه، حين أعلن بومبيو أن الخارجية ستُخطر الكونغرس بنيته تصنيف جماعة الحوثي اليمنية منظمة إرهابية أجنبية، وهو القرار الذي كان يفترض أن يصدق عليه الكونغرس يوم 19 يناير/كانون الثاني قبل أن تنضم جماعة الحوثي إلى القائمة الأمريكية السوداء، أي قبل يوم واحد من تنصيب بايدن.
ولكن بعد تولي بايدن السلطة وتحديداً، يوم الجمعة 22 يناير/كانون الثاني قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لشبكة CNN إن وزير الخارجية المرشح أنطوني بلينكن قد أصدر بالفعل تعليمات بشأن "إجراء مراجعة لقرار تصنيف جماعة أنصار الله الحوثية منظمة إرهابية"، وهو أسرع تحرك من الإدارة الجديدة بشأن واحد من أكثر قرارات اللحظة الأخيرة لبومبيو تأثيراً على مسار الحرب في اليمن.
وخلال جلسة التصديق على ترشيحه وزيراً للخارجية في مجلس الشيوخ، كان بلينكن مباشراً في انتقاده لقرار سلفه بومبيو، حيث عبر عن "قلقه العميق بشأن التصنيف الذي تم إقراره لعدة أسباب من وجهة نظره، أبرزها أنه من حيث الشكل لا يبدو أن القرار يحقق أي شيء على الإطلاق وخصوصاً في تعزيز الجهود لمواجهة الحوثيين وإعادتهم إلى طاولة المفاوضات، وفي الوقت نفسه جعل القرار توفير المساعدات الإنسانية للمدنيين في اليمن أكثر صعوبة رغم أنه كان صعباً في الأصل". وأخبر بلينكن أعضاء مجلس الشيوخ أنه سيقترح مراجعة القرار "على الفور".
وأخبر المتحدث باسم الخارجية CNN أن الوزارة "لن تناقش أو تعلق لوسائل الإعلام على السجالات الداخلية الخاصة بعملية مراجعة القرار"، مضيفاً أن "الأزمة الإنسانية الخانقة في اليمن تجبرهم على العمل بأسرع ما يمكن لإتمام عملية المراجعة والتوصل لقرار".
وبينما قد ينظر للخطوة أنها وسيلة ضغط على الحوثيين للتقدم في التسوية المأمولة في البلاد، فإنها في المقابل قد تدفعهم إلى قطع محادثات عبر قنوات خلفية تجرى مع السعودية بشأن وقف إطلاق النار على مستوى البلاد.
والخطوة أيضاً قد تؤدي إلى تصعيد في العنف وتقرّب الحوثيين أكثر من إيران التي أرسلت سفيراً إلى صنعاء في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
موقف المنظمات الإنسانية
وانتقدت عدد من الهيئات والمنظمات الإنسانية والأممية العاملة في اليمن قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية خوفاً من تداعيته الإنسانية في وقت يواجه اليمنيون خطر مجاعة غير مسبوقة بالفعل وتواجه عمليات توصيل المساعدات الإنسانية صعوبات لوجستية ومالية متنوعة، وتبعات القرار الأمريكي قد تزيد هذا الوضع سوءاً.
وكان مشرّعون أمريكيون من الحزب الديمقراطي قد أخبروا بومبيو بالفعل أن الإقدام على تلك الخطوة قد يقوّض أعمال الإغاثة الإنسانية، وكذلك الجهود الرامية للتوصل إلى حل سلمي في اليمن، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
كما رصدت وكالة رويترز للأنباء تداعيات قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية وأولها يتعلق بتأثير القرار على جهود السلام، إذ تحاول الأمم المتحدة استئناف المحادثات السياسية لإنهاء الحرب بين الحوثيين والتحالف بقيادة السعودية، وقد يتسبب هذا التصنيف في معوقات قانونية لإشراك الحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وأغلب المراكز الحضرية الكبرى.
ورغم أن بومبيو قال إن الولايات المتحدة تعتزم وضع إجراءات لتقليل أثر التصنيف على أنشطة إنسانية محددة وواردات إمدادات مثل الغذاء والدواء إلى اليمن، فإن المنظمات الإغاثية التي تتولى توصيل المساعدات لليمنيين قد عبَّرت عن قلقها من تأثيرات القرار على عملها.
إذ تسببت الحرب الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات في اعتماد نحو 80% من سكان اليمن على المساعدات، ودفعت الملايين إلى حافة المجاعة، ومع نقص التمويل هذا العام، حذَّرت الأمم المتحدة من أن اليمن يواجه ما قد تكون أكبر مجاعة في العالم منذ عقود.
كما تخشى منظمات الإغاثة أن يؤدي التصنيف إلى تجريم عملها في البلاد، إذ إن الحوثيين هم السلطة الفعلية في الشمال ويتعين على المنظمات الإنسانية الحصول على تصاريح منهم لتنفيذ برامج المساعدات، إضافة إلى العمل مع الوزارات والأنظمة المالية المحلية. وقد يؤثر التصنيف أيضاً، مع زيادة العبء على البنوك في ما يتعلق بآليات الانصياع للقرارات، على قدرة اليمنيين على الوصول للأنظمة المالية والتحويلات من الخارج، إضافة إلى تعقيد إجراءات الواردات ورفع أسعار السلع أكثر.
قرار مطروح منذ تولي ترامب السلطة
اللافت هنا أن قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية من جانب الإدارة الأمريكية ظل مطروحاً على طاولة السياسة الخارجية الأمريكية منذ تولي ترامب المسؤولية قبل أربع سنوات، وكان واضحاً أن سلبيات القرار تفوق إيجابياته، وهو ما فسر عدم إقدام ترامب وبومبيو على تفعيله طوال أربع سنوات.
وكان معهد بروكينجز للسياسات قد نشر تقريراً بعنوان "خطأ تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية" أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أي بعد أن ظهرت خسارة ترامب وفوز بايدن، حذر فيه من التداعيات السلبية للقرار، وحذر من أن ترامب الذي كان أول قراراته في السياسة الخارجية التصريح بهجوم لمشاة البحرية الأمريكية في اليمن أدى لمقتل عديد من المدنيين اليمنيين بينهم عشر أطفال إضافة إلى جندي أمريكي، يجب ألا يكون آخر قراراته تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية.
لكن ترامب أقدم على الخطوة بالفعل قبل أن يغادر البيت الأبيض ليجعل مهمة بايدن في إيجاد تسوية سلمية للحرب الكارثية في اليمن والتي بدأت عندما كان نائباً لأوباما، أكثر تعقيداً، وهو ما يؤكد حتمية إصلاح ذلك الخطأ بأسرع ما يمكن قبل أن تتفاقم الآثار المترتبة عليه.
ونشرت مجلة The National Interest الأمريكية أيضا تقريراً يحمل نفس المعنى "لماذا كان تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية خطأ؟"، رصد أهمية أن تعثر إدارة بايدن على طريقة ما لإصلاح الفوضى التي يشهدها اليمن وتوصيل المساعدات الإنسانية التي يحتاجها اليمنيون بشكل يائس.
الهدف من هذا القرار وتداعياته
قرار بومبيو الهدف منه هو زيادة الضغوط على الحوثيين عن طريق الحد من قدرتهم على الحصول على التمويل والشبكات المالية، لكن هذه الضغوط قد تأتي بنتائج عكسية، كما حدث في قرار ترامب الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني وممارسة حملة الضغط القصوى على طهران بغرض إعادتها إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى بموجب شروط ترامب.
وهو ما يخشى الخبراء من حدوثه أيضاً في حالة الحوثيين الذين يسيطرون بالفعل على شمال اليمن ولم تنجح الحرب التي شنها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات وبدعم أمريكي والمستمرة منذ نحو ست سنوات في إعادة الحكومة الشرعية التي انقلب عليها الحوثيون عام 2014 إلى العاصمة صنعاء.
ومع اختفاء احتمال حسم الحرب عسكرياً لا يتبقى سوى جهود التوصل لتسوية سلمية هناك توقف النزيف الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من المدنيين وملايين المشردين الذين يواجهون خطر المجاعة، وبالتالي فإن قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية لا يخدم أي من الهدفين – وهو ما عبر بلينكن بالفعل – ويظل السؤال متى يتم تراجع إدارة بايدن عن القرار الخاطئ؟ وكيف سيكون رد فعل الحوثيين الذين جعلهم قرار التصنيف في موقف أقوى، بحسب المراقبين، في حالة التراجع عنه من جانب واشنطن؟
وفي هذا السياق يعتبر القرار واحداً من أبرز الأخطاء التي ارتكبتها إدارة ترامب في أيامها الأخيرة، ويرى البعض أنه خطأ "متعمد" الهدف منه وضع مزيد من العراقيل أمام إدارة بايدن الذي اتخذ بالفعل 17 قراراً رئاسياً في يومه الأول في البيت الأبيض ألغت كثير من قرارات ترامب المتعلقة بالهجرة والانسحاب من معاهدات دولية، فمتى تتراجع الإدارة عن قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية؟