يرى بعض الخبراء أن الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يساعد الأطباء النفسيين يوماً ما في تشخيص الأمراض والمشكلات النفسية. ونشرت مجلة JAMA Psychiatry دراسة جديدة أوضحت فيها استخدام التعلم الآلي إلى جانب الأطباء البشريين للتنبؤ بـ الأمراض النفسية بنجاح، بما في ذلك الذهان.
وبحسب تقرير لموقع LifeWire الأمريكي، تعد هذه الدراسة الخطوة الأخيرة ضمن مجموعة من الجهود المبذولة لاستخدام الذكاء الاصطناعي لتشخيص بعض الأمراض؛ من كوفيد-19 إلى سرطان الثدي.
يقول دكتور نيكولاوس كوتسوليريس، من معهد ماكس بلانك للطب النفسي في ميونخ بألمانيا، في بيان صحفي: "لقد ساعدتنا الخوارزمية على تحسين قدراتنا في الوقاية من الذهان، لا سيما في المرضى صغار السن الأكثر عرضة للإصابة أو مَن يعانون من اكتئاب ناشئ، وساعدتنا أيضاً على التدخل بأسلوب أكثر دقة في تحديد الهدف وفي الوقت المناسب".
الذكاء الاصطناعي يهزم البشر في تشخيص الأمراض النفسية، كيف ذلك؟
استخدم الباحثون برنامج التعلم الآلي NeuroMiner لتطوير خوارزمية يمكنها توقع الأمراض النفسية. ودرس الباحثون 668 فرداً، وتوصلت الدراسة إلى قدرة الأطباء البشريين على تشخيص الأمراض النفسية بنسبة 73%، بينما نجحت الخوارزمية في تشخيص 76% من الحالات.
غير أن أحد الخبراء يشكك في نتائج دراسة JAMA. إذ يرى ستيفن تي سي وونغ، الحاصل على الدكتوراه وأستاذ علوم الحاسب وطب الأنظمة والهندسة الحيوية في قسم علم الأورام بمعهد بحوث هيوستن ميثوديست، أن مراجعة الدراسة "لم تكن مقنعة أو قوية".
وذكر أن حجم العينة في الدراسة صغير، وأن هناك عدداً كبيراً من المتغيرات التي كان ينبغي وضعها في الحسبان. وقال أيضاً: "لا يوجد تعريف سريري واضح للذهان في أغلب الأحيان مقارنة بأمراض أخرى مثل السرطان أو الخرف".
ولكن وونغ كان متفائلاً أيضاً من إمكانية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تشخيص اضطرابات الصحة النفسية. وقال: "الفكرة أن يكون لديك معيار ذهبي محدد بوضوح لمقارنة النتائج في تجربة مصممة جيداً لتجنب أي تحيز أو ملاءمة زائدة في العينة، وتسمح بالتحقق المستقل".
قدرات الذكاء الاصطناعي على التشخيص تشهد تطوراً سريعاً
في مقابلة عبر البريد الإلكتروني، قالت دكتور جوديث فيلد، المديرة الطبية الوطنية لشركة Ontrak للرعاية الصحية عبر الذكاء الاصطناعي إن البحوث المتعلقة بالصحة النفسية والذكاء الاصطناعي انفجرت منذ عام 2015. ولكنها أشارت إلى أن الأطباء النفسيين وغيرهم من المتخصصين في الصحة العقلية/الصحة السلوكية يواصلون استخدام الدليل الإحصائي التشخيصي (DSM)، الذي يحدد الأمراض النفسية، لإرشادهم في اتخاذ القرارات التشخيصية.
وأضافت فيلد: "من الممكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي بشكل هائل في تسريع هذا النهج متعدد الأبعاد في فهم الاضطرابات النفسية مع استمرار تطوّر العلم بالتوازي".
وأكد الدكتور نيراف آر شاه، المدير الطبي لشركة الرعاية الصحية الرقمية doc.ai، أن مساهمة الذكاء الاصطناعي في القطاع الطبي تشهد تطوراً سريعاً. وقال في مقابلة عبر البريد الإلكتروني: "الذكاء الاصطناعي لديه قدرة عظيمة على تحديد الأنماط وسط مجموعة كبيرة من البيانات بطرق لا يمكن للطبيب البشري أن يفعلها بمفرده، ولقد رأينا العديد من الحالات التي يعزز فيها الذكاء الاصطناعي من القدرات السريرية للطبيب في مختلف الحالات".
وأضاف: "يمكننا اعتبار الذكاء الاصطناعي امتداداً لحواسّنا؛ مثل رؤية الذكاء الاصطناعي التي تساعد أخصائي الأشعة التشخيصية في قراءة فحوصات الأشعة المقطعية، أو أنظمة معالجة اللغة الطبيعية بالذكاء الاصطناعي التي تساعد على استخراج المعلومات من النصوص كبيرة الحجم".
هل يكون الذكاء الاصطناعي بديلاً للعاملين البشريين في الصحة النفسية؟
وذكر سام نبيل، مؤسس Naya Clinics، أن الشبكات العصبية الصناعية الحالية تعمل بمعدلات دقة تفوق اختصاصي الأشعة في بعض المهام مثل قراءة تصوير الثدي الشعاعي (ماموغرام) لفحص سرطان الثدي.
وقال: "في المستقبل، من المرجح أن يسيطر تحليل التنبؤ الطبي بالذكاء الاصطناعي على التشخيص والكشف المبكر عن تطور أمراض التمثيل الغذائي".
ويتوقع شاه أن الذكاء الاصطناعي لن يكون بديلاً للعاملين البشريين في قطاع الصحة النفسية بشكل كامل. وقال: "سيظل المرضى بحاجة إلى التعاطف والتراحم والإبداع وإظهار القدرة على الفهم، الأمور التي لا يمكن تقديمها سوى عن طريق مقدم رعاية بشري".
وأضاف شاه: "يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي بمثابة امتداد لفريق الرعاية، يساعد الأطباء والتمريض والمعالجين والأخصائيين الاجتماعيين في مجموعة مختلفة من المهام صُمم الذكاء الاصطناعي من أجلها".
سيزداد استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص أمراض الصحة النفسية مع توسع البحوث في هذا المجال المثير، ولكن ستظل اللمسة البشرية دائماً مطلوبة وضرورية لتشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية والعقلية.