يخوض زعيم حزب "الليكود" اليميني، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معركة انتخابية مُعقّدة غير واضحة المعالم، جراء الانقسام الذي ضرب معسكر اليمين الذي يتزعمه؛ وفي ذات الوقت، مدفوعاً بمخاوفه من دخول السجن في حال فشله بتشكيل الحكومة القادمة.
فشل متلاحق ولا هدايا أمريكية لنتنياهو هذه المرة
رغم أن حزب نتنياهو "الليكود" يتربع على قائمة الأحزاب المتوقع فوزها في الانتخابات الإسرائيلية التي تُجرى للمرة الرابعة في غضون عامين؛ والمقررة في مارس/آذار المقبل، فإن فرص تشكيله للحكومة القادمة ما زالت محل شك وجدل.
وسيجد "الليكود" نفسه في منافسة حادة مع حزب "أمل جديد" اليميني الذي أسسه القيادي السابق بالحزب جدعون ساعر، وتحالف "يمينا" اليميني الذي يقوده وزير الدفاع السابق نفتالي بينيت. وسيُضفي هذا الصراع بين الأحزاب اليمينية، بعداً جديداً على الانتخابات المقبلة.
ولم يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة إثر الانتخابات التي جرت في أبريل/نيسان 2019، ثم في سبتمبر/أيلول من نفس العام، قبل أن ينجح بصعوبة في تشكيل حكومة في مايو/أيار 2020، ما لبثت أن انهارت.
وخلافاً للانتخابات السابقة، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيكون قد غادر البيت الأبيض قبيل الانتخابات القادمة في إسرائيل في 23 مارس المقبل.
وكان ترامب يستبق كل عملية انتخابية في إسرائيل، بمنح "إنجازات" وهدايا لنتنياهو، بهدف دعمه، بدءاً من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومروراً بشرعنة الاستيطان بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وصولاً إلى الاعتراف بسيادة إسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
هل يلحق نتنياهو بترامب؟
ليس ثمّة توقعات إسرائيلية بأن يحصل نتنياهو من الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن على ما كان يحصل عليه من ترامب. وفي مظاهرات أسبوعية مناهضة لنتنياهو قبالة مقر إقامته بالقدس الغربية، دخلت في الأسابيع القليلة الماضية لافتات جديدة تُعبّر عن الأمل بأن يكون مصير نتنياهو هو ذات مصير ترامب الذي خسر الانتخابات الأمريكية لولاية رئاسية ثانية.
ولكنْ، في حين عزا خبراء أمريكيون خسارة ترامب للانتخابات، بتجاهله لمخاطر فيروس كورونا الجديد، فإن نتنياهو يحاول إظهار نفسه على أنه بطل القضاء على هذا الوباء.
ووعد نتنياهو بأن تعود إسرائيل إلى الحياة الطبيعية في مارس وهو الشهر الذي ستجري فيه الانتخابات، ووعد أنه حتى ذلك الموعد، ستكون غالبية السكان قد تلقوا التطعيم المضاد للفيروس، عازياً الفضل في جلب اللقاح، إلى شخصه.
نتنياهو يحاول تفكيك قوائم وأحزاب خصومه
ويُشير محللون إسرائيليون إلى أن نتنياهو يريد أن يكرر مع القائمة المشتركة (تحالف 4 أحزاب عربية) والأحزاب اليمينية المعارضة ما كان فعله في الانتخابات الماضية مع تحالف "أزرق أبيض".
وكان نتنياهو قد نجح في استمالة مؤسس حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس، وشكّل معه حكومة في مايو/أيار 2020، ما أدى إلى انشقاق الحزب وانفصال شريكه يائير لابيد، الذي يقود حالياً حزب "هناك مستقبل".
وتتوقع استطلاعات الرأي العام في إسرائيل، حصول حزب "أزرق أبيض" بزعامة غانتس، على ما بين 4 إلى 5 مقاعد في البرلمان القادم المؤلف من 120 مقعداً، بعد أن كان يمتلك 17 مقعداً.
ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الأسبوع الماضي، رسماً كاريكاتيرياً لنتنياهو، متوجهاً على ظهر جرافة إلى القائمة العربية المشتركة، بغرض تدميرها، بعد أن دمر حزب "أزرق أبيض".
ويرى المراقبون أن استراتيجية نتنياهو للانتخابات القادمة، تُركز على تفكيك القائمة المشتركة (العربية)، لإضعافها وضرب أحزاب اليمين الإسرائيلي لتحقيق مصالحه. ففي الأيام الأخيرة، قام نتنياهو بزيارة، احتج عليها المئات من فلسطينيي الداخل، إلى مدينة الناصرة (شمال) وعقد لقاءً مع رؤساء بلديات عرب، قاطعه عدد من رؤساء السلطات المحلية.
وأعلن نتنياهو، خلال اللقاء الذي عُقد الأحد عبر تقنية الاتصال المرئي، أن حكومته ستُقر خطة لمواجهة العنف في المجتمع العربي، وسيخصص الميزانيات لهذه الغاية.
تعليقاً على الزيارة، تقول عايدة توما سليمان، المشرّعة البارزة في القائمة العربية المشتركة لصحيفة The Washington Post الأمريكية: "جاء نتنياهو مثل لصّ، ليحاول حشد أصوات الشارع العربي لصالحه. ونحن نقول له: إن محاولتك لتفكيك مجتمعنا من الداخل لن تنجح".
نتنياهو يتودد للناخبين العرب بعد تحريضه عليهم لسنوات طويلة
ويسعى نتنياهو الذي أمضى معظم حياته المهنية الطويلة في تصوير العرب على أنهم طابور خامس محتمل يقوده شخصيات متعاطفة مع من يراهم إرهابيين، يسعى الآن علناً إلى نيل دعمهم في الانتخابات.
وتقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، مع ذلك، فإن قلة قليلة من الأصوات العربية هي التي من المرجح أن تستجيب لدعوته، استناداً إلى معرفتهم اليائسة بتحولات نتنياهو وألاعيبه السياسية. غير أن الغياب النسبي للتحريض ضد الأقلية العربية في هذه الحملة والانهيار المحتمل لتحالف الأحزاب العربية قد يفضي إلى ضعف الإقبال، لصالح نتنياهو، أو حتى حصوله على بعض الأصوات التي تكفل الحسم لصالحه في انتخابات متأرجحة بفوارق طفيفة.
من جهته، يقول النائب العربي بالكنيست أحمد الطيبي إنه يستغرب "الحب المفاجئ" الذي يحاول نتنياهو، أن يدعيه للمواطنين العرب. وأشار الطيبي في تصريحات لوكالة الأناضول إلى أن نتنياهو "يحاول تحويلنا إلى أغبياء نعمل لصالحه".
واستذكر الطيبي الحملات التي خاضها نتنياهو ضد الأصوات العربية في الانتخابات التي جرت في السنوات الماضية، وتحريضه اليمين الإسرائيلي للتصويت، بعد أن قال إن المواطنين العرب يصلون في حافلات للإدلاء بأصواتهم.
وقال: "لقد حرّض نتنياهو ضد العرب – فقط لأنهم عرباً – في الانتخابات التي جرت عام 2015، وكرر تحريضه في العمليتين الانتخابيتين اللتين جرتا عام 2019، وأيضاً في الانتخابات التي جرت عام 2020".
وأضاف: "نتنياهو لم يُحرض فقط ضد القائمة المشتركة، وإنما حرّض ضد الصوت العربي، وبالتالي فإنه عندما يتحدث عن التودد إلى العرب الآن فإنه يكذب دون أن يهتز له جفن". وتابع الطيبي: "الحب المفاجئ الذي يدعيه نتنياهو الآن، هو حب مؤقت، سوف يختفي بعد الانتخابات".
وكان نتنياهو قد أعلن أنه ينوي ترشيح شخصية عربية، في مقعد مضمون على قائمة "الليكود" في الانتخابات الإسرائيلية القادمة. ولم يسبق أن طُلب من أي حزب عربي أو دُعي للانضمام إلى ائتلاف حاكم. ويُشكّل المواطنون العرب 20% من عدد السكان في إسرائيل الذي يزيد على 9 ملايين نسمة.
ويبدو أن تودد نتنياهو لأصوات الناخبين ذوي الأصول العربية قد دفع السياسيين الذين يميلون إلى الوسط واليسار إلى فعل الشيء نفسه. وقال زعيم المعارضة يائير لابيد، الخصم الرئيسي لنتنياهو من يسار الوسط، في عطلة نهاية الأسبوع إنه منفتح على تشكيل حكومة بدعم من القائمة العربية المشتركة.
صراع وانقسام في صفوف اليمين الإسرائيلي
لا تُشكل الأحزاب الوسطية واليسارية الإسرائيلية، خطراً على نتنياهو في الانتخابات القادمة، لكن رغبته بتشكيل الحكومة القادمة، أدت إلى صراع وانقسام في صفوف اليمين تصل ذروته في الانتخابات القادمة، كما تقول الصحافة الإسرائيلية.
وكان زعيم حزب "أمل جديد" جدعون ساعر، وزعيم تحالف "يمينا" وزير الدفاع السابق نفتالي بينيت، قد أعلنا أنهما يطمحان لتشكيل الحكومة الجديدة، فيما وقف زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان موقف المتفرج، مكتفياً بالإعلان عن أنه لن يدعم نتنياهو لرئاسة الحكومة.
ويقول الصحفي الإسرائيلي يوني بن مناحيم إن المنافسة بين الأحزاب اليمينية سوف تؤدي إلى انقسام في اليمين وإضعاف نتنياهو. ويضيف بن مناحيم، لوكالة الأناضول: "نتنياهو يطمح للحصول على ائتلاف من 61 مقعداً بالكنيست كي يتمكن لاحقاً من تمرير القانون الفرنسي، الذي يمنحه حصانة من المحاكمة طالما كان في منصبه".
وتابع بن مناحيم: "استطلاعات الرأي العام في إسرائيل تشير إلى صعوبة حصول نتنياهو على 61 مقعداً، إذ أعلن ساعر أنه لن ينضم إلى الحكومة وهو موقف ليبرمان".
وتنظر المحكمة المركزية الإسرائيلية بالقدس الشرقية في لائحة اتهام ضد نتنياهو، تشمل الرشوة والاحتيال وإساءة الأمانة. وقال بن مناحيم: "نتنياهو سيطلب من أي نائب ينضم إلى حكومته، التوقيع على إقرار بالتصويت لصالح مشاريع القوانين التي يقدمها الى الكنيست، وفي مقدمتها القانون الفرنسي الذي يمنحه حصانة من المحاكمة".
وأشار بن مناحيم إلى أن "أمل نتنياهو الوحيد منعقد على نفتالي بينيت، الذي من المرجح أن يبتزه قبل الانضمام إلى ائتلافه". ولدى نتنياهو دعم من حزبي "شاس" و"يهودوت هتوراه" اليمينيَين، قد يمكنه في حال أقنع "يمينا" الانضمام إلى ائتلافه، من تشكيل حكومة.
ولكن الصحفي بن مناحيم يشير إلى أن نتنياهو يخشى من إمكانية ائتلاف أحزاب المعارضة، بهدف منعه من تشكيل الحكومة. غير أن أحزاب المعارضة، مختلفة فيما بينها، ما بين أحزاب يمينية ووسطية ويسارية يهودية، وقائمة عربية، ما يجعل فُرص اتفاقها صعبة. وقال بن مناحيم: "صحيح أن هناك في إسرائيل من يتمنى لنتنياهو ذات مصير ترامب، ولكن ما زال من المبكر إطلاق الأحكام".