تحمل 32 طناً من القنابل النووية والتقليدية وتطير لـ14 ألف كم دون توقف.. قدرات مرعبة للقاذفة بي 52 التي لم تجد أمريكا لها بديلاً

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/18 الساعة 12:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/18 الساعة 14:52 بتوقيت غرينتش
القاذفة الأمريكي بي 52/ويكيبيديا

هل سمعت عن سلاح ظل يستخدم بعد قرن من تصنيعه، نعم القاذفة الأمريكية بي 52 تقترب من تحقيق ذلك.

فالقاذفة الأمريكية بي 52 التي قررت الولايات المتحدة إرسالها مؤخراً للشرق الأوسط كرسالة تحذير لإيران، دخلت الخدمة عام 1955، أي منذ 66 عاماً وسلاح الجوي الأمريكي واثق من أن طائرات B-52 ستظل صالحة للطيران حتى عام 2025 وربما لفترة أطول حتى 2040 أو للعقد الخامس من القرن الحادي والعشرين أي قد تستمر في التحليق والقصف لـ100عام أو قرن ينقص أو يزيد قليلاً.

ولكن كيف يمكن لطائرة حربية أن تحلق لهذه الفترة الطويلة رغم دخول قاذفتين أحدث في الخدمة الأمريكية، وما سر قوة وميزات القاذفة الأمريكية بي 52 التي تجعلها عابرة للعصور وتستمر في الخدمة كل هذا الوقت، حتى إنه يتوقع أن تستمر بعد تقاعد القاذفات الأحدث منها بي 1، وبي 2.

وهل تستطيع القاذفة الأمريكية بي 52، التي تعود لزمن لا يبعد كثيراً عن الحرب العالمية الثانية أن تمثل تهديداً حقيقياً لدولة مثل إيران لديها نظام إس 300 الروسي المضاد للطائرات؟

أقل من سرعة الصوت 

القاذفة بوينغ B-52 ستراتوفورتس المشهورة باسم بي 52 هي قاذفة استراتيجية أمريكية بعيدة المدى، تطير دون سرعة الصوت، وتعمل بالطاقة النفاثة. 

وتم تصميم وبناء الطائرة B-52 بواسطة شركة Boeing، والتي استمرت في تقديم الدعم والتحديثات لها وهي قادرة على حمل ما يصل إلى 70000 رطل (32 طناً) من الأسلحة ولديها نطاق قتالي نموذجي يبلغ أكثر من 8800 ميل (14080 كم) بدون التزود بالوقود الجوي.

تم تطوير القاذفة الثقيلة B-52 في الخمسينيات من القرن الماضي، وكانت الدعامة الأساسية للقوات الجوية الأمريكية لمدة 64 عاماً. 

والقاذفة الأمريكية بي 52 خدمت في فيتنام وعاصفة الصحراء والحرب على الإرهاب في كل من أفغانستان والعراق وسوريا، وكانت حجر الزاوية في الردع النووي الأمريكي خلال الحرب الباردة لعقود.

وبينما صُممت القاذفة في الأصل لحمل الأسلحة النووية (قنابل نووية) وتنفيذ عملية القصف الواسع المسمى (السجادة النيرانية)، فلقد بلغت درجة عمليتها وتكيفها إلى حد أنها تستخدم اليوم لقصف مخابئ طالبان وداعش بأسلحة ذكية وذخائر صغيرة تحاول تجنب المدنيين الذي يسكنون الأماكن المجاورة.

ويرجع الفضل في ذلك إلى التصميم القوي والمحافظ للطائرة B-52، والذي سمح بقدر أكبر من تحمل الإجهاد مقارنة بالطائرات ذات الأداء العالي. 

أيضاً لأن القوات الجوية الأمريكية استثمرت مليارات الدولارات في الحفاظ على صلاحية الطائرة B-52 للطيران وتحديثها.

حروب القاذفة الأمريكية بي 52

وخلال حرب فيتنام قدمت القاذفة بي 52 أروع ملاحمها وأيضاً ونفذت أبشع جرائمها، وعانت أسوأ مآسيها.

فخلال هذه الحرب فقدت القوات الجوية الأمريكية 31 طائرة B-52، ولكنها كانت قوة الأمريكيين الضاربة التي نفذت هجمات بطريقة سجادة النيران التي لا تفرق بين الأهداف والتي أودت بحياة أعداد كبيرة من الفيتناميين، كما أسقطت الطائرة عدداً من الطائرات المقاتلة وهو أمر ليس بالسهل على قاذفة ثقيلة.

كما كانت قاذفات بي 52 جزءاً مهماً من عملية عاصفة الصحراء ضد العراق في عام 1991.

القاذفة الأمريكية بي 52
القاذفة الأمريكية بي 52 تلقي قنابل خلال حرب فيتنام/ويكيبديا

وحققت القاذفة الأمريكية بي 52 خلال هذه الحرب رقماً قياسياً لأطول مهمة قتالية في 16 يناير/كانون الثاني 1991عندما حلقت طائرات من طراز  B-52G من قاعدة باركسديل بولاية لويزيانا الأمريكية، ثم تزودت بالوقود في الجو في طريقها، وضربت أهدافاً في العراق، وعادت إلى قاعدتها- رحلة ذهاباً وإياباً مدتها 35 ساعة و14000 ميل (23000 كم)، محطمة الرقم القياسي الذي كانت تحمله قاذفة سلاح الجو الملكي البريطاني فولكان في عام 1982.

وساهمت الطائرة B-52 في حرب أفغانستان عام 2001، مما وفر القدرة على التحليق عالياً فوق ساحة المعركة وتوفير الدعم الجوي القريب من خلال استخدام الذخائر الموجهة بدقة، وهي مهمة كانت في السابق تقتصر على الطائرات المقاتلة والطائرات الهجومية البرية.

تطور تصميم B-52 الأساسي من طائرة قادرة على إسقاط القنابل من ارتفاع 30 ألف قدم إلى طائرة يمكنها إطلاق صواريخ كروز بعيدة المدى والذخائر الذكية لتستخدم في أغلب أنواع العمليات العسكرية.

هل تستطيع تجاوز صواريخ إس 300 التي تمتلكها إيران؟

صممت الطائرات البي 52 لتكون قاذفة قادرة على الطيران لمسافات طويلة على التحليق على ارتفاعات شاهقة لاختراق السماوات السوفييتية الواسعة والمحمية بالدفاعات الجوية الكثيفة.

وكان ذلك في زمن يمثل الارتفاع وسيلة لحماية هذه الطائرات الضخمة غير المرنة، لأن الصواريخ لم تكن تطالها.

ولكن هذا الزمن ولى، وأصبحت الصواريخ تصل لارتفاعات شاهقة، وعلى العكس أصبحت تكتيكات القصف تعتمد على الطائرات التي تطير على ارتفاعات منخفضة لإرباك الرادارات وأنظمة الصواريخ المضادة للطيران.

وهنا يثار تساؤل: هل تستطيع هذه الطائرات العتيقة التي تعود لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أن تخترق الدفاعات الإيرانية، خاصة أن إيران لديها منظومة صواريخ إس 300 الروسية المضادة للطائرات والصواريخ الباليستية وهي منظومة حديثة نسبياً.

لا يمكن للقاذفة الأمريكية بي 52 باعتبارها قاذفة كلاسيكية اختراق الدفاعات الجوية المعادية. لذلك فهي بحاجة إلى صاروخ بعيد المدى لتنفيذ ضربات في أجواء دولة محمية بأنظمة دفاع جوي، (عكس الحال في أفغانستان وسوريا والعراق حيث تعمل بحرية لغياب مثل هذه الدفاعات).

والنسخة،B-52H  قادرة على حمل بعض أنظمة الصواريخ، بما في ذلك صواريخ كروز AGM-86A التي تطلق جواً (بمدى 1500 ميل)، وصواريخ AGM-84 Harpoon (بمدى 77 ميلًا)، وAGM-86C وهي صواريخ كروز تقليدية تطلق من الجو (بمدى 1500 ميل) لمجموعة كاملة من عمليات الضربة، وفقاً لموقع Airforce Technology.

وتم بناء ما مجموعه 744 طائرة B-52، وآخر طائرة B-52H تم تسليمها في أكتوبر/تشرين الأول 1962. وهي النسخة الوحيدة التي لا تزال قيد الاستخدام من قبل القوات الجوية الأمريكية.

تم تعديل القاذفة B-52H لحمل طائرتين بدون طيار من طراز Lockheed D-21B/ويكيبديا

وقد أجريت تقييمات لاحتمالات المواجهة بين بي 52 وبيت نظام صواريخ أرض – جو إس 400 هو تطوير لنظام إس 300 الذي تمتلكه إيران.

 ويقول الروس إن مدى نظام إس 400 يبلغ نحو 248 ميلاً، ولكن يظهر تحليل سويدي أن المدى الفعلي لأبرز نسخ إس 400، هو  في الواقع 90-125 ميلاً فقط، قد ويكون مدى إس 400 في وجهة نظر واضعي الدراسة أقصر جداً في مواجهة الصواريخ التي تحلق على ارتفاع منخفض التي تطلق من قاذفة B-52.

في تكوينه الحالي يجب اعتبار نظام S-400 بشكل أساسي تهديداً للطائرات الكبيرة عالية القيمة مثل أواكس أو طائرات النقل على ارتفاعات متوسطة إلى عالية، على مدى 125-155 ميلاً.

في المقابل فإن المدى الفعال ضد الطائرات المقاتلة الرشيقة وصواريخ كروز التي تعمل على ارتفاعات منخفضة يمكن أن يصل إلى 12-20 ميلاً.

علاوة على ذلك، على الرغم من تعقيدها، تعتمد بطارية إس 400 على رادار اشتباك واحد ولديها عدد محدود من منصات إطلاق النار. ومن ثم فهي عرضة للذخائر التي تستهدف رادار الاشتباك. إذا تم تشغيل الصاروخ 40N6  ضد طائرات بي 52 عبر الإنترنت، فلا يمكن استغلال مداها التقني البالغ 248 ميلاً بشكل فعال ضد أهداف أقل من 3000 متر تقريباً ما لم يتم توفير بيانات الهدف وتحديثها أثناء رحلة الصاروخ بواسطة رادارات محمولة جواً أو رادارات أمامية.

يمكن ملاحظة أننا نتحدث عن نظام إس 400 الأكثر تقدماً من إس 300 ونتحدث عن معركة مفترضة بين أمريكا وروسيا وبالتالي فإن إمكانيات إيران الدفاعية ستكون أقل بكثير من روسيا في مواجهة احتمال قيام طائرات بي 52 بإطلاق صواريخ كروز ضد أراضيها.

بل إن الواقع أن الأمريكيين يعدون طائرات بي 52 لتكون يداً ثقيلة لهم في مواجهة الصين، حيث أصبح لها ميزات في مواجهة المارد الأصفر رغم قدمها.

في مواجهة الصين

القاذفة B-52 المحدثة بالكامل، بالاقتران مع قاذفة القنابل طويلة المدى (LRS-B) الجديدة ستزود القوات الجوية الأمريكية بذارع قوية في مواجهة روسيا والصين.

ومن الغريب أن الزيادة الكبيرة في القدرات العسكرية لكل من روسيا والصين هي التي تجعل من القاذقة بي 52 جذابة مرة أخرى للقوات الجوية الأمريكية، إضافة إلى أن الطائرة ثبت أنها أكثر عملية من القاذفات الأحدث والأكثر تطوراً مثل بي 1 وبي 2.

إن سعي الصين للحصول على قدرة شاملة على منع الوصول (منع وصول الأسلحة الأمريكية للبر الصيني) لم يؤدّ فقط إلى تهديد العمليات الجوية الأمريكية في المنطقة، ولكن تهديد القواعد الجوية الأمريكية في آسيا أيضاً.

إذ تمتلك الصين أكثر من ستين مطاراً عسكرياً في المناطق العسكرية الأربع الأقرب إلى اليابان وكوريا، وبعضها مقوى وفقاً لمعايير لم تحققه أي قاعدة أمريكية على الإطلاق، يقابل ذلك ست قواعد مقاتلة أمريكية في اليابان وكوريا.

وتخضع جميع القواعد المقاتلة الأمريكية لاحتمال هجوم ساحق بالصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز، والطيران القتالي من دولة تقتني المزيد من الصواريخ، والمزيد من الطائرات، والقدرة على القصف الشامل بسرعة وبشكل ساحق ضد عدد قليل جداً من الأهداف الأمريكية الثابتة. 

إلى جانب الاستثمار الكبير في الصواريخ القاتلة للسفن، بما في ذلك الصاروخ الباليستي المضاد للسفن DF-21D ( (الأول من نوعه)، تمتلك بكين اليوم القدرة على جعل من الصعب على الولايات المتحدة تشغيل الطائرات أو المقاتلات السطحية الأمريكية في ساحة الصين الأمامية. 

وفي ظل التهديدات التي تتعرض لها القواعد الأمريكية في اليابان وكورويا، فإن المدى الطويل للغاية للقاذفات بي 52 يسمح لها بأن تنطلق من الأراضي الأمريكية أو الأسترالية والقيام بعمليات فعالة من مسافة بعيدة، من قواعد بعيدة عن متناول هجمات الصواريخ الباليستية والصواريخ الانسيابية التي تُطلق من الأرض.

كما أن حمولتها الثقيلة تعني أن القاذفة بي 52 يمكنها القيام بعمل عدة طائرات مقاتلة وتعني فترات الطيران الطويلة أن بإمكان طائرة قاذفة القنابل مراقبة مناطق واسعة من المحيط بشكل فعال.

فالقدرة على التحليق فوق مسافات طويلة لساعات هو أمر مفيد جداً للقيام بدوريات- واعتراض- المسطحات المائية الكبيرة في البحار المحيطة بالصين.

الاستعراض مهمتها الأولى

اللافت أن الدور الأبرز للقاذفة بي 52 يظهر في مهمتها الحالية ضد إيران، وهو الاستعراض النووي.

لا أحد يريد في الواقع استخدام الأسلحة النووية- الأمل هو أنها ستثني الدول عن مسارات العمل العدوانية.

يوصي أحد التقارير بأن تحتفظ القوات الجوية الأمريكية بقدراتها في مجال الأسلحة النووية في المقام الأول على أساس أنها وسيلة أقوى لإرسال رسالة تهديد أكثر فعالية وبلاغة ووضوحاً من الأساليب الأخرى في الثالوث النووي.

فالصواريخ الباليستية والغواصات النووية هي وسيلة فعالة أيضاً لإطلاق الرؤوس النووية ولكن لا يمكن التباهي بهذه الأسلحة بنفس الفعالية كما الأمر بالنسبة للقاذفة بي 52

إذ إن القاذفة الأمريكية بي 52 بمثابة وسيلة مرئية للغاية لإظهار القوة، حسب تقرير لموقع The diplomat المعني بشؤون آسيا.

ففي أوقات الأزمات، يمثل إرسال أمريكا للقاذفات بي 52 رسالة تهديد واضحة للخصوم.

لذلك يمكنك أن ترى من حين لآخر تقارير عن قيام طائرات B-52 بتحليق فوق المجال الجوي الذي تطالب به الصين فوق بحر الصين الجنوبي أو تحليق بالقرب من كوريا الشمالية بعد تجربة نووية.

فشخصية بي 52 المهابة تخدم في الواقع الغرض السياسي بشكل أفضل، وها هي تقوم بهذا الدور في الشرق الأوسط.

تحميل المزيد