في خطوة مفاجئة، أمَرَ الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، الجيش الأمريكي بنقل إسرائيل من نطاق قيادته الأوروبية إلى قيادته في الشرق الأوسط، في آخر تحرك له في سلسلةٍ من الخطوات التي يكسر بها الوضع الراهن في المنطقة.
ومع بقاء أيامٍ قليلة في البيت الأبيض، كُشِفَ عن أن القيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على القضايا العسكرية في الشرق الأوسط، ستضم إسرائيل الآن في هيكلها الدفاعي، وهي خطوةٌ لطالما دعت إليها الجماعات الموالية لإسرائيل واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتقول صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، إنه بموجب هذه الخطوة ستُشرف القيادة المركزية الأمريكية على السياسة العسكرية الأمريكية المتعلقة بالدول العربية وإسرائيل على حد سواء، في خروجٍ من عقودٍ من هيكل القيادة الأمريكية الذي صُمِّم بسبب الخلاف بين إسرائيل وبعض حلفاء البنتاغون العرب.
نتائج التطبيع.. تغيير كبير في السياسة العسكرية الأمريكية
جاء هذا التغيير في السياسة العسكرية المستمرة منذ عقود، والذي أكَّدَته وزارة الدفاع الأمريكية، الجمعة 15 يناير/كانون الثاني، في أعقاب موافقة العديد من الدول العربية على تطبيع علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل بعد وساطةٍ أمريكية ومُحفِّزاتٍ عديدة.
وقال متحدِّثٌ باسم البنتاغون لموقع Middle East Eye البريطاني، في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني: "إن تخفيف التوتُّرات بين إسرائيل وجيرانها العرب بعد اتفاقيات أبراهام قد وفَّرَ فرصةً استراتيجيةً للولايات المتحدة لمحاذاة الشركاء الرئيسيين ضد التهديدات المشتركة في الشرق الأوسط".
وتابَعَ المتحدِّث: "إسرائيل شريكٌ استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة، وهذا سيفتح فرصاً إضافية للتعاون مع شركائنا في القيادة المركزية الأمريكية، مع الحفاظ على تعاونٍ قوي بين إسرائيل وحلفائنا الأوروبيين".
تاريخياً، كُلِّفَت القيادة الأوروبية للجيش الأمريكي بالإشراف على العلاقات مع إسرائيل بسبب العداء بين الدول العربية وقوة الاحتلال. وسمح هذا التنظيم للجنرالات الأمريكيين في الشرق الأوسط بالتفاعل مع الدول العربية دون وجود ارتباطٍ وثيقٍ بإسرائيل.
وبينما رفضت معظم الدول العربية إقامة علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل، في ظلِّ احتلالها العسكري المفروض على السكَّان الفلسطينيين، فإن الدول الخاضعة لسلطة القيادة المركزية التي وقَّعَت اتفاقاتٍ مع إسرائيل تشمل مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان.
وجميع هذه الدول باستثناء مصر والأردن -وهما دولتان تشتركان مع إسرائيل في الحدود- تبذل جهوداً دبلوماسية جديدة، ومع ذلك ليس من الواضح ما هي العواقب التي قد تنشأ إذا تعثَّرَت المحاولة الأمريكية لتعزيز العلاقات العربية مع إسرائيل.
تنسيق عسكري واستخباراتي مباشر بين إسرائيل والدول العربية
من جهته، يقول أنتوني زيني، الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية والرئيس السابق للقيادة المركزية، لصحيفة Wall Street Journal، إن "التوقيت قد يكون مناسباً للقيام بذلك". وأضاف الجنرال زيني: "يمكننا أن نشهد المزيد من الدول العربية تعترف بإسرائيل، لذا فمن المنطقي إخضاعهم جميعاً لقيادةٍ أمريكية موحَّدة"، حسب وصفه.
وأضاف: "سيجعل ذلك التعاون الأمني أفضل، لم يكن ذلك منطقياً في الماضي، لأنه كان هناك الكثير من عدم الثقة، وكان هناك خوفٌ عندئذٍ من أنه إذا كانت إسرائيل في القيادة المركزية فسيكون هناك تبادلٌ استخباراتي أمريكي مع إسرائيل بشأن جيرانها العرب".
ويبدو أن جزءاً من سبب هذا التغيير الهيكلي مرتبطٌ بجهود واشنطن لتوحيد المنطقة ضد إيران، التي يُنظَر إليها باعتبارها أحد أكبر خصوم إسرائيل. ولم تعلن إدارة ترامب رسمياً عن هذه الخطوة، فيما رفض مكتب الرئيس المُنتَخَب جو بايدن التعليق على الأمر.
تحالفات وعمليات عسكرية عربية إسرائيلية مشتركة
ويقول اللواء المتقاعد من الجيش الأمريكي مايك جونز، الذي شغل منصب رئيس أركان القيادة المركزية في 2011، تحت قيادة القائد آنذاك جيمس ماتيس، لصحيفة Military Times الأمريكية، إن هذه الخطوة "منطقية" بالنظر إلى أن "العديد من القضايا الإسرائيلية مرتبطة بالدول الأخرى".
ومع ذلك، قال جونز إن فكرة تعامل قيادة أمريكية واحدة مع كل من إسرائيل والدول التي تعتبرها رسمياً دولة معادية -والتي لا تزال تضم غالبية القوى في الشرق الأوسط- كانت مشكلة منذ فترة طويلة. يضيف جونز: "كانت الحجة ضد ذلك على الدوام، أنه من الصعب أن تكون لديك مصداقية مع دولتين عدوتين.. من الصعب بناء الثقة الشخصية والحصول على محادثات إفشاء كاملة حقاً".
وفي ظل الوضع الجديد، ستشكل هذه الدول تحت القيادة الأمريكية تحالفات عسكرية مختلفة، وسترى جنوداً من إسرائيل ودولاً عربية يعملون معاً خلال عملية واحدة، لكن جونز قال إن هذا التحالف سيحتاج بعض الوقت ليصل لهذه المرحلة.
ويضيف: "بالنسبة لكونك جزءاً من تحالف تقوده الولايات المتحدة، مع وجود جنود على الأرض، فهذه قفزة كبيرة جداً، حتى مع التقدم السياسي الذي تم إحرازه مع بعض جيرانهم".
ترامب يترك مسؤولية تطبيق القرار على عاتق بايدن
بحسب "وول ستريت جورنال"، فإن ترامب باتّخاذ القرار في آخر أيامه بالمنصب ترك لخلفه جو بايدن مسؤولية تطبيق القرار بالكامل والتعامل مع تداعياته.
في حين قال دينيس روس، مفاوض السلام الأمريكي السابق، إنّ ذلك التغيير قد أتى بعد طول انتظار: "لا أعتقد أنّ إدارة بايدن ستكون لديها مشكلة مع الأمر، وأعتقد أنّ الإسرائيليين سيرحبون به باعتباره انعكاساً للواقع الجديد في المنطقة".
لكن العامل الأكثر قلقاً هو أن إرث ترامب قد فرض تغييرات على الأرض لن يتمكن بايدن من تجاهلها، وأبرز تلك التغييرات هو ملف التطبيع مع إسرائيل، والذي وقّعته بالفعل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، ورغم أن السعودية لم توقع بعد اتفاقية التطبيع مع تل أبيب فإن السؤال لم يعد هل توقع؟ بل متى توقع؟