لا شك أن السنوات الأربع لحكم الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب كانت استثنائية بشكل "جنوني" في التاريخ الأمريكي ومثيرة للجدل لكل يوم فيها، وحتى على الصعيد الخارجي تسبب ترامب -الذي يوشك على الرحيل عن السلطة خلال أيام- بحالة من الفوضى للكثير من القضايا حول العالم، وانتهج الرجل حيال الشرق الأوسط خصيصاً سياسات متناقضة وعاصفة، أكدت ما كان يتم اتهامه به بأنه غير مُلم بقضايا وشؤون المنطقة، وكل ما كان يعرف عنها محدود للغاية.
ما الذي تغيَّر في الشرق الأوسط خلال سنوات حكم ترامب؟
لطالما شكل الشرق الأوسط محوراً هاماً في سياسات الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين على اختلافهم، وقد تشهد في فترة ترامب تغييرات كبيرة، بعد انتهاج إدارته سياسات مغايرة تماماً عن سلفه باراك أوباما.
1- الأزمة مع إيران
محققاً ما كان قد وعد به خلال حملته الانتخابية، قاد ترامب بلاده للانسحاب بشكل أحادي من الاتفاق النووي مع إيران والذي وُقع عام 2015 بوساطة سلفه أوباما ونائبه آنذاك بايدن.
وأدى الانسحاب الذي احتفت به إسرائيل وبعض دول الخليج على رأسها السعودية، إلى إعادة فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران بشكل مضاعف ومكثف، وهو ما نتج عنه توتر كبير في العلاقات بين البلدين وصل إلى شن عمليات عسكرية على مواقع تابعة لكلاهما، ومقتل القائد بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني خلال ضربة عسكرية أمريكية.
ووصل التوتر بين طهران وواشنطن ذروته خلال فترة ترامب وما تزال التهديدات المتبادلة قائمة حتى الأيام الأخيرة لفترة ترامب الرئاسية، ومع رحيله عن البيت الأبيض، من المحتمل أن يعيد بايدن ترتيب الفوضى التي أحدثها ترامب مع إيران، إذ وعد الأخير بـ"تقديم طريق موثوق به إلى طهران للعودة إلى الدبلوماسية" وأنه "إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فستعاود الولايات المتحدة الانضمام إلى الاتفاق النووي كنقطة انطلاق لمفاوضات المتابعة".
2- العلاقات مع السعودية ودعم ولي عهدها
تعرضت العلاقات بين واشنطن والرياض لانتقادات شديدة طوال السنوات الأربع الماضية، إذ كان ترامب يتمتع بعلاقة وطيدة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بلغت ذروتها بتوقيع اتفاق لبيع أسلحة أمريكية للرياض بقيمة 110 مليارات دولار ستصل إلى 350 ملياراً خلال الفترة حتى عام 2027.
وعلى الرغم من اعتراض الكونغرس على استمرار بيع تلك الأسلحة لكل من السعودية والإمارات العربية المتحدة نظراً لدور الدولتين في التحالف المشارك في حرب اليمن، وما نتج عنها من خسائر ودمار، فإن ترامب استمر في تزويد الدولتين بالسلاح طبقاً للاتفاقات المسبقة.
كذلك أدت أزمة مقتل الكاتب السعودي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018 إلى تعالي الأصوات داخل الكونغرس بشأن الملف الحقوقي للمملكة، وهو ما تغاضت إدارة ترامب عن الخوض فيه، إذ عمل ترامب بقوة على حماية صديقه "الأمير المتهور" والتغطية عليه برغم جميع التحقيقات الأممية والاستخباراتية الأمريكية التي توصلت إلى أن ولي العهد السعودي هو المسؤول الأول عن تصفية خاشقجي.
والآن بعد صعود بايدن، من المتوقع أن يعيد الرئيس المنتخب تقييم العلاقة مع المملكة، وفي الذكرى الثانية لوفاة خاشقجي، صرح جو بايدن عبر الموقع الرسمي لحملته الانتخابية بقوله إن "التقارير الإعلامية تشير إلى مقتل خاشقجي على يد عملاء سعوديين تصرفوا بتوجيه من بن سلمان شخصياً".
وفي أكثر من مناسبة، أكد بايدن أنه سيعيد تقييم علاقة واشنطن بالرياض بعد انتخابه وسيتوقف عن بيع السلاح الأمريكي للسعودية. وقال: "سنعيد تقييم علاقتنا بالمملكة، وننهي الدعم الأمريكي لحرب السعودية في اليمن، ونتأكد من أن أمريكا لا تتخلى عن قيمها لبيع الأسلحة أو شراء النفط. سيكون التزام أمريكا بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان أولوية، حتى مع أقرب شركائنا الأمنيين".
3- العلاقات مع مصر و"ديكتاتور ترامب المفضل"
في أغسطس/آب 2019، وقبيل لقائهما على هامش قمة "مجموعة السبع" حينها، نقلت صحف ووسائل إعلام أمريكية أن ترامب وخلال وقوفه وسط عدد من المسؤولين الأمريكيين والمصريين، نادى بينهم بصوت عالٍ قائلاً: "أين ديكتاتوري المفضل؟"، في إشارة إلى نظيره المصري عبدالفتاح السيسي.
كانت تلك الحادثة تدل على طبيعة العلاقة التي حظي بها السيسي مع ترامب، وهو ما اعتبره أمريكيون غض طرف من واشنطن عن أي انتهاكات قد تقع على يد النظام المصري. وطوال سنوات ترامب، كان السيسي يتمتع بعلاقات قوية ومتينة مع ترامب على الرغم من تعالي بعض الأصوات الأمريكية المنتقدة لملفات حقوقية في مصر وسجن عشرات آلاف من الناشطين والمعارضين.
واستغل بايدن تلك النقطة بالتحديد عند الحديث عن حقوق الإنسان في مصر، خلال حملته الانتخابية، وأكد مراراً أن "اعتقال وتعذيب ونفي نشطاء مثل سارة حجازي ومحمد سلطان أو تهديد عائلاتهم أمر غير مقبول". وأضاف: "لا مزيد من الشيكات البيضاء للديكتاتور المفضل لترامب".
4- القضية الفلسطينية
في عام 2018، نفذت إدارة ترامب واحداً من أبرز قراراتها الخارجية المثيرة للجدل بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالقدس كاملة عاصمة أبدية لإسرائيل، وهو ما أثار سخط العالم العربي والإسلامي، وتبع ذلك اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل والمستوطنات في الضفة الغربية.
وتبع تلك القرارات تخطيط وعرض من ترامب وصهره جاريد كوشنر لما يعرف بـ"صفقة القرن" التي تدعم المصالح الإسرائيلية بشكل فاضح على حساب حقوق الفلسطينيين، كما تضرب بعرض الحائط آمال التوصل لأي اتفاق سلام بين الطرفين.
وأدت تلك السياسات إلى رفض السلطة الفلسطينية لوساطة واشنطن في أي مفاوضات مستقبلية في وقت لا تبدو فيه إسرائيل أو الولايات المتحدة عازمتين على الدخول في محادثات تغير من وضع ما بعد توقيع ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لصفقة القرن.
كما عملت إدارة ترامب بكل قوة على جلب دول عدة لتوقيع اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، سواء بالضغط أو الترغيب وغيرها من الوسائل من إغراء بعض الدول بحل لمشاكلها أو أزماتها القائمة منذ عقود، ووقعت كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب اتفاقات تطبيع مع إسرائيل بواسطة ورعاية أمريكية.
وعلى المستوى الأممي أفشلت إدارة ترامب العديد من القرارات التي تدعم حقوق الفلسطينيين وتدين إسرائيل، وحظي رئيس الوزراء الإسرائيلي بعلاقة خاصة ودعم كبير من قِبَل ترامب وخصيصاً في الانتخابات المتكررة خلال العامين الأخيرين، وصرح ترامب مراراً بأنه لم يقدم أي رئيس أمريكي لإسرائيل ما قدمه شخصياً لها خلال فترة حكمه.
ومن غير المتوقع أن يغير بايدن أو يلغي قرارات ترامب المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وصرح بايدن بأنه لن يعدل عن قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولكنه قال إن "السلام الحقيقي لن يتحقق سوى بإقامة دولتين" وأكد رغبته في عودة الحوار الأمريكي مع الجانب الفلسطيني وإعادة فتح قنصلية أمريكية في القدس الشرقية ومكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية بعد إغلاقهما خلال ولاية ترامب الأولى. كذلك قال بايدن إنه سيستأنف المساعدات الأمنية والاقتصادية للفلسطينيين وهي التي توقفت أيضاً خلال ولاية ترامب الأولى.
5- إنهاء "الحروب الأبدية" والانسحاب من المنطقة
وبشكل عام، لم يخف ترامب خلال سنوات حكمه رفضه أو معارضته لما يسميه "الحروب التي لا نهاية لها"، والتي تورط فيها أسلافه من جمهوريين وديمقراطيين، والتي تدور فوق مسرح كبير يمتد من أفغانستان إلى سوريا وليبيا وغيرها، كما أنه إنهاء أو تقليص الوجود العسكري في هذه المنطقة.
وخلال السنتين الماضيتين، حاول ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا، ولكنه واجه معارضة من وزارة الدفاع، ساهمت في التعجيل باستقالة وزير الدفاع الأسبق جيمس ماتيس من منصبه. ولا يزال هناك حوالي 500 جندي أمريكي في سوريا.
لكن في نفس الوقت، قدم ترامب إمدادات عسكرية بحرية وجوية إلى منطقة الخليج والسعودية، إذ جاء إرسال هذا الدعم ضمن التصعيد مع إيران، واستهداف منشآت النفط السعودية، والمرافق الأخرى الحساسة. ولكن بعد أزمة النفط وطلب ترامب من الرياض تخفيض إنتاجها من النفط بسبب التأثير السلبي على إنتاج الشركات الأمريكية، سحب الرئيس الأمريكي بطاريات صواريخ باتريوت وطائرات عسكرية من السعودية في شهر مايو/أيار 2020 ليؤكد أن هذه الإمدادات مؤقتة، وإن جاء سحبها على خلفية خلافات بين البلدين.
وعزز ترامب خلال فترته الرئاسية علاقاته مع بقية دول المنطقة كالإمارات العربية المتحدة وحتى تركيا، وهي دول كانت علاقاتها مع الرئيس السابق أوباما قد شابها الفتور وحتى التوتر لأسباب مختلفة.