تعكرت الأجواء شبه الاحتفالية في مطار عدن باليمن في غضون دقائق، يوم الأربعاء 30 ديسمبر/كانون الأول، إذ لم تكد أقدام أعضاء الحكومة اليمنية الجديدة، المدعومة من السعودية، تطأ أرض مطار عدن حتى هزت أرجاءه سلسلة من الانفجارات. وقُتِل 26 شخصاً وأصيب العشرات، بينما تصور عدسات التلفزيون. وأُخِذ الوزراء الجدد بعيداً لملاذ آمن.
وألقى مسؤولون في الحكومة اليمنية باللوم في تفجير عدن على الحوثيين المدعومين من إيران، وتحدثت تقارير بأنَّ الهجوم نُفِذ بصواريخ وأجهزة تفجير وطائرات بدون طيار مُوجَّهة. وسبق للحوثيين استخدام طائرات مُسيَّرة وصواريخ مماثلة في هجماتهم التي شنوها خلال العام الماضي، على السعودية بدعم إيراني.
وحتى الوقت الحالي لم يتأكد دور الإيرانيين في هجوم عدن، لكن القدرات التشغيلية والزمنية العالية التي أظهرها الحوثيون، في محاولة لتعطيل الاستعراض الرمزي لخصومهم أمام الكاميرات، تعكس أيضاً بعض المخاوف في إسرائيل من التحركات المحتملة التالية من إيران نفسها، كما تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
الشرق الأوسط على صفيح ساخن مع ذكرى اغتيال قاسم سليماني
ويعتبر الشرق الأوسط حالياً ساحة كبيرة من تبادل الإشارات المريبة والتحذيرات والتهديدات المتصاعدة، على خلفية الانتشار العسكري الأمريكي والإسرائيلي لعرقلة خطط طهران للثأر. ويصادف يوم الأحد 3 يناير/كانون الثاني، الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الولايات المتحدة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، في العراق.
إلى جانب ذلك، لا تزال إيران تبعث تهديدات لإسرائيل على خلفية مقتل العالم النووي محسن فخري زادة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وأثيرت احتمالات بشن هجوم بصاروخ أو طائرة بدون طيار مُوجَّهة، على أهداف إسرائيلية وأمريكية من اتجاه سوريا والعراق واليمن.
وفي الأيام القليلة الماضية، تحدثت تقارير عن رحلات استعراضية لقاذفات أمريكية من طراز "بي-52″، التي انطلقت من ولاية داكوتا الشمالية إلى الخليج، ووقفت في طريقها للتزود بالوقود في الجو فوق تل أبيب، إلى جانب تحركات الغواصات والزوارق الأمريكية في المنطقة، ومرور غواصة إسرائيلية عبر قناة السويس متجهة شرقاً.
وتتحدث وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية، عن سيناريوهات حول رغبة ترامب في خطوة مدوية أخيرة ضد إيران قبل مغادرته البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني. ولا شك في أنَّ الإسرائيليين بالجنوب يلاحظون عدداً كبيراً غير عادي من طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في السماء، على ما يبدو بهدف إحباط أي خطر محتمل، بحسب صحيفة هآرتس.
الإشارات نحو الذهاب لمواجهة عسكرية في الخليج تتصاعد في أيام ترامب الأخيرة
ونقلت قناة NBC الأمريكية عن مسؤول أمريكي، مساء الجمعة 1 يناير/كانون الثاني 2021، قوله إن "هناك مؤشرات متزايدة على أن إيران قد تخطط لهجوم على قوات ومصالح أمريكية بالشرق الأوسط". وسبق ذلك التصريح بساعات فقط، تصريح آخر لمسؤول أمريكي قال فيه لـ"سي إن إن"، إن "القوات البحرية الإيرانية في الخليج عززت مستويات الاستعداد خلال الساعات الـ48 الماضية، وليس من الواضح ما إذا كانت تحركات إيران دفاعية أو تشير لعمليات ضد الولايات المتحدة"، حسب تعبيره.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول، نشر البنتاغون 2000 جندي إضافي، وسرباً من الطائرات المقاتلة في المملكة العربية السعودية. وأرسل كذلك قاذفات من طراز "بي-52" في مهام بالخليج العربي ثلاث مرات، وأبقى على حاملة الطائرات "نيميتز" بالقرب من إيران، وأعلن إرسال غواصة هجومية تُطلِق صواريخ توماهوك إلى خارج المياه الإيرانية. علاوة على ذلك، أرسلت إسرائيل مؤخراً غواصة مجهزة نووياً إلى الخليج العربي.
على الصعيد الرسمي الأمريكي والإسرائيلي، تهدف جميع هذه المناورات العسكرية إلى "ردع" طهران، رغم أنَّ إسرائيل اغتالت مؤخراً مسؤولاً إيرانياً في إيران وليس العكس.
إسرائيل: "موقف متأجج" في الأراضي الفلسطينية
وبالنسبة للأوساط الإسرائيلية، هناك ربط ما بين الأحداث في الأراضي الفلسطينية ومجمل الأحداث الجيواستراتيجية بالشرق الأوسط، حيث تستحضر التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة عن الجيش والجهات الأمنية الإسرائيلية، أن عام 2020 كان واحداً من الأعوام الأكثر أمناً، والأفضل إنجازاً على مستوى الشرق الأوسط لصالح المشروع الإسرائيلي، الذي حقق إنجازات فيما يتعلق بملفات التطبيع مع دول خليجية وغيرها.
وفي ما يتعلق بالأمن داخل فلسطين، يجب ملاحظة ما يجري منذ أكثر من أسبوع في الضفة الغربية وغزة وحتى القدس. وفي ضوء أحداث عدة، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر أمني، تحذيره من فقدان وشيك للسيطرة على الضفة الغربية. وأعرب عن قلقه من أن "يؤدي العنف إلى خسائر في الأرواح". وبحسب المصدر، فإنَّ هذه هي أهم نقطة غليان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ موجة الاعتداءات الفردية "انتفاضة السكاكين" التي بدأت في خريف 2015.
ومع ذلك ظلت الضفة الغربية مصدر قلق كبير للجيش بما لا يقل عن الأعوام السابقة، بالنسبة لعمليات إطلاق النار وعمليات الطعن للجنود والمستوطنين الإسرائيليين. وفي غزة أثارت المناورة العسكرية الضخمة والأولى من نوعها للفصائل الفلسطينية بقيادة حماس، هذا الأسبوع، قلق الأوساط الإسرائيلية، وهي كانت رسالة قوية توضح أن هذه الفصائل المسلحة والمدعومة من قبل طهران، جاهزة لأي مواجهة قادمة، في الوقت الذي تتعاظم فيه قوتها العسكرية والصاروخية وتقنياتها العسكرية.
الجبهة الشمالية في إسرائيل وتهديدات حزب الله
وفي ظل هذا التصعيد مع بداية العام الجديد، لا تغفل إسرائيل عن الجبهة الشمالية، حتى في ظل سيناريوهات حصول اتفاق أمريكي–إيراني على قواعد جديدة وشروط مستحدثة فرضتها تطورات المنطقة، وإذا تم ذلك فسيخضع لبنان أكثر بيد حزب الله، وستعمل طهران على تحضير نقاط القوة التي في يدها –الصواريخ الدقيقة لحزب الله وترسيم الحدود وشكل النظام السياسي القادم- لوضعها على طاولة المفاوضات الأممية عندما يحين الوقت.
والسيناريو الآخر الأكثر خطورة، في حال لم يجرِ أي اتفاق بين واشنطن وطهران، فإن المنطقة ومعها لبنان مفتوحة على أحداث غير متخيلة في ظل الرغبة الإسرائيلية القوية في توجيه ضربات لإيران وأذرعها وحماسة نتنياهو لذلك، حيث لا يزال الرجل يحاول الشرح لترامب، فوائد توجيه الضربة القاصمة لإيران، في ظل تأثيرات الحصار الغربي لها وانعكاسات كورونا على الاقتصاد الإيراني المتأزم.
وفي ظل تبقّي نحو 3 أسابيع أو أقل على ولاية ترامب، لا تزال احتمالات توجيه ضربة قاصمة لإيران وأجنحتها وحلفائها في المنطقة -لبنان وسوريا وغزة- في ظل التأزم السياسي لنتنياهو، قائمة، في حين تقول إسرائيل إنها تستعد للسيناريوهات كافة.