عاشت البشرية عاماً كاملاً في ظل وباء فيروس كورونا، وتم التوصل للقاحات له في زمن قياسي، لكن يظل ما نجهله عن الفيروس كثيراً، ربما أكثر مما نعرفه عنه، فما أبرز ما نجهله عن كورونا بعد عام من تفشيه؟
معلومات بشأن كورونا عليها إجماع
يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2019، أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية بوجود حالات مرضية نتيجة لفيروس غامض لم تتم تسميته وقتها، وبعدها بأسبوعين توصل الصينيون للشيفرة الجينية لفيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19، والذي سرعان ما تفشَّى حول العالم حتى أصاب حتى اليوم 30 ديسمبر/كانون الأول 2020 ما يقرب من 82 مليون شخص، وأودى بحياة ما يزيد عن 1.78 مليون.
وشهد هذا العام تدفقاً غير مسبوق للمعلومات المرتبطة بفيروس كورونا، كما انتشرت شائعات ونظريات مؤامرة تخص كل ما يتعلق به بداية من مصدره ومكان نشأته وتوقيت ظهوره لأول مرة، وصولاً إلى اللقاحات والجدل بشأن تناولها من عدمه، فما المعلومات التي يُجمع العلماء عليها بشأن وباء كورونا؟
مرض كوفيد-19 يسببه فيروس تاجي (كورونا)، وهو نوع من الفيروسات مسؤول عن نزلات البرد العادية ومشتقاتها وصلا إلى سارس. هو فيروس حيواني النشأة، أي أنه في الأصل جاء من حيوان ما، وتشير بعض الدراسات إلى أنه جاء من الخفاش.
وهناك كمّ هائل من المعلومات بشأن فيروس كورونا توصل إليها العلماء خلال العام، لكنها لا تزال معلومات غير مكتملة. "لقد توصلنا لكمّ هائل من المعلومات بشأن الفيروس، لكن فيما يتعلق بفهم أي شيء يتعلق به بتفاصيل حقيقية وكاملة ما زلنا بعيدين تماماً. وسوف تستغرق دراسة هذا الفيروس من علماء الفيروسات ومسؤولي الصحة العامة عقوداً طويلة حتى يكشفوا كل ألغازه"، بحسب ما قالته مورين فيران، المدرس المساعد للبيولوجي في معهد روتشستر للتكنولوجيا لشبكة CNN.
أين نشأ فيروس كورونا ومتى؟
رغم مرور عام على الجائحة والتوصل للقاحات متعددة في محاولة السيطرة على تفشي الفيروس، فإن الأسئلة المتعلقة بأين نشأ الفيروس ومتى بالتحديد لا تزال بلا إجابات، أو بمعنى أدق لا توجد لها إجابات يتفق حولها العلماء والباحثون المتخصصون في دراسة الفيروسات ولا منظمة الصحة العالمية، وهو ما ترك الباب مفتوحاً لتبادل الاتهامات بين الحكومات وانتشار نظريات المؤامرة على نطاق واسع.
في بداية انتشار التقارير الإعلامية والتغطية الإخبارية عن كورونا، أو الفترة من يناير/كانون الثاني حتى منتصف مارس/آذار تقريباً، كانت مدينة ووهان وبالتحديد سوق الحيوانات البرية تتصدر التقارير على أنه مصدر فيروس كورونا، لكن مع مرور الوقت وظهور دراسات تشير إلى وجود حالات عدوى بالفيروس في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا خلال نفس الفترة التي ظهرت فيها حالات في الصين (أي ديسمبر/كانون الأول 2019 ويناير/كانون الثاني 2020)، أضفت مزيداً من عدم اليقين على نشأة الفيروس ووهان وسوقها.
وقد نشرت دورية Lancet العلمية دراسة في يناير/كانون الثاني 2020، أظهرت أن ثلث عدد حالات العدوى الأولى بفيروس كورونا في الصين لم تكن لها أي صلة بسوق الحيوانات البرية في ووهان.
لكن أين نشأة الفيروس ومتى بالتحديد لا تزال معلومات مجهولة ليس عليها إجماع، وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام انتشار نظريات المؤامرة وتبادل الشائعات بين الصين والدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة. وقد روّج البعض ومنهم الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب لاحتمال أن يكون الفيروس قد نشأ في معمل يووهان، رغم أن العلماء يقولون إن هناك أدلة علمية شبه قاطعة أن فيروس كورونا نشأ في البرية من خلال أحد الحيوانات، أو بمعنى آخر فيروس طبيعي لم يتم تخليقه في المعمل.
لماذا تتفاوت أعراض كورونا وتأثيره بين شخص وآخر؟
في بداية التعرف على كوفيد-19 الذي يسببه فيروس كورونا، كان معروفاً أنه مرض يصيب الجهاز التنفسي، لكن مع مرور الأيام والشهور ظهرت أعراض ومضاعفات صحية متنوعة للمرض: فهناك من يفقد حاسة الشم، وهناك من يصاب بالقيء والإسهال أو تلون في أصابع اليد والقدم، وهناك من تعرضوا لأضرار في المخ والجهاز العصبي.
والآن نعرف أن بعض من تعافوا من كوفيد-19 يعانون من أعراض مستمرة، منها التوتر والإجهاد المزمن وأضرار المخ، وأظهرت دراسة نشرتها دورية British Medical Journal، في أغسطس/آب الماضي، أن 10% من المتعافين من كوفيد-19 عانوا من أعراض مرضية لأكثر من 12 أسبوعاً بعد التعافي.
لكن العلماء حتى الآن لا يعرفون المدى الزمني لاستمرار أعراض ما بعد التعافي، كما لم يتوصلوا بعد لتفسير تعرُّض بعض المتعافين لتلك الأعراض، وعدم تعرض البعض الآخر لها. وعلى سبيل المثال، نشرت تفاصيل حالة في دورية علمية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لتوأم عمرهما 60 عاماً أصيبا بكوفيد-19، وكان تأثير الفيروس عليهما مختلفاً تماماً، حيث غادر أحدهما مستشفى العزل بعد أسبوعين دون أن يعاني من أي أعراض أو مضاعفات بعد التعافي، بينما تدهورت حالة الآخر، وهو ما اضطر لنقله إلى العناية المركزة ووضعه على جهاز التنفس الصناعي.
وقد ضاعفت حالة التوأم هذه من الغموض المحيط بتأثير الفيروس المتفاوت من شخص لآخر، وهو ما يشير لحاجة العلماء والباحثين لمزيد من الوقت، حتى يتمكّنوا من فهم فيروس كورونا المستجد بصورة أكثر دقة، وبالتالي يمكنهم من وجود تفسيرات مؤكدة لما يتعلق به من تفاصيل، سواء كيفية انتقال العدوى أو تأثير الفيروس على من يصاب به، ولماذا يتعرض البعض لمضاعفات أكثر حدة من غيرهم.