انقلاب محتمل قد يحدث في العلاقة بين بايدن وشركات التكنولوجيا الكبرى بعد أن طفح الكيل منها في المجتمع الأمريكي، حتى صارت العدو المشترك للحزبين الجمهوري والديمقراطي.
فكيف ستكون العلاقة بين بايدن وشركات التكنولوجيا الذين هم حلفاء تقليديين للديمقراطيين، ولماذا الرئيس الجديد مضطراً للتعامل مع هذا الملف؟
العلاقة بين بايدن وشركات التكنولوجيا الكبرى تخضع لضغوط
حتى الآن، يبدو أن الرئيس المنتخب جو بايدن لن يغير من تعامل الإدارة الأمريكية مع سيليكون فالي.
فالطبقة العليا في الصناعة موّلت حملته الانتخابية، ومن المحتمل أن يتولى عدة مسؤولين تنفيذيين بشركات التقنية مناصب رفيعة في الإدارة القادمة. وبعد أربعة أعوام غير متوقعة، عادت المناقشات حول السياسات إلى سابق عهدها، وبدأت الشركات تستعد لاستعمال الأساليب القديمة للضغط السياسي.
لكن ما يبدو لأول وهلة عودة إلى الماضي ليس كذلك: فالمزاج العام والسياق تغيّرا، والعلاقة الودودة بين الحزب الديمقراطي وكبرى شركات التقنية على وشك أن تتحول إلى خلافات ضخمة، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
ودعوى مكافحة الاحتكار، التي رفعتها لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية والنائب العام في نيويورك وولايات أخرى في العاشر من ديسمبر/كانون الأول، ستكون على الأرجح مجرد البداية في حملة متوقعة منذ مدة طويلة على سيليكون فالي، بغض النظر عن الحزب المسيطر على البيت الأبيض.
إليكم الأسباب التي ستجعل الأعوام الأربعة المقبلة عصيبة على شركات التقنية الكبرى:
1- فشل التنظيم الذاتي
من أقيم الأصول لدى شركات التكنولوجيا حصولها على إذن ثقافي لتجربة كل ما هو جديد. ويتحمل العامة الخطاب المتعالي والمواقف القانونية المتراخية في مقابل الأفكار الإبداعية التي حسنت الوضع القائم بدرجة كبيرة. لكنها كانت صفقة من يبيع روحه للشيطان، إذ يجلب الإبداع غير المقيد معه شبح النمو الخارج عن السيطرة.
فحين نسمع عن الخطر الواقع على جيران محال الإقامة على منصة Airbnb للتأجير وترتيب الأجازت، أو فشل تويتر في وقف التحرش المستشري على المنصة، أو نشر منصة يوتيوب للتطرف بين مشاهديها بخوارزمية ترشح المحتوى المتطرف، نرى الآثار المدمرة التي يمكن أن تتسبب فيها شركات التقنية وعدم رغبتها في السيطرة على جشعها.
لذا تحول النقاش من مسألة ما إذا كان فرض القواعد التنظيمية ضرورياً إلى من ينبغي له وضع هذه القواعد ومدى صرامتها.
وقد يكون محور العلاقة بين بايدن وشركات التكنولوجيا في ظل رئاسته المرتقبة.
2- الثقة اهتزت
الوعود التي قطعتها الشركات الكبرى في المجال تُقابل الآن بالشك. قبل حملة الانتخابات الرئاسية في 2016، كنا نتساءل عما إذا كان مارك زوكربيرغ سيترشح للرئاسة الأمريكية أم لا.
الآن، نتساءل عن كيفية احتفاظه بمنصب المدير التنفيذي لفيسبوك كل هذا الوقت. فبعد عقدٍ من الخطابات الرنانة عن عالمٍ مفتوح ومتصل، يرى الرأي العام فيسبوك على حقيقتها الآن: شركة كبرى جائعة للبيانات تهرب من المحاسبة وتجعل مستخدميها يدمنون على منتجاتها.
حتى داخل الشركة، تقول استطلاعات إن نصف العاملين بالشركة تقريباً يرون أن لمنتجاتها أثراً إيجابياً على العالم. لقد صار زوكربيرغ، الذي كان يوماً ما رمزاً لمستقبل أفضل، الشرير دارث فيدر في سيليكون فالي.
ووصل الأمر إلى حد أن مدينة سان فرانسيسكو، حيث يمتلك زوكربيرغ منزلاً، تسعى إلى إزالة اسم زوكربيرغ من المستشفى العام، قائلة إنه خطر على الصحة العامة.
3- الغضبة من الحزبين
لا يتفق الديمقراطيون والجمهوريون على الكثير هذه الأيام، لكنهم يتفقون على أن قطاع التكنولوجيا صار قوياً أكثر من اللازم. سواء تدمير أمازون الممنهج للشركات الأصغر، أو إنستغرام الذي استحوذ على انتباه الشباب، أو ممارسات أوبر التي تستغل العمال، يشعر الأمريكيون باختلال التوازن.
ومع أن منتجات هذه الشركات ما زالت لها شعبية واسعة لدى المستهلكين، يبدو أن إجماعاً يتنامى على أن تركز سلطة اتخاذ القرار في أيدي حفنة من المليارديرات خطر على المجتمع والديمقراطية. ولم تكن دعوة السيناتور إليزابيث وارين إلى تنظيم وتفكيك شركات التقنية الضخمة إلا ضربة البداية، فمواجهة هذه الشركات العملاقة سيصبح ممارسة شائعة في عصر الشعبوية الاقتصادية، وسيمثل ضغطاً على العلاقة بين بايدن وشركات التكنولوجيا.
4- كبت المساءلة داخل سيليكون فالي
اعتادت غوغل أن تعِد بعمل الخير والبعد عن الشر، والآن يبدو أنها تكبت أي شخص يُشير إلى أنها قد تتسبب في بعض الأذى. فالجدل المحيط بإقالة تيمنت غيبرو، الباحثة في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في غوغل، يُظهر مدى سوء الأوضاع الآن.
شاركت غيبرو في تأليف ورقة بحثية تحذر من الآثار المجتمعية الناجمة عن استعمال نماذج لغوية ضخمة، وهذه طريقة لتعلم الآلة تستعملها الشركة في مواطن عديدة، وبعدها أقيلت من منصبها وسط الكثير من اللغط. تسبب هذا في غضبة واسعة داخل غوغل نفسها، ما أدى إلى توقيع 1400 موظف خطاب احتجاج، وحديث آخرين علناً للدفاع عنها.
5- الحزب الديمقراطي بأسره تحول إلى اليسار قليلاً
إحدى النقاط الذي ستؤثر على العلاقة بين بايدن وشركات التكنولوجيا تغير الحزب الديمقراطي داخلياً.
تتضمن الطبقة التنفيذية في سيليكون فالي مؤيدين بارزين لترامب، لكنهم قليلون في الصفوف الأدنى. وقد تحول أهل سيليكون فالي الليبراليين في معظمهم – ومعهم بقية الحزب الديمقراطي – إلى اليسار بخصوص قضايا محورية مثل حقوق العمال وتفاوت الثروات والهجرة والعدالة والشرطة.
واليوم، لن يتسامح الجناح الناشط في الحزب مع الأريحية التي تعامل بها الرئيس السابق باراك أوباما مع غوغل وشركات التقنية العملاقة الأخرى. يُمارس الآن ضغط على شركات التكنولوجيا لاتخاذ مواقف علنية أكثر تقدمية بخصوص قضايا تهم القوى العاملة، مثل الجدل الدائر مؤخراً عن محاولات شركة العملات المشفرة الناشئة Coinbase القضاء على أي نقاش للتمييز والعرقية داخلها.
6- الرأي العام يعي الجانب المظلم للتكنولوجيا
لوقتٍ طويل، كانت المزايا التي تقدمها الهواتف الذكية والبرمجيات الأنيقة والاتصال الدائم واضحة لدرجة أن أي تكاليف بدت ضئيلة بالمقارنة بعيوبها.
لكن بعد عقدٍ من الالتصاق بأجهزتنا، بدأ الناس يشككون في هذه المعادلة. فمع أن استعمال الأجهزة زاد، إلا أن الرضا عن أسلوب الحياة الذي يتسم بالاتصال الرقمي الدائم أصبح أقل كثيراً الآن.
والقضايا المجردة، مثل فقدان الخصوصية والآثار البالغة للشبكات، صار الآن واقعية وشخصية: كلنا شهدنا كيف أن ما نفعله على شبكة الإنترنت يؤدي إلى إعلانات متطفلة تتبعنا في كل مكان على غوغل وفيسبوك، ورأينا كيف تُقصى الشركات الأصغر والمحال من المعادلة لعجزها عن منافسة الأفضلية اللوجستية والاقتصادية الضخمة عند الشركات الكبرى، من بينها الحوافز الضريبية والتنظيمية التي تمكنت هذه الشركات من شرائها.
7- مستقبل العمالة وغياب المساواة أصبح قضية محورية
لا تحرك الكثير من القضايا قواعد الناخبين الديمقراطيين مثلما تحركهم مسألة تحجيم سلطة الشركات الكبرى ومواجهة تهرب الأغنياء من الضرائب. صارت شركات مثل أمازون رمزاً لكل ما يعارضه هؤلاء: إساءة معاملة الموظفين، والاستحواذ القسري على الشركات، وتركز في الثورة يجعل البارونات اللصوص أشبه بصغار المجرمين إلى جانب شركات التكنولوجيا.
وعليه سيكتسب نجوم المستقبل السياسيين الصاعدين أهميتهم وشهرتهم من التصدي لشركات التكنولوجيا. لن يكون المرشحون السياسيون القادمون من أمثال زوكربيرغ، بل من أمثال النائب العام الذي يحاول رفع قضايا منع الاحتكار، أعضاء مجالس الشيوخ الذين يراقبون شركات التواصل الاجتماعي، وأعضاء مجلس النواب الذين يستجوبون المديرين التنفيذيين في الكونغرس.