في مناورة عسكرية مُشتركة هي الأولى من نوعها على صعيد النطاق الجغرافي، وحجم المشاركة فيها، أجرت أجنحة عسكرية تابعة لـ الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، الثلاثاء 29 ديسمبر/كانون الأول 2020، أول مناورة عسكرية فيما بينها بالذخيرة الحية، وتهدف المناورة، بحسب الجهة المُنظمة لها وهي "الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة"، إلى "رفع كفاءة وجهوزية المقاتلين للقتال في مختلف الظروف".
وتُحاكي المناورة، التي حملت اسم "الركن الشديد"، التعامل مع سيناريوهات متعددة للتصدي لهجمات إسرائيلية من البر والجو والبحر. وافتُتحت المناورة بإطلاق رشقات صاروخية باتجاه البحر المتوسط، كما استُخدمت فيها طائرات مُسيرة وراجمات صواريخ، وشملت عمليات عسكرية مختلفة تحاكي اقتحام مواقع وقتال في البحر.
أول مناورة عسكرية مشتركة في الأراضي الفلسطينية، دلالة التوقيت والمضمون
يرى خبراء ومراقبون أن هذه المناورة تحمل رسائل سياسية وعسكرية ذات أهمية لافتة، لاسيما في ظل الأوضاع التي يمر بها قطاع غزة، والإقليم بشكل عام.
وفي مايو/أيار 2018، أُعلن في غزة عن تشكيل "غرفة العمليات المشتركة" التي تضم الأجنحة المسلحة للفصائل الفلسطينية، عدا حركة "فتح" التي يتزعمها الرئيس محمود عباس.
وينضوي تحت مظلة الغرفة المشتركة، 12 فصيلاً مُسلحاً، أبرزها "كتائب القسام"، الذراع المسلحة لحركة "حماس"، و"سرايا القدس" الجناح المسلح لحركة "الجهاد الإسلامي".
وقال "أبوحمزة"، المتحدث العسكري للمناورة العسكرية، خلال مؤتمر صحفي، إنها تأتي "تتويجاً لفترة من الإعداد والتدريب العسكري المشترك، وتجسيداً لجهود المقاومة في رفع جهوزيتها القتالية بشكل دائم".
وأضاف أن هدف المناورة "التأكيد على وحدوية قرار المقاومة في خوض أي مواجهة تُفرض على الشعب في أي زمان". وتابع: "فصائل المقاومة لن تسمح للعدو الصهيوني بفرض قواعد اشتباك لا ترضاها".
نواة جيش فلسطيني موحّد في مواجهة الاحتلال
ويعتبر عدنان أبوعامر، الكاتب والمحلل السياسي، أن إجراء المناورة بهذا المستوى من التنسيق يُعبر عن حالة من "التوافق والانسجام الداخلي بين الفصائل في غزة".
ويقول "أبوعامر" لوكالة الأناضول، إن هذا التنسيق يعطي نموذجاً لإمكانية تشكيل قوة عسكرية موحدة أشبه بـ"الجيش" في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، برغم أن الحالة الفلسطينية في "مرحلة دفاعية". ويضيف أن هذه المناورة "ذات طابع دفاعي" لتحصين الجبهة الداخلية، وإبداء جاهزية الأجنحة العسكرية.
من جهته، أكد عضو في الغرفة المشتركة للفصائل الفلسطينية لوكالة "فرانس برس" رفض الكشف عن هويته، أن هذه مناورات "واحدة من عدة مناورات عسكرية ستجرى في الأشهر المقبلة"، موضحاً أنها "ستمهد لتشكيل نواة لجيش فلسطيني موحد".
وبالعودة لاحتمالات الاستعداد لاندلاع مواجهة قريبة مع جيش الاحتلال، يقول أبوعامر إن "المقاومة تتحسّب لإمكانية شنّ إسرائيل عدواناً على غزة؛ استغلالاً للأيام الأخيرة للرئيس الأمريكي ترامب في البيت الأبيض". موضحاً أن "غزة تُرسل رسالة بأنها على أتم الاستعداد والجاهزية لمواجهة أي عدوان".
من جهته، قال أبوحمزة المتحدث العسكري للمناورة، إن هذه المناورات "تنفذ بالذخيرة الحية عبر سيناريوهات متعددة ومتنوعة على امتداد قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، وتحاكي تهديدات العدو المتوقعة"، مضيفاً أن المناورات الدفاعية "تهدف إلى رفع كفاءة وقدرة مقاتلي المقاومة للقتال في مختلف الظروف والأوقات"، وهي "تأكيد على جهوزية المقاومة للدفاع عن شعبنا في كل الأحوال وتحت كافة الظروف"، مؤكداً أن "قيادة المقاومة جاهزة لخوض أية معركة للدفاع عن شعبنا وأرضنا".
رسائل تهديد من غزة إلى القادة الإسرائيليين
ويرى محللون أن هذه المناورات تأتي في توقيت سياسي وعسكري في خضم توتر قائم بين غزة وإسرائيل، وعدم تجاوب الأخيرة لمطالب الأولى، لاسيما في تحسين الأوضاع الإنسانية الصعبة للسكان ومواجهة جائحة كورونا.
ويعاني قطاع غزة من أوضاع إنسانية كارثية بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 14 عاماً، تفاقمت في ظل انتشار فيروس كورونا وارتفاع الإصابات والوفيات.
وتتهم الفصائل الفلسطينية إسرائيل بالتلكؤ في تنفيذ استحقاقات تفاهمات التهدئة القائمة، على صعيد تخفيف الحصار، والسماح بتوريد الأدوية والمعدات لمواجهة كورونا.
وفي السياق، يرى المحلل السياسي مخيمر أبوسعدة أن المناورة المشتركة للفصائل الفلسطينية تحمل رسالة تهديد إلى إسرائيل، عبر استعراض إمكانياتها وقدراتها العسكرية.
ويقول "أبوسعدة" الذي يعمل محاضراً للعلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، إن توقيت المناورة – الذي يتزامن مع ذكرى الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة عام 2008- يأتي في ظل عدم حدوث انفراجة على صعيد الأوضاع المعيشية في غزة.
ويضيف للأناضول: "الوضع الاقتصادي سيئ جداً، وأزمة كورونا خلّفت تداعيات سيئة على غزة، إضافة إلى أن هناك اشتراطات إسرائيلية فيما يتعلق بوصول مواد الفحص والتطعيمات".
ماذا عن التفاهمات حول التهدئة أو ملف تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل؟
يستبعد "أبوسعدة" حدوث اختراق في ملف تفاهمات التهدئة أو تبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل، لا سيما بعد قرار حلّ الكنيست الإسرائيلي والتوجّه نحو انتخابات رابعة في مارس/آذار المقبل.
ويتفق "أبوعامر" مع "أبوسعدة" في عدم إحداث المناورة تأثيراً مباشراً في هذين الملفين، إلا أن الأول يرى أن تفاعلات هذه المناورة قد تُسفر فيما بعد عن تطورات في كواليس محادثات التهدئة، أو ملف تبادل الأسرى.
وتحتفظ "حماس" بأربعة إسرائيليين، بينهما جنديان، أُسرا خلال الحرب الإسرائيلية على غزة صيف 2014 (دون الإفصاح عن مصيرهما أو وضعهما الصحي)؛ في حين دخل الاثنان الآخران غزة فيما بعد، في ظروف غير واضحة.
ويرجّح "أبوسعدة" إمكانية حدوث تصعيد عسكري وميداني في غزة، خاصة في الفترة التي تسبق إجراء الانتخابات الإسرائيلية. ويتوقّع أن يستغل معارضو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه المناورة، كمادة انتخابية ضده في الانتخابات القادمة، وتحميله مسؤولية تنامي القدرات العسكرية لحماس والفصائل.
مناورة الردع.. "تثبيت قواعد أساسية للاشتباك مع العدو"
من جهته، يقول الباحث في الشؤون العسكرية إبراهيم حبيب لفرانس برس، إن "المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام، تريد تثبيت قواعد أساسية للاشتباك مع العدو: القصف بالقصف والفعل بمثله"، لكنه رأى أن نجاح المناورات يتوقف على "الدعم السياسي والجماهيري". ويضيف أن هذه المناورات "قد تؤدي إلى دمج بعض القوى الكبرى مع بعضها لتكون نواة جيش فلسطيني موحد".
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية جمال الفاضي للوكالة الفرنسية أن هدف حماس هو تأكيد أن "القطاع ما زال حياً بمقاومته ويجب أخذ هذا الأمر في الاعتبار في أي تغييرات سياسية إقليمياً". ويشير إلى أن "المقاومة أرادت أيضاً تهيئة الشعب عملياً للتعامل مع أي مواجهة عسكرية أو حرب مع إسرائيل".
بدورها، عقّبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية على المناورة المشتركة للفصائل في غزة، قائلة إن حركة "حماس" ترد على التهديدات الإسرائيلية بـ "مناورة ردع".
وقالت الصحيفة في عددها الصادر الثلاثاء، إن حماس تتابع التصريحاتٍ في إسرائيل عن استعداد الأخيرة للمواجهة، وترى المناورات الكبرى التي نفذتها القيادة الجنوبية وفرقة غزة (في الجيش الإسرائيلي) قبل أسابيع، والتي تركزت على محاكاة عملية احتلال قطاع غزة.
وقرأت الصحيفة المناورة بأنها "تعبير عن حالة عدم اليقين في الفترة الانتقالية بين إدارة ترامب وإدارة بايدن". واعتبرت أن إيران ومنظمة "حزب الله" اللبنانية و"حماس"، مقتنعون بأن إسرائيل والولايات المتحدة تنويان استخدام أيام ترامب الأخيرة "لتصفية الحسابات". وتعليقاً على ذلك، يقول "أبو عامر"، إن غزة قد تكون الجبهة الأقل خطورة من لبنان أو غيرها، ولكنها الأكثر إيلاماً لإسرائيل في حال اندلاع مواجهة.
"الفصائل الفلسطينية تمر بحالة نضج"
في سياق متصل، يقول وسام عفيفة، الكاتب والمحلل السياسي، إن إجراء المناورة بهذا الشكل والحجم يُعبر عن "حالة نضج" لدى الأجنحة العسكرية الفلسطينية.
ويضيف "عفيفة" أن جهود التنسيق وتطوير العمل الميداني المشترك مرّت بتجارب ومحاولات سابقة، واستنزفت جهوداً وتضحيات. ويقول: "على مدار العقود الماضية شكّلت حالة العمل المنفرد للفصائل الفلسطينية نقطة ضعف، استثمرتها إسرائيل عبر الاستفراد بكل فصيل".
ويرى أن هذه الحالة "مثّلت عامل استنزاف للشعب الفلسطيني في مواجهته للاحتلال الإسرائيلي"، مستدركاً أن "رفع مستوى التنسيق يسدّ هذه الثغرة الخطيرة".
وعلى الصعيد الفلسطيني الداخلي، يوضح "عفيفة" أن أحد أهداف المناورة هو رفع مستوى ثقة الشعب الفلسطيني بفصائل المقاومة، باعتباره "الحاضنة الشعبية التي يرتكز عليها العمل المقاوم".
وختم بالقول إن "المقاومة" في غزة "تستشعر الخطر المحدق بالحالة الفلسطينية عموماً، وتعتبر أن من يملك القوة والجهوزية يستطيع إثبات نفسه كرقم مهم في المعادلة الإقليمية".