زيارة وفد مصري إلى طرابلس للمرة الأولى منذ نحو ست سنوات وإجراء لقاءات مع حكومة الوفاق حدث هام بكل المقاييس، فما قصة الحريات الأربع التي طالبت ليبيا بتفعيلها؟
ما هي الحريات الأربعة؟
الحريات الأربع عبارة عن اتفاقيات مشتركة تتعلق بـ"الإقامة والعمل والتنقل والتملك" وقعتها مصر وليبيا منذ تسعينات القرن الماضي، والمفترض أن تلك الاتفاقيات تمنح مواطني البلدين الجارين حرية التنقل والإقامة دون الحاجة لتأشيرة دخول وكذلك العمل والتملك.
لكن واقع الأمر هو أن تلك الاتفاقيات شهدت تبايناً واضحاً في تنفيذها منذ مطلع القرن الحالي، وقامت ليبيا في عهد معمر القذافي بفرض رسوم على دخول المصريين إليها وذلك منذ يونيو/حزيران 2009، وكذلك فرض إجراءات على العمالة المصرية الوافدة إلى ليبيا براً تحتِّم حصول العامل على عقد عمل موثق كشرط للسماح له بالدخول.
وفيما يخص حق التملك فإنه أيضاً لم يتم تفعيله بالنسبة للمصريين في ليبيا، عكس حال الليبيين في مصر الذين يمكنهم التملك سواء للمسكن أو العمل.
ومنذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011 ودخول ليبيا في مرحلة عدم استقرار واضطرابات مسلحة استمرت سنوات قبل التوصل لاتفاق الصخيرات عام 2015 وتشكيل حكومة الوفاق المعترف بها دولياً ومقرها طرابلس، أصبحت العلاقات بين القاهرة وطرابلس في أدنى مستوياتها على الإطلاق، مع دعم مصر لانقلاب خليفة حفتر على الحكومة ومحاولته اقتحام طرابلس مطلع إبريل/نيسان 2019.
كم عدد المصريين في ليبيا؟
قبل عام 2011، كانت التقديرات الرسمية تشير إلى أن عدد المصريين المقيمين في ليبيا يبلغ نحو مليونين، تمثل غالبيتهم العظمى ما تعرف بالعمالة الحرة، أي العامل الذي يتوجه براً أو جواً إلى ليبيا دون أن يكون لديه عقد عمل، ومن ثم يبحث عن عمل ويقيم هناك.
ونظراً لقرب المسافة بين البلدين وتوفر إمكانية السفر براً، كانت ليبيا في مطلع تسعينات القرن الماضي تمثل الوجهة الأولى للمصريين للبحث عن فرصة عمل، بعد دول الخليج، وكانت حرية التنقل وعدم الحاجة لتأشيرة دخول عاملاً رئيسياً في ارتفاع عدد المصريين في ليبيا، حتى إن بعض التقديرات غير الرسمية تحدثت عن وجود نحو 6 ملايين مصري في ليبيا وليس مليونين فقط.
لكن منذ عام 2011 وحتى 2015، غادر كثير من المصريين ليبيا بسبب الأوضاع الأمنية المتردية وفقدان فرص العمل، وأشارت التقديرات إلى انخفاض عدد المصريين في ليبيا إلى ما بين 750 ألفاً ومليون في تلك الفترة، وإن كانت تقديرات أخرى غير رسمية أشارت إلى أن الرقم أعلى من مليون ونصف المليون.
وحالياً تشير التقديرات الرسمية إلى أن عدد المصريين المتواجدين في ليبيا يتراوح بين 200 و250 ألف شخص يتركز معظمهم في طرابلس العاصمة وفي بني غازي في الشرق، وإن كانت التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن العدد أكبر بكثير ويصل إلى مليون مصري.
وفي المقابل يوجد في مصر جالية ليبية تقدر بنحو 20 ألف ليبي أغلبهم من الدارسين فى الجامعات أو الموفدين من قبل الحكومة الليبية للعمل باحثين أو في المقرات الدبلوماسية، بجانب عمل آخرين في مجالات الاستثمار أو الإعلام وغير ذلك.
ماذا تعني زيارة الوفد المصري؟
وسائل إعلام تابعة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس نقلت عن مصدر دبلوماسي قوله إن زيارة الوفد المصري تعد بداية أولى نحو محاولة إعادة العلاقات الدبلوماسية إلى شكلها الطبيعي، ومطالبة الجانب الليبي بتفعيل الاتفاقية المشتركة المتعلقة بالحريات الأربع، إلى جانب الملاحة الجوية، وإعادة فتح الأجواء نحو مطار القاهرة، وتقديم الخدمات القنصلية من داخل طرابلس.
كما تحدثت وسائل الإعلام المصرية عن زيارة الوفد المصري الذي ضم مسؤولين دبلوماسيين وأمنيين برئاسة وكيل عام جهاز المخابرات العامة المصرية ورئيس اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي اللواء أيمن بديع، لمقر السفارة المصرية المغلقة في طرابلس، في إشارة على احتمال إعادة فتح السفارة قريباً.
ويرى بعض المراقبين أن زيارة الوفد المصري ربما تنمُّ عن تحول في الموقف المصري الداعم لخليفة حفتر والسعي بجدية إلى إنجاح المسار الدبلوماسي القائم حالياً، خصوصاً أن حفتر غير متحمس لذلك المسار منذ بدايته وقد يسعى لتكرار هجومه الفاشل على طرابلس مرة أخرى في أي وقت، وهو السيناريو الذي أصبح محتملاً بقوة بعد تصعيد حفتر قبل أيام تجاه تركيا التي تدعم حكومة الوفاق، ورد أنقرة على لسان وزير دفاعها خلوصي أكار والذي وجه فيه تهديداً مباشراً لحفتر وداعميه.
ويرى بعض المحللين أن زيارة الوفد المصري لطرابلس لا يمكن أن تكون بعيدة عن هذه التطورات الكلامية حتى الآن، ويظل السؤال قائماً بشأن حقيقة الموقف المصري من دعم حفتر ومغامراته العسكرية، وهو ما ستكشف عنه الأيام القليلة المقبلة.
فقد دعا حفتر الجمعة 25 ديسمبر/كانون الأول الجاري قواته إلى حمل السلاح مجدداً لـ"طرد المحتل" التركي، في إشارة إلى أنقرة التي صادق برلمانها الثلاثاء على مذكرة تقضي بتمديد نشر عسكريين في ليبيا لمدة 18 شهراً. وقال حفتر: "اليوم نذكّر العالم بموقفنا الثابت بأنه لا سلام في ظل المستعمر ومع وجوده على أرضنا".
وقال أكار "على هذا البلطجي المجرم حفتر وأنصاره أن يعلموا أنه في حالة وقوع أي محاولة هجوم على القوات التركية، فستُعتبر قوات القاتل حفتر أهدافاً مشروعة في كل مكان". وأضاف "يجب أن يضعوا هذا في رؤوسهم. إن هم فعلوا شيئاً كهذا، فلن يجدوا أمامهم مكاناً يفرون إليه". وتابع "على الجميع أن يساهم في التوصل لتسوية سياسية هنا. أي تحرك غير هذا سيكون خاطئاً".
وخلال الأسابيع الأخيرة، أصبحت مواقف واشنطن أكثر تشدداً مع معسكر حفتر، حيث اتهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، روسيا بإثارة عدم الاستقرار في دول البحر المتوسط، ومن بينها ليبيا، الأمر الذي نفته موسكو.
كما أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية ميليشيا الكانيات وقائدها محمد الكاني التابعين لحفتر ضمن قائمة العقوبات، إضافة إلى الدعاوى القضائية المرفوعة ضد حفتر نفسه في المحاكم الأمريكية بتهم قتل، والتي قد تتسبب في مصادرة ممتلكاته هناك، والمقدرة بـ8 ملايين دولار.
وأمهلت محكمة فرجينيا وزارة الخارجية الأمريكية حتى 3 يناير/كانون الثاني القادم لإبداء الرأي في وجود "حصانة رئاسية أو شبه رئاسية" لحفتر بحسب محاميه، وعدم حصول حفتر على أي منصب سيادي إلى غاية هذا التاريخ سيعقد موقفه أمام القضاء الأمريكي.