يقضي الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب الأسابيع الأخيرة في المنصب في المسعى نفسه الذي استمر فيه في الأعوام الماضية: إشعال النار في العلاقات التي سهلت فوزه بالرئاسة.
على مدار الأيام الماضية، هدد الرئيس بالدفع بمرشحين في الانتخابات الابتدائية ضد جمهوريين بارزين، وتخلص من مسؤولين بإدارته من بين حلفائه الأقوى، وهدد بتمرير مشروعات قوانين أُعِدَّت بالمشاركة في مع فريقه، وانقلب على مسؤولين رفضوا مساعدته في التشبث بالسلطة.
وداخل البيت الأبيض، كانت الاستجابة لكل ما يفعله هي قلق متزايد مصحوباً باستسلام لأسلوب العمل المعتاد من الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين. إن اعتداد ترامب بذاته ليس سراً. لكن هذه الخصلة لم تظهر بهذه الوضوح من قبل وفي ظروف بهذه الأهمية، وفي وقتٍ يهاجم فيه فريقه القانوني وإدارته العمليات الديمقراطية بطريقة معادية للديمقراطية بهذه الفجاجة، بحسب تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي.
يقول أحد الأشخاص كان حاضراً في نادي ترامب الخاص في فلوريدا، مارالاغو، وتلقى منه التوبيخ: "لقد قضى الرئيس أغلب عطلة أسبوع عيد الميلاد في مارالاغو يتحدث عن الجمهوريين الذين لا يفعلون ما يريده ويتصرفون مثل الفاشلين والانهزاميين". ويؤكد المصدر أن ترامب، حتى خلف الأبواب المغلقة، "لا يجد الكثير مما يسعده".
لكن تصرفات ترامب تثير تساؤلات عن مستقبله أيضاً، وتسلط الضوء مرة أخرى على المعضلة الأساسية في مسيرته السياسية: كيف يمكن لشخص يحرق كل هذه الجسور ألا يجد نفسه وحيداً في النهاية؟!".
لا أحد يريد البقاء معه
يقول سام نانبيرغ، مؤيدٌ لترامب ومستشار سياسي سابق: "إنه لم يعد رجل الأعمال المشهور كما كان في نيويورك. الآن هو عضو في نادي رؤساء الفترة الواحدة، التي تضم حصراً جيمي كارتر وجورج بوش الأب. وقد انتقل من التعامل مع هذا بطريقة كانت لتساعده في الحفاظ على قاعدة نفوذه إلى نشر نظريات المؤامرة وتسليم مقاليد الأمور لأحمقين ثرثارين هما رودي جولياني وسيدني باول.. ولا أحد يرغب في الانتحار معه. فنحن لسنا في حصن في نهاية الحرب العالمية الثانية. إننا في أرض المجانين".
لطالما صور ترامب نفسه في ص§ورة هادم التماثيل. وتهوره كان مميزاً حتى في نيويورك في الثمانينات. وحبه للظهور جعله أخرق في وسط معاصريه. وكان يفكر في البداية في الترشح للرئاسة مستقلاً عن الحزبين. وحتى حين حصل على ترشيح الحزب الديمقراطي، كان حصوله عليه ضمن استحواذ عدائي.
ومن المفاجآت أن ترامب التزم في الوقت الذي قضاه في المنصب بأجندة جمهورية تقليدية. لكن ترامب لم يكن جزءاً من الحزب فعلياً، على الأقل ليس بالمقارنة بنائبه مايك بينس. ولا كان سياسياً تقليدياً، إذ لم يُظهر الولاء لمساعديه ولا للمشرعين الجمهوريين، ولا لوزرائه. وقد أقال بعضهم على تويتر، وسخر من منتقديه الجمهوريين، وطارد المشككين فيه، ووبخ قادته حين لم يطيعوا أوامره.
هجوم مستمر على معارضيه
لكن حتى بهذه المعايير، كانت الأيام القليلة الماضية صادمة من فرط الدمار. فقد هاجم ترامب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، السيناتور ميتش ماكونيل عن ولاية كنتاكي، لأنه اعترف بفوز جو بايدن في الانتخابات، وهدد بالدفع بمرشح في الانتخابات الابتدائية أمام السيناتور جون ثون عن ولاية ساوث داكوتا، لأنه لم ينصَع لمحاولات ترامب حجب التصديق على نتائج الانتخابات، وأزاح النائب العام بيل بار من إدارته، لأنه لم يستغل موارد وزارة العدل بما يكفي لتغيير نتيجة الانتخابات، وانقلب على مستشار بالبيت الأبيض بات سيبولون، لأنه لم يدعم مبادراته السلطوية مثل الاستيلاء على ماكينات التصويت، وعقد صفقة لمنح موسكو ضم الصحراء الغربية انتقاماً من السيناتور جيمس إنهوف (المعارض للضم)، الذي رفض استعمال مشروع قانون دفاعي في ملاحقة شركات التواصل الاجتماعي مثلما أراد ترامب. وهاجم القيادة الجمهورية في جورجيا، بينما تستعد الولاية لانتخابات الإعادة التي قد تحدد الحزب المسيطر على مجلس الشيوخ.
مؤخراً، أشعل ترامب النيران في مشروع قانون لحزمة إنقاذ شارك وزير ماليته في المفاوضات المؤدية إليها، وهدد بعدم التوقيع على مشروع قانون لتمويل الحكومة بسبب بنودٍ اتفقت إلى حد كبير مع مطالب مكتب الموازنة. ولمن اشتكوا من سلوكياته المضطربة والمتقلبة، واجههم ترامب بالفظاظة والتحدي.
"لا يهمني"
"لا يهمني".. قالها ترامب في اجتماعات خاصة في الأيام الماضية، قاصداً انتقادات المحافظين لمعارضته لمشروعات قوانين التمويل، وفقاً لشخصين على اطلاع بهذه الاجتماعات. ومضى ترامب ليتهم الجمهوريين بأنهم لم يقدموا له ما يكفي، وفقاً للمصدر. ويذكر أحد من تحدثوا لترامب أنه لفت نظر الرئيس برفق إلى أن معارضته لتشريع حزمة الإنقاذ قد يصعب الأمور على حلفائه الجمهوريين في واشنطن وجورجيا، ليرد ترامب رداً أشبه بـ"هكذا الحياة". وانتقل الرئيس سريعاً إلى التذمر من أن هؤلاء الجمهوريين المنتخبين كان ينبغي عليهم التركيز على "التزوير" في انتخابات 2020 وقلب الانتصار الواضح لمنافسه جو بايدن، والشكوى من أنهم لا يحاربون بعدوانية كافية ولم يكوّنوا جبهة متحدة بخصوص هذا الأمر.
لكن تجاهل ترامب لحزبه وانقلابه على أكبر مساعديه في وقت الأزمة لم يكن مفاجئاً لمن تعرضوا لغضبة ترامب من قبل. فالقليل من العلاقات مع ترامب تنتهي في حالٍ أفضل مما بدأت عليه.
ونانبيرغ مثال على ذلك. حين انضم إلى حملة ترامب، انضم إليها مع أن ترامب "استنزف المال من شركة والدي". لكن ما فات يمكن أن يموت، وقال نانبيرغ إنه رأى سابقة تاريخية في ما يفعله ترامب. لذا انضم إلى الحملة. وسارت الأمور على ما يرام لفترة. حتى ساءت الأمور. وطردته الحملة بعد اكتشاف منشورات عنصرية على صفحته بمنصة فيسبوك. زعم نانبيرغ وقتها أن هذه المنشورات لم تكن له، لكنه اعتذر عنها لاحقاً في لقاء مع MSNBC.
سارعت حملة ترامب إلى إبعاد نفسها عن نانبيرغ، وقاضاه ترامب للحصول على 10 ملايين دولار في 2016، زاعماً أنه أخل باتفاقٍ على السرية بعد حديثه مع الصحافة. وتوصل كلاهما إلى تسوية في العام نفسه.
الآن، يؤمن نانبيرغ بأن ترامب "أفسد مسيرتي المهنية"، ويتنبأ بأنه لن يكون الوحيد.