“بكين لا تنقذ أحداً”.. هل الصفقة الإيرانية الصينية السرية أكذوبة أطلقتها طهران لأسباب داخلية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/12/20 الساعة 21:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/20 الساعة 21:35 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني شي جين بينغ مع نظيره الإيراني حسن روحاني/رويترز

هل الاتفاق الصيني الإيراني السري الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات، مجرد خيال من بنات أفكار قادة طهران لتسكين آلام شعبهم من الحصار الأمريكي؟ يبدو هذا الاحتمال غير مستبعد على الإطلاق.

ففي يونيو/حزيران 2020، سرَّب مصدر إيراني مسودة لوثيقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران. وفي الاتفاق الصيني الإيراني السري، الذي يغطي ظاهرياً على التعاون الثنائي بين البلدين في الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، تتعهد الصين باستثمار 400 مليار دولار لتحسين البنية التحتية للنفط والغاز والنقل في إيران. 

وسارع بعض المراقبين للإشارة إلى أن هذه الصفقة المرتقبة لا توضح طموح الصين نحو النجاح العالمي فحسب، بل تبرز أيضاً فشل إدارة ترامب فيما يُطلق عليه "حملة الضغط الأقصى" ضد إيران، والتي أدت إلى ارتماء إيران في أحضان الصين، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية

وذكر آخرون أن الرئيس المنتخب جو بايدن عليه محاولة إعادة الحياة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وإلا قد يؤدي الاتفاق الصيني الإيراني السري إلى تعزيز وتقوية الموقف الإيراني في المفاوضات مع الولايات المتحدة. 

وكانت تقارير إعلامية قد تحدثت في صيف 2020 عن الاتفاق الصيني الإيراني السري الذي جرت صياغته دون ضجيج، وقد يكون في طريقه للتنفيذ، رغم اعتراضات إيرانية داخلية عليه، بسبب المقابل الباهظ الذي قد تتلقاه بكين من طهران لإنقاذها من أزمتها. 

وحسب التقارير يتضمّن الاتفاق مقايضة للنفط الإيراني بثمن بخس مقابل التعاون العسكري، الأمر الذي أدى إلى اعتراضات في البرلمان الإيراني آنذاك.

هذا الاتفاق الصيني الإيراني السري المزعوم يتضمّن شراكةً اقتصاديةً وأمنية شاملة، يمكن أن تمهّد الطريق أمام مليارات الدولارات من الاستثمارات الصينية في قطاع الطاقة والقطاعات الأخرى الإيرانية (قيل إنها 400 مليار دولار)، ما يقوّض جهود إدارة ترامب لعزل الحكومة الإيرانية، بسبب طموحاتها النووية والعسكرية، حسبما ورد في يوليو/تموز 2020 في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

وظهر علي آقا محمدي، كبير المستشارين الاقتصاديين لخامنئي، على التلفزيون الحكومي في ذلك الوقت لمناقشة الحاجة إلى شريان حياة اقتصادي. وقال إن إيران في حاجة إلى زيادة إنتاج النفط إلى ما لا يقل عن 8.5 مليون برميل يومياً من أجل البقاء طرفاً رئيسياً في سوق الطاقة، ومن أجل هذا هي في حاجة إلى الصين.

عراقيل أمام تعزيز التعاون الصيني الإيراني.. فتش عن المواطن الإيراني والسعودية

وبالرغم من أن الصين تعتبر أكبر شريك تجاري لإيران منذ 2009، تعتبر إيران شريكاً تجارياً صغيراً بالنسبة للصين.

فحتى في الشرق الأوسط، حجم التداول التجاري للسعودية والإمارات مع الصين أكبر من حجم التجارة بين الصين وإيران. 

الرئيس الصيني شي جين بينغ والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في بكين في عام 2017/رويترز

وأيضاً لطالما كان الإيرانيون يفضلون كل ما هو غربي، بل يميلون أيضاً إلى التحيز ضد المنتجات والخدمات الصينية، حتى عندما تكون قابلة للمقارنة مع نظيراتها الغربية من حيث الجودة وسعرها أقل. 

واشتكى رجال الأعمال الصينيون من شعورهم بالإحباط لأن شركاءهم الإيرانيين غالباً ما يريدون حجماً أكبر من الاستثمارات الصينية في مقابل نسبة أقل من المنتجات والخدمات والتقنيات الصينية في المشروعات المشتركة بين البلدين. 

والصينيون يخشون العقوبات الأمريكية 

ويُذكر أنه بعد انسحاب إدارة ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرض العقوبات على إيران، أوقفت العديد من الشركات الصينية مشروعاتها أو تركت إيران، على غرار الشركات الغربية، بسبب إغلاق قنوات الدفع وزيادة المخاطر المالية للاستثمار في الأسواق الصينية بسبب العقوبات الأمريكية. 

وجدت الشركات الإيرانية أيضاً صعوبات متزايدة في تنفيذ أي أعمال تجارية في الصين بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران.

وحتى عند إعلان وسائل الإعلام عن الاتفاق الاستراتيجي الصيني الإيراني هذا الصيف، شكك رجل أعمال إيراني في وجود اتفاق مع الصين وسخر من تقارير وسائل الإعلام الإيرانية.

وأشار في الصحافة الإيرانية إلى أن البنوك الصينية ترفض التعامل مع إيران وتغلق الحسابات المصرفية للطلاب الإيرانيين والشركات الإيرانية في الصين بسبب ضغوط العقوبات الأمريكية. 

كما أن بكين تعارض عضوية طهران في منظمة شنغهاي 

كما أن المزاعم بوجود شراكة صينية إيرانية تتضمن تعاوناً كبيراً في المجال العسكري أمر مشكوك فيه للغاية، لا سيما أن الصين تحتفظ بقاعدة عسكرية في جزيرة كيش الإيرانية.

ومنذ عام 2008، تسعى إيران إلى العضوية الكاملة بمنظمة شنغهاي للتعاون؛ التحالف الأمني والاقتصادي الأوراسي بقيادة الصين. 

وبرغم الدعم الروسي الواضح لإيران، لا تسمح الصين لإيران بالعضوية الكاملة للمنظمة. ومن المرجح أن تستمر الصين في منع إيران من نيل عضوية منظمة شنغهاي للتعاون في المستقبل القريب، نظراً لأن الحفاظ على توازن القوى بين الجهات الإقليمية في الشرق الأوسط من خلال عدم الانحياز إلى جانب واحد هو في مصلحة الصين بوضوح. 

لماذا يبدو الاتفاق الصيني الإيراني السري مجرد خيال؟

قد يكون الاتفاق الصيني الإيراني السري أو الصفقة المزعومة مجرد مناورة إيرانية على حساب الصين أو حيلة من العلاقات العامة الإيرانية. تسعى إيران من خلالها إلى تهدئة حالة الاستياء الداخلي بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية الناتجة عن سياسة "أقصى مقاومة"، وذلك من خلال الإشارة إلى أن الصين تدعم إيران. 

ومن المنظور الصيني، جاءت الأنباء عن الصفقة المنتظرة في توقيت سيئ، تؤكد تلك الأنباء وتفاقم الشعور بالخطر الصيني داخل الولايات المتحدة، في الوقت الذي ينتاب فيه صنّاع السياسات الأمريكيين من كلا الجانبين الجمهوري والديمقراطي مخاوف حقيقية بشأن الصعود الصيني وطموحاتها العالمية الواضحة، والمتمثلة في مبادرة الحزام والطريق.

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الصيني في مؤتمر صحفي في بكين عام 2015/ رويترز

في الواقع سربت طهران أنباء الاتفاق الصيني الإيراني السري في وقت كانت بكين تحاول تخفيف حدة الخطاب المعادي للصين وتنفي ما تردده الولايات المتحدة في هذا الشأن، وبالتأكيد لم تكن مسرورة من تداول أخبار تشير إلى توطيد الصين لعلاقة استراتيجية مع العدو الأمريكي اللدود، إيران. 

في الواقع، ظلت بكين حتى الآن متحفظة بشأن الاتفاق الصيني الإيراني السري، ولم تشر أي وسائل إعلام صينية للاتفاق مع إيران ولم تحلل هذا الاتفاق بناء على مصادر صينية. 

وعند سؤال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصيني، تجنب التعليق على هذا الموضوع في مناسبتين. 

لماذا تقلق بكين من التقارب مع طهران؟

تدرك بكين أنها من أجل مواصلة نموها الاقتصادي الطموح، عليها تقليل الحالة العدائية الأمريكية والاستمرار في حالة "عدم الاتفاق" الحالية مع الولايات المتحدة دون تصعيدها. 

ويبدو أنه من الواضح لبكين أنه في حال اختارت الصين التعاون الوثيق مع إيران، فإن أي تصعيد مستقبلي للتوترات الأمريكية الإيرانية (هو ما قد يحدث بمنتهى السهولة) سيزيد من توتر العلاقات الهشة والحساسة بالفعل بين بكين وواشنطن. وبالتالي، إذا لعبت الولايات المتحدة أوراقها بحذر وبراعة، من غير المرجح أن تدعم الصين إيران. 

لا يعني ذلك أن إيران والصين لن يكون بينهما تعاون محدود، مثل العلاقات الإيرانية مع القوى الآسيوية الأخرى مثل الهند. حيث ترغب دائماً الاقتصادات الكبرى مثل الصين والهند في تنويع إمداداتها النفطية لتأمين الطاقة والوصول من خلال شبكة النقل الصينية إلى السوق الدولي الأوسع. وإذا كانت بكين تتفاوض بالفعل على صفقة مع طهران، سوف تريد على الأقل تقييم خياراتها بعدما تتشكل السياسة الخارجية لإدارة بايدن قبل أن تقرر إذا ما كانت ستُلزم نفسها رسمياً بنهج قد يغضب واشنطن.

تحميل المزيد