زيارة قائد الجيش الهندي الأخيرة للسعودية رسالة واضحة لباكستان يرى البعض أنها قد تكون بداية انفصال في العلاقات بين الرياض وإسلام آباد لسبب يرجع إلى ست سنوات وهو حرب اليمن، فما القصة؟
احتفاء الهند بالزيارة التاريخية
بدأ قائد الجيش الهندي الجنرال مانوج موكوند نارافاني الثلاثاء 8 ديسمبر/كانون الأول رحلةً دبلوماسية إلى الإمارات والسعودية، في أول زيارةٍ من نوعها إلى المنطقة من قِبَلِ قائدٍ عسكري هندي.
ومع وصول نارافاني إلى الرياض قبل عدة أيام، احتفت الصحافة الهندية بشكل لافت بالزيارة ووصفتها بالتاريخية، ونشرت صحيفة Times of India تقريراً حول الزيارة بعنوان "زيارة الجنرال نارافاني إلى السعودية تقوي العلاقات العسكرية"، رصدت تفاصيل زيارة قائد الجيش غير المسبوقة في مؤشر على التقارب المتسارع بين نيودلهي من جهة والرياض وأبوظبي من جهة أخرى.
ولا شك أن تلك الزيارة تثير كثيراً من التساؤلات في ظل كون السعودية مقر منظمة التعاون الإسلامي وباكستان، العدو اللدود للهند، أكبر دولة إسلامية تسعى إلى الحصول على دعم العالم الإسلامي في مواجهة إجراءات الحكومة الهندية برئاسة ناريندرا مودي بحق المسلمين الهنود وكذلك في إقليم كشمير الذي ألغت نيودلهي الحكم الذاتي فيه العام الماضي.
وقد ربط البعض بين التقارب السعودي الهندي وملف التطبيع مع إسرائيل والاقتصاد وأمور أخرى، لكن يبدو أن هناك بعداً آخر كشف عنه موقع Deutsche Welle الألماني في تقرير بعنوان: "هل السعودية وباكستان تفضان ارتباطهما؟".
أسباب متعددة للتوتر مع باكستان
فلم تكن الزيارة الأخيرة لقائد الجيش الهندي إلى السعودية خطوة كبيرة في الحوار العسكري بين البلدين فحسب، بل إنها أيضاً أرسلت إشارة قوية إلى باكستان، جارة الهند: ثمة دلائل قوية على أن سياسات الرياض تسعى للموازنة بين الهند وباكستان. وكان هذا الاجتماع إحدى العلامات البارزة الأخرى في العلاقات التي تزداد توتراً بين السعودية، القوة الاقتصادية العظمى في الشرق الأوسط، وحليفتها باكستان المسلحة نووياً، ولكن الأقل شأناً اقتصادياً.
وقال جيمس دورسي، الباحث في كلية S. Rajaratnam للدراسات الدولية ومعهد الشرق الأوسط في سنغافورة ومؤلف المدونة السياسية الشهيرة "The Turbulent World of Middle East Soccer" لموقع Deutsche Welle: "العلاقات الباكستانية السعودية كانت بكل تأكيد معقدة على الدوام، لكن منذ عام 2015، بعدما منع البرلمان الباكستاني الجيش الباكستاني من المشاركة في الحرب في اليمن، زادت هذه العلاقات تعقيداً".
الصراع العسكري في اليمن ليس السبب الوحيد وراء الخلافات بين السعودية وباكستان. ففي فبراير/شباط، توقعت باكستان أن تدعمها الرياض في تعاملها مع الهند في أزمة كشمير، التي أدت في مايو/أيار إلى تجدد الاشتباكات بين الهند وباكستان. وطلبت باكستان تحديداً عقد اجتماع لدعمها مع مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. وبعد رفض السعودية طلبها، جددت باكستان طلبها، وهو ما أدى بدوره إلى مطالبة الرياض بردّ القرض الذي تبلغ قيمته مليار دولار.
استثمارات ضخمة في الهند
السعودية تملك استثمارات كبيرة في الهند، التي تعد أيضاً أحد المشترين الرئيسيين للنفط السعودي. وهذا يفسر تراجع الدعم السعودي لموقف باكستان من كشمير. ويقول دورسي: "لكن من باب الإنصاف، السعوديون ساعدوا الباكستانيين كثيراً حين احتاجوا إليهم".
وكان القرض المبدئي البالغة قيمته مليار دولار جزءاً من حزمة قيمتها 6.2 مليار دولار لمساعدة باكستان في حاجتها للسيولة للتصدي للعجز التجاري المتصاعد في البلاد وتراجع الاحتياطيات الأجنبية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018. ووفقاً لوسائل إعلام باكستانية، تضمنت الحزمة 3 مليارات دولار في شكل قروض و3.2 مليار دولار من التسهيلات الائتمانية النفطية التي أوقفت في مايو/أيار عام 2019.
ويقول دورسي إنه رغم أن السعودية هي القوة الإقليمية العظمى، فإنها تحتاج أيضاً إلى باكستان نظراً لقربها من أفغانستان وخصمتها إيران. وعلاوة على ذلك، فباكستان موطن أكبر أقلية شيعية في العالم.
ومن ناحية أخرى، يشكل الباكستانيون ثاني أكبر مجموعة من المهاجرين في السعودية. ورغم حقيقة أن الرياض قد أعادت بالفعل عشرات الآلاف من العمال (معظمهم من العمال اليدويين الذكور)، فالأموال التي يحولها المهاجرون المتبقون إلى بلادهم باكستان لها تأثير كبير على الاقتصاد الباكستاني.
وفضلاً عن مصادر التوتر هذه، قال رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان لوكالات إخبارية إقليمية إنه تعرض لضغوط من دولتين عربيتين "لتطبيع العلاقات مع إسرائيل". ومن يعرفون الجغرافيا السياسية للمنطقة يعرفون أن خان يشير على الأرجح إلى الإمارات والسعودية. وحاول موقع Deutsche Welle التواصل مع السفير الباكستاني في ألمانيا للتعليق لكنه لم يتلقَّ رداً.