حتى الإمام الأكبر طاله النقد.. كيف تكشف العلاقة بين المصريين وإسرائيل مصير موجة التطبيع الجديدة؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/12/17 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/17 الساعة 17:47 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو/رويترز

وقف الممثِّل والمغني المصري محمد رمضان لالتقاط صورة له في حفلٍ أُقيمَ في دبي مع مغنٍّ إسرائيلي. ولكن ما حدث له في القاهرة بعد ذلك كان كاشفاً عن موقف الشعب المصري من التطبيع، وحتى موقف حكومته.

فلقد رفع محامٍ -موالٍ للحكومة- دعوى قضائية ضده بتهمة "إهانة الشعب المصري"، وأوقفت نقابة الموسيقيين شبه الرسمية رمضان، فيما أعلنت نقابة الصحفيين المصرية مقاطعته، وأُوقِفَ مسلسلٌ تلفزيوني كان يمثِّل فيه.

وتمثل ردود الفعل هذه مؤشراً يظهر موقف الشعب المصري من التطبيع، وكذلك رغبة الحكومة في عدم مد العلاقة الدافئة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونتنياهو إلى المستوى الشعبي.

ولكن الأهم أن موقف الشعب المصري من التطبيع عبر 4 عقود يمثل مؤشراً لإسرائيل عن شكل مستقبل التطبيع المستجد الذي أبرم مع أربع دول عربية بدفع أمريكي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.

رسالة تحذيرية لإسرائيل.. "لو كنت أعلم ما التقطت الصورة"

وقال رمضان إنه لم يكن يعلم جنسية المغني الذي التقط معه الصورة، وكتب على منصة فيسبوك الشهر الماضي: "لو كنت أعلم، لكنت بالتأكيد لأرفض التقاط الصورة". 

كانت مصر أول دولة عربية تعترف بإسرائيل منذ أكثر من 40 عاماً، لكن موقف الشعب المصري من التطبيع، يُظهِر تحديات ترجمة العلاقات الحكومية، التي غالباً ما تكون مدفوعةً بالمصالح الأمنية المشتركة، إلى نيةٍ حسنة على المستوى الشعبي. 

ويمثِّل كلُّ ذلك قصةً تحذيريةً للإسرائيليين الذين يسعون لنيل قبولٍ من الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا من خلال تطبيع العلاقات مع الحكومات

وأقامت الإمارات والبحرين علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل في سبتمبر/أيلول، وتوحَّدتا ضد إيران في صفقةٍ بوساطةٍ أمريكية تمثِّل إعادة تنظيمٍ دبلوماسي أوسع في الشرق الأوسط. 

موقف الشعب المصري من التطبيع
فلسطينيون يشاركون في احتجاج على اتفاق الإمارات مع إسرائيل لتطبيع العلاقات في نابلس بالضفة الغربية المحتلة/ رويترز

وبعد شهر من ذلك، وافَقَ السودان على تطبيع العلاقات بعد أن وعدت الولايات المتحدة بحذفه من قائمة الدول المُصنَّفة برعاية الإرهاب. وفي ديسمبر/كانون الأول، أصبح المغرب رابع دولة عربية توافق على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على منطقة الصحراء الغربية المُتنازَع عليها. 

تحاول الولايات المتحدة أيضاً التوسُّط في اتفاق سلام بين إسرائيل والمملكة السعودية -المُنافِسة الأخرى لإيران- ومع دولٍ عربيةٍ وذات أغلبية مسلمة أخرى. 

ورفضت الدول العربية تاريخياً إقامة علاقاتٍ دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، التي ظلَّ صراعها مع الفلسطينيين دون حل. 

وأدَّت مجموعةٌ مُتنوِّعة من العوامل، بما في ذلك المصالح الأمنية المشتركة والصفقات التي توسَّطَت فيها إدارة ترامب، إلى التقارب بين الجانبين. وبعدما وافقت الإمارات على إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل، وافقت إدارة ترامب على بيع أسلحةٍ بقيمة أكثر من 23 مليار دولار للإمارات، بما في ذلك مقاتلة إف-35 المتقدِّمة. 

ولمن ما زال التعاطف مع الفلسطينيين يتعمَّق في جميع أنحاء المنطقة، وهو ما انعكس في الاحتجاجات الأخيرة في السودان والمغرب ضد صفقات التطبيع والحملات التي تدعو إلى مقاطعة المنتجات والمؤسَّسات الإسرائيلية. 

إسرائيل تراهن على الاستقبال الحار في دبي

ومع ذلك، أشار مسؤولون إسرائيليون إلى أن الصفقات الجديدة والاستقبال الحار الذي لقيه الإسرائيليون في دبي عند السفر للعمل أو السياحة كإشارةٍ إلى أن الكثيرين في الشرق الأوسط مستعدون لقبول هذه الصفقات. 

وقال الدبلوماسي الإسرائيلي ليور بن دور، في مقطع فيديو باللغة العربية، رداً على الجدل الذي أثير حول قضية محمد رمضان: "من الغريب والمضحك أن تثير صورة بسيطة مع إسرائيلي كلَّ هذا الجدل". وأضاف: "نتفهَّم تضامنكم كعرب مع الشعب الفلسطيني، لكن هل تعتقدوا حقاً أن انتقاد محمد رمضان سيخدم قضيتهم؟". 

بالنسبة للمصريين العاديين، فإن مزيجاً من معارضة تعامل الإسرائيليين مع الفلسطينيين، والعداء المستمر منذ أن كانت حالة الحرب قائمةً بين البلدين، وكراهية بعض المسؤولين المحليين، تعني أن الاتصال بالإسرائيليين أمرٌ نادر. ورغم أن الروابط موجودة، غالباً ما تكون سرية. 

واقع العلاقات بين مصر وإسرائيل يكاد يقتصر على السيسي ونتنياهو

والرحلة الوحيدة من القاهرة إلى تل أبيب ليست مُدرَجةً في الجداول العامة في مطار القاهرة، وهي تطير بدون العلم المصري. وتندر التبادلات بين الأكاديميين والفنانين وأعضاء البرلمان المصري والإسرائيلي. 

ووفقاً لبيانات البنك الدولي، احتلَّت إسرائيل المرتبة 27 بين الشركاء التجاريين لمصر اعتباراً من عام 2018. وتثني المؤسَّسات المرتبطة بالحكومة في مصر، مثل النقابات، أعضاءها عن الاتصال بالإسرائيليين. 

ويستمر الأمر على هذا الحال رغم تعاون مصر الوثيق مع إسرائيل في المجال الأمني وانفتاح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على علاقته الوثيقة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. 

فما يُسمَّى "السلام البارد" هو نتيجة نهجٍ مزدوج من قِبَلِ القاهرة، إذ تشارك القاهرة في علاقاتٍ دافئة في القمة، لكنها تحدُّ من الروابط الاجتماعية والمؤسَّسية، ويرجع ذلك جزئياً إلى الخوف من فقدان الشرعية العامة في ظل موقف الشعب المصري من التطبيع. 

وقال المُحلِّل السياسي المصري البارز هشام قاسم: "لم تكن لدينا علاقاتٌ مع إسرائيل من قبل، لكنها بين السيسي وإسرائيل فقط. أيُّ شيءٍ آخر خارج ذلك غير مسموح به". 

هذا هو موقف الشعب المصري من التطبيع خلال 40 عاماً من السلام

وبدأت العلاقات المُعقَّدة بعد وقتٍ قصير من توصُّل القاهرة إلى سلامٍ مع إسرائيل في عام 1979، في أعقاب حرب أكتوبر 1973. وسمحت المعاهدة لمصر باستعادة السيطرة على شبه جزيرة سيناء، التي احتلَّتها إسرائيل سابقاً في حرب الستة أيام عام 1967. وتعتبر حرب 1973 واستعادة سيناء انتصاراً وطنياً. 

وحافظ حسني مبارك، رئيس مصر من عام 1981 حتى إطاحته عام 2011، على معاهدة السلام، لكنه لم يفعل شيئاً يُذكَر لتعزيز الاتصال بين المصريين والإسرائيليين، ولم يحاول تغيير موقف الشعب المصري من التطبيع.

موقف الشعب المصري من التطبيع
توقيع اتفاقيات التطبيع بين الإمارات والبحرين مع إسرائيل في البيت الأبيض رويترز

فلقد وصل مبارك إلى السلطة في وقتٍ شهد تمرُّداً وتشدُّداً في الشرق الأوسط، بعد الثورة في إيران، واختار عدم الترويج لاتفاق سلامٍ ظلَّ غير محبوب لدى الكثير من المصريين. وتوافق قراره مع تشكُّكٍ شعبي إزاء إسرائيل وتعاطف تجاه القضية الفلسطينية. 

وتحرَّكَت الأحزاب اليسارية والإسلامية ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وحروب لبنان وغزة. وظلَّت القاهرة مركزاً مهماً للشتات الفلسطيني، حيث استضافت النشطاء واللاجئين والمثقفين، مما عزز موقف الشعب المصري من التطبيع وجعله من ثوابت الحياة السياسية المصرية.

حتى شيخ الأزهر الراحل لم يسلم من النقد

ولطالما صوَّر التلفزيون والسينما المصرية، التي تسيطر عليها الدولة الأمنية المصرية بشدة، الإسرائيليين في ضوءٍ سلبي، وفي المقابل تمجَّد الحروب الماضية مع إسرائيل. 

وتعرَّضَ أكثر من 10 مصريين معروفين لانتقاداتٍ شديدة بسبب تعاملهم مع إسرائيليين خلال السنوات الأخيرة، بمن في ذلك بعضٌ من كبار القادة الدينيين المسلمين والمسيحيين في البلاد، وكُتَّابٌ ومُفكِّرون وفنانون. 

ولم يسلم حتى الشيخ محمد سيد طنطاوي، الشيخ الراحل للأزهر، من صلابةة موقف الشعب المصري من التطبيع.

فلقد واجه الشيخ الراحل رغم منصبه الرفيع (حتى أنه يقال له الإمام الأكبر)، وابلاً من الانتقادات لمصافحته رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز في عام 2008. 

وقال طنطاوي في دفاعه عن نفسه: "لم تكن هذه المصافحة هي التي ستدمر الفلسطينيين". 

ويجادل الإسرائيليون بأنهم يواجهون تحدياتٍ أقل أمام التطبيع الثقافي في منطقة الخليج، لا سيما الإمارات، بالنظر إلى عدم وجود حروب سابقة بين الدولتين. ويسافر آلاف الإسرائيليين إلى الإمارات كسائحين هذا الشهر، وكثيرٌ منهم مُتحمِّسون للعلاقة الدبلوماسية الجديدة. 

تحميل المزيد