بعد قمع الربيع العربي وانحدار المنطقة لأسوأ عصورها منذ قرون.. ماذا يخبرنا التاريخ عن موعد عودة الحرية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/12/15 الساعة 19:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/15 الساعة 19:47 بتوقيت غرينتش
احتفال في ميدان التحرير خلال الثورة المصرية عام 2011/رويترز

"كان الأمر وجيزاً يا رجل. وجيزاً للغاية"، هل حدث ذلك حقاً؟، كان هذا وصف ناشط مصري فقد بصره خلال الثورة المصرية لما أصاب الربيع العربي من صعود رومانسي ثم انتكاسة مذهلة. 

خسر البنداري الذي قال هذه الكلمات بصره في اليوم الثالث للثورة في بلاده عام 2011، حين أطلقت قوات الأمن النار على وجهه خلال الاشتباكات مع المحتجين. 

واليوم، يعيش البنداري في الولايات المتحدة عاجزاً عن العودة إلى وطنه. بينما يقبع العديد من زملائه خلال الاحتجاجات داخل سجون مصر.

لقد مُحِيَ حلم الربيع العربي تماماً، بعد إزهاق الكثير من الدماء والخراب الذي ضرب المنطقة طوال العقد الماضي. 

وباتت فكرة أنّ هناك لحظةً شهدت رغبة الملايين حول الشرق الأوسط في الحرية والتغيير، لدرجةٍ دفعتهم للخروج إلى الشوارع، هي فكرةٌ أشبه بالذكريات الرومانسية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

قصة صعود الربيع العربي

بدأت قصة الربيع العربي في ديسمبر/كانون الثاني عام 2010، اندلعت انتفاضة تونس لتنتشر سريعاً من بلدٍ لآخر في ثوراتٍ ضد الحكام المستبدين المعمِّرين. وباتت الأحداث تُعرف باسم الربيع العربي، ولكن من نزلوا إلى الشوارع لم يعرفوا سوى هتاف "ثورة… ثورة".

ولبعض الوقت في أعقاب عام 2011، بدا أنّ الاندفاع في اتّجاه الأحلام هو أمرٌ لا رجعة فيه. وقد وصلوا حينها إلى نقطةٍ أبعد من أي وقتٍ مضى. ومن احتفظوا بإيمانهم إلى الآن مقتنعون بأنّ الرغبة في الحرية كانت حقيقيةً وما تزال- وربما تنمو أيضاً بالتزامن مع معاناة الناس في أنحاء العالم العربي نتيجة تدهور الاقتصادات وتفاقم القمع.

ويقولون إنّهم سيعودون إلى الشوارع من جديد، بنهاية المطاف.

قمع وحشي أوصل المنطقة إلى أسوأ عصورها منذ قرون

في حين قالت أماني بالور، الطبيبة السورية التي أدارت عيادةً سرية لعلاج المصابين في معقل المعارضة بالغوطة خارج دمشق، حتى سقوطها تحت الحصار الوحشي من القوات النظامية السورية عام 2018: "لقد خفضنا سقف أحلامنا". وقد رحلت أماني عن بلدها منذ ذلك الحين.

وأردفت من موقعها الحالي في ألمانيا: "ربما قُتِلَت روح التظاهرات في الوقت الحالي.. لكن جميع من عانوا من الحرب، ومن قمع النظام، لن يتحمّلوا ذلك. فحتى المناطق التي يُسيطر عليها نظام الأسد تشهد تراكم حالة إحباط وغضب كبيرين بين الناس".

وربما تأتي "نهاية المطاف" المنتظرة تلك بعد سنواتٍ طويلة.

فالمنطقة في حالة صدمة نتيجة أكثر العقود تدميراً في تاريخها المعاصر، وربما أكثرها تدميراً منذ قرون.

الملايين فقدوا منازلهم، وملكيات الخليج استغلت أموال النفط لخنق الثورات

وبطول سوريا واليمن والعراق وليبيا، فقد الملايين منازلهم في الحرب. بينما انتشرت الفصائل المسلحة في تلك الدول. وارتفعت معدلات الفقر في جميع أنحاء المنطقة، خاصة مع تفشي جائحة فيروس كورونا.

واستغلت ملكيات الخليج أموال النفط لخنق أي مدٍ ثوري ودعم القوى الرجعية لوأد العربي. فيما خاضت روسيا، وإيران، وتركيا، والإمارات في حروب المنطقة بالقوى العسكرية والدعم بالسلاح لحلفائها.

وفي النهاية، لم يكن الكثيرون يتوقعون مدى استعداد بعض الزعماء لفتح أبواب الجحيم من أجل البقاء على كرسي السلطة.

 الربيع العربي
صورة للدمار الذي أحدثه قصف الجيش السوري لمدينة إدلب في شمال البلاد/رويترز

وأثبت بشار الأسد أنّه الأكثر وحشيةً بين الجميع. ففي مواجهة المعارضة المسلحة، عكف هو وحلفاؤه من الروس والإيرانيين على تدمير المدن، واستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه من أجل استعادة السيطرة على الأراضي السورية.

وبعد الإطاحة به في عام 2011، حاول حاكم اليمن المُستبد علي عبدالله صالح استعادة السلطة عن طريق التحالف مع المعارضة الحوثية الشيعية المدعومة من إيران. واستولوا معاً على العاصمة وشمال اليمن. لكن الحرب التي نتجت عن ذلك كانت كارثية، إذ أودت بحياة عشرات الآلاف ودفعت بالشعب نحو المجاعة في أسوأ كارثةٍ إنسانية قائمة في العالم.

وفي ليبيا، تراجعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن مشاركتها بعد أن ساعد قصفهم المستمر في الإطاحة بمعمر القذافي. وغرقت الدولة المتوسطية الغنية بالنفط في حربٍ دائمة التغير. وعلى مرّ السنوات، شهدت ليبيا صراعاً بين العديد من الميليشيات المحلية، ووحدات من الجيش الوطني، والقاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والمرتزقة الروس، والمقاتلين السوريين المدعومين من تركيا، مع حكومتين- أو ثلاث في وقتٍ من الأوقات- متنازعة على الحكم.

وقد منحت الحرب السورية لداعش مسرحاً يُثبّت فيه أقدامه. ومن هناك اندفع التنظيم المتطرف لاجتياح أراضي سوريا والعراق، لتندلع بعدها حربٌ جديدة عاثت في العراق خراباً.

"السيسي يكتسب الشرعية من شعار أنا أو الفوضى"

وفي مصر، يستشهد الرئيس عبدالفتاح السيسي كثيراً بالخراب الذي عمّ المنطقة بصفته مبرراً رئيسياً يُكسبه الشرعية- "أنا أو الفوضى". ويقول كثيراً إنّ الاستقرار ضروريٌ له حتى يُعيد تشكيل الاقتصاد، وهي الحجة التي تلقى قبولاً بين العديد من المصريين.

وبعد فتكه بجماعة "الإخوان المسلمون" وغيرها من الإسلاميين، اعتقلت حكومته النشطاء العلمانيين وغيرهم لتُقدمهم في الأغلب إلى محاكم الإرهاب.

ورغم ذلك، اندلعت بعض الانتفاضات الأخرى في المنطقة، مما يُشير إلى أنّ طموحات ثورات 2011 ما يزال لها بعض الصدى.

حيث اندلعت احتجاجات ضخمة تُطالب برحيل النخب الحاكمة في لبنان والعراق أواخر 2019 وأوائل 2020. وفي السودان، أجبر المحتجون الحاكم المستبد عمر البشير على الرحيل، ثم حاولوا أيضاً إزاحة الجيش من السلطة بنجاحٍ جزئي.

متى يحدث التغيير؟ التاريخ يقدم إجابة صادمة

بينما قال رامي يعقوب، الذي شارك في الاحتجاجات المصرية وسياسات ما بعد الثورة خلال الأيام العصيبة التي أعقبت سقوط حسني مبارك: "لا يحدث التغيير بين ليلةٍ وضحاها. ولا أرغب في زعزعة الثقة حين أقول إنّ الثورة الفرنسية استغرقت عقوداً، ولكنها الحقيقة". وقد أسّس يعقوب معهد التحرير لدراسات الشرق الأوسط في واشنطن ويرأسه الآن.

بينما يعمل البنداري، الذي استعاد بصره جزئياً في عينٍ واحدة، أنّه يعمل حالياً مستشاراً في تنظيم المجتمع، والبحوث السياسية، وتطوير الإعلام المستقل، وحل الصراعات حول المنطقة.

وقال إنّه صراع أجيال، والأمل يكمُن في تمتُّع الجيل الجديد بمعرفةٍ قد تنفع وطنهم يوماً من الأيام.

لكن متى يأتي هذا اليوم؟

يرى البنداري أنّهم سيستغرقون عدة سنوات وفقاً لأكثر المتفائلين، ليس من أجل تغييرٍ حقيقي، بل من أجل "فسحةٍ بسيطة، وهامشٍ بسيط للتنفس بحرية".

تحميل المزيد