كانت الطبقة الوسطى في لبنان تمثل الغالبية من السكان، لكن أزمات الاقتصاد وتداعيات فيروس كورونا حولت أكثر من نصف السكان إلى فقراء، فهل اقترب مصير تايتانيك بالفعل؟
ارتفاع نسبة الفقراء
يحوم الفقر فوق لبنان بصورة مقلقة عقب تصاعد حدّة الأزمة الاقتصاديّة والماليّة التي تترافق مع استمرار انهيار العملة المحليّة (الليرة) مقابل الدولار، وإغلاق المزيد من المؤسّسات التجارية والصناعية، وسط غياب خطط الإنقاذ، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلي الذي وصل 53 مليار دولار في 2019، من المتوقع أن ينخفض بشكل غير مسبوق إلى 18 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري. ويبلغ سعر الدولار الواحد في السوق الموازية 8100 ليرة، مقابل 1515 ليرة في السوق الرسمية، بينما يبلغ متوسط 3200 ليرة، السعر المدعوم من المركزي.
وأدى ذلك إلى صعود نسبة الفقر في المجتمع اللبناني العام الجاري لمستويات غير مسبوقة، وقال المشرف العام على خطة لبنان للاستجابة للأزمة في وزارة الشؤون الاجتماعية، عصام أبي علي، إن "نسبة الفقر تتجاوز 60%، أمّا نسبة اللبنانيين الذين يرزحون تحت خط الفقر المدقع فهم 25% حالياً".
وفي تصريح للأناضول، ذكر أبي علي أن الوزارة تعمل "على التفاوض حالياً مع البنك الدولي، للحصول على قرض بقيمة 260 مليون دولار.. هذا القرض يتيح لنا القيام بشبكة أمان اجتماعي".
من جانبه، توقع رئيس المعهد اللبناني لدراسة السوق باتريك مارديني، "بلوغ الانكماش الاقتصادي لهذا العام 19.2%.. 2019 كان لبنان في مرحلة انكماش بنسبة 6.7%".
وقال مارديني في حديث مع الأناضول، إن تضخم أسعار المستهلك قفز إلى 356% خلال العام الجاري، نتيجة فقدان الليرة 80% من قيمتها الفعلية.
"ارتفاع الأسعار يعود إلى زيادة حجم الكتلة النقديّة بالليرة اللبنانيّة.. هذه الخطوة تُسمى تسييل الدين العام، أي أن لبنان يعمد إلى تغطية دينه عن طريق ضخ كميات ليرة إضافية في السوق، وهذا الأمر يؤدّي إلى ارتفاع تلقائي بالأسعار"، مضيفاً: "طالما هذه السياسة مستمرة، ستزداد نسبة الفقر.. على المصرف المركزي أن يضبط عملية طبع الليرة خصوصاً أنها أكثر من تدفق الدولار".
بطالة تأكل الأخضر واليابس
كما كشف الباحث في الشركة الدولية للمعلومات (غير حكومية)، محمد شمس الدين أن نسبة الفقر المعلنة وإن كانت بشكل غير رسمي هي 55% من اللبنانيين، أي ما يصل إلى 2.3 مليون لبناني، وقال شمس الدين للأناضول: "هذه النسبة لم تكن وليدة الظروف الراهنة، وإنما نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية أخذت بالتراكم منذ 2010".
ففي عام 2010، سجل لبنان نسبة فقر عند 25%، صعدت حاليا إلى 55%، "أي أن نسبة الطبقة المتوسطة كانت 70% من المجتمع وتراجعت إلى 40% اليوم" بحسب شمس الدين.
وبسبب الأزمات الاقتصادية وتفشي فيروس كورونا، وإجراءات حكومية للحد من تفشي الفيروس، انتقل آلاف العاملين إلى طوابير البطالة في السوق المحلية، فيما تآكلت القوة الشرائية داخل الأسواق.
وبحسب شمس الدين، فإن "95% من اللبنانيين يتقاضون رواتبهم بالليرة، وهذه الرواتب فقدت قيمتها مع انهيار أسعار الصرف وانتعاش السوق الموازية".
وبسبب هبوط أسعار الصرف تراجعت القيمة الفعلية للحد الأدنى للأجور من 450 دولاراً إلى 82 دولاراً فقط، في مجتمع تعتبر فيه تكاليف المعيشة مرتفعة مقارنة مع دول الطوق.
وزاد شمس الدين: "80 ألف لبناني فقدوا وظائفهم خلال عام واحد، في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2019 لغاية أكتوبر/تشرين الأول 2020".
ويواجه لبنان تراجعاً متسارعاً في احتياطي النقد الأجنبي منذ أكتوبر/تشرين أول 2019، مع تزايد حاجة البلاد للنقد الأجنبي وتراجع وفرته محلياً، وسط هبوط حاد في سعر صرف الليرة.
إلا أن البنك المركزي يملك كميات من احتياطي الذهب، البالغ حجمها حتى مطلع الشهر الجاري، 286.8 طن، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي.
هل لبنان هي تيتانيك؟
هذه الصورة القاتمة عبر عنها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمس الأحد 13 ديسمبر/كانون الأول حين شبه الوضع الاقتصادي في لبنان بسفينة تيتانيك لكن من دون الأوركسترا، مضيفاً "اللبنانيون في حالة إنكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتى الموسيقى".
وتابع لودريان في مقابلة نشرتها صحيفة لو فيغارو "لبنان هو تيتانيك بدون الأوركسترا.. اللبنانيون في حالة إنكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتى الموسيقى".
ويعتقد أن أوركسترا تيتانيك استمرت في العزف، لأطول فترة ممكنة حتى غرقت السفينة في المحيط الأطلسي في عام 1912، في محاولة لمساعدة الركاب على الهدوء وسط الهلاك الوشيك الذي أودى بحياة كل الموسيقيين في نهاية الأمر.
تصريحات لودريان أثارت نبرة تشاؤمية قبل زيارة مقررة خلال ما يزيد قليلاً على أسبوع للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت. وستكون تلك هي زيارة ماكرون الثالثة منذ وقوع انفجار هائل في ميناء بيروت دمر مساحات شاسعة من المدينة وأودى بحياة 200 شخص في أغسطس/آب.
لبنان الذي بدأ العام الجاري بتوقعات أن يعلن الإفلاس بسبب العجز عن سداد الديون لا يزال رهينة للنظام السياسي الطائفي وزعماء تلك الطوائف وحساباتهم الحزبية والإقليمية والدولية، بينما يسعى اللبنانيون إلى تأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة دون مؤشرات على قرب انتهاء تلك الأزمات المتراكمة.